يعجب المرء عندما يقرأ مثل هذه الاخبار كيف انه في الزمن المعاصر زمن حقوق الانسان والحرية فان فريقا من الناس المؤمنين يضطهدون ويحرمون من اولويات الحياة كما يقررها ميثاق الامم المتحدة في الحق في الحصول على عمل وعلى تعليم لا بل مكان يدفن فيه وفق معتقداته .
مفتي صربيا: لا توجد لدينا مدرسة إسلامية وليست لدينا مقبرة للمسلمين!
منطقة الصراع المتواري... هكذا يصفها بعض المراقبين. هي منطقة البلقان التي تمثل بوتقة للخلافات الدينية والعرقية والإثنية، والتي تأخذ أحيانا شكل الصراع المتفجر وأحيانا أخرى شكل التعايش القلق، وتعد كوسوفا إحدى النقاط الساخنة في الصدام بين الألبان المسلمين والصرب الأرثوذكس، وجاء استقلال كوسوفا ليشكل مرحلة جديدة للمسلمين في صربيا الذين انقسموا حول هذه الخطوة. عن كل هذه القضايا التقينا مفتي صربيا محمد سباهيتش، وناقشناه حولها في الحوار التالي:
• نريد أن نتعرف منك على الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمسلمين في صربيا؟
- المسلمون في صربيا يبلغ عددهم 200 ألف نسمة، ويعانون أوضاعاً معيشية صعبة، فمن الناحية الاقتصادية نعاني البطالة التي تضرب كل منزل مسلم في صربيا، نتيجة التمييز الديني بين الأقلية المسلمة والأغلبية الأرثوذكسية، مما دفع إلى تصاعد معدلات الفقر لدينا، أيضاً لا نستطيع كمسلمين تملك مشروعات ضخمة، هذا فضلاً على أن الحكومة الصربية خصخصت جزءاً كبيراً من الممتلكات الاقتصادية والشركات العامة التي كنا نملك أجزاء كبيرة من أسهمها إبان العهد اليوغسلافي.
أما عن الوضع السياسي، فمسلمو صربيا لا يمثلهم في الحكومة الصربية إلا وزير واحد، ويشغل منصب وزير الأقليات من أصل (23) وزيراً أرثوذكسياً، وما أستطيع قوله هنا إن كثيراً من حقوقنا السياسية مهضومة.
وعن الجانب الاجتماعي أقول لك إنه بالرغم من كل هذه المشكلات السابقة فإننا مندمجون في المجتمع الصربي، فهي دولتنا بالأساس، وعلى الرغم من وجود تمييز ديني بيننا وبين الأرثوذكس فإننا نظهر في وسائل الإعلام كرجال دين معاً، ونقيم العديد من المشروعات الخيرية سوياً.
• منطقة البلقان مرت بمنعطفات خطيرة خلال حقبة التسعينيات، أبرزها التصفية العرقية التي مورست ضد المسلمين، كيف تنظر إلى ذلك؟
وهل تغير الوضع نوعياً الآن؟
- هذه ذكريات مؤلمة، لكن على كل حال كما قلت مسلمو الصرب عددهم يفوق مئتي ألف، يعيش أغلبهم في أجواء عدائية، لكن ليس من جانبنا، فنحن حاولنا نسيان الماضي، لكن الأغلبية الأرثوذكسية تنظر إلينا على أننا جزء من الأتراك العثمانيين، ولهذا السبب نعاني في مختلف مناحي الحياة، فمثلاً لا نملك مدرسة إسلامية واحدة، ونعتمد في توصيل تعاليم الإسلام إلى أبنائنا عن طريق إرسالهم إلى الأزهر والجامعات الإسلامية الأخرى، لكن في المراحل الأولى من تعليمهم يعانون كثيراً من فرض مناهج لا تناسب سوى الأغلبية الأرثوذكسية بالمدارس.
أضف إلى ذلك أن العاصمة بلغراد كان فيها (273) مسجداً، أغلبها مساجد أثرية، ولقد استنفدنا كل الحيل لكي نحصل على رخصة بناء مسجد كبير، لكن السلطات تماطل في تنفيذ مطالبنا، والغريب في الأمر أيضاً أنه لا توجد لدينا مقبرة للمسلمين.
