مواضيع اليوم

مع المكيبافلية الدينية !!

سلمان عبدالأعلى

2012-01-04 15:38:04

0

مع المكيافلية الدينية .. !!


بقلم: سلمان عبدالأعلى

الغاية تبرر الوسيلة.. ما هو مفيد فهو ضروري .. من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك.. أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلحين احتلوا وانتصروا بينما فشل الأنبياء غير المسلحين عن ذلك.. من واجب الأمير أحياناً أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده ..


هذه الكلمات هي من أشهر الكلمات المنسوبة للمفكر السياسي الإيطالي مكيافلي، والتي أحدثت جدالات واسعة منذ إعلانها وإلى الآن ... وأكثر من يؤمن أو يمارس هذه المبادئ والتوجيهات المكيافلية هم أهل السياسية، إذ نرى هذه الكلمات واضحة المعالم في شخصياتهم وسلوكياتهم، وهذا غير مستغرب ولا بمستبعد؛ فمكيافلي نفسه كان رجل سياسة، وكتابه الشهير "الأمير" جاء للتنظير السياسي، فهو عبارة عن كتاب تعليمات وتوجيهات للسياسة والحكم، ولهذا كان من الطبيعي أن يتمسك أهل السياسة بآراء مكيافلي وتوجيهاته التي تساعدهم وتبرر لهم ممارستهم للكثير من أعمالهم ونشاطاتهم السياسية .

ولكن ما يثير الاستغراب وما يدعو للتعجب هو إتباع بعض رجال الدين ودعاة التدين لهذه التوجيهات المكيافلية، حيث أنهم يتبعونها ويمارسونها ولكن ليس بشكل واضح كما هو الحال في أهل السياسة والحكم، وإنما بشكل خفي أو متخفي -إن صح التعبير- إذ يمارسونها تحت غطاء ديني وتحت مسميات وشعارات شرعية جذابة وبراقة.. ولكنها في حقيقتها لا تختلف عن مقولة ((الغاية تبرر الوسيلة)) التي جاء به مكيافلي إلا في الاسم فقط، لأن مضمونها ومحتواها ونتائجها تقريباً واحدة أو شبه واحدة.

فالبعض من دعاة التدين يجيد فن استغلال القواعد والمبادئ الشرعية المتداولة لتحقيق مآربه ومصالحة أو لتبرير أفعاله وتصرفاته، فنجده كثيراً ما يظهر أنه متمسك ببعض القواعد الشرعية حتى يبرر أو يضفي الشرعية الدينية على سلوكه وتصرفاته، ومنها : الضروريات تبيح المحظورات .. دفع الضرر المحتمل واجب .. التورية .. الفحوى .. الاحتياط .. التزاحم .. الاستصحاب .. سد الذرائع ودرء المفسدة مقدم على جلب المنفعة .. وغيرها من القواعد والمبادئ الشرعية التي يستغل عناوينها ومسمياتها ويستخدمها في غير مواردها الصحيحة، بصورة يجعلها متساوية ومتطابقة مع مقولة ((الغاية تبرر الوسيلة)) و ((ما هو مفيد فهو ضروري)) وغيرها من المقولات التي جاء بها مكيافلي .

ومن الأمثلة الحية على ذلك ما يفعله الكثير من الخطباء الذين لا يتورعون في إيراد الروايات الضعيفة والمتناقضة والمتضاربة أو الكرامات المختلقة والقصص المكذوبة أو المضخمة مع علمهم بواقعها، ودون أن يوضحوا أو يبينوا ذلك لمستمعيهم، وذلك حتى يتمكنوا من التأثير في عواطف الناس لإستجرار عبراتهم كما يقول البعض .. ولو سألتهم لماذا تذكرون هذه الرواية أو تلك القصة مع أنكم تعلمون جيداً بأنها قصص مكذوبة و روايات ضعيفة أو متضاربة؟

فإن جُلهم سوف يجيبك بأن هذا من باب جعل الناس ترتبط بالدين وتتأثر بمصائب أهل البيت وتتمسك بهم لتحصل على الأجر والثواب . وهنا نجد الكذب العمد والصريح بقصد الوصول إلى التأثير في نفوس الناس لجعلهم يتمسكون بدينهم، وهذا هو نفس ((الغاية تبرر الوسيلة)) و (( ما هو مفيد فهو ضروري)) !!

ويحضرني هنا ما فعله أحد رجال الدين ممن يحمل الألقاب المزخرفة والمزقرشة والفخمة كـ العلامة وسماحة حجة الإسلام والمسلمين وغيرها، إذ قام بدعم أحد رجال الدين ضد خصمه في إحدى القضايا الحساسة مع علمه واعترافه سراً بأن رجل الدين الذي وقف بجانبه هو المخطأ، وأن هذا الأمر لم يكن خافياً أو ملتبساً عليه، ولكنه يبرر موقفه بقوله : ((البشت –يقصد رجل الدين- وإن أخطأ لا يهان ولا يخطأ)).

بمعنى أنه ينبغي الوقوف مع رجل الدين حتى وإن أخطأ، وذلك حفاظاً على كرامة رجل الدين وحتى لا تتزعزع ثقة الناس ويختل التزامهم الديني، فالهدف من وراء ذلك هو الحفاظ على صورة الدين عند الناس كما يقول .. فالغاية عنده هي الحفاظ على صورة الدين في أنفس الناس حتى وإن كانت الوسيلة هي ظلم الغير –إذا كان ليس من رجال الدين طبعاً- والإساءة له والمجازفة به وبسمعته .. !!

ويتمادى رجل الدين هذا أكثر في شرح وجهة نظره هذه، ويقول وهو مشير إلى أحد الأطباء وأحد رجال الدين الذين كانوا أمامه، إذ يقول لمن يخاطبه: هل رأيت الطبيب ورجل الدين الذين أمامنا .. ((لو افترضنا بأن رجل الدين هذا أخطأ في حق هذا الطبيب ونحن نعلم بذلك، فإننا سوف نقف بجانب رجل الدين ولن نخطئه))، لأنه يلبس الزي الديني (البشت .. البشت .. وما أدراك ما البشت ؟ !!).

وكل ذلك طبعاً حفاظاً على الدين أو بيضة الإسلام أو المصلحة العامة وغيرها من الحجج والمبررات الواهية التي فاقت وتجاوزت في جرأتها ووقاحتها بعض التوجيهات والآراء المكيافلية.

والأدهى من موقف هذا العلامة كما يطلق عليه عادةً، هو موقف رجل دين آخر محسوب عليه ومن أتباعه ومريديه .. فهو مع كونه يعتقد بأن صاحبه (العلامة) كان على خطأ في تقييمه في هذه القضية، إلا أنه أعجب بعبارة البشت لا يهان ولا يخطأ، فأخذ يكررها ويقول أنا أيضاً أقول بها وليس فقط سماحة العلامة، وأخذ يدافع عنه ويدعمه ويقف بجانبه مع اعتقاده بأنه كان مخطئاً في موقفه وفي طريقة حله، ولكن مصلحته معه ولذا لابد له من الوقوف معه أو معها ! وهذا يتشابه كثيراً مع ما يقوله مكيافلي: ((من واجب الأمير أحياناً أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده)) !!

ربما لا أكون مخطئاً إذا قلت بأن هؤلاء لا يهدفون للحفاظ على الشريعة، ولكنهم يسعون للحفاظ على مصالحهم الشخصية حتى وإن قالوا أو أظهروا غير ذلك، وفي هذا يقول المرحوم الدكتور علي الوردي : ((حين يتنازع الناس حول حق من الحقوق، فإنما ينشدون مصالحهم الخاصة، فإذا تناقض الحق مع المصلحة كانت المصلحة أولى بالإتباع، والإنسان يسعى وراء مصلحته الخاصة ويغطي سعيه ببرقع من المثالية ليدعم بها موقفه)) .

