مواضيع اليوم

مفهوم الوطنية بين شد وجذب في ارتريا !

ادريس حسن يعيدي

2012-09-13 08:25:49

0


مفهوم الوطنية بين شد وجذب في ارتريا!
بقلم الكاتب: ادريس يعيدي
من خلال ملاحظاتي اليومية ومعايشتي للواقع وتجاربي البسيطة مع محيطي فقد تكونت في ذاكرتي حقيقة مفادها أننا نحن الارتريين مختلفين في مفهوم الوطنية وكل منا لديه مفهوم خاص به وكل منا يرى الوطنية من الناحية التي تصب في خبراته وتجاربه التي تلقاها في بيئته .
لذلك من الطبيعي جداً انا أرى وأفهم وأتخيل الوطنية من وجهة نظري وغيري كذالك يراها ويفهمها ويتخيلها من وجهة نظره الخاصة و وكان دائما يحذوني الامل لفهم مدلولات الوطنية ومعانيها والصورة الذهنية التي يملكها الاخرين عنها لذلك كنت ادخل دائماً مع اصدقائي في نقاشات كثيرة وعميقة في بعض الأحيان وقرأت أكثر حول الوطنية وكنت أحاول عبثاً أن أُقنع الناس بمفهومي لكن في النهاية اقتنعت أن إختلاف الناس وتباين آرائهم وتشعب افكآرهم عن مفهوم الوطنية سمة سائدة في كل النقاشات التي كانت تدور بيني و بين الناس.
وبعدها فوراً تيقنت واستقر رأي واطمأن ضميري علي أن الاختلاف في هذا الموضوع حقيقة ثابتة لا فكاك ولا مفر منها أبداً بحال من الاحوال.
لكن مع ذالك وجدت أننا نحن الارتريين نتفق في حب هذا الوطن ونحارب تحت رآيته رغم أن مفاهيمنا مختلفة وصورتنا الذهنية تختلف فإذن تبين لي أن الخلاف طبيعي وصحي فلا يضر مادام كل انسان يحب وطنه لكن يجب ان نعي ونفهم أن كل شخص له طريقته الخاصة وفهمه الخاص للوطنية. مع ذلك ليس هناك مفهوم افضل من مفهوم أبداً مثله في ذالك مثل الألوان واحد أبيض وآخر أحمر وثالث أسود مع هذا الاختلاف والتباين ليس هناك لون أفضل من لون آخر وفي النهاية يشكلوا شئ واحد جميل ورائع وكل لون يكمل لون آخر.
هذا هو الامر الطبيعي لكن الذي هزني وحركني ودعاني أن أكتب هذا الموضوع هو الجدل الذي دار في (ملتقى الحوار) حول فقرة حق تقرير المصير التي يتبناه التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الاحمر وما صاحبها من الاتهامات الرخيصة للعفروأنهم يريدون الانفصال وانهم يريدون تفكيك ارتريا وانهم ليس عندهم شعور بالوطنية وغيره من الاتهامات السخيفة . هذا الكلام السخيف ولدّ في أعماق اعماقي شعور غريب وعنيف وقد سيطرت عليّ في الظاهرعلامات الذهول والدهشة وغرقت في ضباب أفكاري ومحيط تاملاتي وامارات التفكير عصرتني فانا في هذه الحالة امطر دماغي سيلاً من الاسئلة وقد تزاحمت في داخل صفحة عقلي اسئلة ليس لها اجوبة مقنعة هل يعقل ان تتهم قومية كبيرة مثل قومية العفر بأكملها بعدم الوطنية ؟ أليس العفر هم احد مكونات الشعب الارتري واحد من ركائزه الاساسية ؟ ألم يعرفوا عن نضال العفر من اجل ارتريا ؟ فلماذا ناضلوا بهذا القدر ان كانوا كما تقولون؟ ام يعتقدون ان العفر شعب جاء من المريخ سكن في الوقت القريب هذه المنطقة لذلك يريدون ان الرحيل والانفصال ؟ بالله عليكم تخيلوا معي كيف ينفصلون؟ والي اين يرحلون ؟ واذا كنت أصدرتم الحكم علي شعب كامل بأنه ليس عنده الوطنية كما تقولون اذن ما هي مقياس الوطنية عندكم وهل عندكم معايير محددة حتي نستطيع ان نقول هذا عنده وطنية مئة في المائة والاخر وطنيته ناقصة او نسبتها ضعيفة ؟ وهل يوجد ميزان نحدد به الوطنية حتي نعرف درجة الوطنية عند كل شخص؟ هل هي عالية ام هي صفر؟ وهل بالفعل يمتلكون كود او شفرة غابت عن الاخرين يقيسوا بها بها رصيد الوطنية عند كل شخص ؟ وفي الاصل من هو الشخص الذي يحكم علي الناس بهذه الاحكام؟ وفوق كل ذلك من اعطاه هذه الصلاحية ؟ ثم قطعت التساؤلات و قلت في نفسي توضيح مفهومي للوطنية أفضل من سراديب الاسئلة ومغارات التأمل وإعصار التفكير وحرق الأعصاب وأخذت قلمي فشرعت في التعبير والكتابة عن مفهومي للوطنية وهي وبما أنني أكتب عن الوطن سأقدم مفهومي للوطن وأن مفهوم الوطن يختلف كثيراً عن مفهوم الوطنية لان الوطن هو الارض والتراب لكن الوطنية هي الشعور وما يحمله الانسانمن الشعور العواطف والحب تجاه بلده. لذلك استطيع اقول أن الوطن هو: هو تلك الرقعة الجغرافية من الارض تُقدم فيه المواطنة بالتساوي ويتم فيها الحرص علي كرامة من يسير فوق ترابها والوطن هو: الام للجميع يرضعون من لبنها بالتساوي وينتفعون بخيراتها علي قدم المساواة وهو لبن الجميع وخيرات الجميع لا يخص احداً دون آخر والوطن هو: إخلاص وتضحية ومبدأ وغاية من خلاله تُبصر العيون وتَنْبُض القلوب وتُقطع الرؤوس وتُبذل الارواح وتُهدر الاموال والانفس .
ياجماعة الوطن: بإختصار هو الام الحنونة وهوالحصن الحصين وهو العدالة وهو القانون وهوالهوية وهوالانتماء والوطن هو كل شئ
وأما مفهومي للوطنية هو شعور داخلي يسري في أوصالي ويجري في عروقي وهي الطاقة الجبارة التي تُحركني وتُدخلني في المهالك والملمات وهي وقودي في الحياة وهي نفسي التي أتنفسها وهي الهواء التي أستشقها وهي ممتزجة في شخصيتي لا تفارقني أبداً إنْ اخرجوني من بلدي فهي معي وإنْ رحلت ترحل معي وإنْ بقيت تبقى معي ولا أخاف عليها من النهب و من السطو ولا يمكن يسرقها من قلبي أحد ولا تنزعها أي قوة في العالم مهما كانت قوتها وجبروتها ولا يمكن فصلها عن شخصيتي بحال من الاحوال.
لذالك لا احتاج بالصياح ولا بالعويل ولا بالصراخ لا في المنابر ولا في المحافل ولا يمكن أرفع شعارات رنانة براقة خاوية لكي يصدقني الناس ولا يمكن ان تجدني أملاؤ الدنيا دجيجاً وصراخاً فأنا لا احتاج كل هذه الامور لأنني اعتبر الوطنية شئ لا ينفك عن ذاتي وعن كياني وعن شخصيتي وواثق من نفسي وحالي وكياني ياتُرى لمن اعلنها ؟ بالله عليكم هل أحتاج الي صياح وصراخ لتعريف شخصيتي وإظهار ذاتي للآخرين لا والله لا يمكن لأن وطنيتي تراها وتظهر من خلال عملي علي أرض الواقع وطنيتي في لساني وفي قلبي و في حركاتي وفي سكناتي .
لكن هذا لا يمنع ابداً أن أناضل من أجل مستقبل أفضل لقوميتي وانتزاع حقوقها لمن إغتصبها ومن حقي أن أناضل وأطالب حقوقها في وطني بالطريقة التي أراها مناسبة ومن حقي أرفع الظلم عن نفسي وعن شعبي ومن حقي أن أختار البرنامج الذي يناسبني ويراعي خصوصيتي كقومية وكمجتمع ثقافي معين ومن حقي ان أضع الاستراتيجيات التي تبعدني عن المشاكل في المستقبل ومن حقي ايضا أن ابتكر أساليب جديدة وأن أُبدع حلول تَخلق وضع أفضل لقوميتي وللاخرين .
كل ذالك لكي اعيش في وطني وفي بلدي عزيزاً حراً وأن تكون كرامتي وشرفي موفور وأن يكون ديني وإعتقاداتي معززة مكرمة وأن ثقافتي ولغتي وعاداتي وخصوصياتي كقومية محترمة محترمة . كل ذلك لكي أعيش بعيداً عن الظلم والجور من أي كان سواء من سياس أفورقي أو من أبرها آخر وسواء كان اسمه محمد أو من أحمد أو من شيخ باسم الدين أي كان مصدره وأي كان اسمه فلا يمكن ان نقبل الظلم أبداً حتى لو تسمي بالوطنية زوراً وبهتاناً . إذن الوطن والوطنية بريئة من هاؤلاء الذين يظلمون باسم الوطنية وهي بريئة منهم كبراءة الذئب من دم يوسف يا جماعة المشكلة فينا نحن البشر فالوطن مسخر للجميع وليس له عينان ليرى ولا أذنان ليسمع ولا هوعادل بذاته ولا ظالم بذاته ولا هوصالح بذاته ولا طالح بذاته ف كل هذه الصفات من البشر فنحن الذين نظلم ونفسد ونخرب