مغامرات صيادوا السمك ،،
رحلة إلى عالم مجهول ؟!!
الصياد أحمد: سلحفة كبيرة أنقذتنا من الموت !!
وباخرة تنقذ مصطفى بعد صراع مع البحر / 15 / يوم ، وحوت صغير يغازل هشام وخالد !!،،،
مغامرة الإنسان مع البحر قديمة .. قدم البشرية ، بدأت بجذع شجرة ، وعندما ابتلعتها الأمواج راح الإنسان على الشاطئ يتأمل هذا المارد المجهول ، وهو يغضب تارة ، ويهدأ تارة أخرى ، ثم يسكن أحيانا ويزمجر أحيانا أخرى ,, وعندما حار في فهمه وازدادت مخاوفه ، حاول أن يتقرب إليه بالعبادة وتقديم القرابين ، ولكن خبرات الإنسان التي تراكمت عبر السنين لم تبدد فقط مخاوفه من ذلك المارد المتقلب المزاج ،، وإنما أكدت له أنه لن يتقدم خطوة إلى الأمام عبر مشواره اللاهث لفهم هذا الكوكب ،، إلا إذا ركب البحر .. وان هذا هو قدره .
مع غروب شمس كل يوم يتوافد الىغرفة متواضعة على شاطئ البحــــــــر في مدينة اللاذقية عدد من الشباب الطموح ,, تراهم يدخلون الغرفة التي اتخذوها مقرا لهم لمناقشة واقعهم وهمومهم ، ومع ذلك نفوسهم مملوءة همة وعزيمة وحماسة ، وعيونهم تبرق بنظرات التحدي والأمل ، تحدي الصعاب والأخطار ، والأمل بعودة ربح وفير .
تنذكر ولا تنعاد
يتناول السيد أحمد عباس ( أبو مصطفى ) الملقب ( الجيك ) 65 عاما يملك ثلاثة مراكب صيد وهو شيخ الصيادين في تلك المنطقة طرف الحديث ليقول : أعمل في الصيد منذ خمسين عاما حيث عملت مكان والدي الذي توفي وعمري 14 سنة ، ومن خلال عملي كصياد تعرضت لحوادث كثيرة جدا وأهم حادثة في حياتي ولا يمكن أن أنساها في عام 1980 كنت أعد العدة للصيد في منطقة قريبة من اللاذقية وبينما نحن في البحر تعرضنا لعاصفة بحرية مرعبة مع أمواج عالية أدى إلى تدهور القارب حيث أصبح كل الصيادين في الماء والقارب فوقنا ومن شدة وقوة الموج التي تأخذنا يمينا وشمالا ومن الأعلى إلى فوق حينها بدأنا نقاوم الموج محاولين السباحة مع صعوبة كبيرة جدا لمقاومة التيار وبالفعل قطعنا مسافة ثلاثة كيلو مترات بمدة تقريبا خمس ساعات سباحة حتى وصلنا إلى بقعة خضراء تطفوا فوق البحر ويقدر قطرها حوالي عشرة أمتار ، والغريب في هذه القصة عندما كنا نستريح على هذه البقعة بدأت تهتز من تحتنا وكأنه زلزال وتكرر هذا الفعل عدة مرات والغريب بالأمر أنه عرفنا أننا لسنا فوق جزيرة بل فوق ترسة كبيرة ( سلحفة ) ومن المقادير العجيبة أننا نجونا بفضل هذه الترسة العملاقة . وكان معنا صياد اسمه خالد مال الله قد توفي في البحر حيث لم يستطع مقاومة التيار مما أدى إلى غرقه فورا . وصدق المثل الذي يقول : ( تنذكر ولا تنعاد )
أما زوجته السيدة أم مصطفى قالت عندما يذهب زوجي إلى الصيد وفي بعض الأحيان يتأخر عن غير عادته أسبوع كامل نعيش في حالة قلق تامة وننتظر الأخبار خاصة عندما نسمع بحادث غرق مركب وذات مرة تأخر عن موعده خمسة عشر يوما ، وأصدقك القول في تلك الفترة لم تغمض عيناي إطلاقا ، وكنت أنا وأولادي التسعة نتجه بقلوبنا إلى الله وندعو له ومن معه من الصيادين بالعودة سالما إلينا وكنا نمسك السبحة داعين الله تعالى لهم السلامة والعودة لنا في أسرع وقت .
