مغزى المهلة الأخيرة لبشار
ينبغى أن أذكر أولا إننى كنت من أشد المعترضين على ضرب العراق بعد غزوه للكويت فى عام 1990 ، خاصة بعدما أبدى الرئيس صدام حسين تجاوبا مع كل الإعتراضات الشعبية العربية والدولية على غزوه للكويت ، والتى طالبته بالإنسحاب الفورى من الكويت بدون شرط أو قيد . فعزم صدام بعدئذ على الإنسحاب ، وعلى أن يعود أدراجه عن ذلك الغزو ، لكنه قد أحيل بينه وبين ذلك حتى يحدث ماحدث ونراه فى العراق اليوم والآن ..!
وهذا يستتبع بالضرورة أيضا عدم موافقتى كذلك على الإطاحة بنظام صدام حسين بالقوة ومن خلال التدخل الأجنبى أو الخارجى ، وقد كان لى فى ذلك مواقف وكتابات ، وحتى مشروع بحث لم يكتمل .
وينبغى أن نتذكر هنا نداءات ومناشدات حافظ الأسد الأب ذاته للمجتمع الدولى ، وإبان ضرب العراق فى عهد بوش الأبن ، بعدم رد إسرائيل على أى إستفزاز عراقى من قبل صدام حسين حتى لا يورط العرب ، وبالأحرى سوريا ، فى حرب مع إسرائيل غير مستعدين لها ، وحتى لا "يحرج" دول الطوق وفى القلب منها سوريا ، الأمر الذى يمكن أن يكسبه شرعية ، أو شعبية عربية " سيسية" ــ نسبة للفريق عبد الفتاح السيسى ــ يمكن أن تسحب البساط من تحت أقدام الزعماء العرب الفعليين فى البلاد .
والمدهش أن الولايات المتحدة ــ وكذا إسرائيل بطبيعة الحال ــ قد أقتنعت بنظرية الأسد الأب فطلبت من إسرائيل عدم الرد على أى هجوم عراقى على إسرائيل بالصواريخ أثناء ، أو بعد ضرب العراق ، إذا نفذ صدام وعده بضرب إسرائيل فى حال تعرضه لأى هجوم أو إعتداء خارجى ..!
و فى جزء من الحرب النفسية ضد صدام ، والتى جند فيها مبارك ، وبوعى وإدراك وقبول ورضا تام منه ــ حيث كان جزءا أصيلا وأساسيا وجوهريا من مخطط ضرب وتفتيت وتدمير ليس صدام حسين فقط ، ولكن العراق أيضا ، وكما دمر مصر كذلك بطرق ناعمة وخشنة معا ، كما يقال أنه تحالف مع أسبانيا أيضا ، وحيث يوجد حسين سالم ..! ، ضد المغرب فى قضايا تتعلق بإحتلال أسبانيا لأراضى مغربية فى سبتة ومليلة وقضايا أخرى محل نزاع بين البلدين ، ولذلك فقد إستقبل بفتور تام فى أخر زيارة له للمغرب من قبل العاهل المغربى ، والأسرة المالكة بعدما علموا بتآمره ضد بلادهم ..! ــ علق مستخفا بقذف صدام لإسرائيل بالصواريخ قائلا : " ده بومب شم النسيم " ..!
ويبدو أن نظرية الدومينو فى إنهيار وتآكل عالمنا العربى ، دولة بعد أخرى ، قد باتت الآن أكثر وضوحا وجلاءا من أى وقت مضى . ولا يعنينى هنا ، والآن ، رصد الأسباب والمسببات بقدر ما يعنينى الحديث عن الحفاظ ، وقدر الإمكان على أغلى ما هو موجود فى تلك الدول ، وهو الفرد ، أو الإنسان العربى ، ومن ثم الشعوب العربية ذاتها ، ومن هنا كانت مواقفى المعروفة والمنحازة لشعوبنا العربية كافة ضد كافة أنظمة الحكم العربية القمعية الجائرة ، وخاصة نظام حكم مبارك ودولته العميقة الحاكمة والمتحكمة الآن فى مصر ، و نظام حكم بشار الأسد الذى أوغل فى قمع وقتل شعبه الذى خرج سلميا ومسالما ذات يوم ، ومنذ ما يقرب من عامين ونصف تقريبا ، يدعو إلى بعض الإصلاحات وبعض الحقوق ، أو الحد الأدنى من الإصلاحات والحقوق ، وذلك فى ظل بقاء الأسد ونظامه ، فقوبل من قبل جيش الأسد بالرصاص الحى والدبابات والطائرات وصواريخ اسكود وحتى البوارج الحربية ، الأمر الذى دفع المتظاهرين دفعا إلى حمل السلاح فقط من أجل الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم من إعتداءات جيش وعسكر وأمن النظام على كل من دمائهم وأعراض شقيقاتهم وبناتهم وزوجاتهم .
ولما لم تفلح ما فى جعبة النظام السورى من أسلحة تقليدية فى كسر حاجز الخوف لدى السوريون ، ومن ثم رضعهم وإثنائهم عن معارضة بشار ونظامه ، إستخدم بشار ما لديه من أسلحة دمار شامل من الكيماوى ، فلعل ذلك يلقى بعض الروع والخوف فى نفوس وقلوب السوريون ، وذلك بعد أن يوقع أكبر الخسائر والأذى فى قطاع عريض من شعبه جراء إستخدامه الفعلى لذلك السلاح الفتاك ، فربما يرتضع الأخرين ويكفوا جميعا عن معارضة ، أو مقاومة بشار و نظامه .
وكان النظام السورى ، ومنذ بدأ الثورة السورية ضده ، كان قد تسلم بالفعل العديد من الرسائل الخاطئة من المجتمع الدولى فى أعقاب كل مذبحة سابقة أخرى كان يقوم بها ضد شعبه ، حيث لم يواجه أبدا بما يلزم ويتناسب مع ما أرتكبه من جرم ، حتى ولو من خلال مجرد إدانة من قبل مجلس الأمن ، وذلك بفضل الفيتو المزدوج الروسى الصينى ، الأمر الذى شجع بشار فى أن يوغل فى المزيد من سفك دم شعبه مستخدما فى ذلك حتى أفتك ما لديه من أسلحة دمار شامل روسية ، وذلك بعد أن اطمأن مما يمكن أن يتمخض عنه أية ردود أفعال دولية أو إقليمية جراء كل ما يقوم به ضد شعبه ..!
وحتى بعد أن إستخدم الأسد السلاح الكيماوى ، و المحرم دوليا ، ومنذ تسعون عاما خلت ــ أى منذ الحرب العالمية الأولى ــ ضد شعبه ، أعتقد انه قد أعطى أيضا مهلة ، ولكن ربما أخيرة ، من قبل المجتمع الدولى بزعامة الولايات المتحدة ، وذلك حينما كان بمقدور أوباما أن يوجه ضربة عقابية له وبدون الرجوع للكونجرس ــ وكما يخوله بذلك الدستور الأمريكى ــ إلا أن الرئيس الأمريكى فضل الرجوع إلى الكونجرس لأكثر من سبب ، منها إعطاء الأسد مهلة ، وإلى أن يبت الكونجرس فى الأمر ، للتنحى عن الحكم وترك سوريا مع بقاء نظامه لتجنب توجيه أية ضربات أمريكية له و لنظامه ، وكذا مراقبة كل من تحركات الجيش السورى النظامى وحلفاءه فى كل من طهران ولبنان ، فى الأثناء ، ومعرفة أماكنهم ، أو مواقعهم ، وكذا إستراتيجيتهم ، الجديدة ، أو البديلة ــ وذلك من خلال الطائرات الإواكس أو ال Stealth ــ ومن ثم كيف يفكرون ويخططون ، وذلك بعد أن أيقنوا جميعا أن الضربة آتية لا محالة . الأمر الذى يمكن أن يتيح للولايات المتحدة ، وفى نهاية المطاف ، معرفة ، وتبين ، الطريقة المثلى فى كيفية التعامل مع الملف النووى الإيرانى إذا إستنفدت كل السبل الدبلوماسية الأخرى ولم يتبق سوى الخيار العسكرى .
مجدى الحداد
التعليقات (0)