مقاربة بين مصير يهود مصر وفلسطين عشية ظهور الاسلام
استمرارا للنقاش حول ادراجنا الاخير (اخوتي اليهود هل تتقبلون دموعي اعتذارا) على صفحة مدونتنا للكاتب محمد الحلو.. ولاجل توضيح وجهة نظرنا حول مصير اليهود في المنطقة المسماه اليوم العالم العربي، نتناول في هذا الطرح مآل ووضع يهود مصر خلال القرون التي سبقت الوجود الاسلامي في مصر، مستعينين بمقال نشر على احدى مدوناتكم، أقصد احدى المدونات التي تعكس ذات الافكار والاراء التي طرحها المعلقون ابراهيم وعدنان والفلسطيني وسعودي على موضوعنا المذكور.. اذا..عملا بقاعدة شاهد من اهله ها إني أسوق بعضا مما ورد في مقال قديم على مدونة اوس العربي منقول عن صفحة الكاتب حاتم محمد على موقع طريق الاسلام بعنوان (مسيحيو بلادنا ليسوا مصريين أصلاء).. هيا اذا نراجع ما يخص يهود مصر وفلسطين كما ورد على لسان الكاتب فمن اراد الاستزادة يمكنه مطالعة المقال الاصلي يقول الكاتب :
الأقليات العرقية والدينية والمذهبية في العالم، عادة ما تتميز بالقلق ومحاولة تخطي الحواجز وفي هذه المحاولة يصبح التاريخ عبئاً والتخلص منه ضرورياً، ويتم اختيار الأسطورة بديلا للحقيقة؛ لأنها تعين على الانتصاف من ذلك التاريخ.
وفي ظل ذلك السياق لا تتعثر فقط في إقامة الحجج على صدق دعواها بل تقوم باستصناع التاريخ وتزييفه إذ لم تستطع تطويعه لخدمتها ليصبح جزءاً من قواعد لعبة سياسية تهدف للهيمنة، مما يوقعها في التناقض العلمي والتاريخي وأيضا التناقض مع دعاويها الفكرية.
ولا يخفى أن المجتمع المسيحي المصري يمر الآن بأزمة نفسية حرجة ومعقدة فمن جهة تحديد هويته اختار لنفسه نسبة إيجي أو إيجه أقامها على فكرة أسطورية تزعم اختلاف الأصل العرقي بين المسيحيين والمسلمين معتمدا قراءة تاريخية مفادها أن المسلمين هم أحفاد الغزاة العرب المتوحشين، وبعد فتحهم لمصر تزاوجوا مع أعداد كبيرة من سكان مصر المسيحيين، بالإضافة إلى تحول جزء آخر من المسيحيين إلى الإسلام بسبب عجزهم عن دفع الجزية.
فما هي الحقيقة؟ وما هي طبيعة الجغرافيا السكانية لمصر في ذلك الزمان؟ كم كان عدد المصريين حين الفتح الإسلامي؟
على الرغم من عنصرية الفكرة وسخافتها ورفضها دينيا وحضاريا؛ إلا أنها لا تخدم مسيحيي بلادنا في دعواهم، فقد اختلط المصريون بشعوب شتى من المناطق المجاورة لهم، فلم يكن كل من كان يعيش في مصر قبل دخول الإسلام من أصل فرعوني، فسكان مصر كانوا عبارة عن خليط من أجناس وأديان وأعراق عدة، وأغلبهم كان من الإغريق واليهود بالإضافة إلى أعداد من آسيا الصغرى، وكذلك العرب.
يقول المؤرخ د.محمد شفيق غربال في كتابه "تكوين مصر عبر العصور" ص 14: " أعني بالمصري: كل رجل يصف نفسه بهذا الوصف، ولا يحس بشيء ما يربطه بشعب آخر، ولا يعرف وطناً له غير هذا الوطن، مهما كان أسلافه غرباء عن مصر في واقع الأمر".
ثم يقول في بيانه للأسلاف ص 27 إنهم: "الإغريق واليهود ومَن إليهم من الغرباء".
وقد وقف أولئك اليهود الذين كانوا يتمتعون بتمام الحرية موقفا سلبيا من المصريين حين الغزو الفارسي 525 ق.م لها وكذلك حين شاركوا في إخماد ثورة المصريين ضد الفرس ؛ وأما الإغريق فقد رحبوا بالإسكندر واحتفوا به حال دخوله لمصر عام 332ق.م، مما أوغر صدور المصريين ضدهم ولذا لم يقبلوا الديانة المسيحية التي جاءتهم على يد المبشرين اليهود واليونان.
"وما أن دخل الإسكندر الأكبر مصر حتى حرص على فتح أبوابها للمهاجرين الإغريق خاصة المقدونيين" .وعلى الرغم من قصر الفترة التي قضاها بمصر إلا أنها حولت مصر إلى فلك الحضارة الإغريقية.
ثم قام بطليموس 305ق.م من بعده بإنشاء مدينة جديدة في صعيد مصر ليوطن فيها الجنود المسرحين المقدونيين ...... ومكانها الآن المنشأة بمحافظة سوهاج، ...... وقد أقام هذه المدينة لكي تكون مركزا لنشر الحضارة الهيلينية في قلب مصر.
وقد فعل الرومان نفس الأمر أيضا فقد كان الجندي بعد أن يقضي حوالي ربع قرن في الخدمة يقوم بالتوطن في البلاد وشراء الأراضي وربما الزواج أيضا في أثناء الخدمة إلا أن الاعتراف القانوني كان يتم بعد الانتهاء من الخدمة بالجيش.
وهكذا فإن مصر لم تعرف العنصرية منذ القدم وامتزجت بسماحتها مع جميع الأجناس، إلا أن الأكثرية كانت لليهود والإغريق القادمين من جزر بحر إيجة والذين بلغوا من الكثرة حدا جعلهم ينازعون المصريين في بلادهم وبخاصة الإغريق الذين قاموا بتغيير اسم البلاد من أرض مصر إلى أرض "إيجي" إيجبتوس. وكذلك ما تم من تغيير لأسماء المدن
كثرة اليهود والإغريق بمصر
تقول بتشر: أن سكان مصر قبل استيلاء الرومان على مصر، كانوا ثلاثة طوائف: اليونان واليهود والمصريين. وأن ذلك كان بسبب موجات الهجرة في العهد البطلمي حتى أصبح كل فريق منهم أمة أجنبية مستقرة في البلاد ممتازة بشريعتها ولغتها عن سواها .
ولك أن تتخيل ذلك عندما تعلم أن المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس (يوسف بن متتياهو) ذكر أن عدد اليهود بمصر كان لا يقل عن مليون نسمة في عهد فلاكوس حاكم مصر عام 38م ؛ وقد تابعته على ذلك بتشر في كتابها تاريخ الأمة القبطية 1/8 وأضافت في 1/38: أنه في عام 70م بعد سقوط الهيكل اقتيد لمصر 97 ألف يهودي ليعملوا في معادن مصر بالأخص، بالإضافة إلى عدد غفير تبعهم رجاء أن يجدوا عونا لدى يهود مصر الأغنياء.
هذا مع العلم أن يوسيفوس قدر عدد سكان مصر في ذلك الوقت بسبعة ملايين ونصف. أي أن ما يقرب من عشرين بالمائة من السكان كانوا يهودا ولم يكونوا مصريين.
وعلى الرغم من أن الإغريق بعد دخول الرومان إلى مصر 31ق.م وحتى الفتح الإسلامي قد فقدوا بعضا من امتيازاتهم إلا أنهم ظلوا في وضع أفضل من جميع السكان ويليهم اليهود، فكانوا هم أصحاب المناصب والإقطاعات أي الإغريق وكان يسمح لهم بالانخراط في الجيش أحيانا وكان يتم إعفائهم من الجزية وغير ذلك من المزايا على العكس من المصريين الخلص.
وهذا يقودنا إلى الحقيقة المقررة تاريخيًا وتخفى على الكثير من المصريين وهي ما يصرح به كل من لوفيفر وشميدت وشولتز على أن المسيحية ظلت غريبة على أهل مصر الأصليين ، وإنما انتشرت بين الغرباء عن الأصول المصرية من اليهود واليونان.
يذكر الشماس منسي: أن بطرس الرسول أتى مصر لتبشير اليهود المتشتتين فيها كما هي خدمته فتقابل معه مرقس في مدينة بابيليون التي فيها حرر رسالته الأولى .
ومن المعلوم تاريخا أن مدينة بابيليون أقامها اليهود القادمون من مدينة بابل الفارسية واختصت بإقامتهم فيها ولذا أطلق عليها اسمهم.
فالهدف الأساسي إذن هو خراف بني إسرائيل الضالة، وأما إلى طريق أمم فلا يذهبوا. ولذا كتب مرقس المبشر بالمسيحية في أرض مصر إنجيله باليونانية الإغريقية التي كانت هي لغة اليهود في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت والتي كانت التوراة ترجمت إليها في وقت سابق فيما عرف بالتوراة السبعينية أو الترجمة السبعينية والتي صارت نصا مقدسًا.
ولذا اتخذ مرقس من الإسكندرية مقرا لخدمته حيث كانت حينذاك تعج باليهود إضافة إلى اليونان وأجناس أخرى مختلفة من مصريين وحبش ونوبيين وغيرهم.
وتقول بتشر في تاريخ الأمة القبطية 1/45 أن: اليهود بعد أن قمعت ثورتهم كانت في الفترة من 115م إلى 117م في عهد الإمبراطور ترجان أصبحوا يعتنقون الديانة المسيحية أفواجا أفواجا.
إضافة إلى كون البطريرك الأول لكنيسة الإسكندرية بعد مرقص أنيانوس حنانيا كان يهوديا .
واليهود كانوا قد درجوا في العصر الهيلينسي والروماني على استخدام الأسماء الإغريقية والرومانية. بعكس المصريين الخلص، أما أبناء الزيجات المختلطة بين المصريين واليونان فكانت أسمائهم إغريقية أيضا.
ونظرا لغلبة الجنس الإغريقي واليهودي على مسيحي مصر أصدر الإمبراطور ساويرس في سنة 202م أمرا يحرم فيه على رعاياه الدخول في الديانة المسيحية أو اليهودية في مستقبل الأيام . حيث كان يخشى الأباطرة في ذلك الحين من أن تجمع هؤلاء رابطة الدين الجديد وتشجعهم للخروج عليه، إذ أن اليهود كانوا دائمي الثورة على الرومان والإغريق كانوا ينقمون على الرومان لأنهم سلبوهم ملكهم وسلطانهم من وجهة نظرهم، وتلك الأسباب هي التي جرَّت على المسيحيين من اليهود واليونان الويلات والاضطهاد التي لم يعانيها مسيحيو روما وسائر مسيحيي الإمبراطورية وذلك لانتفاء الأسباب السابقة في حقهم.
عموما نحن بالسماحة المصرية المعهودة والتي عمقها الإسلام نغلق ملف الماضي، ولا نبحث عن أصول أقوام مضى عليهم ما يقرب من ألفي عام سواء كانوا مصريين أم إغريق أم يهود فالجميع اليوم مصريين.
ولكن، كلمة أخيرة
إن عودة العرب لمصر هي عودة لنقاء العنصر لمن يبحث عن نقاء العنصر حيث أن العرب نصفهم مصري إذا أن العرب هم من أبناء إسماعيل عليه السلام الذي هو بدوره ابن إبراهيم عليه السلام وهاجر رضي الله عنها المصرية الخالصة.
اذا مما ورد اعلاه بامكاننا ان نستجلي فصلا من فصول التاريخ اليهودي في مصر وارض اسرائيل (فلسطين).. وان اليهود ظلوا غرباء في مصر بعد ان هاجروا اليها بموجات من ارض اسرائيل واكنافها وقد ساق الكاتب مثالا : قرابة 100 الف يهودي اقتيدوا الى مصر بعد اخماد الثورة اليهودية في ارض اسرائيل وخراب بيت المقدس اليهودي في أورشليم.. فضلا عن اليهود الذين قدموا الى مصر زمن بابل وخلال العصور اللاحقة .. حتى صار اليهود يشكلون احد المكونات الاساسية للشعب المصري .. وهؤلاء اليهود طبعا لم تبتلعهم الارض فمنهم من بدل دينه ومنهم من تفرق في أصقاع الارض .. ولا نجانب الصواب لو قلنا إن جزءا ليس بالقليل من الشعب المصري اليوم اصوله وجذوره يهودية ..
ولا يختلف اثنان ممن قرأوا المقال بان الوجود اليهودي في مصر وفلسطين (ارض اسرائيل) سابق على الوجود العربي بقرون طويلة .. ولا يحتاج القارئ الى كبير جهد ليستنتج بان اليهود كانوا ينتشرون في مصر وبلاد المشرق باعداد كبيرة قبل ظهور العرب والاسلام على مسرح التاريخ .. وليس الوضع في ارض اسرائيل (فلسطين) ببعيد عن هذا الواقع .. وكما ان تبديل اسم مصر الى ايجيبتوس كما ورد في المقال لم يغير من الواقع السكاني في مصر فلم يختفي اليهود او المصريين الاصلاء من مصر بفعل ساحر بعد تبديل اسم البلد، كذلك لم تتغير التركيبة السكانية في ارض كنعان (ارض اسرائيل) بعد ان بدل الاغريق والروم اسمها الى فلسطين..
فالكنعاني صار يسمى فلسطيني والعبراني صار يسمى فلسطيني وهكذا.. نسبة الى البلد طبعا لكن هذا لا يلغي حقيقة ان الفلسطيني يمكن ان يكون كنعانيا او يهوديا او عربيا وهكذا.. فكل من سكن فلسطين (ارض اسرائيل) فيما بعد صار فلسطينيا بطبيعة الحال تبعا لاسم البلد .. اما اليهود فظلوا يعودون الى فلسطين (ارض اسرائيل) كلما أتيحت لهم الفرصة .. ومثلما يذكر الكاتب بان في مصر أعقاب وأحفاد لالوف الجنود والجاليات الاغريقية والرومانية التي استقرت في مصر ، كذلك الحال في ارض اسرائيل فتركيبتها السكانية مزيج وخليط من اجناس واقوام من عرب وروم وايجيين واغريق ويهود وكنعانيين وغيرهم وغيرهم كل هؤلاء يطلق عليهم فلسطينيين بعدما تبدل اسم البلد الى فلسطين زمن الروم لا يلغي ذلك الوجود اليهودي الديمغرافي والديني والحضاري الكاسح في هذا البلد قبل ظهور الاسلام..
وفلسطين بمزيجها السكاني لها لغتها المحلية وهي ليست عربية بأي حال وليست رديفة للغة العربية كما يقال وليست عربية دارجة او عامية كما يشاع انما هي لغة مستقلة وأتحدى من يقول بان الفلسطينيين يتداولون العربية الا كلغة كتابة ولغة رسمية.. صحيح ان اللغة الفلسطينية المحلية تتشابه وتتشابك وتتقاطع وتتفاعل مع العربية لكنها ليست عربية باي حال فالعبرية تتشابه مع العربية وتنحدر كلتاهما من اصول مشتركة وينبوع واحد لكن كلتاهما لغات مستقلة.. والعبرية تتشابه كثيرا مع الفلسطينية وهو امر طبيعي بفعل المشرب والمنبت المشترك ...
واذا كان تعريف المصري حسبما ورد في المقال هو كل رجل يصف نفسه بهذا الوصف، ولا يحس بشيء ما يربطه بشعب آخر، ولا يعرف وطناً له غير هذا الوطن، مهما كان أسلافه غرباء عن مصر في واقع الأمر.. فلماذا لا ينطبق هذا على الاسرائيلي الذي يحس بانه يهودي اسرائيلي ينتمي الى هذا الوطن ولا يرتبط بوطن غيره مهما بدا احيانا لاول وهلة بانه غريب عن هذا الوطن ....
نحن لا نعيب على العرب ولا نعيرهم بانهم دخلاء او غرباء على فلسطين (ارض كنعان) كونهم وفدوا اليها من الجزيرة العربية فكل من دخل هذه الارض انصهر في بوتقتها وصار فلسطينيا.. اما العرب المسلمين فقد جلبوا اللغة العربية والاسلام الى ارض اسرائيل (فلسطين) لكنهم في حقيقة الامر انصهروا ثقافيا في فلسطين في نهاية المطاف وما العروبة في فلسطين الا حالة دينية ولغوية تقتصر على الممارسات والطقوس واللغة العربية الرسمية فيما الباقي هو فلسطيني بمعنى نتاج حضاري هو مزيج من حضارات وثقافات غابرة ليس اولها ولا آخرها الثقافة اليهودية ...
وكما يهفو قلب المسلم دائما الى مكة والمدينة كذلك الفلسطيني يرنو دائما الى ارضه فلسطين ومثله اليهودي الى صهيون وأورشالم وارض اسرائيل وهي ذاتها فلسطين .. فالمسألة اليوم ليست من اعتدى اولا عام 48 وليست مسألة دولتين او دولة واحدة ومن طبق القرارات الدولية ومن لم يطبقها ومن اغتصب الارض ومن هو الضحية بقدر ما هي اعتراف متبادل بهذه الحقائق التاريخية البديهية .. نحن لا نعتبر الفلسطيني الذي يحتج على احتلال بلده مختلا عقليا او مريضا نفسيا بل نلوم انفسنا اكثر ونعتب على قصورنا وتقصيرنا في سرد قصتنا والتعريف بروايتنا.. اليهود اليوم محصورون في بقعة من بقاع ارض اسرائيل بعدما كانوا اكثر نفيرا من العرب في بلدان المشرق كلها وفي مصر والشمال الافريقي فهل من العدل والمعقول نكران حقهم في هذه البقعة الصغيرة ايضا .... واذا كان الكاتب ينهي مقاله بالقول إن عودة العرب الى مصر هي عودة لنقاء العنصر كون العرب أحفاد هاجر المصرية فهل يعقل ان لا ينطبق هذا على اليهود احفاد ابراهيم واسحاق ويعقوب وموسى والانبياء .......
مع ارق التحيــات
التعليقات (0)