ولا يفوتنا نقل قصة رجل دين آخر الذي كان يؤلف العديد من الكتيبات بأسماء مستعارة ضد بعض الفئات التي يعتقد بضلالها وبفساد توجهاتها وآرائها، وذلك خوفاً من أن يلحقه الضرر والأذى .. إذ يقول هو بلسانه : بأن الشيخ الفلاني – يقصد أن أحد رجال الدين المعروفين- شك فيه بأنه هو من يؤلف وينشر هذه الكتيبات ، فسأله قائلاً: هل أنت من يؤلف هذه الكتيبات ؟

يقول رجل الدين هذا: فأجبته بالنفي .. مع أنه في الحقيقة هو من يؤلفها وينشرها .. إذ أنه عمل بالتورية كما يقول، ويشرح موقفه هذا لمن حوله قائلاً: صحيح ليس أنا من ألفها وليس أنا من كتبها، وإنما هي يدي !! ولا أدري هل هذا حقاً من باب التورية ؟ ! أو من باب الهزل والمزاح ؟! أم أنها من باب الضروريات تبيح المحظورات ؟؟ .. الله أعلم !!

والأمر الأخطر في هذا التلاعب باسم الدين أو بالدين هو شرعنة الظلم والتصرفات الإقصائية، فنرى البعض يشجع ويدعم إتباع مختلف الطرق والوسائل الوحشية والتعسفية لمن يخالفونهم في الرأي، فنرى أنواع الاتهامات والإهانات وفنون الكذب والتأويلات التي تحرف وجهة النظر المخالفة لهم عن أصلها ومبادئها وتشوه صورتها وطبيعتها، بحجة أنهم أهل ضلال وينبغي محاربتهم والحد من انتشار أفكارهم الهدامة ! وكل ذلك طبعاً خوفاً على مصلحة الدين والإسلام المحمدي الأصيل والمصلحة العامة، والعقيدة الصحيحة، وغيرها من الحجج والمبررات التي تناسب المنهج المكيافلي أكثر من مناسبتها للمنهج الشرعي !

أمير المؤمنين عليه السلام والغاية تبرر الوسيلة:

ذكرت بعض المصادر التاريخية في الأحداث التي تلت مقتل عمر بن الخطاب ، بأن الخلافة والحكم عرضت على أمير المؤمنين بشرط أن يسير بسيرة أبي بكر وعمر، إذ جاء في تاريخ الطبري بأن عبد الرحمن بن عوف نادى أمير المؤمنين بعد مقتل عمر بن الخطاب وقال له :
هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر فقال : اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي .

بعد ذلك كما ينقل الطبري نادى عبد الرحمن بن عوف عثمان قائلاً : قم إلى يا عثمان فأخذ بيده وهو في موقف (الإمام) علي الذي كان فيه فقال هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال: اللهم نعم . ثم رفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان ثم قال : اللهم اسمع واشهد اللهم إني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان .


وبهذا لم ينل أمير المؤمنين الخلافة، وتمت البيعة لعثمان وذلك لرفضه عليه السلام الإقرار بشرط عبد الرحمن بن عوف في الخلافة ولو بشكل ظاهري وصوري فقط .. فلم يأخذ بمقولة الغاية تبرر الوسيلة ، ولا بمقولة ما هو مفيد فهو ضروري .. ولا حتى بالتورية .. !!

وحتى بعد أن تمت له البيعة بالخلافة نجد أن هذا لم يغير في أمير المؤمنين شيئاً، فنراه يصر ويرفض ترك معاوية في السلطة رغم ما أقترحه عليه البعض من تركه وأخذه بالحيلة .. فهو لم يستخدم مقولة ((الغاية تبرر الوسيلة)) ولم يرى بـ ((ما هو مفيد فهو ضروري)) .. ولا غيرها .

ونجده يقول لبعض أصحابه : " وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلكِنِّي واللهِ لاَ أَرى إِصْلاَحَكُمْ بَإِفْسَادِ نَفْسِي." . وغيرها من المقولات والتصرفات التي تؤكد رفض أمير المؤمنين عليه السلام للحجج والمبررات التي تتطابق في مضامينها مع المبادئ والتوجيهات المكيافلية .

وإن من المؤسف حقاً أن يكون كثيراً من دعاة التدين والصلاح من أكثر الناس تلاعباً بالدين وبالشريعة، فالشريعة عندهم ليست إلا مجرد وسيلة توصلهم لأهدافهم ومطامعهم ومصالحهم، ولو أنهم وجدوا وسيلة توصلهم لهذه الأهداف والمصالح بشكل أكبر أو بصورة أسرع غير إظهار التدين لما حادوا عنها !





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !