لقد سرقتنا الصحف ..ووكالات الأنباء.. والأخبار من أنفسنا ..
بقدر ما صرنا صحافيين ..أو مراسلين.. أو محللين.. أو منظرين فقد ابتعدنا عن روح التدوين .. تدوين النفس والبصمة الشخصية ...
أعتقد أن التدوين الذي هو ترجمة لخلجات النفس وبصمة للشخصية هو الحاضر الغائب في كتاباتنا ..
التدوين ربما هو أقرب لكتابة مذكرات وترجمة حياة من كونه كتابة خبرية صحافية ..
كنت أعتقد أنني بالتدوين سأكتب عن مواقف صادفتني ..أو أشخاص في حياتي.. أو تجارب شخصية مررت بها ..
كنت أعتقد أنني سأتحدث عن عواطفي .. وعن محطات الفشل والنجاح في حياتي ..
كنت أعتقد أنني سأكتب ما يشبه اليوميات والمواقف التي مررت بها خلالها ..
كنت أعتقد أنني سأكتب عن أول خطاب كتبته إلى زميلتي في الإبتدائي وماذا كتبت فيه وكيف كان اضطراب قلبي وخجلي وتمزيقي للخطاب قبل أن يقع في يد زملائي التلامذة..
كنت أعتقد أنني سوف أكتب عن أحلامي وأنا في الإعدادي بأن أنجح في تسلق شجرة التوت وأملأ أكبر وعاء منه وأجلس أنا وأصحابي لنأكل ونلعب بعد هربنا من الدرس ..
كنت أعتقد أنني سأكتب عن آمالي وأنا في الثانوي بأن أمتلك يوماً ما سيارة وأن أكون شاباًً فارعاً فارهاً وسيما ً (بالمناسبة لست كذلك البتة) أجوب الدنيا .. وتقع في براثني أجمل الجميلات.. وأمتلك السيارة الفخمة والأموال الطائلة ..
كنت أعتقد أنني سأكتب عن صدمتي وأوهامي حين وقفت لأول مرة على رصيف الحياة حاملاً شهادة تقول أنني أتممت دراستي الجامعية ولكن بدون رصيد سوى بعض الأحلام المعطلة ..
كنت أعتقد أنني سأكتب عن صراعي مع الحياة وكيف كنت وماذا أصبحت ..
كنت أعتقد أنني سأكتب عن التيارات الفكرية التي عصفت بعقلي وضربت أوتاده وجعلتني بعد طول مخاض لا أدري أين أقف وأين ذاتي ..
كنت أعتقد أنني سأكتب عن أحلى قصائدي التي لحنها قلبي وغناها كياني وكتبتها مشاعري حين استقبلت فاطمة ابنتي وأكسبتني الحياة لقب (الأبوة) ..
كنت أعتقد أنني سأكتب ذاتي.. وعن ذاتي ..
ولكن فوجئت أنني كما الكثير من زملاء التدوين انجرفنا انجرافاً نحو الكتابة الصحافية أو الإعلامية أو الخبرية ..
نتحدث عن الحروب وأمريكا والمذاهب والأمراض والرؤساء والحجاب والنقاب والأديان وأوربا والعرب والبترول والغاز ..
نتحدث عن أي شيء وفي كل شيء ..إلا نحن.. إلا أنفسنا .. نتعمد الابتعاد عن المساس بذواتنا .. وحياتنا ..وتجاربنا .. وشخصياتنا.. وإنسانيتنا .. وخصوصيتنا ..
بعض من زملائنا استهلوا الدخول والكتابة في إيلاف بكتابات ذاتية تعبر عن بصمتهم وشخصيتهم وذاتيتهم كانت غاية في الجذب والثراء والرونق والجمال ..
ثم ما لبثوا قليلا حتى انخرطوا واندمجوا واختلطوا بالغالبية المكتفية بتناول خبر من هنا وتعليق من هناك وحادثة من هنا وقصة من هناك ..
وبذلك نكون قد خسرنا مدونين غاية في التميز والبراعة في التعبير والتدوين الحقيقي . .
ولن أسمي أسماء فهم يعرفون أنفسهم ويعرفون أنني أقصدهم ..
كما أعتقد أنهم غير راضين كثيراً عن ابتعادهم الاختياري أو القسري عن الكتابة الذاتية ..
ربما لانتشار مدوناتهم ومعرفة القريبين منهم بها وخشيتهم من التحدث عن أنفسهم أمام قراء يعرفونهم .. وهذه من آفات ظهور المدون وتعريفه بنفسه ..
أتمنى لنفسي أولاً ولزملائي العودة إلى الكتابة الذاتية .. أو كتابة النفس .. والقلب والجوانح .. كتابة اليوميات.. كتابة التجربة والموقف .. كتابة الذكريات .. كتابة المشاعر والأحاسيس ..
التعليقات (0)