مهـاتيـر أوف خـــرطـوم
مصعب المشرف
11يوليو 2021
دون كثير جدال لن يختلف عاقلان على أن الرئيس حمدوك قد أصبح اليوم وبعد نجاحاته النوعية المتعددة الممتدة في حلحلة الكثير من مشاكل السودان الداخلية المزمنة على إمتداد عصر دولة الكيزان البائدة ، والتي ارتبطت بالعزلة عن المجتمع الدولي على النحو الذي يعرفه الجميع ولا حاجة لتكراره . أقول لن يختلف عاقلان على أن حمدوك اليوم هو المؤسس الديناميكي الفاعل لسودان جديد وصنواً لنموذج الدكتور مهاتير أوف كوالالمبور . وبما يجعلنا على جدارة بوصف حمدوكنا هذا بأنه "مهاتير OFخرطوم".
وعلى طريق اٌصلاح وإعادة البناء الصعب قرر د. عبد الله حمدوك مؤخراً أن يدخل راسه في عش الدبابير، ويتعهد باستعادة كافة الاموال المنهوبة المحوّلة خارج السودان.
ثم جاءت مكالمته المثمرة مع السفيرة "سامانثا باور" مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإدخال السودان في مشروع الطاقة الكهربائية الأفريقي العملاق (30 ألف ميغاواط) ؛ بما يبعث وينعش الأمل في دخول البلاد مجال إنطلاق التنمية الزراعية والصناعية والمجتمعية ودخولها حـيّـز الواقع والممكن والتنفيذ.
عموما فان استعادة الشعب السوداني لأمواله تتطلب إلى جانب الإرادة السياسية سند دولي مؤسسي عريض وتراكم ضغوط حقيقية على عواصم إستقبال الأموال المنهوبة ، وبذل جهود متواصلة تستغرق سنوات. ولكن المشوار يبدا بخطوة.
والذي ينبغي أن يعيه الجميع هو أن هذا السند والدعم والإنصات والإحترام الدولي الإستثنائي المطلوب توافره للسودان لن يتحقق إلاً بوجود حمدوك في رئاسة الوزارة طوال السنوات العشر القادمة على أقل تقدير؛ ليتمكن من وضع البلاد على الطريق القويم.
وافضل ما سينتج عن الجهود في إستعادة الأموال المنهوبة من تحركات وإتصالات على الصعيد الدولي ، هو ارساء قاعدة جديدة لم يكن معمولاً بها في السابق لجهة إستعادة هذه الأموال . كما وستتراكم خبرات سودانية نادرة في كيفية تتبع هذه المنهوبات أينما كانت واستعادتها.
ولاشك أن زيارة المؤسس حمدوك الداعمة إلى مقر لجنة إزالة وتفكيك تمكين إنقلاب الثلاثين من يونيو وفساد "أئمة" الكيزان، إنما يفهم منها التنسيق ما بين رئاسة مجلس الوزراء ولحنة التفكيك لتمتد إلى الخارج ، وتعمل في المساعدة على تتبع هذه الأموال المنهوبة.
كافة الطغاة الذين حكموا البلاد (مدة 52 سنة) بعد الإستقلال ؛ كانوا يظنون أن إدارة الدولة لا تكون إلاً بحراك ومعطيات الداخل . فكانت كل أنظمتهم تنتهي مآلاتها إلى النهب والسرقة وتحويل الأموال المنهوبة إلى الخارج، وإستثمارها لمصالحهم الخاصة وزوجاتهم وفلذات أكبادهم على هيئة عقارات أو على هيئة أموال سائلة مودعة في مصارف سويسرا وماليزيا وتركيا.
واليوم يأتي حمدوك بمنهج وخطط علمية حديثة مبتكرة تستند إلى تجارب نجحت بها الدول العظمى واستطاعت الخروج بشعوبها إلى بر الأمان عقب الدمار الذي حاق بها خلال الحرب العالمية الثانية.
لا تنمية إذن بإمكانها أن تتحقق دون سند دولي من لدن إقتصاديات ومؤسسات مالية ، وأنطمة سياسية لاتسوقها رياح وتيارات الأهواء والأمزجة الشخصية.
إن الأمل في منجاة سودانية من إنقلابات العسكر والمليشيات ، وقصور عقليتهم ونوعية خبراتهم (القتالية ، التدميرية ، والسمع والطاعة ، وصفا وإنتباه ، وأضرب في المليان) في فهم وإستيعاب طبيعة تجاذب ومقتضيات حراك وسلمية وتفاهمات الحياة المدنية ناهيك عن إدارتها وتنميتها . هذا الأمل يظل معدوماً طالما بقي السودان معزولاً عن المجتمع الدولي ، وغير مرتبط إرتباطاً إقتصادياً وأمنياً موجباً بمصالح الدول العظمى الإستراتيجية. ووفقاً لهذا المفهوم نتوقع أن تمضي إستراتيجية حمدوك في التأسيس على قواعد راسخة.
