الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني عام 1984 توقف عن الخفقان قلب معين بسيسو، المناضل الثوري الكبير المبدع والامـمي البارز شـاعـر فلسطين والكادحين والفقراء والمسحوقين في بــلاده والبلـدان العربية والعالمية التي كان يعتز بنضال قوى الحرية والدمقراطية والتقدمية فيها ويعتبر نفسه جنديا مقاتلا في جحـــافل الامـمـيــــــة التقدمية الظافرة، تاركا وراءه مسيرة نضال بطـوليــة تعـــــمـدت بالمعاناة والدماء، وتراثا غنيا بالفكر والابداع شعرا ومسرحا ومجموعة متميزة من الكتب التاريخية والادبية ومئات المقالات السياسية والادبية النقدية باعتباره رائدا من رواد الواقعية الاشتراكية في فلسطين وتحمل في طليعة رفاقـــه المناضلين عذابـــات السجون والمنافي واقبية التعذيب السوداء على ايدي الجلادين من كـــل لون وصنف. وبرحيله المفاجئ فقد الشعب الفلسطيني، وحزب الشعب الفلسطيني، قائدا من قادته الشجعان الذين لن تنساهم جماهير شعبنا ورفاقه وابناؤه في حزب الشعب الفلسطيني والقوى الوطنية والدمقراطـية الفلسطينية والعربية والعالمية.
نبذة عن حياته ولد معين بسيسو في مدينة غزة عام 1926.
تولى الرفيق معين الكثير من المهمات النضالية في اطار المقاومة الفلسطينية.
عضو المجلس الوطني الفلسطيني.
حائز على اعلى وسام فلسطيني "درع الثورة".
امين عام الحزب في قطاع غزة منذ عام 1953 حتى عام 1964.
عضو الامانة العامة لاتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين.
حائز على جائزة اللوتس العالمية عام 1980.
رئيس تحرير مجلة اللوتس التي يصدرها اتحاد كتاب اسيا وافريقيا.
توفي اثناء اداء واجبه الوطني في لندن يوم 24/1/1984 عن عمر ناهز 57 عاما.
دفن جثمانه في القاهرة محروما من دفنه في مسقط رأسه في غزة.
نشاطه الوطني والسياسيخاض الرفيق معين معركة المقاومة الفلسطينية منذ عام 1947 اي منذ انضمامه لعصبة التحرر الوطني فانخرط في نشاطاتها السياسية، في هذه المرحلة بدأ الرفيق معين كشاعر ناشئ من شعراء العصبة وبدأت تظهرقصائده الاولى في الصحف والمؤتمرات، وقد اصبح قائدا شعبيا ومحرضا ثوريا في صفوف الجبهة الوطنية السرية التي تاسست عام 1953.
في عام 1955 استطاع الحزب بقيادة الرفيق معين تفجير انتفاضة آذار التاريخية ضد مشروع اسكان وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء واسقطه تحت شعار "لا توطين ولا اسكان يا عملاء الامريكان"، و"العودة.. العودة حق الشعب"، وهي الانتفاضة التي سقط فيها اول شهيد فلسطيني ضد التوطين الرفيق حسني بلال والرفيق الطالب يوسف اديب طه عضو الشبيبة الحزبية.
في عام 1958 كان للرفيق معين ورفاقه الدور الاساسي في افشال مؤامرة الحاق قطاع غزة بنظام الملك حسين، كذلك وقف الحزب بقيادته مع كل القوى الوطنية المناضلة على اختلاف اتجاهاتها السياسية ضد مؤامرة تدويل القطاع.
وقاد الرفيق معين جماهير قطاع غزة من الخمسينيات حتى مطلع السبعينيات ضد التوطين ونتيجة لذلك دفع الرفيق معين وكوكبة من رفاقه القياديين ضريبة هذا النضال سنوات طويلة في السجون والمعتقلات وتحملوا عذابات السجون والمنافي واقبية التعذيب السوداء على ايدي الجلادين.
لقد كانت حياة السجن موتا بطيئا لمعين ورفاقه، اذ تميزت المعاملة بالقسوة والتعذيب والتنكيل حيث لاقوا الاهوال والامراض والموت، فضلا عن حالة الانقطاع الكامل عن العالم الخارجي، يضاف الى ذلك محاولات الاغراء والابتزاز التي كان يتعرض لها هو ورفاقه مقابل التنازل عن مبادئهم واستنكارها.