• إذاً كيف تدفنون موتاكم؟
- إما أن ننقل موتانا للدفن في مدينة السنيحاق وهي على أطراف صربيا، وإما – وهذا في الغالب ما يحدث - يُدفن الموتى في مقابر النصارى!
• وما خطتكم للتحرك ضد هذه الإجراءات؟
- نعمل الآن على استخدام ورقة الأقليات لدى دول الاتحاد الأوروبي للضغط على الحكومة الصربية التي تسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد، ونتلقى ردوداً إيجابية من الأوروبيين.
هل يمكن أن تطلعنا على طبيعة هذه الردود؟
- الاتحاد طمأننا بأنه لن يقبل انضمام أي دولة إليه إلا بعد الحفاظ على حقوق الأقليات لديها، وذلك سيجبر صربيا على إعطائنا بعض حقوقنا
لكن أين العالم الإسلامي من هذه الأمور؟
- (مبتسماً)... على الرغم من كل التوترات التي عانتها علاقاتنا بالعالم الإسلامي على خلفية أحداث البوسنة وكوسوفا فإننا لم نجد تعاوناً كافياً من جانبه، ولكن لا نستطيع أن نغفل دوره، ولاسيما الدول العربية في أزمة كوسوفا الأخيرة.
ما تحفظاتكم على استقلال إقليم كوسوفا؟
- قبل استقلال كوسوفا وتحديداً في عام 2004 نشبت مواجهات دامية بين الصرب وألبان كوسوفا «المسلمين»، ووقع قتلى وجرحى وأحرق مسلمو كوسوفا بعض الكنائس، وبالتالي كان رد الأرثوذكس الصرب هو إحراق المكتبة الإسلامية في بلغراد، فضلاً عن إحراق المسجد الوحيد بمدينة «نيشي» التي تعد ثاني أكبر تجمع للمسلمين في صربيا، حيث يعيش أكثر من (35) ألف مسلم.
وجاء وقع إعلان كوسوفا استقلالَها صدمة كبيرة للصرب، لأنهم يعتبرون كوسوفا من حضارتهم، وبينما حظي مسلمو كوسوفا بدعم من واشنطن والغرب تعرضنا نحن - مسلمي صربيا - لعمليات تحرش من قبل الأرثوذكس بصربيا رداً على عملية استقلال الإقليم، وذلك اعتقاداً منهم أنهم يردون على مؤيدي ألبان كوسوفا.
لكن أليس من الطبيعي أن يشكل استقلال كوسوفا لديكم نقطة طمأنينة، ولاسيما أن البعض يعتبركم مهادنين للنظام الصربي؟
- نحن على خلاف مع ألبان كوسوفا، وهذا الخلاف تطبيقي وليس منهجياً.
المشكلة تكمن في أن الاستقلال جاء مبكراً، لأننا كمسلمين في صربيا لم نرتب أوضاعنا بعد، لا في كوسوفا ولا في موطننا الأصلي صربيا، إضافة إلى أن الاستقلال جاء نتيجة لممارسة العنف من جانب الطرفين (كوسوفا وصربيا) ونحن من دفع فاتورة هذا العنف.
وماذا عن الخلاف بينكم وبين ألبان كوسوفا؟
- المسلمون في صربيا منقسمون أمام هذه المسألة. هناك جبهة الجماعة الإسلامية وهي تؤيد الاستقلال، والبعض يعتقد أنها تنفذ أجندات غربية، لكنها ترى أن موقفها يساهم في تقوية شوكة المسلمين في البلقان.
أما جبهتنا نحن «جماعة صربيا الإسلامية» فنعارض الاستقلال للأسباب التي سلف ذكرها، ولاعتقادنا أن هذا الانقسام أجحف بحقوق المسلمين في صربيا.
ذكرت أن هناك جماعتين للمسلمين في صربيا ما معنى ذلك؟
- هناك جماعتنا في العاصمة ونشكل فيها أقلية، لذلك نُتهم بالتطبيع مع الحكومة الصربية، وهناك الجماعة الإسلامية في صربيا.
البعض يعتبرنا دخلاء على البلاد سواء من الجانب الصربي أو الجانب الإسلامي، باختصار نحن نشبه «فتح» و»حماس» في فلسطين، وتركيا تقوم بدور الوسيط بيننا في محاولة منها للتقريب بين وجهات النظر، ونحن نثمن هذه الجهود ونعلم أن هناك محاولات للفتنة بيننا ولكننا نعمل على وأدها.
التعليقات (0)