مواضيع اليوم

مع السفير الأمريكي ( قصيصة قصيرة )

نزار يوسف

2009-04-15 19:18:06

0

زعموا أن رجلاً في إحدى بلدان الله الواسعة كان يكره أمريكا جداً و يهاجمها دائماً في جلساته و قعداته .. لا يترك لها شارة و لا واردة إلا و يشتمها و يسبها و يبرز كل عيوبها و نقائصها . في ساحات الوغى الخطابية هو ليث ضرغام و على المنابر هو سبع يزأر ، كله ضد أمريكا ، ينعتها بأبشع الصفات و الأقاويل ، و في اللقاءات الصحفية هو بطل وطني يحارب كل ما هو أمريكي و يبين العيوب و النقائص و الفضائح في أمريكا و إدارتها . في المحافل الاجتماعية و الحياة العامة هو ضد كل ما هو أمريكي بدءا من البضائع .. مروراً بالشعارات و انتهاء بالرموز و القيم مهما كانت . ليصل الأمر إلى اتهام كل ما لا يعجبه و من لا يعجبه بالعمالة لأمريكا .
و في ليلة ليلاء وصلت الشتائم و السباب لأمريكا بهذا الرجل إلى حد تناهت به إلى أسماع السفير الأمريكي في بلده ، فبعث السفير بأشخاص معينين إلى هذا المناضل العتيد و قاموا بخطفه أو جلبه و ما إلى ذلك ، و أحضروه أمامه موجوداً .. نظر السفير إليه و قال له باستغراب : لك عمي أنت ليش عم بتهاجمنها و تسبنا و تشتمنا في كل حين و مين ؟؟
أجاب الرجل باعتداد : لأنكم مصدر الشر .. و أعداء الشعوب المناضلة و أعداء الإنسانية و .. و .. و تريدون السيطرة على العالم و إفقار الشعوب و ...
ـ السفير مقاطعاً : بالرغم من اختلاف وجهة نظري مع وجهة نظرك ... و لكنك وصلت إلى حد الهوس .. يعني ليس لك عمل غيرنا واضعاً دأبك بدأبنا . و كأنه لا يوجد في العالم غير أمريكاً .
ـ الرجل متحمساً بغضب : هذا لأنكم ...
ـ السفير مقاطعاً مرة أخرى ( و لكن بعربية ركيكة ): شوف خابيبي ( حبيبي ) أنا موش آندي واكت ( عندي وقت ) أضيعه معاك ليس ، انتكاسا ( انتقاصاً ) من كدرك ، أنت أجل كدر . و لكن لمشاغلي الكاثيرة ( ثم عاد ليتكلم بالانكليزية ) باختصار أنا أقدم إليك عرض .
ـ الرجل محتداً بعنترية : أنا أرفض ... كرامتي و شرفي لا يسمح ...
ـ السفير مقاطعاً ( بالعربية الركيكة إياها ) : سماع خابيبي .. اسمعني يا روه مامّاه ... عرضي لك هو أن تأخذ منا كل شهر ألفين دولار مقابل أن تبقى كما أنت عليه تسبنا و تشتمنا ، فإيش رأيك عيوني ؟؟
ـ الرجل بدهشة : عجيب و لكن لماذا ؟؟ يعني أنا لم ....
ـ السفير مقاطعا ً ( باللهجة إياها ) : خابيبي أنا متلك موش أهب أمريكا .. منيح ؟؟ إلك أندي شي ؟؟ و أنا عارف أنك فاكير ( فقير ) مؤدم ( معدم ) و خابب ( أحب ) أن أعملك ياها مهنة و وزيفة تاكل منها إيش ( عيش ) فإيش رأيك يا خابّوب ( حبوب ) ؟؟
فكر الرجل طويلا ، فكر و فكر ، ثم قُتِل كيف فكر و قال في نفسه : و الله إجت و الله جابها .. نشتم الأمريكان و نأخذ منهم فلوس .. لماذا لا ؟؟ مصلحة جميلة .. أبقى على وطنيني و أكل خبز من وراءها و ممن ؟؟ من الأمريكان أنفسهم ... يا لغباء هذا الرجل و غباء الأمريكان .
ثم نظر إلى السفير قائلاً : أنا موافق يا باشا .
ـ حسناً ( قال السفير ثم أشار بإصبعه إلى موظف واقف أمامه ) فذهب الرجل و عاد بألفي دولار ، أعطاها للسفير الذي أعطاها بدوره للرجل قائلاً : هذه مرتب أول الشهر . و كل شهر يصل إليك مرتبك ... و لكن .. ولكن ( حرف استدراك ) بشرط أن تبقى كما أنت الآن و إياك أن تخفف من هجومك علينا لأنك ستفقد وظيفتك .. مفهوم خابيبي ؟؟ ابتسم الرجل بامتنان و قال : أمرك خابيبي .
مرت الأيام و الرجل مواظب على مهنته و سبابه و شتيمته لأمريكا و تخوينه للغير و نعته بالعمالة لأمريكا . كان يقوم بدوره خير قيام و على أكمل وجه .. يسب .. يشتم ... يصرخ .. يزأر .. يصيح ، يكسر .. يحطم .. يخطب . الخ . و في آخر الشهر يقبض ألفي دولار من السفارة الأمريكية .
هذا يا سيدي الكريم .. و في ليلة ليلاء و لسبب ما ، نشبت مظاهرة في بلده ضد أمريكاً فانتهز الرجل الفرصة و قام على رأس المظاهرة و أخذا يشتم و يصيح و يهتف بهستيرية ضد أمريكا .. اتجهت المظاهرة شيئاً فشيئاً نحو السفارة الأمريكية و الرجل محمول على الأكتاف في مقدمتها . و هاجم المتظاهرون مبنى السفارة بحماس منقطع النظير . فكان أن وصلت الحماسة بالرجل و هو فوق الأكتاف أن نزل عن ظهر حامله و تسلق ظهر مبنى السفارة و وصل إلى العلم الأمريكي المرفرف فوقها و قام بتمزيقه على رؤوس الأشهاد .
في اليوم التالي تم استدعاء الرجل إلى السفارة الأمريكية لمقابلة السفير الأمريكي لأمر خطب وجلل . في المكتب استقبله السفير بوجه بارد جامد مع ملامح من الغضب الباهتة . وإلى جانبه وقف رجل يبكي و يتشهق كالأطفال ، تارة يعلو جعيره و تارة ينخفض بنشيج مؤثر .
ـ السفير الأمريكي : في الحقيقة يا سيدي لقد استدعيناك إلى هنا لنبلغك بأننا قد استغنينا عن خدماتك و أنه قد تم تسريحك . صاح الرجل بدهشة و حزن : و لكن لماذا ؟؟ ماذا فعلت ؟؟ ماذا جنيت ؟؟ ما هو السبب ؟؟
السفير : السبب هو أنك أخطأت في عملك وارتكبت خطأ فادحاً .
ـ الرجل : أي خطأ يا سيدي إنني أقوم بعملي على أكمل وجه ، يا رجل إنني أشتمكم بكل الكلمات النابية و العبارات المسيئة ، يا رجل لم أدع في كل قواميس العالم ، كلمة هجاء و قدح و ذم إلا و استعملتها ضدكم فما هو خطأي ؟؟
ـ السفير ( ببرود ) : العلم الأمريكي .
ـ الرجل : ما به العلم الأمريكي ؟؟
ـ السفير : لقد مزقته البارحة و فعلتك هذه كانت مشينة و قمة في إساءة التصرف .
ـ الرجل معتذراً : أنا آسف يا سيدي ... آسف جداً I am so sorry بليز لا تؤاخذني . لم أعرف أن العلم الأمريكي له هذه القدسية عندكم .. أنا ...
ـ السفير مقاطعاً بالعربية إياها : تول بالك خبيبي .. هدني بهنانك .. لا هول و لا قوة إلا بالله . مهمة شك ( شق ) العلم كان مكلفاً بها هذا العبد الفاكير لله الواقف أمامك هون و كان رح يجيه منها خمسة ألاف دولار، هو رجل على باب الله و حابينا نفتحه مصلحة يتسبب بيها و يعيش منها فجيت هادرت جنابك و خربطت عليه الشغل و طارت عليه الخمسة آلاف دولار . يا هرام شوف كيف عم يبكي شكله بيقطع الكالب . روه عمو روه الله معك ماعد إلنا مصلحة معك . لك رروووووووووووووح لك عمو .. أغي .. تررررررررر برررررررر .
( برجاء عدم المزايدة على سمانا )
نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !