مقاربة العنوان في شعر عبد الرحمن بوعلي
في هذه الدراسة سنحاول مقاربة شعر الأستاذ عبد الرحمـــــن بوعلي مقاربة عنوا نية ضمن مستويين: خارجي وداخلي.
- المستوى الخارجي:
١- العنوان الخارجي (العنونة الديوانية):
يقصد به ذلك العنوان المركزي الذي يحدد هوية المؤلف خارجيا. ويعني هذا أن العنوان الخارجي هو أول ملفوظ يواجه القارىً بعلامته اللغوية أو البصرية. ولقد أصدر عبد الرحمـــــــن بوعلي مجموعة من الدواوين الشعرية. وهذه الدواوين هي:
ويلاحظ على هذه العناوين الخارجية الغلافية أو المركزية أنها تتبنى تركيب الجملة الاسمية تأكيدا وتقريرا وإثباتا. وهذه العناوين جمل بسيطة مثل:(أسفار داخل الوطن- وردة للزمن المستحيل- تحولات يوسف المغربي- مدن الرماد...). وإذا كانت معظم الدواوين الشعرية تتركب من (خبر ?537; مضاف إليه)، فإن عناوين عبد الرحمـــــن بوعلي تتجاوز هذه الصيغة النحوية إلى بنى تركيبية أخرى.
ويبدو أن الشاعر يفضل العنوان القائم على الحذف والإضمار الخبري (الولد الدائري)، أو على الحذف المبتدئي (أسفار داخل الوطن، وردة للزمن المستحيل، تحولات يوسف المغربي، مدن الرماد). ونجد في هذه العناوين الخارجية عدة مكونات كالمكون النعتي(المغربي، المستحيل، الدائري)، والمكون المكاني(داخل الوطن، مدن الرماد)، والمكون الزمني(وردة للزمن المستحيل)، والمكون الشخوصي(تحولات يوسف المغربي، الولد الدائري)، والمكون الحدثي (تحولات يوسف المغربي، أسفار داخل الوطن).
وإذا كان هذا العنوان (أسفار داخل الوطن) يتخذ دلالة حرفية، فإن العناوين الأخرى تتخذ صيغا بلاغية إيحائية كالترميز في (تحولات يوسف المغربي)، والاستعارة في (وردة للزمن المستحيل)، والكناية في (مدن الرماد، الأناشيد والمراثي، الولد الدائري). وتحضر في ملفوظات هذه العناوين الخارجية نبرة الحزن والسأم والقتامة. ويتجلى ذلك في تكرار بعض الأصوات المهموسة الدالة على المعاناة والغثيان والصمت والسكون على الرغم من حركية الراء واللام والميم والنون، وهذه الأصوات الهامسة هي: السين، والشين، والتاء، والحاء، والثاء، والفاء، الخاء...
وتحيل هذه العناوين الخارجية على ثنائية المعاناة والألم والوجود والعدم والحركة والثبات. ويلاحظ إيقاعيا انحدار نفسي لدى الشاعر. فبعد الأمل في غد التغيير الذي نراه في ديوان (أسفار داخل الوطن)، نجد الشاعر أكثر تشاؤما وحزنا وغثيانا في دواوينه اللاحقة. فبعد زمن الشهادة والاستشهاد - على حد تعبير عبد الله راجع-(١) لم يعقبه إلا زمن الضياع والموت والسراب والكيد والخيانة والخديعة.
وتتنوع الفضاءات في شعر عبد الرحمـــــن بوعلي كما يدل على ذلك تنوع العناوين الخارجية. فمن فضاء خارجي مفتوح (أسفار داخل الوطن) ، إلى فضاء مغلق دائري (الولد الدائري)، وفضاء عدمي(وردة للزمن المستحيل- مدن الرماد- الأناشيد والمراثي)، لينتهي الشاعر بفضاء جدلي يتسم بالتحول والتغيير الدينامكي (تحولات يوسف المغربي).
-٢ العنوان التجنيسي:
يحدد هذا العنوان جنس الإبداع وهويته. لذلك نجد مجموعة من الدواوين التجنيسية داخل العنونة الديوانية أو تفريعا عن العنوان الخارجي. ومن أمثلة ذلك: (تحولات يوسف المغربي?543; قصيدة طويلة)، (الأناشيد والمراثي)، (الأناشيد والمراثي يليها مدن الرماد ?543; شعر).
٢- العنوان التشكيلي:
يمتح العنوان التشكيلي وجوده من فن الرسم والتشكيل والتبئير الأيقوني والتنويع في الألوان والفضاءات الهندسية. وقد يترجم العنوان التشكيلي ملفوظات العنوان الخارجي اللغوي. فعنوان اللوحة التشكيلية في (أسفار داخل الوطن)، يحيل على الأمل والتحدي والاستشهاد في سبيل حرية الذات والوطن. أما عنوان اللوحة البصرية في (الولد الدائري) فيشير إلى الموت والانغلاق الدائري المحصور بين التلاشي الوجودي والأمل الباهت. وتتخذ اللوحة التكعيبية في (وردة للزمن المستحيل) عنوانا أيقونيا مجردا يدل على الانتظار واليأس والحزن والتآكل البشري. ويحضر العنوان التجريدي في (الأناشيد والمراثي ومدن الرماد) لينسج خيوط الموت والسواد والسأم الحزين. أما العنوان التشكيلي في (تحولات يوسف المغربي) فيحيل على لوثة السواد وضحالة الكائن البشري وصيرورته نحو آفاق العدم والاضمحلال والعبث وطرح الأسئلة المميتة الراكدة على واقع راكد بانحطاط القيم وغياب المثل الأصيلة. وهكذا، تترجم لنا هذه اللوحات العنوا نية التشكيلية خاصية الحزن لدى الشاعر التي نجدها عند كثير من الشعراء مثل: إليوت، وبودلير، ورامبو، وصلاح عبد الصبور، وبدر شاكر السياب، وأمل دنقل، ونازك الملائكة...
٣- العنوان الإشهاري:
يتخطى هذا العنوان المستوى الفني إلى المستوى التجاري والإشهاري. فيؤشر على مكان إصدار المنتوج والمطبعة التي سهرت على طبع الكتاب ونشره وتوزيعه وعنوان المطبعة ومكتب المؤسسة، بالإضافة إلى ثمن النسخة وشعار مؤسسة النشر أو الوزارة التي تكلفت بالإصدار. وكل هذا يدخل ضمن حيثيات النشر وسوسيولوجية التسويق. وتتسم دواوين الشاعر بالثراء الإشهاري ولاسيما ديوانه (الولد الدائري) الذي طبع في بغداد من قبل وزارة الثقافة والإعلام العراقية. ويحيل العنوان الإشهاري على ثلاثة مراكز أساسية في طبع الديوان. وهي: بغداد، الدار البيضاء، وجدة. أي يتخذ مركز الديوان -عنوانيا ومؤسساتيا- طابعا قوميا ووطنيا ومحليا.
- المستوى النصي الداخلي:
١- العنوان الأساسي:
يتربع العنوان الأساسي قمة القصيدة وعرشها العلوي. وبالتالي، يحدد دلالات القصيدة وأبعادها الذاتية والموضوعية. وتعزف عناوين القصائد في الدواوين الشعرية المذكورة سيمفونية الألم والموت والعبث والحزن والضياع. وتشخص صراع الإنسان مع الموضوع: أملا وألما.
و يلاحظ - تركيبيا-أن معظم العناوين الأساسية تهيمن عليها الجملة الاسمية. وقلما نجد عنوانا ذا تركيب فعلي كما هو الشأن في ديوان(أسفار داخل الوطن) تحت عنوان (سأمتهن الريح سيدتي والطريق). وتصدر دلالات هذه العناوين الأساسية عن رؤية وجودية قوامها العبث والسأم والصمت والتيه والبكاء والعدم والموت.
٢- العنوان السياقي:
نقصد بالعنوان السياقي ذلك العنوان الذي يحدد سياق القصيدة: تأريخا أو إهداء أو تحديدا لمناسبة القصيدة. ويساعدنا هذا العنوان في اتساق النص وخلق انسجامه، وفهم دلالاته وتأويله. لذلك، نجد معظم القصائد ذيلت بتاريخ النشر والكتابة ومكان الإبداع بتحديد اليوم أو الشهر أو السنة أو الفصل، علاوة على تحديد مكان النشر سواء أكان خاصا أم عاما. ومن أمثلة ذلك:
١- عودة البدو من ديوان «وردة للزمن المستحيل»، (الرباط، صيف، 1982)؛
٢- مقاطع للرهبة والبكاء «وردة للزمن المستحيل»، (وجدة، ٧/١/1996)؛
٣- «تحولات يوسف المغربي»، (صلالة - سلطنة عمان-٦-١١-1996).
٣- العنواني المقطعي أو الفرعي
يعد عبدالرحمـــــن بوعلي من الشعراء القلائل الذين وظفوا العناوين المقطعية المتفرعة عن العناوين الأساسية. ومن القصائد التي تضم العناوين المقطعية نجد:
- الأرض والأصدقاء في ديوان (وردة للزمن المستحيل)؛
- أناشيد للتعب البربري في ديوان (وردة للزمن المستحيل)؛
- أوراق من كتاب الوطن في ديوان(وردة للزمن المستحيل)؛
- السفر داخل الوطن في ديوان (أسفار داخل الوطن).
وتخلو باقي الدواوين الشعرية من العناوين المقطعية، وتكتفي فقط بالعنونة الأساسية المسيجة بالإهداء أو المقتبسات النصية (فريدريكو غارسيا لوركا، والت وايتمان...)، أو الاستهلال التناصي كما في (تحولات يوسف المغربي).
٤- العنوان الفهرسي أو المفهرس:
لقد أرفق الشاعر عبد الرحمــــــن بوعلي معظم دواوينه الشعرية بفهارس معنونة لنصوصه الشعرية.وقد صيغت بطريقة دلالية موضوعاتية مبوبة: ترقيما وتصنيفا وتقسيما.
هذه نظرة مختصرة عن أهم المكونات العنوانية في دواوين الأستاذ عبد الرحمـــن بوعلي على مستوى البنية والدلالة والوظيفة. وقد ترجمت لنا هذه الدوال العنوانية ذوبان الأمل وتمدد الحزن، وتآكل الإنسان العربي سأما وعبثا وعدما وضياعا وموتا. وتحيل هذه العناوين على مرجعيات الشاعر الجدلية في ديوان (أسفار داخل الوطن)، والعبثية الوجودية في (الولد الدائري- الأناشيد والمراثي- مدن الرماد- وردة للزمن المستحيل)، والمرجعية الدينية (تحولات يوسف المغربي). وكل هذا يرصد صيرورة الشاعر عبد الرحمــــن بوعلي ضمن إبدالات الشعر المغربي المعاصر ومساهماته في إثراء البنية العنوانية بصفة خاصة، والشعرية بصفة عامة.
التعليقات (0)