وتابعت السيدة أم مصطفى حديثها قائلة : مهنة الصيد هي مهنة الرعب والخوف ،، أسأل الله تعالى أن يحمي كل الصيادين وأن يعودوا إلى أهلهم وأولادهم سالمين غانمين .
مشاهدة الموت على الطبيعة
ويحدثنا مصطفى أحمد ( 37 سنة ) الذي يعمل في الصيد منذ عشرين عاما أن هذه المهنة ورثها عن أبيه وجده ، ويملك مركب صيد ( لنش ) صغير لصيد السمك وقال من خلال عملنا نواجه صعوبات كثيرة جدا منها الطبيعية والبيئية وأغرب هذه الحوادث كانت في صيف 2001 عندما كنت بمفردي على قارب صغير خرجت في الساعة السادسة مساءا من شاطئ اللاذقية باتجاه الشواطئ القبرصية وبعد مسافة لا بأس بها قررت أن أنام لمدة ساعة تقريبا داخل المركب الصغير وبالفعل كان الأمر ولم أحس على نفسي إلا الماء داخل المركب حينها استيقظت مسرعا محاولا إخراج الماء من المركب إلى البحر واستغرقت هذه العملية أكثر من ساعة تقريبا دون جدوى والماء مازال يتدفق إلى داخل المركب حتى طلع النهار عندها أيقنت أنني بعيد عن المنطقة التي أريدها أو بالأحرى لا أعرف أنا أين ، حيث لا يوجد سوى البحر والسماء وللمصادفة العجيبة أيضا أنني نسيت البوصلة للدلالة ، وأصبحت لا أعرف من أين أذهب وأعود كنت في ضياع كامل حيث استمرت هذه الحالة أكثر من عشرة أيام تقريبا حتى أنني لا أعرف كم يوما بقيت .
ولما سألناه في هذه الفترة هل كان معه مواد غذائية أو وقود للمركب أجاب :
من عادتي أحمل بوصلة للدلالة وطعام يكفي لمدة خمسة عشر يوما إضافة إلى الوقود ، لكن ما حصل معي أن الماء أفسد كل شيء خاصة الطعام حيث بقيت سبعة أيام دون طعام وشراب ، وفي اليوم العاشر استسلمت لله لأن المركب بدأ بالتشقق والمياه أصبحت بداخله وأنا ليلا نهارا أخرج المياه من المركب عن طريق علبه بلاستيك صغيرة .
وأضاف يقول : كان جسمي يرتجف ومفاصلي تكاد لا تحملني من شدة روعة المنظر حيث لا تشاهد سوى بقعة كبيرة من الماء وأحسست أن قلبي قد توقف عن النبض وتجمد الدم في عروقي وزاد لهاثي حتى كاد نفسي أن ينقطع .
وماذا بعد :
شاهدت من بعيد باخرة كبيرة عندها أحسست بالحياة والفرحة وبدأت أصرخ وألوح للباخرة وكانوا البحارة يبادلونني نفس التحية ظنا منهم أنني أحييهم فقط ، ثم نزعت قميصي وألوح به وكذلك نفس الشيء ، حتى تكررت عدة مرات حينها جاءت الباخرة باتجاهي ورموا سلم الحبل وتم رفعي من قبل البحارة لأنني فقدت القوة وفي داخل الباخرة كان معهم طبيب الذي قام بالواجب وقدم لي المساعدة ثم عدت إلى بلدي عن طريق البحر .
