هناك دولتان في المغرب واحدة تتطلع إلى مواكبة التطور الذي تشهده البلدان الأوربية، وأخرى تعيش على شاكلة مجتمعات العصر الطباشيري و ما قبل الكمبري. ففي الوقت التي تفتقر فيه مناطق واسعة لأبسط البنيات التحتية (الطريق والماء الصالح للشرب) والخدمات الإنسانية (الصحة والتعليم) يتم صرف مئات الملايير من الدراهم على سهرات شاكيرا و جنيفير لوبيز و التباهي بانجاز اكبر طاجين و اكبر اومليط في بلد يعيش ثلثا سكانه تحت عتبة الفقر 8.5 مليون و كذلك التهافت على انجاز مشاريع بميزاييات عملاقة لا يستفيد منها الا قلة متنفذة من اهل هذا البلد كمشروع “ القطار فائق السرعة” الذي ليست له فائدة سوى تقليص وقت السفر لبعض السياح وذوي الدخل المرتفع الذين بإمكانهم استخدام الطائرة لهذا الغرض”.
اتساع الهوة بين الفقراء و الاغنياء في المغرب يعكسه انشاء اكبر مول بافريقيا والخامس عالميا فالسؤال المشروع الذي يتبادر الى الاذهان هل القدرة الشرائية للمواطن المغربي في حجم و تطلعات هكذا مشروع تجاري ضخم الجواب هو ان الطاقة الانفاقية للمواطن العادي ليست لا الاولى افريقيا ولا الخامسة عالميا فالمغرب يتموقع في الرتبة 130 من سلم التنمية البشرية مما يحيل على ان الدراسات الاقتصادية التي رافقت هذا المشروع لم تعقد امالها و لم تستهدف شرائح الشعب الواسعة التي لا تملك ثمن رغيف خبز و كاس شاي فما بالك بالتفكير بالتبضع من موروكو مول، بل هذه الدراسات التي اثبت جدوى هذا المشروع و مدى مردوديته ركزت على فئة فاحشة الثراء لها ثقافة استهلاكية مميزة و لها قدرة شرائية هائلة و لا تتبضع الا الماركات العالمية المسجلة فهي ترتدي ملابس موقعة بماركات زارا و فيرساتشي و تركب سيارات ميرسيديس اخر موديل و ترتاد صالونات و فنادق فخمة تليق بسيادتها و تقضي لياليها في نوادي و علب ليلية و كازينوهات خمسة نجوم..فمن اين لها هذا، فما نعرفه ان الثروة ثابتة فاذا ما اغتنت فئة فحتما ذلك على حساب تفقير فئة اخرى فما .جاع الفقراء الا بما شبع به الاغنياء
مناسبة هذا الإيحاء ما عاشته هذه الأيام مدينة مراكش من احتفالات بمناسبة انجاز اكبر اومليط من البيض و هي تستعد لدخول كتاب غينس من اضيق ابوابه بمقابل ما تعيشه مناطق عديدة في شرق و جنوب شرق و ريف المغرب من معاناة ومأساة جراء البرد القارس والتساقطات الثلجية الكثيفة التي تتهاطل على مدن وقرى و قصور و مداشر هذه المناطق منذ فترة و محاصرتها لأيام و أسابيع . أجواء قاسية كرست عزلة هذه المناطق ولا مبالاة السلطات المحلية و حكومة الرباط إزاء سكان هذه المناطق البسطاء )معظمهم أمازيغ)، و الذين يتشكلون في غالبيتهم من الفلاحين و مربي الماشية و فئات مستضعفة لا حول و لا قوة لها . إن احتياجات سكان هذه البقاع ( تالسينت ، جرادة ، فكيك ، الريش ، ميسور ،إملشيل ، آيت هاني,تونفيت انفكو مداشر و قرى جبال الريف … ) لا حصر لها ، بدءا بالبنيات الأساسية و مستلزمات الحياة ، إذ تفتقر لأبسط المرافق و تشكو من غياب تام لجل الخدمات الأساسية ، في الوقت الذي استقالت فيه السلطات المحلية من مهامها ، و لا تكترث بهموم الساكنة ومعاناتها وانشغالاتها ، اللهم عند اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية حيث تتفنن في رش السكان بالوعود المعسولة لطلب ودهم لضمان تسجيلهم و تصويتهم ، إلا أن هذا الأسلوب لم يعد ينطلي على أحد .
