مغتربي الهجرتين:
ليس هنالك اشد على الانسان المغترب قسريا من ألم وحزن وحسرة ويأس الا عندما يعود الى ارض الاغتراب مضطرا مرة اخرى بعد ان يرى تبخر احلامه الوردية وضياع آماله الطويلة في الواقع الحقيقي لوطنه الام!...
عاد في السنوات الاخيرة الى بلاد الاغتراب عدد كبير من المغتربين البحارنة بعد ان صدقوا الوعود التي اطلقها نظام الحكم وتعهد بالعمل على تنفيذها هناك منذ عام 2001 والتي تبين سرابها المؤكد... وبعد اشتداد الحملة المرتدة على الحريات العامة في البحرين مؤخرا، تبددت آخر آمال الراغبين في البقاء وأنتظار حدوث تغيير ولو طفيف عن العهد السابق،ولذلك ينطبق عليهم اكثر من غيرهم لقب:مغتربي الهجرتين!.
ان الخطأ الاكبر الذي يقع فيه عادة المغتربون لاسباب سياسية او عقائدية هو عندما يتناسوا بسهولة الماضي الاليم بما فيها من انتهاكات وفساد وتدمير الوطن وشخصية المواطن في كل تغيير شكلي في الحكم القائم ويعودوا الى البلاد دون دراسة موضوعية مستمدة من التاريخ والواقع المعاصر بغية الوصول الى افضل القرارات المصيرية... فمنذ قديم الزمان درجت الانظمة العربية على اختلاف انواعها على نظام فريد من نوعه وهو العفو العام عن المسجونين والسماح بعودة المنفيين وبهامش صغير من الحريات لفترة قصيرة عندما يحصل تغيير في رأس الحكم لحين حصول الاستقرار الجديد والتمكن من السيطرة على كل مفاصل الدولة،لتعود البلاد الى الحلقة المغلقة الثابتة والتي تدور فيها بعكس حركة الزمن والتطور الطبيعي الذي تحياه الامم الحرة الراغبة في حياة مستقرة دائمة!.
ان التغيير الحقيقي المؤدي الى التطور الطبيعي لا يحدث عادة على يد نظم عريقة في الاستبداد ومتحكمة في شعبها الى درجة الاستعباد التام،بل يحدث من خلال طريقين رئيسيين احدهما عنيف يضطر لاستخدام القوة لغرض الحصول على التغيير الراديكالي في نظام الدولة ككل،او سلمي من خلال الحصول على الحقوق المدنية تدريجيا حتى التغيير الكامل!...وبما ان الحل الثاني قد حصل في اوروبا الشرقية وبلاد اخرى في العالم لكون مفاصل الحكم الاستبدادي موزعة على بعض مراكز السلطة اضافة الى استغلال الظروف المحلية من خلال انهيار بعض اجهزة الدولة او حدوث ثغرة بالجدار الحديدي او من خلال سيادة العامل الخارجي الداعم للتغيير وتوقف الرافض للتغيير!...
ان تلك الحالة غير متوفرة في البحرين كبقية البلاد العربية الاخرى! مما يستلزم حصر النشاط ضمن العامل الاول بصورة شبه حتمية تحتمها الظروف الغير طبيعية السائدة في العالم العربي ككل!.
فالنظام يستمد قوته من بعض الفئات الداخلية وايضا من خلال الانظمة العربية الداعمة له في الخليج بصورة رئيسية،وكذلك من الغرب الذي يفضل المصالح على شعاراته المرفوعة،كما ان التاريخ الطويل من الاستبداد والاستغلال سواء مذهبيا للاغلبية المبعدة،او سياسيا كما يحصل لقوى اليسار والتيارات الليبرالية الداعمة للتغيير،سوف يبدد اي فرصة للتغيير الحقيقي لان التغيير الشكلي في رأس النظام الذي يحدث عادة لاسباب طبيعية كالوفاة او المرض،لا يؤدي بالضرورة حدوث تغيير جذري لكون الاقلية الحاكمة رافضة للتنازل عن امتيازاتها التي حصلت عليها بالقوة والوراثة!...
الخطأ الاكبر الذي تعتقد به الانظمة العربية انه في حالة قبول ولو جزء بسيط من المشاركة الشعبية والسماح بهامش حقيقي صغير في الحكم سوف يحدث انهيارا في بنية الدولة الامنية مما يجعلها ضعيفة امام الخصوم...ذلك صحيح! في الانظمة الشمولية التي تعتمد على نظام الحزب الواحد او الفرد المتحكم ولكنه لا ينطبق بالضرورة على الانظمة الملكية التي تحرص على ديمومة حكمها من خلال الحرص على دعم رعاياها لها والامثلة الناجحة عديدة كما حصل للانظمة الملكية في اوروبا او اسيا وبالتالي كان من المفروض على الاسرة الحاكمة في البحرين كي تزيل الصورة المتعارفة لحكمها الاستبدادي الطويل ان تقبل بمشاركة شعبية واسعة بدلا من الضحك على اصحاب النوايا الطيبة واللعب بمصائر الشعب مرة اخرى وكأنها دمى متحركة!.
ان النتيجة الطبيعية للتغيير الشكلي في البحرين، كان متوقعا حدوثه ولكن اعتماد المعارضة على النوايا الطيبة لا يشكلان اساسا للعمل السياسي المستقبلي! بل سوف تكون اداة لتدمير قواها الذاتية ،وامامها المثال التونسي بعد عام 1987 وكيف ارتد الحكم على اعقابه بأسرع مما كان متوقعا!.
ان اسقاط الجنسية ومنع الاحزاب والجمعيات وغلق وسائل الاعلام المعارضة او المستقلة بما في ذلك المنتديات والمدونات واعتقال وسجن ونفي كل من يخالف النظام او يحمل فكرا مستقلا عنه! ما هي الا وسائل بدائية عفى عليها الزمن للسيطرة والتحكم وسوف تكون وبالا عليه بل وفضح تام له وتعطيل لتطور البلاد!...
للمقارنة المخجلة التي حدثت مصادفة في وقت واحد وهوالفارق الكبير بين موقف دول مجلس التعاون الخليجي وتأييدها التام بدون ادنى مراجعة او خجل لاجراءات نظام الحكم البحريني القاسية ضد المعارضة بما في ذلك طلبها من الدول الغربية بمنع قبول اللاجئين البحارنة وتسليم من وصل اليها! وبين الموقف الحضاري المستند على اسس سليمة من التعامل الدولي والاقليمي في ادانة الاتحاد الاوروبي الصارمة للاجراءات الفرنسية ضد طرد الغجر الى بلادهم الاصلية في اوروبا الشرقية بأعتباره عملا منافيا لحقوق الانسان والجماعات والتي هي اقوى واهم من الادعاءات بحق الاجراءات السيادية لها، بالرغم من المكانة العالية لفرنسا ضمن دول الاتحاد الاوروبي!...
ان التعامل الرأسي بين الانظمة العربية واهمالها للقاعدة هو السبب الرئيسي لفشلها في ادارة حكم شعوبها وتوحيدها ضمن ادنى مستويات الوحدة المتعارفة! بينما التعامل الرأسي والعمودي بين دول الاتحاد الاوروبي هو الذي اوصل القارة الى هذا المستوى الرائع من الحضارة والوحدة والتقدم...
التعليقات (0)