ويضيف الصياد مصطفى حديثه قائلا :
رغم صعوبة هذه المهنة والمخاطر التي نتعرض لها لا يمكن تركها لأننا لا نملك حــرفة أخرى ، وبالنسبة للمكسب المادي ( لا تشد ايدك ) .
ولما سألناه إن كان يريد تعليم أولاده هذه المهنة أم لا أجاب بلا تردد لا أحب لأولادي أن يتعلموها بل أريدهم أن يكملوا دراستهم التي حرمت منها ، وسأبذل أقصى جهدي لأن أعلمهم أفضل تعليم ، وهذا هو طموحي في الحياة أن يكون كل أولادي متعلمين .
من أجل لقمة العيش
وفي مكان آخر من الشاطئ التقينا الصيادين هشام العوضي وخالد محجازي الذين قالا :
نملك مركب صيد صغير جدا نعمل به نحن الاثنان من أجل لقمة العيش الممزوجة بالدم والعذاب والشقاء ، وفي العام الماضي من عام 2002 تعرضنا لحادثة شبه غريبة وكل من يسمعها قد لا يصدقها ، إنما هي حادثة حقيقية جرت معنا وهي عندما كنا في طريقنا للصيد وقريبين من الشواطئ التركية أحسسنا أن المركب يتحرك على غير عادته وكأنه موج وعواصف عاتية رغم أن الجو كان رائعا جدا ولاتوجد ريح أو موج ، ومع ذلك المركب يميل شمالا ويمينا حتى كنا نقع نحن الاثنان في البحر من شدة الدفع وقلنا ربما زلزال قوي هو السبب ، وقد استغرقت هذه الحالة المرعبة أكثر من نصف الساعة حيث تبين أنه حوت صغير يضربنا يمينا وشمالا كأنه يغازلنا ، وهذه الحادثة لا ننساها وكلما تحدثنا عنها أمام الأصدقاء لا يصدقونها ، ما رأيكم أنتم دام فضلكم .
أما الصياد عمار حوالي / 38 / سنة وقصته من نوع آخر تختلف عن باقي القصص والحوادث التي أشرنا إليها أعلاه فيها نوع من الدعابة والضحك قال :
كنت أعمل مع والدي في الصيد وعمري ثلاثة عشر عاما ، وبينما كنا في الصيد وقريبين من الشاطئ علق الشباك في الصخر وطلب مني والدي أن أنزل إلى البحر لفك الشبك من الصخر وبالفعل نزلت البحر وفككت الشبك إلا أنني لم أصعد إلى المركب حيث توجهت تحت البحر باتجاه الشاطئ وبالطبع كنت أطفوا قليلا لأتنفس وأعود مرة أخرى إلى العمق حتى وصلت الشاطئ ، والغريب في الأمر أن والدي ظن أنني قد غرقت في البحر وبدأ يبحث عني تحت البحر واتصل برفاقه وبالمخافر الساحلية مع استنفار كامل دون العثور علي ، بينما أنا موجود في الحي ألعب مع رفاقي في الكرة ،، حتى جاء وقت الليل مع مجيء والدي بصحبة رفاقه لمواساته بفقدان ولده عمار ، ويبدو متعبا ومرهقا وعلامات الحزن في وجهه وإذ به يشاهدني أتناول العشاء مع إخوتي فنظر إلي وبدأ يضربني يمينا وشمالا حتى كنت أفقد صوابي من شدة الضرب .. هذه القصة لا أنساها إطلاقا .
قلب أبيض
يوما كاملا قضيته مع الصيادين عشت معهم أجمل الحكايات والقصص ، وكم شعرت بأن قلبهم مليء بالطيبة والحب والحنان وحبهم لمساعدة الغير ،، .
تحقيق وتصوير:
عمر محمد شريقي
التعليقات (0)