بعد أكبر طاجين في العالم وأكبر قصعة كسكس في العالم وأكبر راية في العالم وأكبر شبكة كلمات متقاطعة وأكبر بلغة في العالم، جاء دور اكبر اومليط من البيض في العالم.
الف ومئة بيضة و 85 لترا من الزيت تم طهيها في مقلاة عملاقة يبلغ قطرها 5 امتار وعلو 17 سنتيمترا، هل من المعقول ان نجهز كل هذا اللوجستيك و هذه العدة و الدخيرة من اجل رقم قياسي تافه فان ندخل التاريخ بواسطة الأكل هو شيء مخزي ، هل هذا يعتبر انجاز للمغرب ام لمنتجي البيض ودول اخرى تصنع الصواريخ وتقوم بابحاث علمية تؤدي لاكتشافات تنفع البلد والبشرية ككل.
الغريب في هذا الحرص المغربي على التسابق دائما نحو صنع أكبر شيء في العالم، أن هذا الشيء إذا لم يكن طاجينا فإنه يكون قصعة او اومليط من البيض، وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك يكون راية تتطلب خياطتها مئات الأمتار من الثوب، أو بلغة ضخمة لصناعتها يجب سلخ جلود عشرة رؤوس من الماعز لم نسمع قط بأن المغرب صنع أكبر مفاعل للطاقة النووية، أو شيد أكبر مستشفى أو صنع أسرع قطار.فبالمناسبة منذ ايام قلائل صنعت الصين قطار يضاهي سرعة انطلاق الرصاصة دون ان تحدث ادنى ضجة و دون ان تحتفل بالحدث في الساحة الحمراء ببكين لان التفوق عادتهم و الابداع ديدنهم، بمقابل الضجة الاعلامية و الصخب الذي احدثه المغاربة بساحة جامع لفنا للاحتفال باكبر اومليط في منظر مقزز للانفس، انجاز تنتهي صلاحيته مع اول دخول للمرحاض ، لا ندري من يُنَظِّر لهذا المغرب .الحبيب من هم اصحاب هذه الافكار النيرة و كيف يجرؤون على الاستهزاء بمواطني هذا البلد
مرض الكبرانية(الاعجاب حد الهيام بكل ما هو كبير) أصبح مرضا سياسيا أيضا لدينا في المغرب واحدة من أكبر الحكومات في العالم، حيث يصل عدد وزراء حكومتنا إلى واحد وثلاثين وزيرا. الصين التي يبلغ تعداد سكانها مليارا وخمسمائة مليون نسمة لديهم خمسة عشر وزيرا، أعدموا واحدا منهم بسبب تقاضيه رشوة من إحدى شركات صناعة الأدوية.
وفي علم النفس هناك شيء يقال له التعويض او عقدة النقص، وهو سلوك يطوره الأفراد الذين يعانون من النقص. ونحن في المغرب نعاني كثيرا من مضاعفات هذا المرض النفسي. فتجد الشخص الذي ظل يعاني طيلة حياته من الجوع بمجرد ما يترقى طبقيا حتى يتخصص في الحديث عن أنواع الطعام الشهي وكأنه يحاول عن طريق استعراض «معارفه الهضمية» أن يطمس معالم الجوع التاريخي القديم الذي عانى منه طويلا و الامر نفسه ينسحب على اللباس و البناء و العمران.
نحتاج اليوم إلى دخول عيادة طبيب نفساني لكي يشرح لنا سبب إصابتنا بمرض الكبرانية. نريد أن تكون لنا أكبر قصعة من الكسكس وأكبر طاجين و اكبر اومليط من البيض في العالم في الوقت الذي مازال لدينا نصف سكان المغرب يعانون من سوء التغذية. نريد ان يكون لنا اكبر مركب تجاري في الوقت الذي يعيش فيه اكثر من نصف السكان على اقل من دولار في اليوم نريد أن تكون لدينا أكبر راية في العالم في الوقت الذي يشعر الجميع بأن ارتباطه بهذا الوطن أصبح أوهى من خيوط العنكبوت، ولو سألت شباب المغرب اليوم عن أمنيتهم الكبيرة لأجابوك جميعهم أن أمنيتهم الوحيدة هي أن يغادروا هذه البلاد بلا رجعة، و لوجدت أن أغلبهم لا يحفظ كلمة واحدة في النشيد الوطني. نريد أن تكون لنا أكبر بلغة في العالم في الوقت الذي مازال فيه أطفال القرى البعيدة في الأطلس يسيرون حفاة. نريد أن تكون لنا أكبر حكومة في العالم في الوقت الذي نوجد فيه في أسفل الترتيب في كل إحصائيات التنمية العالمية.
نريد أن نقنع أنفسنا بأن المغرب أجمل بلد في العالم، وفي الوقت نفسه لا أحد منا يفهم لماذا نحلم .جميعا بمغادرة هذه البلاد الأجمل بين كل بلدان العالم
سؤال آخر يتبادر إلى الاذهان إن كان المغرب في حاجة حقا إلى موروكو مول اكبر مركب تجاري في افريقيا و الخامس عالميا و كأن القدرة الشرائية للمواطن المغربي البسيط تضاهي نظيراتها في السويد و النرويج و كندا و امريكا و الامارات؟ .
المغرب الذي يبلغ عدد سكانه 32 مليون نسمة، هو البلد الذي يضم أكبر نسبة فيما يخص تباين الدخل بين الأفراد في العالم العربي، وموروكو مول يرمز إلى التباين الحاصل داخل بلد يعيش فيه أزيد من 8.5 مليون شخص تحت عتبة الفقر، المغرب مصنف في المرتبة 130، من أصل 186 حسب مؤشر التنمية البشرية لهيئة الأمم المتحدة، بلد يمكنه رغم ذلك، استضافت شاكيرا أو كيني ويست لإحياء حفل خلال الصيف…".
المغرب حقق الرقم القياسي، من حيث نسبة الأمية والبطالة، في الشرق الأوسط و في شمال إفريقيا، كما أن الهوة بين الأغنياء والفقراء تزداد اتساعا يوما بعد يوم، وذلك حسب مؤشر جيني الذي يحدد به الاقتصاديون التفاوت الحاصل بين توزيع الدخل داخل بلد معين.
المغرب بلد المفارقات الصارخة، حيث يمكنك ان تشاهد دور الصفيح على الطريق وبالقرب منها تنتصب العمارات والفيلات والمراكز التجارية والحانات المخصصة للأغنياء.
يعيش المغرب تناقضات و مفارقات عديدة ترسخ تلك المقولة الشهيرة التي تقسم البلاد إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع رغم محاولات نخبة من السياسيين و رجال الدولة المتملقين نفي هذا المعطى و التأكيد على شمولية التنمية و العناية السديدة لكن قتامة الواقع اقوى من كل الخطب السياسية الرنانة والصور الوردية التي تسوقها وسائل الاعلام الرسمية عن اجمل بلد في العالم.
المشهد الأول من “لو ماروك الغنى الفاحش”:
ما يوحد اغلب اغنياء المغرب هو اتخاذهم من السلطة مصدرا لمراكمة الثروة باستخدام نفوذهم السياسي المتجذر فهم بذلك يستغلون قربهم من دوائر القرار للاستفادة من امتيازات كالرخص و كريمات و تفويت مساحات شاسعة من الاراضي في مناطق استراتيجية بدرهم رمزي و كذا تفويت مشاريع الدولة لاهلهم و ذويهم دون مساطر طلبات العروض و كذا الاستفاذة من اعفاء ات ضريبية مهمة مما ساهم في تضاعف ثرواتهم الى مستويات قياسية و في زمن قصير دون ان نغفل الفئة التي تتحايل على القانون لتفويت املاك واموال الدولة الى ملكيتها الخاصة في غياب اي قوانين زجرية تعيد للدولة هيبتها الخلاصة ان هذه الفئة اغتنت من الظروف و الامكانيات التي يوفرها اقتصاد الريع في المغرب فهذه الفئة من الاغنياء تعيش حياة البذخ و الثراء الفاحش عير ابهة بالازمة العالمية و لا تقلبات السوق الدولية فثرواتهم اكبر من ان تتاثر بنزول او صعود اسهم البورصة العالمية اليكم بعضا من مظاهر .عيش هذه الفئة
هؤلاء الاثرياء وإن لم يكن كلهم فجلهم من أصول فاسية عريقة، لكنهم يقطنون بين الرباط والدار البيضاء، يتجمعون في أحياء راقية بعينها، حي الأميرات وحي الرياض، طريق زعير وبئر قاسم بالرباط، ولهم إقامات خاصة على الشواطئ الممتدة من هرهورة حتى حدود بوزنيقة… وفي الدار البيضاء، يقطنون حي راسين، جوته، والمسيرة الخضراء وكاليفورنيا… وبعضهم أصبح يفضل السكن في بوسكورة وضواحي البيضاء، خارج الإقامات الخاصة التي يقضون بها نهاية الأسبوع.