ونضطهد ونقتل ونشرد ونبيد الحرث والنسل ونحول البلد الي جحيم لا يطاق بسياساتنا الخبيثة وعنصرياتنا البغيضة بمفاهيمنا الضيقة جدا للوطن والوطنية حتى جعلوا مفهوم الوطنية أضيق من ثقب أبرة الخياطة وهاؤلاء يعتقدون انهم هم الوطنيون الحقيقيون لكن في الحقيقة هم أدعياء الوطنية وأصحاب المصالح والمنتفعين باسم الوطنية حتى فصلوا الوطن علي اجسادهم ومقاسهم أيدلوجياً وأجتماعياً وثقافياً والوطن في مفهومهم لا يسع غيرهم ولا يحتمل وجهة نظر غير وجهة نظرههم فإذا خرجت عن مفهومهم الخاص قيد أنملة فالتهم جاهزة ويقولون انت ما عندك شعور بالوطنية ولا تستحق مثقال ذرة من خيرات الوطن فيحرمونك وينفوك من الوطن وتستحق كل الويل والثبور وعظائم الامور .
هذا ليس غريب بمن جعل كل الوطن كالقماش مقطوع علي مقاس اجسادهم فلا يمكن ان يسع للاخرين لانهم يعتقدون الوطن كالعقار يمتلكه أناس معدودين فلا مجال للباقيين وكالفندق المستأجر لفئة قليلة من الشعب محجوزة كل غرفه لذلك يعتقدون انه لا يحق ولا ينبغي أبداً للاخرين التحدث عنه لا من قريب ولا من بعيد لان الوطنية عندهم تعني (حقي او لي ) فقط إذن هذه الثقافة ترى الوطن بلون واحد وبرائحة واحدة وثقافة واحدة وأما غيرهم متهمون بالخيانة وموصوفون بالعمالة ولا يستحقون الانتفاع والتمتع بخيرات البلد
ويجب في حقهم القطع من دابرهم وتطهيرهم من الجذور وخير لهم من ظاهر الارض فباطن الارض و لا يستحقون العيش في ظل هذا الوطن المعطاء بإعتبارهم خونة عُملاء مجرمون . هذا المفهوم أصبح ثقافة منتشرة في أوساط سياسسي ومثقفي بلدي الحبيب ارتريا وأما إعتبارات التنوع العرقي والتعدد الثقافي ومطالبة الحقوق في إطار الوطن شرٌ يجب محاربته وتشرذم يجب لملمته وتفرق يجب جمعه وشتات يجب إحتائه أو اقتلاعه من جذوره بإعتباره سبب الشقاء والبؤس في نظرتهم السادجة التي اعمتها العنصرية لذلك تجدهم دائماً وأبداً يسعون ويبذلون قصارى جهدهم بالقوة لصهر جميع المواطنين في بوتقة واحدة وفي ثقافة واحدة وفي لون واحد وهندسة كل المجتمع علي طراز واحد تحت شعار (شعب واحد قلب واحد وطن واحد ) وهو لونهم وثقافتهم وهي التي يجب ان تحيا وتبقي وتسود وأما باقي الثقافات الى جحيم حتي لا تستحق الذكر باللسان ناهيك عن الاعتراف بها و لسان حالهم يقولون اجارن الله منها لانها لا خير فيها وتفرق الوطن وتفككها وأعوذ بالله منها
ومن يملك هذه الثقافة لا يفهم ولا يدرك ولا يعي أبداً ان التنوع ثراء وتكامل وأنه نعمة وليس نقمة كما يفهمون وأن خصوصيات الثقافية والاجتماعية وتنوعها وتعددها في إطار الوطن تاريخ و حضارة وتراث ينبغي المحافظة عليه وحمايتها من الاندثار والاضمحلال.
اسفي شديد وحزني كبير عندما أري وأسمع وأشاهد أن أصحاب هذه الثقافة ماسكين زمام الامور وأصواتهم مرتفعة واقلامهم نافذة وحضورهم بارز في بلدي فيملؤون الدنيا دجيجاً وصراخاً ويتباكون علي الوطنية و يشيرون أصابع الاتهام هنا وهناك ويوزعون التهم الرخيصة يمنة ويسرة ويدرفون الدموع ويعضون أصابعهم اسفاً وغيظاً وحزناً لانهم يخافون الهدوء والسلام والوئام . ويعتقدون أن انتشار المفهوم الصحيح للوطنية خصماً لمصالحهم وويعلمون أنه إذا رجعت المياه الي مجاريه الصحيحة فلا محل لهم من الاعراب ولا مكان لهم بين الشرفاء لانهم دائماً يصطادون في الماء العكر وانهم كالخنافيش تخشي الوضوح وتخاف النور وتتحاشي الامور الواضحة الجلية المباشرة والمفاهيم الصحيحة.
شكراً لكم وارجو من اعماقي ان يعجبكم مقالي .
yaqiididi@yahoo.com






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !