إن الإنسان هو ابن ظروفه و نتاج أوضاع تدور و تجري حوله، إنه محصلة كل ما أحاط به و انتمى إليه و آمن به. و لم يعد يخفى على أحد الآن أنه لابد و أن تعتري مرحلة الشباب اندفاعات و حماسات و تقديرات تغلب فيها أمور على أخرى.
إن كل الذين ماتوا من أجل التغيير أو من أجل غد أفضل بالمغرب فرضت عليهم ظروف صراع خاضوه بكل ما أوتوا من جهد و قوة. على أية حال تحمل مغاربة و استجابوا انطلاقا من فهمهم و درجة وعيهم لنداء الوطن رفضا للاستبداد و الظلم. و قد احتضن المغرب شهداء من أجل التغيير و غد أفضل، خاضوا معارك بين قوة الفكرة و فكر القوة، و من كان على حق – و أغلبهم كانوا كذلك- و إن مات فقد انتصر.
لقد عرف المغرب، ككثير من بلدان العالم، منذ الربع الأول من القرن العشرين احتلال أراضيه من طرف فرنسا و اسبانيا تحت ذريعة الحماية. إذ أن الإمبريالية الفرنسية حمت بالخصوص من تواطأ معها و ضمنت لعملائها الموارد الاقتصادية و المناصب الإدارية حتى أضحى الخونة يملكون السلطة و يسيطرون على مراكز القرار السياسي بالبلاد. في حين ذاق المقاومون مختلف أنواع البطش و العذاب من طرف المستعمر عقابا لهم و تنكيلا بهم على مواقفهم الرافضة للاحتلال، لكن سياسة القمع و التنكيل و تخاذل الكثيرين من عملاء الاستعمار لم يثبطا من روح الوطنية و الكفاح لدى المجاهدين، بل زادهم ذلك قوة و صلابة و مناعة في توسيع جبهات مواجهة الاستعمار و التصدي لعملائه.
و عموما يمكن تقسيم تاريخ المقاومة المغربية للاستعمار إلى مرحلتين أساسيتين- المرحلة الأولى تبتدئ من التغلغل الاستعماري- من معركة تطوان سنة 1860- و تنتهي عام 1936 حين تمكن الاستعمار الفرنسي بتعاون مع الاستعمار الاسباني من السيطرة العسكرية و السياسية على المغرب بما فيه الأقاليم الصحراوية. أما المرحلة الثانية فهي الممتدة من 1952 إلى 1958 حيث تطورت فيها المقاومة المسلحة في المدن لاسيما بعد نفي الملك محمد الخامس. علما أنه في سنة 1958 تم القضاء على فصائل جيش التحرير المغربي التي كانت على وشك طرد الأسبان من الصحراء.
و عبر هذا المسار تتجلى بعض المحطات : 1953-1959،1962-1963، مارس 1965 ، 1969، 1971-1973، 1980-1984، عاين فيها المغرب و احتضن رجالا أوفياء لفكرة آمنوا بها و فقدوا حياتهم من أجل التغيير و من أجل غد أفضل. و أغلب هؤلاء الرجال و النساء كانوا يعتقدون بشكل أو بآخر أن المغرب في تلك الفترات لم يكن يحتاج إلا لشرارة لانفجار الأوضاع و بالتالي لبلوغ المراد و هو تغيير الحال.
مئات المغاربة… شهداء باختيارهم أو شهداء رغما عنهم… عاقروا بدمائهم أكثر من أربعة عقود من تاريخ المغرب المعاصر… أكثر من أربعة عقود من تفعيل آليات القمع و آليات مختلف أنواع الوحشية التي كان يقابلها تصاعد النضالات البطولية للفعاليات الحية المخلصة للشعب المغربي و لآماله و انتظاراته.
