مفاوضات لإعادة دفن القذافي بعد تشييعه في جنازة رسمية
يبدو أن إنتكاسات الربيع العربي لم تعد قاصرة على مصر وحدها
في وقت أعلن فيه سياسيون ليبيون رفضهم لها باعتبارها «صفقات سرية»، مشترطين «محاسبة من ارتكبوا جرائم في عهد العقيد الراحل معمر القذافي طيلة حكمه أولا»، قالت مصادر رفيعة المستوى على صلة بالمفاوضات الجارية بين الفرقاء الليبيين بالقاهرة أمس، إن اللقاءات التي جرت مؤخرا، برعاية مصرية، تطرقت إلى إمكانية إعادة دفن العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ومساعديه في جنازة رسمية، بعد نحو ثمانية أشهر من دفنه وابنه المعتصم ووزير دفاعه أبو بكر يونس في مكان سري في الصحراء عقب انهيار نظام القذافي.
وأضافت المصادر، أن المفاوضات يقودها أحمد قذاف الدم، المنسق السابق للعلاقات المصرية - الليبية، وابن عم العقيد الراحل، وتتضمن العمل على رجوع 1.2 مليون مواطن ليبي يعيشون في دول الجوار (مصر وتونس والجزائر والنيجر).
وقال السياسي الليبي المعروف، محمد فايز جبريل، الذي مثل لسنوات المؤتمر الوطني الليبي في مصر: «أنا لست ضد المصالحة الوطنية، لكن لا بد ألا يكون التفاوض حول الجرائم وسلب الأموال والقتل التي جرت طيلة 42 عاما من حكم القذافي».
ومن جانبها، أوضحت المصادر، أن المجلس الانتقالي الليبي والقوى الليبية المعارضة من أنصار القذافي قاموا بعدة جولات من الحوار برعاية مصرية، مشيرا إلى أن الحوار جاد وليس لاستكشاف النيات، وأن قذاف الدم قام بإجراء اتصالات مع القوى السياسية والعسكرية المعارضة والقبائل المختلفة المعارضة للنظام الحالي لوضع خطة عمل ووثيقة اتفاق للخروج بليبيا من الوضع الراهن.
وأشارت المصادر إلى أن جولة الحوار التي تمت منذ أيام دارت حول تسليم رفات كل من القذافي ويونس والمعتصم بالله القذافي، وإعادة دفنهم مع إقامة جنازة رسمية. وتابعت المصادر أن المفاوضات تطرقت أيضا إلى إمكانية اعتبار كل مصادر القوانين قبل تشكيل المجلس الوطني غير شرعية وغير ملزمة مع عدم الاعتراف بأي محكمة إلا بعد بناء الدولة الليبية، والتأكيد على وحدة التراب الليبي، والتعامل بالمثل مع (الطرفين المتنازعين) أثناء الثورة على القذافي «بمعنى من تضرر من (ضربات حلف) الناتو مثل من تضرر من كتائب القذافي».
كما تطرقت المفاوضات إلى الدعوة لعودة مليون ونصف المليون مواطن ليبي من المهجرين منهم 700 ألف يعيشون في مصر و400 ألف في تونس ونحو 50 ألفا في الجزائر و50 ألفا في النيجر، إضافة إلى عودة المهجرين في الداخل إلى مدنهم الأصلية والذي يفوق عددهم مائة ألف مواطن. وتضمنت المقترحات الدعوة للإفراج عن 17 ألف أسير من بينهم الآلاف من النساء والموزعين على سجون غير قانونية ويمارس ضدهم التعذيب بشهادة منظمات حقوقية وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن المستهدف من الحوار هو التحضير لمؤتمر شامل يجري قبل انتخابات المؤتمر الوطني الليبي أو بعده مباشرة، لتحديد خطوط أكثر تفصيلا، بينما ذكرت مصادر أخرى أن هناك أفرادا يستفيدون من الوضع الراهن ويحاولون عرقلة هذا الحوار، ولكن قذاف الدم يؤكد أن الدفع بالحق يصعب عرقلته وأن مخلصي الوطن كثر وسوف يدفعون بالحق حتى ينتصر، وفقا لما أفادت به المصادر.
وقالت المصادر أيضا إن الجانب المصري يقف بقوة خلف المصلحة الليبية حفاظا على ليبيا الموحدة أرضا وشعبا، مؤكدا للجميع أن علاقة مصر التاريخية والجغرافية بليبيا «تحتم القيام بهذا الدور الذي بدأ عبر استقبال مصر لهجرات ليبية متعددة على مدار التاريخ، وأن الجيش السنوسي نفسه (الذي كان يحارب الإيطاليين مطلع القرن الماضي) كانت بدايته ودعمه وتسليحه على الأراضي المصرية». وأضافت المصادر: «من هنا فمصر ما زالت حتى الساعة تعتبر وحدة ليبيا الجغرافية واستقرارها من أولويات أمنها القومي».
ووصفت المصادر القريبة من حوار الفرقاء الليبيين، وهما المجلس الانتقالي وأنصار القذافي، محاولة لـ«بداية صحيحة» تضع ليبيا على طريق الاستقرار، واستيعاب الجميع دون إقصاء أو تهميش.
وكان قذاف الدم التقى مع شخصيات مكلفة من «الانتقالي الليبي» يترأسهم علي الصلابي. وأوضحت المصادر أن اللقاء تم على خلفية دعوة قذاف الدم للحوار عبر بيان له وزع منذ عدة أسابيع، دعا فيه الطرفين «للانحناء لليبيا، والعمل على بدء حوار جاد يلملم فيه الليبيون هذا الكم الهائل من الآلام، ويضمدون به جراح الوطن ويسقطون فيه لغة التخوين، والتخويف، والانتقام».
وتابعت المصادر أن الحوار الجاري الآن لقي استحسانا كبيرا داخل الشارع الليبي وبين الكثير من الليبيين المهجرين في الخارج، إلا أن «بعض العصابات المسلحة» تحاول عرقلة المصالحة لأنها «ترى فيه تهديدا لشرعيتها».
ومن جانبه، أوضح الناشط السياسي الليبي محمد فايز جبريل لـ«الشرق الأوسط» أن قضية المصالحة لا تتعلق فقط بما حدث أثناء ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، ولكن ينبغي أن تتعلق بكل الجرائم الحقيقية التي جرت طيلة أربعة عقود، مشيرا إلى أن «المفاوضات والمصالحة لا تكون بشكل سري، ولا تتم في الظلام.. لأن هذا غير مقبول». وشدد جبريل على أن المصالحة الحقيقة «ينبغي أن تقوم به أطراف واضحة جدا ومشهود لها بالوطنية. أما هذه الطرق (السرية)، والتي لا نسمع عنها إلا من الصحف، فهي أقرب إلى الصفقات».
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط
التعليقات (0)