مواضيع اليوم

مـــاذا حــدث للإنســان ؟!

محمد شحاتة

2010-05-15 13:49:34

0

توقف التاكسي بالقرب من نهر الفرات ..

نزل منه طفلان بينما نزل الأب حاملاً طفلين آخرين صغيرين ..

تحلق الأطفال حول أبيهم وهو يتحدث إلى سائق التاكسي طالباً منه أن يلتقط له ولأطفاله صورة بتليفونه المحمول قبل أن يوصلهم إلى مكان ما قريب ثم يعود إليه ليكمل مشواره ..

استجاب سائق التاكسي لهذه اللحظة الأسرية العاطفية .. وقف الأب جاعلاً من البحر خلفية له ومن حوله أطفاله ينظرون إلى عدسة التصوير بكل ما في عيونهم من براءة وبكل ما في طفولتهم من بساطة ..

بعد التصوير غادر الأب المكان بصحبة صغاره وغاب عن ناظري سائق التاكسي .. وصل الأب إلى حافة النهر ..

كان الأطفال يسيرون مع أبيهم في أمان الله وبراءة الطفولة والحب الغريزي لأبيهم باعتباره هو القوة الحامية لهم وهو درع أمانهم وهل هناك طفل في الدنيا لا يسلم نفسه لذراع أبيه وهو يتلذذ بتطويحه في الهواء مداعباً ثم يستقبله بين ذراعية ليستقر على صدره ويحتويه بين ضلوعه والطفل لا يمل من المداعبة والملاعبة ..

طفلك الذي يهوي عليك حين تكون عائداً من عملك الشاق فتنسى الدنيا كلها وتنسى متاعبك وتنسى الحياة لأن حياة أخرى هرعت إليك لترتمي بين أحضانك فلا شيء في الدنيا أروع ولا أمتع ولا أجمل ولا أغلى ولا أحلى من هذه اللحظة ..

ولا تساوي مصائب الدنيا كلها شيئاً في نظرك إذا رأيت طفلك يئن تحت وطأة المرض أو ارتفاع درجة حرارته وأنت تكاد تجن وتتمنى أن تكون مكانه و يتقطع جسدك حين تسمع آهاته الواهنة وتستشعر آلامه ... 
وقف الأطفال الصغار حول أبيهم بالقرب من النهر وهم (كالدجاج )الساكن  المستكين في ظلمة الليل البارد يلوذون بدفء ساقي أبيهم يتعلقون بها ويتحلقون حوله في شعور طفولي برئ وعارم أن الدنيا على رحبها وسعتها لا شيء فيها آمن وأدفأ من قربهم والتصاقهم بأبيهم .. مد الأب يديه نحو طفلته الكبرى ( خمس سنوات) وحملها بين ذراعيه ..

استجاب الجسد الصغير للذراع القوية واستكان بين يدي الأب . نظرت الطفلة إلى أبيها متطلعة لا ينتابها ثمة شك في كون أبيها يضمر لها شراً .. ارتفع الجسد الواهن الصغير في الهواء ....

وفجأة ... طار الجسد البريء .. نحو البحر .. !!!

يا الله .. يا الله ..

ماذا كان عقل الطفلة يفكر في الفترة التي طوحتها يد أبيها من العلو لتلقيها في مياه نهر الفرات ؟..

وماذا شعرت الطفلة ذات الخمسة أعوام و جسدها يرتطم بمياه النهر كنقطة صغيرة متناهية في الضعف أمام جبروت النهر الصاخب ؟ لحظات وكانت يد (الأب) تمتد إلى طفله الثاني(أربعة سنوات) ليرفعه في الهواء ويلقيه في مياه النهر ..

والطفلان الباقيان لا يعيان شيئاً !!..

لا يدركان في هذه اللحظات التي تذوب فيها قلوب أعتى الشياطين والأبالسة هلعاً وفرقاً وفزعاً لمرأى هذا المشهد المريع سوى أن عددهم يتناقص من أربعة إلى ثلاثة إلى اثنين .. ثم امتدت يد الأب إلى طفلته الثالثة (ثلاث سنوات) وحملها بيديه ..

انصاع جسدها بقوة الضعف بين يدي أبيها الذي رفعها في الهواء وألقاها هي الأخرى بمياه النهر .. وأخيراً كان الدور على الطفل الصغير الأخير ( سنة واحدة) لم يكن جسده الصغير الذي لا يزيد عن قطعة لحم تحتاج سوى ليد واحدة لترفعه من على الأرض في حركة خاطفة ليرفعه في الهواء – لا لكي يتلقاه بين أحضانه مداعباً كما دار في خلد الصغير- ولكن ليحتضنه النهر في قلبه ..

أربعة أطفال استقبلتهم مياه نهر الفرات الواحد تلو الآخر وقد استحالت مياهه دموعاً تنزل ودماء تنزف لمرأى هذا المشهد البشري الذي بلغ الغاية في القسوة .. والذروة في الجرم ..والقمة في الخلل الغريزي للنفس الإنسانية التي لم تكن تختلف هي والنفس الحيوانية في حبها لصغارها وتفانيها فيهم والتضحية بروحها رخيصة في سبيل الذود عنهم ..

هذه ليست الحادثة الأولى بل يحدث مثلها وأنكى منها في جميع بلاد العالم لا فرق بين متحضر ومتخلف ولا بين عالم أول أو ثالث .. الزهور الصغيرة والبراعم البريئة صارت رهينة بيد  لوثة وحشية أصابت الإنسان في جيناته البشرية .. بينما سلم منها الحيون ..

بقيت النفس الحيوانية على غريزتها حتى اليوم ..

الحيوان يقاتل من أجل صغاره حتى الموت ..

بينما أصاب الخلل الغريزة الإنسانية فصار الأب يقتل أولاده بسبب خلاف عل شيء تافه مع أبيه لا ذنب ولا شأن ولا وعي للصغار به!! ما هذا أيها البشر ؟

الصحف تقول أن الأب في كامل وعيه وتمام عقله وقت اقترافه لجريمته وحتى الآن..

                                            ماذا حدث للإنسان ؟

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !