في الحقيقة إذا أردنا الغوص في حقائق العقائد المحدثة في الإسلام يجب أن نميز بداية بين مفهوم الاختلاف ومفهوم الافتراق في الإسلام
فالاختلاف مفهوم موجود في قاموس الأمة وهو تباين الآراء بين المسلمين ضمن مساحة ضيقة لا تتجاوز الحدود والنصوص والسنة النبوية ، وينتهي هذا الاختلاف بالامتثال لما أجمع عليه المسلمون وهذا ما نسميه الشورى وهو ركن ركين في الأمة الإسلامية ، بينما يتجاوز الافتراق ذلك فيحدث خارج هذه المساحة الشرعية ويخرج من الشرع إلى ما لا يرضاه الشرع
ونذكر أن أول اختلاف حدث في الإسلام كان في أمر وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، عندما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من قال إن محمدا قد مات قتلته بسيفي هذا ، وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه السلام ، وانتهى الخلاف بتدارك أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله لهم : من كان يعبد محمدا فإن محمدا مات ، ومن كان يعبد إله محمد فإنه حي لا يموت
الخلاف الثاني : كان حول جهاز الحبيب ومكان دفنه عليه السلام وانتهى بالإجماع على دفنه بالمدينة المنورة لقوله صلى الله عليه وسلم : (الأنبياء يدفنون حيث يموتون)
الخلاف الثالث : كان الأهم وكان في الخلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الأهم لمن لا يعلم ، ولما اتفق الأنصار في سقيفة بني ساعدة على رئيسهم سعد بن عبادة رضي الله عنه تداركهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي الله عنهم ، وعندما ذكرهم أبو بكر بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الأئمة من قريش) فامتثلوا وأطاعوا وانتهى الخلاف بالإجماع على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فبايعه المسلمون جميعا
الخلاف الرابع : كان في بعث أسامة بن زيد رضي الله عنه وانتهى بالامتثال لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روي عنه : ( جهزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلف عنها) وانتهى الخلاف
الخلاف الخامس : كان في قتال المرتدين مانعي الزكاة وحسم الاختلاف أمير المؤمنين أبو بكر فقال لهم : لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله لقاتلتهم عليه ومضى بنفسه إليهم فنصره الله نصرا عظيما
الخلاف السادس : كان في خلافة عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقد خشي المسلمين غلظة عمر وحزمه وعزمه ، وانتهى الخلاف بالامتثال لأمر أبي بكر حيث قال لهم : لو سألني ربي يوم القيامة لقلت وليت عليهم خير أهلهم
الخلاف السابع : وكان في أمر الشورى بعد عمر ومع عظم المحنة فقد انتهى الأمر بإعلان عبد الرحمن بن عوف خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهما ، فبايعه المسلمون جميعا وكان علي بن أبي طالب أولهم رضي الله عنه
الخلاف الثامن : الاختلاف فيما فعله عبيد الله بن عمر عندما وثب على الهرمزان فقتله وكذا فعل ببنت فيروز قاتل أبيه ، وقد أشار علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقتله وإقامة الحد ، وانتهى الأمر عندما عفا القماذبان ابن الهرمزان عنه ودفع إليه عثمان بن عفان رضي الله عنه الدية من ماله الخاص
والجميل أنه عندما بحثت في هذه الاختلافات وجدت أن ما يحدث عقبها من إجماع لأمور المسلمين فيها كان له أثر عظيم في تقوية بنيان الأمة ، حتى بلغت ذروتها الراشدية في عام 31 للهجرة في معركة ذات الصواري التي هزم فيها المسلمون قسطنطين الثاني شر هزيمة
ولكن آخر عهد عثمان شهد اختلافات كبيرة مهدت الطريق فيما بعد لافتراقات كبيرة وهذا ما سنتحدث عنه في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى
التعليقات (0)