مفردتي الحزن والسلام في الذهنية الصعديه
لـ/أحمد أحمد الرازحي
جروح نازفة تسربل بخيوطها مشهد تلك المأساة، مأساة الطفولة البريئة التي تستقبل عودة النازحين بالزغاريد حاملين لهم البشرى بأنهم لم يعودوا يناموا في الملاجئ منذُ فترة، بشارة يرون أنها أجمل افتتاحية للقاء بمن يحبون بعد فترة غياب- لا يعرفون أسرارها ولا يعون دواعيها - فرضتها همجية من يكبروهم سناَ.
وتحدى ذلك الفتى الرافض للذل ،بلسانه الصعدي المروي من تحدي الجبال وأصالة التاريخ اليمني ،والمتغذي على الموروث والخلفيات التي تتجدد في نظره بتجدد المتغيرات ،الذي يردد دوماً في الوعي واللاوعي(ما نبالي ما نبالي وأعلنوها حرب كبرى عالمية).
لهؤلاء تنساب الدموع وهي تشاهد وتشهد شل القُدرة وتحويل التركيبة الفسيولوجية الطبيعية من ذلك الجيل الواعد والذي حطمته الطائرات وبعثرته الدبابات ونفته البندقيات،وسيرته النزعات المادية للمتصارعين.
مفردة الأسف عندما تصدر من قلب مكلوم ،تكون ذات وقع شديد على النفس وأكثر ألما ووخزاً وتأنيباً للضمير،يكون لها إيقاعها الخاص وتأثيرها الفريد،فما بالك بتلال الحزن على أهالي صعده ،وهم قد تلبسوه قروناً طويلة مُنذ خُلق هناك، وتقمصوا أشد أنواعه مُنذُ اندلاع أول رصاصة لحروبهم المفروضة ،وبدت صورة الحزن تنعكس في صور الأشياء المحيطة بهم والملازمة لحركتهم ،بالطبيعة بكافة عناصرها،بمعنى أن فيض الحزن ينتقل منهم إلى محيطهم ،وهم أصلبُ من الفولاذ لنتأمل الأسف منظوراً إليه بصيغة (الصفة للسلام) ورمزه الحمام ،فالحمام تُحلق داعيةً البشر لرسالتها السلمية في حال أنها تقطر دماً عبيطا من صميمها ،نتيجة لرصاصة غادرة لا تحترم الرسل تنكل بهم و برسالتهم كما حل بأنبياء بني إسرائيل ،والتي لا تُسلم نفسها لأي صياد إلى أن تموت في سقف السماء غير المتناهي مُسلمة لروحها إكمال رسالتها .
بمعنى أن الأسف الذي يعانوا منه أهالي صعده يبدوا منعكساً حتى على الجمادات أكثر تمثيلاً وتجسيداً هو ذلك الطير السلمي وهو لا يقوى على الحركة محلقاً حتى الموت حيثُ أستباح البشر فضاءه وهو حزين مروض.
خلال هذا الأسف أو الحزن العميق تُداعب الأشياء الروحية من خلال اللحظات المورقة بالفرج المؤقت والتي تتجلى برؤية مستقبلية تخترق ذلك الأسى والحزن، تتجاوب لأي تهدئة ولو كانت لأيامِ لساعاتِ، رافعين شعار (الأسف و السلام) ململمين جراحتهم ومتناسين النكبات،يسدلون الستار لحين يعدُ المتصارعين الدور بإتقان حتى لا يفرقوا الجمهور بين التمثيل والحقيقة الذين يدفعون ضريبته الأبرياء، هذا حالهم بصنفيهم النازح والوفي للأرض ،فا لنازحون يُجمَعون إغراضهم حال ما ترفع اليد من على الزناد مع اليقين بأنهم سيشدون الرحال عندما تُقرع الطبول، و تُضع اليد على الزناد،والأوفياء يعيدون بيوتهم المهدمة على يقين منهم بأنها ستُخر على الرؤوس ،وتتطاير وتُذر وتصير أتربةِ متطايرة ،لكن الأمل والإصرار حسب فلسفتهم، يُعد مقدمات السلام والاستقرار والعودة إلى الحياة الطبيعية ،عندما يغور السلام يبقى الأمل في عودته ،بإحياء مقدماته وتلمُس أثاره.
في صعده نلمسُ حياة السلام بكل تفاصيلها وسحرها بل بأحلامها البسيطة المتواضعة رغم كل ما أصابها لكنها تتسامى فوق الجراحات والأوجاع،ليس صحيحاً ما يروج له إعلام الطرفين المتصارعين على الساحة الصعديه من التحدي وعدم التوقف عن همجيتهم ،هناك التركيبة الإنسانية والعقلية المدركة تفرض وجودها وتعيد ما أنتهك طرفي الصراع ،تتجلى في السلوك والمعاملات في كل تفاصيل الحياة ،قد يتجلى في الثدي الناهد من خلف الشيله(الخمار الأسود)الذي يوطن معنى السلام عندما تحمل المرأة الصعديه فوق رأسها إناء ممتلئ بالماء تتحرك بتحرك موج الماء فوق رأسها،وأكثر حركة في ثديها، ويتجلى في صوت ديك زيد وفي كل الأزقة وفي الأمكنة الشعبية وفي مجالس القات،يضل السلام مصحوباً بالحزن في كل تفاصيل الحياة .
فهل سيأتي زمنٌ لا نرى فيه إلا شعار السلام ؟زمنٌ ندفن فيه الأحزان، ونرسم الابتسامات الأبدية، ونبني بيننا وبين لغة الحروب جداراً ونفرغ عليه قطرا، وننشي جيل يكونوا نموذج لأسعد حياة
التعليقات (0)