نعيش هذه الأيام ما يسمى بعالم الإعلام المفتوح. فنرى الكثير من القنوات الفضائية العامة والخاصة . وكل منها تبث ما تراه أو ما تحب (القناة) ان يراه الناس . فنرى القنوات التي تتبنى توجها معينا ، تبث مزايا هذا التوجه وتنقل الصورة الحسنة عنه ، وتغض الطرف عن أهم العيوب والانتقادات التي توجه إليه . وفي المقابل تبث عيوب وأخطاء التوجهات المضادة له ، وتحاول ان تظهر تلك التوجهات في أبشع صورة ممكنة امام الآخرين . بالإضافة الى الكثير من الصحف والمجلات الخاصة التي تنشر ذلك التوجه . أضف الى ذلك المواقع على شبكة الانترنت التي تنشر ما لا تستطيع القنوات الفضائية أو الصحف والمجلات نشره بسبب ان الرقابة عليها اشد وأكثر من الرقابة على مواقع الانترنت وكل هذا يتم ويسير تحت ما يسمى بـ الحرية . «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم» .
لذا نرى الكثير من الإعلاميين (ان صح تسميتهم بذلك) وغيرهم ، الذين يسلكون شتى الطرق من اجل تحقيق ولو القليل من الشهرة ليصبحوا من الأشخاص المرموقين والمشار إليهم بالبنان من قبل كافة شرائح المجتمع . ظناً منهم بأنها الطريقة المثلى لتخليد ذكراهم في المجتمع . كل هذا يتم تحت ستار ما يسمى بـ الحرية.
فاخذ كل منهم ينتهج النهج الذي يرى انه يحقق له ذلك بأسرع وقت واقصر مدة . فتارة نرى البعض منهم ينتقد الدين ورجاله ، ويعيب عليهم كل فتوى ويشتكي من كل تحريم لأي أمر من امور الحياة ، ويستهزئ بهم في كل وقت وكل حين ( جهلا منه ) . بدعوى انه يحث على الحرية التي رسمها له الغرب في مخيلته . وهو بذلك يتحرر شيئا فشيئا من دينه وأسس عقائده دون ان يكون له أي علم بهذا . فيصبح داعية الحرية هذا مسلوب الحرية . ويسير على درب قد رسمه له أعدائه دون مشاركة منه في ذلك أو وعي وإدراك لهذا الأمر .
كما انتهج البعض الأخر منهم نهج إثارة النعرة الطائفية والحزبية ، والقبلية والعرقية. من اجل ان يذكر اسمه في كل مكان وزمان . فنرى هذا ينتقده لاسلوبه وهذا يمتدحه لأنه عبر عما في خاطره من تحامل على الآخرين ، وذاك يشتمه لأنه تكلم عنه . والكل يتكلم عنه بطريقة أو بأخرى . فان كانت الغلبة في نهاية الأمر لمن كان هو في صفهم فقد حاز على المكانة التي أرادها ، وإما ن كان الأمر بالعكس فنراه يسكت قدر الإمكان ، ويحاول ان يسير في درب أخر ليكون في صف الفريقين لمواجهة فريق ثالث هو مناوئ للفريقين الأوليين . ليحقق رضا الطرفين ولكن بإثارة نعرة جديدة . وأما رده على المنتقدين له الذين لم تجرفهم نعرته هذه الى أي طرف من الأطراف ، فإنه يكون وبكل بساطة هو (الحرية) أو حرية الرأي لكل شخص . وهو بالمقابل لا يتقبل من أي احد من الناس ولو النقد البسيط لأي رأي يراه ، وان كان رأيه هذا هو في أساسه مبني على خطأ ومعلومات خاطئة.
وينتهج الباقون منهم نشر الأكاذيب المضللة والادعاءات الكاذبة وتزييف الحقائق، فيصور المظلوم هو الظالم والسجين هو السجان ، وكل الأمور تظهر امام الناس بالعكس تماماً عما هي عليه . وكل هذا من اجل تحقيق ما يسمى بالسبق الصحفي ، أو من اجل نيل رضا جهات أو شخصيات معينة، سواء كان هذا بمقابل أو بدون مقابل. دون أن يكون هناك احترام للقارئ العادي أو المفكر .
وكأنهم قد نسو أو تناسوا ان الاسلام قد منح الحريات في كل شيء ونظمها على أكمل وجه ورسمها في أحسن صورة. فضمن الحرية التامة للناس ، ولكن ببعض الشروط ، من اجل الحفاظ على حريات الغير من ان تستغل بشكل خاطئ لتحقيق أهداف شخصية بحته ، منبعثة من داخل نفس أمارة بالسوء .
فمثلا نرى الاسلام يمنح التاجر الحرية التامة في ممارسة التجارة بشتى أنواعها ، ولكنه ينظمها بأنظمة منعية تمنعه من ان يتخطاها . فيحرم عليه الاتجار بالمحرمات والخبائث لما فيها من ضرر عام على المجتمع ، كما يحرم عليه الاحتكار من اجل عدم استغلال حاجات الناس ، في الأشياء التي هم بحاجة إليها من أجل تحقيق الأرباح فقط ، دون ان يكون منه نظر الى حال المجتمع .
كما نرى الاسلام يحرم الغيبة وذكر عيوب الآخرين ، وعدم ذكر الناس بالسوء أبدا إلا في حالة الظلم ، وإذا كان الهدف من هذا هو رفع الظلم عن الناس ، وفي الجانب الذي تم ظلمه فيه فقط ، لما في ذلك من إحراج لهم وإظهار عيوبهم امام الناس قال تعالى:
ولا أقول انه لا يوجد إعلامي مخلص في عمله ، نزيه في نقله ، مستقل في آراءه ، يقف كل صاحب عقل احتراماً له ، ولكن بسبب القلة منهم لم اذكرهم . وكما يقال : (ان الخير يخص والشر يعم) . فقد عممت هذا على الإعلاميين ، وكلي ثقة في ان الإعلاميين الحقيقيين قد عرفوا ما أشرت إليه ، وقرؤوا ما بين السطور . وعلموا أن هذا الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد .
التعليقات (0)