للمرة الثانية في غضون شهرين يعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن ما سمي "عفوا عاما" عن مرتكبي الجرائم قبل تاريخ العشرين من الشهر الجاري.
في دولة تحترم نفسها و تحكم من طرف مؤسسات شرعية سيبدو هذا القرار غريبا و مستهجنا و خاصة غير قانوني.
فماذا يعني ان يصدر مسؤولا في الدولة حتى و ان كان في قيمة رئيس الدولة قرارا بالعفو عن "مجرمين" اذنبوا في الحق العام؟ و ماذا يعني أن يكون المكان الطبيعي للـ"مجرم" الشارع عوضا عن السجون؟؟ و ماذا يعني هنا ان يكون المثل المتبع هو (عفا الله عن ما سلف).
الجواب سهلا جدا و لا يتطلب ذكاءا خارقا للعادة، ففي المزارع العربية...،عفوا قصدت في الدول العربية، تعريف الجرائم، كما كل شئ في الواقع، تعريف فضفاض و هلامي و قابل لان يفهم على اكثر من معنى.
ففي "الديمقراطيات" العربية الجريمة لا تشمل فقط القتل و السرقة و الإعتداء المادي و المعنوي على الممتلكات و الأعراض بل يتعداها ليشمل مجرد أن تفتح فمك و تردد كلمة "حرية" أوأن تنزل الى الشارع في حركة احتجاجية و ترفع لافتة كتب عليها "الشعب يريد عدالة و ديمقراطية"، أو أن تفكر نقيض ما يفكر فيه "سيادة الرئيس" بخصوص الدولة و الشعب و السياسة بجميع تفرعاتها و تعبر عن تلك الأفكار .
فالجميع يعرف و اولهم "سيادة الرئيس" ان الآلاف ممن سماهم "مرتكبي الجرائم" هم في الغالب سجناء و معتقلو راي نزلوا الى الشوارع و هتفوا للحرية او كتابا و مدونون"استمرؤا" فعل الحرية في كتاباتهم و فقط بذلك هم "مجرمون" و فقط لذلك حق عليهم غضب القائد الملهم و العبقري الفذ.
و على خلاف كل العالم الذي يعترف بمفهوم "المعتقل االسياسي" فإن دولنا العربية لا تعرف معنا لهذه الكلمة ليس، معاذ الله، انكارا او وقوفا خلف الإصبع، بل لانها، كما يسمعنا "سيادة الرئيس" بين الفينة و الاخرى، كلمة "غريبة عن قاموسنا" و دخيلة على "أعرافنا الديمقراطية"العريقة، و حاشى لسجوننا العربية ان تضم بين جنباتها اشخاصا بتلك المواصفات التي تحملها كلمة "معتقل سياسي".
لذلك يا "سيادة الرئيس" كنا نتصور بعد هذه الشهور من الصمت انك فهمت ماذا عليك ان تقول و ماذا عليك ان تفعل و لكن يبدو انك لن تفهم مثل (شقيقك) التونسي الا بعد فوات الآوان، مع اختلاف بسيط أنك لن تستطيع ساعتها أن تقول "غلطوني" لأنه على ما نعتقد و من ساعتها أصبح من الواضح أن ( الحلال بين و الحرام بين).
التعليقات (0)