مـَنْ يحمي الحدود يا مسعود ؟ يتفق الجميع على ان الدساتير الوضعية بمختلف أنواعها وأشكالها قد وضعت لتنظيم حياة الفرد والمجتمع في شتى بقاع المعمورة بغض الطرف عن الاختلاف الحاصل في حزمة هذه القوانين من بلد الى آخر، وهذا لا يعني انها تتصف بالكمال المطلق وانما نسبي، وبرغم ذلك يبقى الدستور هو المنظم الرئيس لحركة المجتمعات وخلافه تتحول الحياة الى غابة يسودها حكم القوي، وبما ان الكثير من الدساتير تنبثق من ارادة الشعوب من خلال التصويت عليها إلا انه لا يعني بانها نص مقدّس انزل من السماء ولا يحق لاحد الاعتراض عليه أو تعديله، وفي الوقت نفسه يُفترض على الجميع ان يحترمه من أعلى الى أدنى موظف في الدولة، لانه في محصلة الأمر هو استنتاج ارادة شعبية ارتضت به ان يكون هو الفيصل في حل النزاعات والخلافات وعدم تجاوزه أو القفز عليه. لا أود الإطالة أو الخوض في هذا الموضوع المترامي الأطراف بقدر ما أود الاختصار والاشارة الى ان العراق الجديد ابتلى بدستور جامد كتب على عجالة في ظروف استثنائية، مليء بالشفرات والطلاسم التي يصعب حلها إلا بعد حين، وهذا لا يعني افراغه من المواد والفقرات الايجابية، فهو بطبيعة الحال انجاز كبير جداً لشعب وحكومة مرّت وعاشت في ظل مرحلة قاسية آنذاك، اذ ولد من رحم المعاناة والظروف الصعبة التي كابدها ابناء موطني، ما يؤسفني ان هذا الانجاز قد اصبح كـ(عذر ملوح) عندما يتم خرقه والتطاول عليه سيما من قبل رجالات الدولة والحكومة، فنرى الكثير يتحجج بالدستور عندما يخرقه ويقول: ان المادة الفلانية تنفي وجود المادة الأخرى وان الفقرة (ب) تحتاج الى تشريع قانون آخر، وعندها يصبح كالعجينة بيد السياسيين ويبدو ان مسلسل الخروقات الكردية للدستور هو الاكثر جدلاً وتساؤلاً، فما ان ننهي حلقة حتى نبدأ أخرى بحلّة جديدة تختلف عن سابقتها، فبالامس القريب طفت على سطح المشهد السياسي مشكلة التنقيب عن النفط من قبل اكسون موبيل وشيفرون ومن ثم تلتها تصديره من قبل كردستان الى دولة الرجل المريض، حيث تعد هذه الخطوة انتهاكا واضحا وصريحا للدستور الذي يفيد بان الحكومة المركزية هي المسؤولة عن التعاقد مع الشركات الاجنبية، ناهيك عن مسألة التصدير، حينها تحججت حكومة الاقليم بان الدستور كفل لها التعاقد مع الشركات الاجنبية مما يتطلب تشريع قانون النفط والغاز لحل هذا الاشكال، وما ان استقر سعير هذه المشكلة نوعاً ما حتى برزت مشكلة حماية الحدود بعد ان أخذت الأوضاع السورية تزداد سوءاً سيما ان رئيس كردستان اعترف علناً بان الاقليم يدرّب الاكراد السوريين للدفاع عن انفسهم حسب تعبيره فضلاً عن ان اللاجئين السوريين أخذوا بالتوافد على العراق ما يتطلب من الحكومة المركزية حماية الحدود وأخذ الاحترازات الأمنية مثلما فعلت انقرة وعندها اعترضت البيشمركة ومنعت الجيش العراقي من التقدم. العجيب ان حكومة الاقليم غالباً ما تطالب الحكومة المركزية بحماية الحدود من التجاوزات التركية وتعترف بان حماية الحدود من واجبها، وهنا يكمن السؤال: ما سر هذا التناقض، ومَنْ يحمي الحدود يا مسعود... البيشمركة أم الجيش العراقي؟ اعتقد ان الدستور هو الكفيل بالاجابة..
التعليقات (0)