مقاربات اولية حول اطروحات بودريارد
يوسف محسن
ثمة شبح يلاحق اليوم النظام العالمي الجديد هو شبح (العنف الاصولي) وقد اتحدت كل قوى اوربا العجوز وامريكا في حلف مقدس لملاحقته. هكذا تبدو عبارة ماركس مقلوبة؟
حيث ان انهيار راسمالية الدولة السوفيتية سلب الغرب اهم الدوافع الحيوية للتقدم وجعل من الانساق الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والرمزية التي ولدت في اتون الحرب الباردة في مهب الريح. كان لا بد من البحث عن انساق جديدة لتبرير الوجود الموضوعي لهذه المؤسسات والبنى.. حيث ان بنية العقل الغربي تؤسس ذاتها وبشكل دائم وفق تعبيرات توينبي حول ثيمة (التحدي المفترض) والاستجابات الحضارية أي ثمة واقع حيوي يدفع من التوازن الى التضعضع وهكذا الى ما لا نهاية.
فقد تم تأسيس الاخر الاصولي الاسلامي في متن الثقافة الاوربية انطلاقا من خلفيات ثقافية وتاريخية ومعطيات جغرافية وخرافية لكون المشروع الاصولي الاسلامي يمثل القوى المناهضة للمشروع الرأسمالي النيوكولونيالي.
قد جاء متن هنتغتون ليصمم المتخيل الغربي نمط من الهويات السياسية او الرؤى الثقافية التي اختلقها الغرب لذاته ازاء الحضارات الاخرى. في حين شكلت كارثة سبتمبر صدمة للعقل الغربي ذو التصميم الهندسي.. حيث تم تحطيم الراسمال الرمزي للجسد الليبرالي الجديد (الوحيد هو العنف الرمزي الذي يصنع التميز وفي هذا الحدث الفريد من نوعه. في هذا الفيلم الكارثي لمنهاتن Manhattan يترابط عنصر جاذبية ركام القرن العشرين: (السحر الابيض للسينما والضوء الاسود للارهاب) بوديارد.
ان انهيار البرجين يشكلان في الوقت نفسه موضوعا ماديا معماريا وموضوعا رمزيا (رمز القوة المالية والليبرالية العالمية) حيث ان الجسم المعماري تحطم في حين الموضوعاتية الرمزية تم تدميرها لانها كانت المستهدفة (ان الانهيار الرمزي كما يطرح بوديارد هو الذي ادى الى الانهيار المادي وليس العكس كما لو ان القوة التي كانت تحمل هذه الابراج فقدت فجأة كل طاقتها وكل رونقها. كما لو ان هذه القوة المبتكرة رزحت فجأة تحت وطأة قوى اكبر والتي ارادت دائما ان تكون النموذج الوحيد في العالم.)
ان هذه الكارثة او (الحدث الستمبري) يمثل قطيعة معرفية في العنف الاصولي الاسلامي. العنف المأساوي حيث تم من خلال هذا الحدث الانتقال من العنف التقليدي الى العنف التخيلي البارنوي (انفصامي، انتحاري، التدميري) كاشفة بذلك عن انعطاف حاد في اليات هذا العقل او نهاية التاريخ للاعمال العنفية الكبرى.
ان العنف الاصولي الحديث ليس انتاج ثقافة دينية آفلة ولكنه تشكيل سياسي معاصر للفوضى الكلاسيكية.. وقد تكون له جذور معرفية متعددة في التراث السياسي العالمي ابتداء من تراث اليعاقبة ابان الثورة الفرنسية ثم تطور بواسطة الجماعات الثورية الروسية واندماجها في التراثيات الاسلامية وهو ناجم كما يطرح هنتغتون عن (اختراق الحضارات) حيث استطاعت الاصولية الاسلامية ان تأخذ مسارا عولمي على الخريطة السياسية العالمية لتثبيت الهوية او تأطير الجماعات المضادة في التاريخ عن طريق اعادة انتاج التراث المقدس والمؤسس ضمن المتن الميتافيزيقي.
حيث ان الاصولية حركة مناهضة للحداثة ولكنها مندمجة مع الاشياء التي تعارضها. ان بناء هوية على سلسلة من النماذج والمرجعيات هو مشروع حديث ولكن حتى هذه الصياغات الحديثة تبقي على مواقف المناهضة داخل النسق الثقافي العولمي رغم انها غير قادرة على اعادة تشكيل ذاتها عبر رد فعل ضد حالة كونية كاشفة (ما وراء الممثلين والعنف المشهدي ظهور تناقض راديكالي في صلب سيرورة العولمة. شيء يتعذر نفيه او تميزه في هذا الانجاز الحقيقي. التقني والذهني للعالم في هذا التطور الحتمي نظام عالمي منجز) فالاصولية هي رفض للانصهار في العالم في التبادل في المقالة الشاملة رفض الانبهار بالنموذج الغربي وبناء ايديولوجية العنف الدائمي التي تكرس التمزق الرمزي والخروج التام من التاريخ العالمي (المعدات التقنية، التكنولوجيات، الهيمنات اللغوية، انماط الالبسة، السلوك السياسي والدخول في مجال الانغلاق وهو انخراط هجين في الحداثة).
ان بودريارد يكشف عن آليات العنف الذي يولد العنف الى ما لا نهاية له داخل الدوائر الحضارية ويبقى العنف مفصح عنه في تاريخ هذه المجتمعات. محافظة على الانغلاق والطهرانية والنقاء ضد الاندماج والتلاشي. هذه العملية تفضح بؤس النزعات المعادية للعولمة والحداثة.
حيث ان طوفان العنف الكارثي في الحادي عشر من سبتمبر لم يولد ايديولوجية جديدة او مفهوم جديد لاستراتيجية عسكرية او انقلاب في صياغة المفاهيم او المقولات انه قائم على الحرب اللامتناسقة.. عناصر متحركة تدفعها نوازع دينية او فكرية جماعات ثقافية تحل محل الحرب وخطوط التماس بين الحضارات تصبح هي الخطوط المركزية للصراع. قائمة على احتكار النسق الرمزي للعنف (حيث ان التهديد الوحيد للنظام هو العنف الرمزي.. العنف الذي لا يحمل أي خيار ايديولوجي او سياسي في داخله يصبح الحدث هو موضع ابتهاج خاص).
التعليقات (0)