و اعتبارا لكون المغرب اجتاز أكثر من أربعة عقود رهيبة من الكر و الفر بين النظام و حلفائه من جهة و بين القوى الحية للشعب المغربي من جهة أخرى فكان من الطبيعي جدا أن يسقط رجال و نساء و أحيانا أطفال أبرياء سواء إبان المرحلة الاستعمارية أو مرحلة ما بعد الاستقلال. هؤلاء المغاربة رغم التباين في أفكارهم و منطلقا تهم و أهدافهم، فإنهم كلهم فقدوا حياتهم من أجل التغيير في هذا الاتجاه أو ذاك، و من أجل غد مغاير ليوم مر المعاش. و ذلك لأن هذه الفترة التاريخية من تاريخ المغرب تميزت باستفحال الفقر و تردي الأوضاع و بخروقات رهيبة و جسيمة لحقوق الإنسان مازالت جراحها شاخصة للعيان، لاسيما و أن بعض مقترفيها بامتياز لازالوا في مواقع صنع القرار بالبلاد بالرغم من الجرائم التي ارتكبوها في حق جملة من أبناء الشعب المغربي البررة. و بعض هذه الأفعال إن لم تكن كلها تعتبر بشهادة كل النزهاء من قبيل جرائم في حق الإنسانية. فخلال هذه المرحلة شهد المغرب اضطرابات كبيرة بدءا من أحداث 1963 و مرورا بأحداث الدار البيضاء في مارس 1965 و أحداث مولاي بوعزة في فجر السبعينات و انقلابي الصخيرات في 1971 و الطائرة الملكية في 1972 و الاعتقالات و الاختطافات الواسعة المدى على امتداد ستينات و سبعينات و ثمانينات القرن الماضي و مظاهرات منتصف الثمانينات بجملة من المدن المغربية.
آنذاك كانت تستضيف المعتقلات السرية من أمثال تازمامارت و درب مولاي الشريف و الكاب و دار المقري و الكومبليكس و الكوربيس و قلعة مكونة و أكدز و فيلات عديدة معدة لهذا الغرض مئات بل آلاف المختطفين فقد بعضهم حياتهم و أقبروا في حفر دون احترام أدنى شروط الدفن المنصوص عليها إنسانيا و عرفيا و قانونيا و شرعيا و دينيا . و هذا ما وقع بالتمام و الكمال بالنسبة للشهيد عبد اللطيف زروال و شهداء تازمامارت المصمم من طرف القائمين على الأمور بالبلاد آنذاك لأكل البشر.
إن جل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و من أجل غد أفضل بالمغرب كانوا بسطاء في حياتهم و في تصرفاتهم، إلا أنهم كانوا أقوياء بعقيدتهم و صدق وطنيتهم الحقة و ليس الوطنية المشبوهة مادام لا وجود لوطنية فعلية تقهر الشعب و تغتال طموحاته و آماله و تحكم بالإعدام مع سبق الإصرار و الترصد على انتظاراته على امتداد ما يناهز نصف قرن تقريبا.
و أنا أكتب هذه الورقة المتواضعة جدا أستحضر كل شهداء الشعب المغربي الأبرار بدءا بشهداء حرب الريف و شهداء المقاومة و جيش التحرير و وصولا إلى شهداء معتقل تازمامارت و مخافر الشرطة و الدرك الملكي و كذلك الذين اغتيلوا داخل المغرب أو خارجه في ظلمة الليل أو وراء الشمس، كل هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم من أجل مغرب متحرر من الظلم و الاستغلال و الإهانة و الفقرقراطية و الخوفقراطية و الدوس على الكرامة الإنسانية و التخلف و الميز الاجتماعي و القهر الاقتصادي و الزيف الثقافي.
إن تضحيات هؤلاء ساهمت بشكل كبير في إنارة الطريق و الكشف عن جملة من الحقائق عرت عن المكر السياسي و سياسة المكر و كانت انتصارا على مجهودات التعتيم على التاريخ الشعبي الفعلي الذي لا زال ينتظر الكتابة و التوثيق باعتبار أن التاريخ الرسمي لم يكشف الحقيقة كلها بل اجتهد القائمين عليه اجتهادا على تعتيمها و تغييبها لأنها بكل بساطة هي حقيقة فاضحة لمختلف المؤامرات التي تعرض لها الشعب المغربي.
و مادام من الصعب علي ذكر أسماء كل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل بالمغرب، أولا اعتبارا لكثرة عددهم و ثانيا اعتبارا لطبيعة هذه الورقة ، فإنني سأكتفي بالإشارة لبعض المحطات و لبعض الأسماء، علاوة على أن موضوعا من هذا القبيل و من هذا الحجم يتطلب مجهودات أكثر و تقصي و تنقيب واسع المدى.
ففي عشرينات و ثلاثينات القرن الماضي كانت حرب الريف التحريرية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي و التي تعتبر أوج المقاومة الشعبية المسلحة آنذاك. و قد سجل التاريخ أسماء مئات الشهداء الأبرار لأن ذاكرة الشعب لا تنسى و فكره لا يتوقف و ضميره لا يموت.
و قد قال الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في حق البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي ما يلي :
” إن أول درس تعلمته في حرب التحرير الشعبية هو من تجربة النضال و الكفاح الذي قاده محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف بالمغرب”.
و تتالت السنوات و ظل المغاربة يقاومون الاحتلال الاستعماري بشتى الوسائل المتاحة و سقط من سقط منهم. و تعنت المستعمر و قام بنفي الملك و أعلن بن عرفة سلطانا مزورا على البلاد. آنذاك انتفض المغاربة و أعلن ثلة من أبناء المغرب الجهاد ضد المستعمر. و من بين هؤلاء علال بن عبد الله و الزرقطوني و الفطواكي و الديوري و رفاقهم في درب الكفاح. و قبل أن يقوم بعمليته الاشتهادية الرامية إلى تصفية السلطان المزور في واضحة النهار و على مرأى العيان كان علال بن عبد الله قد طرد من خلية حزب الاستقلال اعتبارا لخلاف تافه مع قادتها. إلا أنه أراد أن يبرهن للجميع و للحزب بالخصوص أنه سيظل مناضلا مخلصا و وفيا لأن صفة مناضل أو مقاوم أو مكافح أو شهيد لا يمنحها حزب أو القائمون عليه و إنما الاقتناع و العمل و الممارسة الفعلية على ركح الواقع المعيش. اتصل علال بن عبد الله بأحد المقاومين و طلب منه إمداده بسلاح ناري لتنفيذ عمليته الفدائية إلا أنه لم يتمكن من ذلك باعتبار أن قيادة الحزب أصرت بأن لا يصاب السلطان بن عرفة بمكروه خوفا من انتقام المستعمر. و لم يثنه ذلك عن عزمه، و إنما أعد خنجرا و ذهب يوم الجمعة إلى ساحة المشور بالقصر الملكي بالرباط و هجم على بن عرفة في سيارته و هو في طريقة إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، لكنه استشهد على يد أحد رجال الأمن المغاربة قبل بلوغه مرماه. و لم يصب بن عرفة إلا بجروح.
و تلت هذه العملية عمليات عديدة و توسعت دائرة المقاومة و سقط من سقط من المقاومين و المقاومات و استشهد العديد منهم كما اعتقل العديد ما بين 1953 و 1955. و شهداء هذه المرحلة لم يكونوا لا كبارا و لا أعيانا و لكن أناس بسطاء ضحوا بصمت بدون بهرجة. بعضهم استشهد في ساحة المعركة و بعضهم حكمت عليهم المحاكم العسكرية ليعدموا رميا بالرصاص في العنق بالدار البيضاء و بسجن العادر بضواحي مدينة الجديدة و بسجن لعلو بالرباط و بالسجن المركزي بالقنيطرة أو بالثكنات العسكرية. هؤلاء تعرضوا للتعذيب الشرس و ذاقوا مرارة السجون، و كلهم أناس متواضعون من سكان الأحياء الشعبية بالمدن و من القرى. هؤلاء الذين بفضلهم رجع الملك الشرعي إلى عرشه لأنه لم يرجعه لا رجال السياسة و لا المثقفون و لا العلماء و لا المتخصصون في سياسة المكر و المكر السياسي. إن الذين أرجعوا الملك من منفاه هم الذين ذاقوا ويلات التعذيب و التنكيل و الاعتقالات التعسفية و الإعدامات… إنهم الذين كانوا يساقون إلى عمود الإعدام مقيدين و مغللين… هم الذين قالوا بصوت عال في وجه القضاة و الجلادين ” نحن فخورون بأن نموت في سبيل وطننا و نضحي بحياتنا من أجله”.
هؤلاء هم الذين يعتبرهم المؤرخون النزهاء من شهداء ثورة الملك و الشعب التي انطلقت في غضون شهر غشت من سنة 1953، و هو اليوم الذي جعله المغاربة يوم انطلاق ثورة عارمة عمت المدن و البوادي. و كانت بمثابة نقلة نوعية في الكفاح الذي خاضه الشعب المغربي. حيث ارتوت أرض المغرب بدماء الشهداء الذين سقطوا فداءا و قربانا للحرية و الاستقلال الفعلي غير المفبرك. من ضمن هؤلاء شهداء جملة من السجون و الذين نفد فيهم المستعمر أحكام الإعدام بعد كل ما عانوه من أنواع التعذيب و ما لحق بعائلتهم و دويهم من أذى و ضرر. هؤلاء بالرغم من وسائلهم البسيطة جدا استطاعوا أن يعلنوا للملإ بفضل ارادتهم القوية أن إرادة الشعب في التحرر و الانعتاق و الاستقلال لا يمكن أن يقهرها السلاح و العتاد و خيانة العملاء و المتعاملين و التصفيات الجسدية.
و نالت البلاد استقلالها – الذي رفض صيغته و مدلوله جملة من أعضاء جيش التحرير لا سيما بعض قاداته- إلا أن الشعب المغربي لم يعاين ما كان ينتظره، و تكالب الخونة و العملاء و الوصوليون و الانتهازيون على خيرات البلاد و استمر الفقر في الاستفحال بالنسبة لأغلب الفئات و برزت دواعي الاستمرار في النضال و الكفاح من أجل تحقيق التغيير. و كالعادة لم يبخل الشعب المغربي من تزويد ركح النضال و الكفاح بأبنائه البررة الذين سقطوا مرة أخرى و فقدوا حياتهم من أجل غد أفضل نذكر منهم بعض قادة جيش التحرير الذين اغتيلوا أو صفوا جسديا و من بينهم عباس المساعدي و الفقيه لعور و آخرون. و تلت ذلك مؤامرات لتصفية مناضلين مخلصين من أمثال المهدي بن بركة و جملة من الشهداء الذين نعتوا بشهداء الحركة الاتحادية، لا سيما جناحها البلانكي الذي قدم أكثر من رجل فقد حياته من أجل التغيير و غد أفضل نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر شيخ العرب و عمر دهكون و بن حمو و رفاقهم على درب النضال من أجل تغيير الحال.
و توالت النضالات و سقط شهداء آخرون من بينهم عمر بن جلون على يد أشخاص سخروا تسخيرا للقيام بجريمتهم النكراء. و كذلك التلميذ كرينة محمد الذي لفظ أنفاسه في مخفر الشرطة بعد اعتقاله لأنه أجهر بمساندته غير المشروطة للشعب الفلسطيني و دعم كفاحه و لأنه شارك في تظاهرة نظمت لهذا الغرض.
و قبل هذا كانت أحداث مارس 1963 و انتفاضة 23 مارس 1965 بالدار البيضاء. فعلى إثر الأحداث الأولى اعتقل و اختطف الكثيرون و عذب المئات و استشهد البعض الذين دخلوا المغرب عبر الحدود أو الذين كانوا بداخله لأنهم ناضلوا و كافحوا من أجل التغيير و غد أفضل. و على إثر انتفاضة الدار البيضاء في 23 مارس 1965 لمناهضة السياسات المتبعة و للتنديد بتردي الأوضاع أقدمت السلطات على إطلاق النار على المتظاهرين العزل و سقط العشرات منهم سقت دماؤهم، كسابقيهم، حقل النضال و الكفاح من أجل التغيير و غد أفضل.
و في فجر سبعينات القرن الماضي عرف المغرب محاولتين انقلابيتين، انقلاب الصخيرات في يوليوز 1972 و أحداث الهجوم على الطائرة الملكية في غشت 1972. و من المعروف أنه ليس هناك كثير من الحديث عن الجيش بالمغرب، حتى الصحافة نادرا جدا ما تتكلم عن الجيش الملكي إلا بتمجيده و التنويه بدوره ربما نظرا لأن عاهل البلاد هو القائد الأعلى للجيش و قائد أركانه العامة. كما أن الميزانية الخاصة بالجيش يصادق عليها مباشرة و توا بدون مناقشة و بدون أدنى تعليق من طرف البرلمان المغربي، تتم المصادقة عليها كما هي و كما أنزلت.
و منذ المحاولتين الانقلابيتين في فجر السبعينات عاد الجيش يخضع إلى مراقبة قريبة و متواصلة من طرف الدرك الملكي القائم عليه الجنرال الحسني بنسليمان. و أضحت كل تحركات القوات مهما كان حجمها خاضعة لمراقبة لصيقة من طرف الدرك و كل المناورات و التداريب على استعمال السلاح مراقبة من طرفه بدقة شديدة.
و مهما كانت خلفيات و دواعي و منطلقات الانقلابيين فإن عملهم هذا يدخل بشكل أو بآخر ضمن السعي لتغيير الأوضاع. و الذين فقدوا حياتهم منهم إما سقوطا في المواجهات أو عبر الإعدام أو الاستشهاد بتازمامارت بعد أن قضوا المدة التي حكمت عليهم بها المحكمة العسكرية، فإنهم فقدوها من أجل التغيير أردنا أم كرهنا، اتفقنا مع أهدافهم أم لم نتفق. علاوة على أن 58 منهم و الذين لقوا حتفهم بتازمامارت في ظروف غير آدمية يعتبرون من الشهداء من أجل التغيير. و لقد أكد الشهيد الأستاذ عمر بن جلون للمعتقلين الانقلابيين أن حزبه ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) طالب آنذاك في مفاوضاته مع القصر بمحاكمتهم كمعتقلي رأي و ليس كمجرمين.
و بعد محاكمة المتورطين في انقلاب الصخيرات – 1972- قام الملك بإعفاء الضباط الثلاثة المستشارين في هيئة المحكمة التي حاكمتهم من مهامهم العسكرية و أحيلوا على التقاعد بحجة أنهم تعاطفوا مع الانقلابيين و اعتبارا لأن الأحكام الصادرة كانت مخففة. أما بخصوص المتورطين في الهجوم على الطائرة الملكية في غشت 1972، أمقران و الكويرة و من معهما، فقد كان الجنرال الدليمي ضمن هيئة القضاة التي حكمت على المتهمين، علما أنه كان على مثن الطائرة الملكية عندما تعرضت للهجوم، و بذلك كان خصما و حكما في ذات الوقت.
و يقول آيت قدور – و هو مناضل بالحركة الاتحادية- و صديق حميم لأمقران، أن هذا الأخير كان شابا وطنيا وفيا عاش توابع الانقلاب الأول في الصخيرات و قد نجا بأعجوبة. و أمقران هذا تعرض لتعذيب وحشي قبل أن يحكم بالإعدام و يرمى بالرصاص صباح يوم عيد الأضحى. و يعتبره البعض شهيد ثورة كانت تسعى للتغيير.
