في زمن ارتفاع أسهم الشعوب العربية التي استفاقت من سباتها العميق، فأبهرت العالم باستفاقتها المظفرة، ارتفعت أيضا أسهم عدد من الكلمات التي باتت تتردد على كل لسان. هي مفردات خرجت من رحم الثورة. و لكل واحدة منها حكاية يدركها كل متتبع لموسم الثورة في المنطقة " العربية". لكنني سأتوقف عند ثلاث مفردات لا تخلو من انتقائية. إذ أن الثورة انتقلت حتى الآن من تونس إلى مصر إلى ليبيا. لذلك فإن الكلمات التي أقترحها في هذا المقام تتوزع بين البلدان المذكورة، باعتبارها (في تصوري الخاص) الأكثر حضورا و دلالة على المستوى الإعلامي.
من تونس كانت البداية. و لأن البداية تحتاج دائما إلى إشارة و شرارة الإنطلاق. فقد كان البوعزيزي هو تلك الإشارة و الشرارة. محمد البوعزيزي ليس مجرد اسم بين الأسماء. إنه رمز للثورة. و سيظل خالدا في كتب التاريخ و حكايات الجدات لأحفادهن في كل مكان. البوعزيزي اسم لفرح جميل استيقظ عليه التونسيون دون سابق إنذار. هو فرح كان إلى وقت قريب ممنوعا حتى في أضغاث الأحلام. لكنه تحول إلى واقع حقيقي انتهى بإسقاط نظام احترف مهنة كتم الأنفاس. البوعزيزي استطاع من حيث لا يدري أن يكتم أنفاس بن علي و عشيرته، ويلهم كل المستضعفين شكلا جديدا من الرفض و الإحتجاج، حاول البعض تقليده دون جدوى. لكن ظاهرة البوعزيزي نجحت في غرس ثقافة الثورة التي امتدت إلى المنطقة، وكان النظام المصري ثاني المحترقين بنيرانها المتأججة...
في أرض الكنانة كانت أرضية الثورة مهيأة، ولم تعد لحظة انتظار الشرارة مقلقة. فقد بدأت الشرارة من تونس، و من سار على الدرب وصل. لذلك كان الهدف واضحا. المصريون أرادوا إسقاط النظام، تماما مثلما فعل التونسيون. لكن هذا النظام واجه المطالب الشعبية بلغة الرصاص. و كان ذلك منتظرا طبعا. إذ لا معنى لثورة بدون تضحيات. و في لحظات التخبط التي عرفها النظام المصري أمام إصرار المحتجين على مطالبهم، ظهر إلى الواجهة مفهوم قديم جديد. هو جزء من الثقافة الشعبية المصرية. لكنه فرض نفسه كجزء من إيديولوجيا النظام. البلطجية!. هذه هي المفردة التي طفت على السطح طيلة أيام الثورة المصرية التي اتخذت من ميدان التحرير معقلها الصامد. و لأن إرادة الحياة و التغيير كانت أقوى من أي سلاح فقد فشل بلطجية النظام فشلا ذريعا في إخماد نيران الغضب المصري. لكن كلمة البلطجة ستظل وصمة عار على جبين حسني مبارك و نظامه إلى الأبد.
الثورة انتقلت إلى ليبيا. هل هذا صحيح؟. لا بأس فنحن في زمن اليقظة... معمر القذافي الذي دافع عن سلفيه المخلوعين و جد نفسه في معمعان الثورة. ربما اعتقد في البداية أن الأمر مجرد احتفال سابق لأوانه بذكرى ثورته هو التي لا يعرف الليبيون غيرها( ثورة الفاتح من شتنبر). لكنه أدرك أن جحيم البوعزيزي قد اقترب من تلابيب سلهامه الإفريقي، فخرج متوعدا شعبه بحرب لا هوادة فيها. و كانت حقا حربا حقيقية استعان فيها بالمرتزقة ضد بني جلدته الذين أصبحوا جرذانا و جراثيم و مهلوسين.... كثيرة هي الكلمات التي فرضت نفسها في قاموس الثورة الليبية. غير أن لفظة " الهلوسة " التي رددها العقيد في مختلف خطاباته " المهلوسة " تستحق الإهتمام. و كل من يشاهد أو يستمع إلى خطب القذافي يستنتج أن ملك ملوك إفريقيا بات يعيش لحظات النهاية. و لأن للموت سكرات، فإن كل ما يقوله أو يفعله الزعيم هو هلوسات نرجو أن تنتهي بسرعة لأن استمرارها يعني مزيدا من ضحايا الثورة... محمد مغوتي.01/03/2011.
التعليقات (0)