معظم المصطلحات التي نستخدمها في الكتابات السياسية هي صناعة غربية, كما ان التصنيفات السياسية والمذهبية هي صناعة بريطانية خالصة. ومع ذلك نستخدمها للإيضاح, ولأنها صارت معروفة في الأوساط العامة.
ومنذ قرنين ونحن نستخدم مصطلح اليمين واليسار انطلاقا من نشوء هذه التسمية في البرلمان الفرنسي, أي من يجلس على يمين منصة الرئاسة ومن يجلس على يمينها, وكذلك الحال في مصطلحات الشرق الأدنى و الأوسط والأقصى قياسا بقارة أوروبا.
أما مصطلح معسكر أو محور الاعتدال وما يقابله محور التطرف فهو صناعة غربية أمريكية, انطلقت من تصنيف مواقف الدول العربية من مسألة الصراع العربي- الصهيوني, وكذلك من مسألة التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني.
إن مواقف الدول العربية من الصراع العربي-الصهيوني قد تطور بالإجماع تقريبا من شعارات "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر" و "ردع العدوان" ثم إلى "إزالة آثار العدوان", ثم إلى"مبادلة الأرض بالسلام" وأخيرا حل الدولتين. وعلى هذا الأساس فإن جميع الدول قد تخلت عن مبدأ الحرب والكفاح المسلح, وسارت في طريق التسويات السياسية, ومن الواضح أن الاختلال في ميزان التسلح بين الكيان الصهيوني الذي يملك أسلحة نووية وبين الدول العربية, هو الذي اجبر الزعماء العرب على اختيار طريق التسوية السياسية, وتقديم المبادرات التي تطمئن الصهاينة على بقاء كيانهم والاعتراف به وتطبيع العلاقات معه مقابل انسحابهم من الأراضي العربية التي احتلوها عام .1967
إن الاختلاف الذي حصل بين الأنظمة العربية جاء عقب تعنت الحكومات الصهيونية المتعاقبة, ورفضها الامتثال للشرعية الدولية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة خاصة قراري (242) و (338), أي رفض الانسحاب ورفض تفكيك المستوطنات والكف عن تهويد القدس, ورفض عودة اللاجئين إلى ديارهم, والاستمرار في شن الاعتداءات على لبنان وقطاع غزة واستباحة مناطق السلطة الفلسطينية في أي وقت تحت ذريعة مطاردة الناشطين الفلسطينيين.
بعد اتضاح تعنت الحكومات الصهيونية, تم تزايد الشرخ بين موقفين: الأول: اقتنع أن الصهاينة لا يريدون التقدم باتجاه التسوية السياسية التي تفضي إلى انسحابهم من الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. ولا بد من دعم القوى والأحزاب الفلسطينية والعربية التي أخذت بخيار الكفاح المسلح.
أما الموقف الثاني: فتجسده الدول التي ما زالت ماضية في طريق التسوية إرضاء للراعي الأمريكي, وتطبيقا للمثل القائل " الحق العيار إلى باب الدار". وبالتالي فهو لهاث ورضوخ واستسلام. لقد تمت تسمية الفريق الأول بالتيار المتطرف, وسمي الفريق الثاني : التيار المعتدل. ولنا أن نجري جردة حساب للنتائج التي تحصلت جراء مواقف التيارين من الكيان الصهيوني.
وقبل الخوض في التفاصيل فإن كلا التيارين هما مع التسوية السياسية ومع التطبيع إذا تم إرجاع حقوق الجميع, أي إعادة الأرض المحتلة إلى أصحابها.
1- إن عناد أطراف تيار التطرف افرز نتائج ايجابية لصالح العرب ومنها صمود المقاومة في لبنان وغزة في حربين مدمرتين. فقد كشفت مجريات الحربين مدى عجز الجيش الصهيوني عن إحراز نصر حاسم على المقاومة, وأدى هذا العجز إلى محاسبة المقصرين من الضباط بمن فيهم وزير الدفاع السابق.
2- حصار غزة مدة أربع سنوات , وشن حرب مدمرة وتم فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل, فضح الحكومات الصهيونية أمام الرأي العام العالمي, ولم يعد الكيان الصهيوني ذاك الحمل الوديع, بل صار دولة "أبارتهايد" كما عبرت وزيرة سويدية في حديثها مع وزير البيئة التحتية بنيامين بن اليعازر. وصار دولة " عصابات حيوانات " كما عبر مندوب دولة غربية مؤثرة حضرت المؤتمر الاقتصادي العالمي في قطر أمام الوزير نفسه.
3- عقب مجزرة قافلة الحرية, واضطرار حكومة نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق محلية إرضاء للرأي العام العالمي, وتحاشيا للضغوط الدولية عليها, وعدت الحكومة بفتح بعض المعابر, ووجه وزير الخارجية ليبرمان دعوة لوزير الخارجية الايطالي لزيارة غزة مع عدد من زملائه الأوروبيين ليطلعوا على الحياة هناك, ويقصد ان الغزيين يأكلون ويشربون ولم يؤثر الحصار عليهم.
4- دول التطرف رغم المواقف الدولية ضدها, إلا أنها تتحرك بقوة وجاء الموقف التركي ليعزز موقفها, وتثبت للعالم أن الموقف الصلب هو الذي يجدي وقد يكسر الحصار عن قطاع غزة.
أما موقف دول الاعتدال فأنه يسير باتجاه اليأس والقنوط من جدوى المفاوضات مع حكومة العدو الصهيوني, الذي تمادى في عناده وتمرده وبالذات في موضوع الاستمرار في بناء المستوطنات خاصة في مدينة القدس الشرقية.0
التعليقات (0)