وجهاتهم المفضلة داخل المغرب في الإجازات القصيرة هي مراكش والإقامات الفخمة في حدائق النخيل، أو في طنجة أو أكادير… رغم التفات البعض إلى الهوامش الحضرية مثل الفنيدق، السعيدية، وشريط شواطئ تطوان… جلهم يقضي عطلته الطويلة في أكبر العواصم الغربية، في قصور أو كازينوهات أو فيلات فخمة أو فنادق فاخرة بلندن وسنغافورة وهونغ كونغ وباريس ودبي ولا فيغاس وميلان ولوس أنجلوس وماربيا، و أمريكا اللاتينية،… في حين يفضل بعض الأثرياء التوجه إلى مكة
المكرمة لشراء لقب حاج و عقد صفقات تجارية مع الخليجيين.
هؤلاء الاثرياء يغيرون أثاث منازلهم مرتين في السنة، ، وتتولى شركات “خينيتيچ” أو “ضوني رووعي – التلال الحمراء”عملية تفريش إقاماتهم الفاخرة، أغلب المدخنين من هؤلاء الاثرياء يفضلون السيجار الكوبي على السجارة الأمريكية، سياراتهم المفضلة هي (مرسديس كلاص أو Q8)، في شكلها الجديد، والشبان منهم يميلون إلى السيارات الرياضية ذات بابين… بعضهم يتوفر على طائرة خاصة وآخرون يمتلكون يخوتا…
هؤلاء الاثرياء لهم حسابات خصوصية في سويسرا وليكسمبورغ، ويميلون إلى أشكال الموضة الحديثة، … الكثير من هؤلاء ينخرط، لغرض سياسي، في مشاريع إحسانية … أغلبهم يحب رياضة المشي، والغولف والفروسية، والشبان الجدد منهم ميالون إلى رياضات “سكي” و”Jجيت سكي” وركوب الخيل أو تربيتها، بعضهم ميال إلى أسلوب الحياة الراقية في شكل رفاهها العالي، وبعضهم ميال إلى روح المغامرة والتماس الرغائبي والعجائبي مثل رحلات في بحر الظلمات وتيه في أدغال الأمازون وميل إلى الزاوية البوتشيشية من اجل توهم لحظة صفاء روحي.
