كنا قد اتفقنا سابقا على أن المجتمع عبارة عن تكتل أفراد مرتبطين مع بعضهم بروابط معينة كالوطن أو الدين أو اللغة أو القومية ... وبالتالي فإن عملية البناء داخل المجتمع يجب أن تبدأ من الوحدة الأساسية البنائية المكونة للمجتمع وهو الفرد الواحد في المجتمع
لقد وهب الله هذا الفرد أربع هبات تفاعلية مثلت المادة الخام للإنسان والتي ميزته عن أي مخلوق آخر ، وهي : العقل المتمثل بالفكر الإنساني والقلب المتمثل بالعواطف والجسد المتمثل بالجوارح والروح المتمثلة بالمعاني غير الملموسة للإنسان ، وبالتالي فإن عملية التطوير والبناء في المجتمع تتمثل في تطوير هذه المادة الخام بالاتجاه الاجتماعي الصحيح
بالتالي نجد أن عملية البناء هذه تقع على عاتق الأفراد المنهكين في تطوير هذه المادة الخام ، وهذا يؤكد لنا أن هده العملية البنائية تعتمد على النوعية لا الكمية ، وهذا ما يفسر لنا كيف استطاعت دول استعمارية صغيرة السيطرة على مساحات شاسعة من العالم كسيطرة بلجيكا على الكونغو التي تفوقها 77 مرة في المساحة وبأكثر من 7 مرات بعدد السكان
إن مفهوم النوعية الاجتماعية المفهوم الرئيسي في المجتمع ، ويمكن تعريفه بشكل بسيط على أنه المرحلة التي تصل فيها عملية تطوير الفرد للمادة الخام لديه (الهبات الأربعة) لمرحلة الفعالية والوظيفية في المجتمع
يمكن تشبيه هذه المرحلة بمفهوم عتبة التنبيه في الطب ، حيث إن أي منبه على الجسم لا يمكن اعتباره وظيفيا إلا عندما تصل قوته لمرحلة التأثير الفعال على الجسم والذي يقابلة رد الفعل الملائم من الجسم ، كسحب اليد بعيدا عن منبه حراري بسرعة عندما تصل درجة الحرارة لمستوى معين يكون مؤثر ومؤذي للجسم ، ودون هذه العتبة يكون المنبه غير فعال على الجسم وتأثيره غير مجدي
في الواقع يمكن اسقاط هذا المفهوم على المجتمع ، فالعتبة الاجتماعية تمثل خط الانتاج الفاعل في المجتمع والذي يقسم المجتمع إلى قسمين أساسيين : القسم الأول يتمثل بالأفراد الفعالين في المجتمع والموجودين على خط العتبة الاجتماعية وما فوق ، والقسم الآخر يتمثل بالأفراد العاطلين اجتماعيا والموجودين تحت خط العتبة الاجتماعية
وبالنتيجة نجد أن : الوظيفة الاجتماعية الحقيقية داخل المجتمع تقع على عاتق الأفراد ما فوق العتبة وتتمثل بتأهيل الأفراد ما دون العتبة لنقلهم إلى مرحلة الفعالية الوظيفية في المجتمع وهذا هي المهمة الاجتماعية الأساسية في المجتمع
التعليقات (0)