و لم تخرج الحركة الماركسية اللينينية المغربية عن القاعدة، إذ قدمت هي كذلك جملة من الشهداء من أجل التغيير و عد أفضل. و خلال مسيرتها النضالية الصعبة و الشاقة سقط عدد من مناضليها إخلاصا لمبادئهم و سعيا وراء تحقيق طموحات و انتظارات الشعب المغربي الذي أدى الثمن باهضا على امتداد عقود من النضال و الكفاح المستميت. و من شهداء هذه الحركة هناك بوعبيد حمامة و عبد اللطيف زروال و سعيدة المنبهي و التهاني أمين و رحال جبيهة و المنتصر البريبري و شباضة عبد الحق و الدريدي مولاي بوبكر و مصطفى بلهواري.
فعبد اللطيف زروال و التهاني أمين سقطا ضحية التعذيب الوحشي من جراء صمودهما البطولي في وجه جلادي المعتقل السري درب مولاي الشريف. أما بوعبيد حمامة يعتبر أحد رواد اليسار الذي لقي حتفه بعد معاناة قاسية في منفاه بالجزائر. و بخصوص سعيدة المنبهي فقد استشهدت في خضم إضراب عن الطعام بالسجن بالدار البيضاء بعد تجاوز أربعين يوما.
أما بنعيسى آيت الجيد و المعطي بومليل فهما طالبان مغتالان على يد متطرفين بحرمة الجامعة.
و عبد اللطيف زروال هو أحد الشهداء الذين عرفتهم و خاطبتهم و عاشرتهم خلال الندوات الوطنية المقامة من طرف منظمة ” إلى الأمام” عندما كنت مكلفا بتمثيل منطقة الغرب (القنيطرة) في تلك الندوات. عرفته مناضلا منضبطا ذو فكر ثاقب متشبث بمبادئه كثوري محترف مهمته الثورة بالمغرب لكن دون عزلها عن الثورة العربية و الثورة العالمية. و قد استشهد تحت التعذيب في معتقل درب مولاي الشريف في منتصف نونبر 1974، و لازالت عائلته تطالب برفاته إلى حد الآن.
و لم تسلم الحركة الطلابية المغربية هي كذلك من أداء ضريبتها من الشهداء من أجل التغيير و غد أفضل، إذ سقط طلبة شهداء في وجدة في دجنبر 1982 و في الانتفاضة الشعبية سنة 1984 و الشهداء الأجراوي محمد عادل و خليفة زبيدة و سعاد بجامعة فاس في يناير 1988 و أحمد أوزكار في فبراير 1990.
كما عاينت أحداث مدينة الدار البيضاء سنة 1981 شهداءها. ففي شهر يونيو من تلك السنة عرفت العاصمة الاقتصادية للمملكة إضرابات و تظاهرات ووجهت بالقمع الوحشي و سالت دماء و سقط مغاربة عزل من السلاح إلا من سلاح إصرارهم على المطالبة بالتغيير من أجل غد أفضل.
و أدت كذلك المظاهرات الشعبية الكبرى سنة 1984 ضريبتها من الشهداء من أجل التغيير و غد أفضل. فخلال المظاهرات التي كانت منطقة الشمال و مراكش مسرحا لها سقط قتلى بسبب إطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل بذريعة اتهام النظام لمنظمة “إلى الأمام” و الإسلاميين بإشعال فتيل المظاهرات و القلاقل بالبلاد علما أن تلك المظاهرات الصاخبة جاءت تعبيرا عن الاستياء العميق لتردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و خنق الحريات العامة.
هكذا يبدو و بجلاء أن كل الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير و غد أفضل صمدوا في زمن التراجع و الانهزام و حلموا بحلم وردي في زمن الكوابيس و ظلوا واقفين منتصبي القامة في زمن الانهيار و السقوط. كلهم كانوا يحلمون بمجتمع جديد غير المجتمع الذي عاشوا فيه.
التعليقات (0)