في عام 1966 وبعد خروجه من السجن ترك الرفيق معين القطاع نهائيا وعاش في المنفى، فقد كان ذلك بمثابة تغيير لموقع النضال ليكون اكثر التصاقا بالمقاومة التي بدأت تحيي الامل فقد ترك معين مرحلة نضالية كبيرة الفعالية وبدأ في مرحلة جديدة مرحلة المنفى.
36 عاما من النضال والكفاح امضاها الرفيق معين متنقلا بين السجون والمنفى من غزة الى القاهرة وبغداد وموسكو وغيرها من مدن العالم الى ان استقر في بيرت عام 1970 حيث انتقلت الثورة الفلسطينية وعاش في اجوائها وغرق في تفاصيلها.
من اهم اعمال الشاعر معين بسيسولقد اثرى الرفيق معين بسيسو المكتبة العربية بانتاجه الشعري والمسرحي والادبي فهذه الاعمال شهادة النضال على التزامه واخلاصه بقضية شعبه وحبه للارض... الوطن.. فلسطين، فقد التصق بالجماهير الشعبية فكتب عنها وغنى لها اروع الملاحم وهذه الاعمال الادبية لازالت خالدة ويتم تدريسها في الجامعات على مستوى العالم وقد ترجمت اعماله الى عدة لغات عالمية (الروسية، الانكليزية، الفرنسية، ولغات الجمهوريات السوفيتية أذربيجان، أوزباكستان والإيطالية والإسبانية واليابانية والفييتنامية والفارسية والالمانية).
أعماله الشعريةالمسافر (1952). المعركة (1952). الأردن على الصليب (1958). قصائد مصريّة (1960). فلسطين في القلب (1960). الأشجار تموت واقفة (1964). الآن خذي جسدي كيسا من رمل (1976). آخر القراصنة من العصافير.
أعماله المسرحيةمأساة جيفارا (1969). ثورة الزنج (1970). شمشون ودليلة (1970). الصخرة. العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع. محاكمة كتاب كليلة ودمنة.
أعماله النثريةدفاتر فلسطينية/ مذكرات (1978). يوم خلف متاريس بيروت (1985). وطن في القلب، يوميات غزة، كتاب الارض (1979)، دفاعا عن البطل (1975)، البلدوزر (1975).
القصيدة الأخيرة لمعين بسيسو
الخميس 23 يونيو / حزيران 2011 - 11:25:05
--
معين بسيسو من أبرز شعراء الطليعة الثقافية والوطنية والانسانية الفلسطينية ، المؤمنة بالفكر العقائدي الثوري التقدمي النيّر ، التي ربطت الفكر بالممارسة الثورية . وهو شاعر الوطن والشعب والجماهير والثورة والكفاح والمقاومة ، وشاعر المهمات الصعبة ، والنكبة ومرارتها . وهو الجذر الفلسطيني العتيق الذي لم تتعبه الأيام ونوائب الدهر ، ولم تنل من صوته الزنازين والأغلال والسلاسل الحديدية والغارات الوحشية ، والفارس الفلسطيني الذي تألق وتوهج في الميدان ، وتمرس في ساحة الفعل الشعري والنضالي والكفاحي المقاوم.
حمل معين، في قلبه وروحه وكيانه ، غزة ببحرها وأمواجه المتلاطمة وشاطئها الجميل ، ورسم على جسده خريطة فلسطين بسهولها وجبالها ووديانها وأزهارها وأشجارها ومدنها وأريافها ومخيماتها ، وعرف النضال والمقاومة منذ شبابه اليانع الغض ، وذاق على جلده عذاب السجن وعتمة الزنزانة ، وعرف كيف يحول الكلمة الى رصاصة ، والرصاصة الى قصيدة . افلم يقل: "أنا ان سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في السلاح، واحمل سلاحي ، لا يخفك دمي يسيل من الجراح".
وقد ساهم معين في صياغة وكتابة ثقافة الرفض والمواجهة والمقاومة والوجدان الفلسطيني ،من خلال قصائده وأشعاره الثورية ، التي نقشت على جدران الزنازين وعلقت على صدور المناضلين والمقاتلين ، وأضحت نشيد أبطال المقاومة الفلسطينية.
وكان معين عاش تجربة حصار بيروت الدامي، وشهد معاركها البطولية، وشحن المقاتلين من الحركتين الفلسطينية واللبنانية بقصائده المقاتلة اللاهبة، التي كتبها في الخنادق وتحت لهب الانفجارات . وتحولت قصيدته "لن تدخلوا بيروت" الى نشيد وطني تردد على الشفاه والألسن ، وكتبت بالدم على الجدران والحيطان كتعبير عن ارادة وايمان شعب صامد في وجه آلة الحرب الهمجية .
وفي أثناء حصار بيروت سأل معين بسيسو القائد الفلسطيني ياسر عرفات : ما الذي يمكن أن يكتبه الشاعر الآن وراء المتاريس وتحت القذائف ؟.
فرد عليه أبو عمار قائلاً : ان قائد الثورة لا يستطيع أن يعرض على الشاعر والكاتب اسلوب الكتابة أو شكلها ، انكم وحدكم الذين تقررون هذا الشعر ، والكتاب هم قادة بانفسهم، انهم قادة ثورتنا الشعرية والادبية !!.
ولعل سر خلود معين بسيسو وبقاء أشعاره بين الناس ، انها أشعار وجدانية ووطنية صافية وصادقة وشفافة وواضحة نابعة من قلب الجماهير ، وتصور همومها وأوجاعها وآلامها، وتعالج قضاياها، وتعبر عن آمالها وأحلامها وتطلعاتها. وكان معين يرى في الشعب مدرسة للالهام والابداع الشعري .
والقصيدة الأخيرة التي كتبها وخطها يراع معين بسيسو وأبدعها خياله الشاعري هي ملحمة شعرية جميلة في ألف بيت، بعنوان "قصيدة في زجاجة" يقول في مقطع منها :
سفر سفر
موج يترجمني الى كل اللغات وينكسر
موجاً على كل اللغات وأنكسر
سطراً .. سطراً
سفر .. سفر
سفن كلاب البحر أشرعة السفن
وطن يفتش عن وطن
زمن زمن
زمن تكون به وحيداً كالفراشة في سحابة
يا من يسمنني باشرعتي واجنحتي
لسكين الرقابة
تحيا الكتابة
تحيا الرقابة
يحيا على فمي الحجر
سفر.. سفر.
وكان معين قرأ هذه القصيدة ،المليئة بالايحاءات، خلال الاسبوع الثقافي الفلسطيني بلندن ، وشارك فيه أيضاً الراحل محمود درويش وسميح القاسم ، ودغدغ بها مشاعر الجماهير وأيقظها وبث الحماس فيها . وكما كتب ياسين رفاعية في حينه عن هذه الأمسية في حينه : " بيت من الشعر قادر على قيادة مظاهرة فلماذا لا يكون للشعر مثل هذا الدور في زمن تم فيه وأد المشاعر وخنق الطموح وتخدير الجماهير الى حد تنويمها تنويماً مغناطيسياً :
استيقظوا يستيقظون .. ناموا ينامون
الا ان الشعر ما زال قادراً على أن يدمر التخدير ويوقظ النائمين من سباتهم الطويل ، وهذا ما فعله معين بسيسو في سهرة لندن .. فكان الفعل وكأنهم صورة أصيلة عن الجماهير في كل أنحاء الوطن العربي المليئ بالخيبات المريرة".
وتشاء الأقدار أن يموت معين بسيسو ويودع الحياة مرتحلاً الى وطنه فلسطين ، خلال مشاركته في هذه الأمسية وقراءته لقصيدته الأخيرة ، التي ستظل تربط عشاق فلسطين في سموات أحلامهم وبين الأرض والوطن والحرية .
وطوبى لمعين الذي تعمد بالقهر وتزنر بالعذاب وأبحر في عباب الزمن حاملاً روحه على راحتيه ،غازلاً للوطن أجمل الملامح والروائع ، مشاركاً في نضال شعبه في سبيل الحرية والاستقلال ،هاتفاً :
هو الكفاح فخطي، يا مطارقه بقيد مضطهد تاريخ مضطهد
ان كان قلبي خفاقاً الى أمد قلب الجماهير خفاق بلا امد
غازي ابوكشك -
g722408@hotmail.com
غازي ابوكشك
التعليقات (0)