بشرى الهلالي
بعد إن يئس من الحصول على جواب بخصوص معاملة التعيين التاريخية التي أخذت من زمنه شهوراً عدة، نصحه أهل الخير باللجوء الى الوزير، فشحذ عبد الله الفقير كل زوايا ذاكرته بحثاً عن سبل الوصول الى الوزير وحشد جيوشاً من المعارف والمقربين من حضرة الوزير، وتم له ما أراده.
فقد حصل على توقيع الوزير المبارك على طلب التعيين، واستيقظ في اليوم الثاني، وربما لم يغمض له جفن بانتظار أن تفتح الوزارة أبوابها ليرمي بـ (الجوكر) في وجه المدير المختص الذي ستكون مهمته فقط التهميش على المعاملة استجابة لرغبة الوزير.
وظن أن المدير العام سيرتجف- كما كان عليه الحال سابقا- وهو ينهض من كرسيه ويرفع يده تحية لتوقيع السيد الوزير ويقدم للعبد الفقير كل التسهيلات اللازمة ولكن صدمته كانت أكبر من أن يستوعبها عقله الذي برمجه على الفرح لليلة كاملة، فقد صرح السيد المدير العام بأن توقيع الوزير ليس "فرمانا" وأن الوزير المعني لا يعلم بعدد الدرجات الوظيفية الشاغرة، وأن على العبد الفقير ان ينتظر مزنات المطر الشحيحة لوزارة المالية والموازنة السنوية لهذا العام التي زادت على ميزانية فطاحل الدول لكنها تقلصت أمام الدرجات الوظيفية، ولم يكن أمام صاحبنا سوى أن يسأل ويتساءل عن وسيلة يستفيد بها من توقيع الوزير، وبكل ود ابتسمت الموظفة الأنيقة وأخبرته إن توقيع الوزير قد يعني الكثير إذا ما حصل على الكتاب الذي يزينه التوقيع، وداعبت بشائر الأمل العبد الفقير ليهرع ثانية الى الوزارة للحصول على معاملته انطلاقا من مبدأ (جزنا من العنب ونريد سلتنا) ولكن أصحاب العنب تمسكوا بالسلة، ولم يسمحوا بصدور الكتاب إلا بموافقة المدير العام الذي يأبى الموافقة، وهكذا وجد نفسه في دوامة بين (الخال وابن أخته)، وهو الغريب الذي لا ظهر له.
فلم يكن يعلم أنه في بلد المليون وزير وأن دوائرنا الحكومية لم تعد تخضع للقوانين الإدارية العالمية والمحلية بل لمزاج كل فرد فيها، وأن تطبيق الديمقراطية الجديدة جعل من الجميع وزراء ابتداءً من حارس البوابة وحتى المدير العام، فلم يعد غريباً أن يرفض موظف الحسابات صرف صك ما، وليس بعيدا أن يخفي موظف الإدارة إحدى المعاملات، وليس جديداً أن تجد نفسك أصغر من نملة أمام حضرة سكرتير المدير أو مدير مكتب المدير.
فكما أصبحت كل السيارات (الخاكية) دولاً مستقلة متنقلة عكس نظام السير في العاصمة، وكما أصبح كل الرجال (الخاكيون) ضباطاً وقادة عسكريين يملكون الحق في انتزاع الروح من البدن تحت أي مسمى، أصبح كل الموظفين (ديمقراطياً) وزراء ومديرين عامين، لذا فكر صاحبنا بأن يترك التفكير في موضوع التعيين، ويبحث عن منظمة عالمية تدعمه مالياً ليفتح جمعية تنادي بإلغاء كليات الإدارة والاقتصاد وقوانين السلّم الوظيفي والهيكلية وكل المناهج المحلية والعالمية، فقد توصل العلم الحديث في دولتنا (الحديثة) بعد بحوث عدة (حديثة) الى قانون جديد قديم تم اعتماده في إدارة الدولة، وهو من أسهل القوانين التي لم يستطع كل الفلاسفة وخبراء الاقتصاد الـ (البطرانين) اكتشافه برغم أنه مورث ومعروف حتى بين الأطفال، ويمكن اختصاره في ثلاث كلمات (كل شخص يده له)، وذلك بعد ان عجز عن معرفة من هو الوزير ؟!.
التعليقات (0)