وغني عن القول أن فرص النجاح في هذه الإستراتيجية تتوقف على كاريزمية حمدوك الطاغية التي تحققت له حول العالم اجمع .
وعلى العكس مما يحاول به الخصوم والأعداء من إطلاق للأوصاف والنعوت السلبية الإستفزازية في حقّه . يظل حمدوك هو الرجل القوي الأمين بعلمه وقدراته ، وصاحب الحزم والحسم . المدرك بأين يضع البلسم وكيف يضمد الجراح . وأين يضع مبضعه ومشرطه . ويلبس لكل حالة لبوسها بما يقتضيها من المعالجة العادلة الناجزة.
إن الذين ينبحون بمقولة "حمدوك لايمتلك قاعدة شعبية" هم بلهاء من صنيع السودان القديم قبل عاصفة ثورة ديسمبر المجيدة بشبابها المثقف المتعلم . القادر على السيطرة والتواجد وإقناع الآخرين في وسط الأحياء والشوارع والطرقات والمؤسسات والمعاهد التعليمية . وعلى هؤلاء فليستند حمدوك ويبني بهم ويدعم منجزاته الماثلة والقادمة.
كل ما في الأمر أن عامة الناس قد تعودا على حكم العسكر وضرب العصا وأعقاب البنادق ، ولسعات ومهانات السياط . وأنهم جرى سياقتهم في هذا الوادي طوال الفترة من عام 1821م حتى عام 1956م بهذا المنطق والطريقة من العنف والبطش والإهانة والإستعباد والإسترقاق . ثم جاءت فترة ما بعد الإستقلال على ما هو معروف من دكتاتوريات (6 + 16 +30) بيد إبراهيم عبود و جعفر نميري وعمر البشير لتمارس الشيء نفسه . ومن تربى ونشأ على شيء إعتاده عليه وقبل به حتى لوكان عبادة أصنام وتقديس أوثان وتصديق ومتابعة كذّاب.
إن الخبرات الإنسانية المتراكمة في هذه الأرض تقول أنه إذا كان البناء على إبتداء أصعب بكثبر من الهدم . فإن إعادة بناء ما تهدم هو الأصعب على الإطلاق.
وواقع الأمر فإن التحديات أمام ثورة ديسمبر لا تخطر على عقل بشر . فقد إمتد هدم الكيزان ليشمل كل كبيرة وصغيرة في هذا البلد من مؤسسات إنتاجية وخدمية إستراتيجية وامتد التخريب إلى هدم قيم ومثل المجتمع . فأصبح المال والمصالح هي الرحم والسيد . وأصبح عقوق الوالدين وعدم إحترام الأجداد والأعمام والأخوال والتعدي عليهم بالشتم والضرب هو المنهج.
وقد أتى كل ذلك نتيجة خطط محكمة وسياسة ممنهجة غايتها هدم المجتمع القائم وإعادة بنائه على أسس أفكار حسن البنا المقولبة المنادية بتذويب معاني الوطن والوطنية من قلوب الناس ، كتمهيد لإعادة الخلافة الراشدة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. والرد على هذه الفكرة الشاذة والمفهوم الساذج المتكاسل المُتواكل المُعوَوج يحتاج إلى مقال قائم بذاته مدعوم بآيات قرآنية وأحاديث وخطب نبوية شريفة كان أبرزها ما جاء في خطبة الوداع التي بيّـن فيها أشرف الخلق و (خاتم) الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم : (إن الزمان قد إستدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) .
هذه الحقيقة التي وردت على لسان أشرف الخلق تنفي ضمنياً إمكانية وجدوى عودة عقارب الساعة إلى الوراء بعد توقيت ذلك الموقف وتلك الخطبة المهيبة. ويؤكد أن القادم حتى قيام الساعة لن يكون إستنساخ لما مضى . وإنما تراكمات مستقبلية نتاح تجارب إنسانية تتجاذبها وتتصارع فيها الإيجابيات مع البدع والسلبيات والأهواء البشرية حتى قيام الساعة.
والطريف أننا لم نجد ولم نسمع أو نلمس ونرى تطبيقاً أو مجرد إستعداد لتطبيق فكرة إعادة الخلافة الإسلامية التي أستند عليها حسن البنا هذا حتى لدى أتياعه الذين اكتفوا بإستغلال الدين وترويج بضاعة حسن البنا الكاسدة في أسواق البسطاء والبلهاء.
التعليقات (0)