المشهد الثاني من المغرب العميق الفقر المذقع:
سكان القرى و المداشر الرابضة فوق قمم الأطلس و جبال الريف، التي دأبت كل عام على تقديم أطفالها قرابين لموسم الثلوج، معزولون عن العالم الخارجي، بعد انقطاع الطريق التي تربطهم باقرب نقطة للتسوق و اقتناء حاجياتهم الضرورية البرد لايزال يهدد حياة الأطفال… سكان هذه الدواوير كل احلامهم تختزل في طريق تفك عنهم العزلة و تربطهم بالعالم الخارجي ،
جبال الاطلس و الريف تعرف خمسة أشهر من الشتاء البارد. وتتساقط الثلوج بكمية كبيرة تعزل المنطقة عن العالم الخارجي، وتحاصر المراعي ويندر الماء بسبب التجمد، ويقل الكلأ بالنسبة للماشية، ويتعذر التنقل لجلب المؤونة، وقد عرفت المنطقة العديد من ضحايا الثلوج. ومن أبشع مظاهر العزلة حمل النساء الحوامل على النعوش، حيث يتناوب رجال المنطقة على حملهن على طول الطريق الجبلية الشاقة للوصول إلى المستوصفات البعيدة، وفي غالب الأحيان تقع الكوارث، حيث توفيت العديد منهن في طريقها إلى المستوصف و في كثير من الاحيان تظطر هؤلاء النسوة إلى الولادة في منتصف الطريق تحت قساوة البرد .المرضى من الاطفال و الشيوخ يحملون كذلك على النعوش من أجل تلقي الإسعافات في مستوصفات بعيدة عن قراهم و التي لا تعدوا ان تكون مجرد بنايات خاوية على عروشها في ظل غياب الأدوية والتجهيزات الكافية لإسعاف المرضى والمصابين. فالمستوصفات التي أنشئت لا تقدم ادنى خدمة حتى الدواء الأحمر، أرخص وصفة طبية في العالم، ليست في متناول ساكنة الاطلس و الريف
سكان اتخذوا من الكهوف بيوتا
لا يمكن لاحد ان يتصور انه في القرن الواحد و العشرين مآزال من الناس من يعيش اليوم داخل كهوف الأطلس حياة الإنسان البدائية، أناس لهم طقوسهم الخاصة، لهم رموزهم، ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم، لهم ملابسهم وأكلاتهم الخاصة، يقدرون قيمة المال ودوره في استمرارهم في الحياة، عند زيارتهم للأسواق الأسبوعية التي غالبا ما تبعد عن مكان استقرارهم بمئات الكلمترات.
طفولة مغتصبة
اطفال مغرب القاع…مغرب الحرمان والتهميش والاقصاء والهشاشة…كل احلامهم و آمالهم تختزل في حصولهم يوما على سرابيل تقيهم الحر و البرد و مدرسة يتعلمون فيها ابجديات الحياة وطريق تليق بمواطنين يعيشون في القرن الواحد و العشرين…هؤلاء الاطفال لا يعرفون وال ديزني ولا بلاي ستايشن ولا الأورو دينزي
و لا الماكدونالد و لا احدية نايك ولا شواطئ البورجوازية المغربية التي سرقت منهم احلامهم وطموحاتهم وحفظتها لأبنائها واحفادها بينما اطفال المغرب غير النافع يشكلون للبورجوازية خزانا يستعملون للعمل كسائقين او حراس في حدائق و فيلات وقصور هذه البورجوازية…هؤلاء الأطفال لا يعرفهم آل الفاسي الفهري وابناؤهم واحفادهم المدللون والذين يقضون عطلهم في اقاصي جزر العالم الباهظة الثمن حيث مصاريف اسبوع واحد كفيلة ان تعيل مجموعة من أسر مغرب القاع لمدة سنة كاملة…لكن لا حياة لمن تنادي…فاصحاب "المغرب لنا" لا يهمهم من مغاربة القاع الا بالقدر الذي يحتاجونهم فيه لحمل اثقالهم والخدمة في بيوتهم والسياقة بهم وبابنائهم…اطفال يحلمون بتحقيق مطالب جد بسيطة عجزت خمسون سنة من الاستقلال على توفيرها ، بينما اطفال "الألبة" طموحاتها شيئ آخر يعجز معها العقل و الفطرة السليمة عن استعابها…
أطفال الاطلس لا يتابعون المهرجانات أو أي شيء من هذا القبيل… لا يلعبون كرة القدم… هم أطفال يداعبون كرات الثلج شتاء ويبحثون عن الزعتر ربيعا ويرعون الغنم صيفا… في انتظار وعود السلطات الوصية التي التزمت بإنجاز مشروع نموذجي يبدأ في وعود جعل منها المسؤولون مجرد مسكنات لإخماد ثورتهم مستغلة في نفس الآن طيبوبة اهل هذه القرى و المداشر2009، لكنه تأخر لأسباب تتعلق بتعثر الصفقات و عجز الميزانية.
ربما صفقة ال"تي جي في" هي السبب تصور ان تستقل ال"تي جي في" من الدار البيضاء الى طنجة فتصل في اقل من نصف ساعة بينما "موحا" الطفل المسكين في مداشر الاطلس يلزمه ثلاث ساعات من المشي على اقدامه الحافية بجسده النحيل يقطع جبالا و سهولا و وديانا عله يصل الى المدرسة في حينها فيدرك بعضا من الدرس كلمات فضفاضة يمطره بها معلمه دون ان يستوعب منها شيئا فالديموقراطية و المساواة و حقوق الطفل بالنسبة له مجرد شعارات براقة ، فيعود في رحلة العودة الى البيت بثلاث ساعات اخرى من المشي لكنه و على الرغم من ذلك مازال يتشبث بالامل لانه تعلم من اجداده ان على هذه الارض فعلا مايستحق الحياة هكذا هي رحلاتهم في الشتاء و الصيف
قرى و مداشر الريف و الاطلس اسقطت من اجندات التنمية عمدا و ليس سهوا كجزاء لها على صمودها المستميت في محاربة المستعمر وهي اليوم تعاني التهميش والإقصاء، حتى تناساها الجميع، وأصبح الاهتمام بها آخر هموم المسؤولين المغاربة، فلا موت أطفالها بتلك الطريقة المفجعة التي مازلنا نتذكرها، بفعل الإهمال المشترك ، حرك ضمائر هؤلاء المسؤولين ، و لا هم هبوا عن بكرة أبيهم لفك العزلة عن القرية وأهلها ولو مؤقتا، ريثما يصلون إلي الحل النهائي، أو الإصلاح النهائي الذي نتمنى أن يكون بداية للإصلاح الفعلي لهذا العالم المنسي الذي يضم بين جنباته جزء من هذا الشعب المغيبة مشاكله عن اهتمامات المسؤولين عن هذا البلد. عالم المغاربة المهشمين في الأدغال والجبال والصحاري، والمقصيين من حقهم في الاستمتاع بخيرات وطنهم، في حقهم في المواطنة، وممارسة حياتهم العادية بكل اطمئنان، وحق أطفالهم في التعليم، وحق نساءهم في التمتع بأنوثتهم كباقي نساء المجتمع. فأي مستقبل ينتظره هؤلاء المغاربة الغرباء داخل وطنهم؟ وهل ستظل عزلتهم سارية إلى ما لانهاية ؟ نتمنى أن يستيقظ ذات صباح ضمير المسؤولين، وتتم دراسة حياة ومستقبل هؤلاء الأطفال وأسرهم، وأن تقدم لهم المساعدات من طرف حكومتهم لا من طرف الجمعيات الخيرية الدولية التي تقدم لهم الرغيف محشوا بالتنصير مستغلة عوزهم و حاجتهم للذود بهم عن دينهم ، وأن يتم احتضانهم في تجمعات أسرية آمنة ، تضم مدارس ، ومستوصفات، ومرافق صحية، وأماكن للتكوين لممارسة حياتهم العادية، دون حرمانهم من بعض الطقوس الموروثة التي لا يستطيعون العيش دونها.
ننتظر من الحكومة الجديدة ولو أن الأمنية متأخرة ، أن يمنحوا لأولئك الأطفال الأبرياء فرصة لاستعادة كرامتهم، وإنسانيتهم التي دمرها الفقر والحرمان، و قساوة الطبيعة و جشع السياسة،
إلى متى سينتهي هذا الفصل بين مغربين ونضع فعلا سياسات تضمن العيش الكريم لكل المواطنين قبل أن نفكر في مشاريع تخدم فقط الأقلية الميسورة والمصالح الأجنبية في تكريس صارخ للبيرالية المتوحشة؟ و متى يتحرك الشعب المغربي بكل مكوناته لمؤازرة إخوانهم المحاصرين في مناطق متتعددة مما يعرف بالمغرب غير النافع ؟ لماذا لا نرى أطباء المغرب يتطوعون لمساعدة سكان الأطلس؟ لماذا لا نرى الجمعيات المدنية تنظم قوافل لإغاثة ضحايا البرد والجوع؟ لماذا لانرى مناضليين متطوعين يقضون عطلتهم لإعادة بناء المنازل التي هدمت بسبب الأمطار والسيول لاننا "هرمنا "من انتظار حل قد لا ياتي حتى مع حكومة بنكيران التي طالما تغنت بحقوق الفقراء و المعوزين من ابناء هذا الوطن لانه في آخر المطاف فاقد الشيء لا يعطيه.
التعليقات (0)