الى سامراء ... حيث :
- طريق الموت .
- منطقة ساخنة .
- حدث ساخن .
- مشاعر غضب شعبي .
- منطقة تحت سيطرة الارهابيين .
هل سنكون مغالين لو قلنا أن من يواجه هذه الظروف مجتمعة لنقل الحقيقة بكل مهنية ومن قلب الحدث يستحق ان يكون رمز الشجاعة ومرادفها ؟
أنها أطوار بهجت ... حين تجتمع حروف أسمها ... على النهر أن يقف حدادا ... وعلى الجبل أن يضطجع باكيا ... وعلى الأعلام أن تنكس سواريها ... وعلى الجندي ان يخفض سلاحه ... لأنها أطوار بهجت ... لأنها من اعطى للشجاعة معنى جديد ... لترتفع هامتك ويزهو كبريائك أيها العراقي لأنك أبن البلد الذي انجب أطوار بهجت .
الاستاذ : ما هي الشجاعة بالمفهوم المعاصر ؟
الطالب : انها اطوار بهجت
الاستاذ : سالتك يا بني عن معنى الشجاعة بالمفهوم المعاصر
الطالب : انها أطوار بهجت لا تزيد حرف ولا تنقص حرف
الأستاذ : لا تضيع وقتي هل تعرف معنى الشجاعة ام لا ؟
الطالب : يا أستاذ كل وقتك ضائع أذا لم تكن تعرف أن الشجاعة المعاصرة تعني أطوار بهجت . وعليك أن تغير السؤال من ( ما هي الشجاعة ) الى ( من هي أطوار بهجت ) . وجدنا في هذه الحياة بغير أرادتنا . وما علينا الا أن نعيشها قدر أستطاعتنا وبأحسن وجه ممكن وهذا ما فعلته أطوار ألا أن أراذل البشر كان لهم كلمة .
لنقف على مجتمعنا ومستوى تقييمه للشجاعة الخاصة والاستثنائية التي مثلتها أطوار بهجت وبسسبها فقدت حياتها . بأختصار وبدون لف ودوران . ان أقصى مستوى تفاعل اجتماعي حصلت عليه أطوار بهجت هو حصولها على تعاطف شعبي وأسف على ما حدث لها ومشاعر الم لا يمكننا أن نغفلها ويجب أن نقدرها . وهذا امر أيجابي بكل المقاييس . لكن !!! لنترك مفردة (لكن) ونقف عند منعطف مهم . وهو معيار البطولة والشجاعة في عيون مجتمعنا .
في مجتمعنا المعايير معقدة . ومن يسعى لدور البطولة في مسلسل الشرق الاوسط عليه ان يفهم جيدا معايير المجتمع ومقاييسه . هناك أمور معينة لو فعلها شخصا ما مع بعض السمات الشخصية البسيطة ومقدار بسيط من الذكاء الاجتماعي . سيتمكن من التحول الى بطل على الأرجح .
لتكون بطل يكفيك ان تستخدم شعارات معادية للمحتل ومن جاء مع المحتل وأقارب المحتل وجيران المحتل وابن عم المحتل ومن شاهد المحتل ومن مر قرب المحتل وخياط بدلة عروس المحتل . فضلا عن الامبريالية والصهيونية هذا عدا الحديث عن المخطط الامريكي الذي يعده الزبال عودة وينفذه الحمال خلف . أضافة الى شرح وافي لدسائس المحتل وخبثه ونجاحه في تفريق الامة وتمزيقها . ونجاحه في أفساد الأمة واختراق بكارتها . ودهائه في تحويل الابيض الى اسود والاسود الى أبيض . كل هذا لو حدث في الوقت المناسب ومن شخص يملك المقومات المناسبة ويعرف جيدا عن ماذا يتحدث سيتحول الى بطل وقد يتحول الى زعيم .
لا يحتاج المرء ان يواجه الصعوبات ليكون بطل . يكفي أن تنال من المحتل لتكون أشجع الشجعان وبطل الابطال وقائد ثورة الفاتح والغامق والكحلي . ستزف لك العروس بدون مهر وسيصرف لك راتب مدى الحياة وستخرج لاجلك التظاهرات في أرجاء الفردوس العربي الموحد . وسيستقبلونك وكأنك كلكامش حاصلا على سر الحياة الابدية . يا صديقي لا تضحي بحياتك لاجل المبدا فكل ما يحدث خدعة . ليس عليك ألا ان تصرخ عاليا ( يسقط المطر في الصيف يعيش السمك في الماء ) . أحسبها جيدا . تبا للمبدأ . لا تيتم أطفالك ولا ترمل زوجتك ولا تفجع امك . لأن المجتمع سيراك ( مسكين لا يستحق ما جرى له ) ولن يراك بطلا ألبتة . انك مجرد مسكين فقد حياته . حاله حال ألاف المساكين . لن تتحول الى رمز للشجاعة . هيهات . أحسبها جيدا . من سيبالي بمبادئك ؟ سيبكون عليك ويقرأون عليك الفاتحة ويشربون الماء على روحك الطاهرة .
ليظرب بوش بمئة حذاء وألف قبقاب ومليون جزمة ومليار نعال وترليون شبشب . فلست مهتم لأمر بوش وهو كفيل بالدفاع عن نفسه . ولست هنا في محل تقييم ما فعله منتظر الزيدي . ولا يخصني تقييم مدى صحة ما فعله منتظر أو مدى أستحقاق بوش ليظرب بحذاء. فلا أنا مهتم لمشاعر جورج بوش ولا أنا مهتم لما فعله منتظر الزيدي ولا يهمني أمر كلاهما . ما يهمني حقا هو تصنيف المجتمع وتقييمه لما فعله منتظر الزيدي .
في قلب فندق من فنادق الدرجة الاولى أو في قصر المؤتمرات لا أعلم ولست مهتم جدا للمكان . وقف بوش في مؤتمره الصحفي . فخلع منتظر الزيدي حذائه والقاه على بوش وصرخ بأسم الابرياء والمساكين . ليحصل بهذه البساطة على دور البطولة والشجاعة والفروسية . لن يحتاج أن يذهب الى منطقة ساخنة لنقل الحقيقة ولن يحتاج أن يعرض حياته للخطر .
كلنا نعلم أن رد الفعل الرسمي والقانوني تجاه منتظر لن يصل في أسوء حالاته الى الاعدام . بكل هذه البساطة وفي جو مترف ومليء بذوي البدلات الرسمية حصل منتظر على لقب بطل وتحول الى رمز للبطولة والجهاد ضد المحتل البغيض . وحصل على تكريم شعبي قل نظيره . لاتحتاج أكثر مما فعله منتظر لتصبح بطل . ليس هناك داعي ان تخاطر بحياتك كما فعلت أطوار . وليس هناك داعي ان تجاهد للوصول للحقيقة . فيكفي ان تلقي بحذائك بوجه رئيس دولة الأحتلال البغيض لتصبح أشجع الشجعان وفارس الفرسان . يكفي ذلك لتجد من يهب لك راتب شهري فاخر . وتجد من يهب لك أبنته للزواج بها . وتجد من يتظاهر لأجلك . وتجد من يرقص لأجلك وتجد من يبكي لاجلك .وتجد فريق محامين يدافع عنك . ليس هناك داعي ان تظهر شجاعة فعلية كما فعلت أطوار بهجت وضحت بحياتها . كل ما عليك هو ألقاء حذائك بوجه شخص يمثل رمز للشر . هذا أذا كنت تبحث عن دور البطل في مسلسل التاريخ .
في اول انتخابات جرت بعد 2003 قام شرطي عراقي بأحتضان أرهابي يرتدي حزام ناسف وأبعاده عن الناس وتمكن الارهابي من تفجير نفسه ليموت الشرطي معه ولا يموت أحد غيره بفضله . الدفاع عن حياة الناس والتضحية بالنفس هي شجاعة حقيقية خالصة تستحق الخلود . هل هناك من يتذكر أسم هذا الشرطي ؟ لا أعتقد أن هناك من يتذكره غير أهله وأصدقائه وأبناء منطقته .
كنا على الموعد مع البطل الشجاع عثمان العبيدي الذي فقد حياته وهو ينقذ الاخرين من الغرق . وحصل منا على تقدير شعبي عالي وحب كبير يستحقه لكن مع الاسف لسنا دائما على الموعد . فهناك اشخاص لم يفعلوا ألا ترديد شعارات وفعل حركات أكشن في أجواء مترفة ليحصلوا على رمزية عالية . وهناك أشخاص قاموا بأفعال أنقذت الكثير من الارواح وضحوا بأرواحهم ولا يوجد من يذكرهم .
القوي المعتدي
المجتمع لا يكاد يميز بين القوة والشجاعة . واحيانا لا يصنف الشجاعة على أنها قوة ويتغاضى عنها ويعطيها وصف اخر . ففي نظر المجتمع من لا يستخدم القوة لا يملكها . ولا يوجد تقدير كبير لمن يملك القوة ولا يستخدمها . بل ان الانسان المسالم يصنف كضعيف ليس لديه قدرة على اخذ حقه .
قم بهذه التجربة البريئة أختر أسم شخص مهذب ومؤدب ومسالم . وأسال عنه أبناء منطقته . ستلاحظ أن هذه المفردات ستتكرر على ألسنتهم أكثر من غيرها :( خطية , فقير , خوش ولد , ما عندة أذية علة أحد) . وقم بتجربة أخرى وأسأل عن شخص اخر معروف عنه كثرة المشاكل والمشاجرات والصوت العالي , ستسمع هذه المفردات اكثر من غيرها : ( سبع , أخو خيتة , تخليه علة يمناك , واحد شراني دير بالك منة )
الحقيقة أن مفردة فقير تعني أن المجتمع ينظر الى الأنسان المؤدب الذي لا تبدر منه تصرفات عدائية وكانه يفتقر الى شيء وهو فعلا يفتقر الى شيء مهم وهو ( الأعتداء على الاخر ) فهذه الصفة لو كانت موجودة لأستخدموا مفردة (سبع) وتلفظ بطريقة مشددة جدا مع حركة تأكيدية بالرأس وملامح تعبيرية هائلة بالوجه . الواقع ان تعابير مثل فقير أو خطية أو غيرها تعبر عن عدم تقدير المجتمع للشخص المسالم . مع أنهم يحترموه ظاهريا ويحبوه ويفضلون التعامل معه لكن في داخلهم نوع من التحقير والأستهانة التي تجعلهم يستخدمون مفردة فقير والتي تلفظ مع تعابير واضحة بالوجه وفي العينين تحديدا تعبرعن الضعف .
أما صاحب المشاكل فمع ان المجتمع قد يذمه وينتقده لكن من المحتمل أن يصفه أحدهم بمفردة (سبع) أو(أخو خيتة) ويحاول الناس بشكل دائم المهادنة معه للأبتعاد عن مشاكله وخوفا من أستخدامه للقوة . لذلك تجد المجتمع يميل بشكل كبير الى منافقة هكذا شخصيات ومحاولة كسبهم بكل الوسائل . وبأمكانك أن تكتشق الأحترام والتقدير من قبل المجتمع للشخص صاحب المشاكل وكثير المشاجرات بسهولة . فحتى بعد أن يبين لك احدهم انه يجب أن تتقي شر هذا الرجل فلا تستبعد ان يستخدم مفردة سبع . لأنها تعبيرعن أحترام القوة .
القوة لا تعني الشجاعة
كل ما سبق نسبي الى حد ما ولا يمكن تعميمه لكنه واقع فعلي ملموس وشائع . أن أحترام القوة لا يقف عند القوة العضلية فقط . فهناك احترام لمظاهر أخرى للقوة ليست عضلية . والقوة لا تعني الشجاعة دائما . فهناك فرق جوهري بين القوة والشجاعة فليس كل أستخدام للقوة يعتبر شجاعة . وليس كل شجاعة تحوي في تفاصيلها أستخدام للقوة . لكن المجتمع في كثير من الاحيان يعطي للقوي صفة الشجاع . مجتمعنا تأسره وتسحره الشعارات التي تعبر عن الوقوف بوجه المحتل . وهكذا شعارات بحد ذاتها تعد شجاعة عالية في نظر المجتمع . لكن ليس كل من يرددها يتمكن من التحول الى قائد ملهم مسموع القول . فهناك عوامل أخرى تتعلق بطبيعة المجتمع والصفات الذاتية للفرد .
لا اعلم الى ماذا سيتحول المكان الذي أجلس به الان بعد 100 عام , ولا اعلم من سيجلس هنا . لكني أعلم جيدا ان من سيجلس هنا بعد مئة عام سيقرا في كتاب التاريخ المدرسي عن هذا الزمان الذي نتنفس به الان عن أشخاص كثيرين سيسجلون كأبطال وكرموز للوطنية والشجاعة وهم لا يستحقون ذلك .
أن التاريخ لا يذكر الشجعان الحقيقيين ألا على مضض . فكثير من الزعماء الذين تورطوا بعمليات قتل وسلب لأرادة المجتمع نجوا بفعلتهم وسجلهم التاريخ كأبطال قوميين لسبب بسيط وهو مواجهتهم للأجنبي ورفع شعارات معادية له . فالتاريخ يهمل أنهم تسببوا بقتل مدنيين أبرياء ويركز على وقوفهم بوجه الأجنبي . وهناك شواهد تاريخية كثيرة على ذلك.
يقول الوردي :
أحب الشعب الملك غازي أكثر مما أحبوا أباه . والسبب في ذلك أن الشعب العراقي كان لديه معيار واحد يقيس به رجال السياسة وهو معيار العداء للانكليز . فالذي يعادي الانكليز هو في نظر الشعب وطني , والذي يصادقهم خائن . أنها كانت لدى الشعب كالمعادلة الرياضية . أذ كانوا ينظرون لرجل السياسة حسب هذه المعادلة . فكلما كان الرجل أكثر عداء للانكليز كان في نظرهم أكثر وطنية والعكس بالعكس . (1)
كيف يحدث ذلك ؟ وكيف يكتب التاريخ ؟
1- الجيل الذي عاش المأساة ولمس المعاناة بنفسه من خلال فقدانه لأحبائه سيحكي للجيل الذي بعده عمق المأساة والمعاناة التي حدثت لهم على يد نفس القوى التي واجهت الاجنبي .
2- لكن الجيل الذي بعده لن يشعر بالمأساة بنفس القوة وهو لم يلمسها كواقع . وقد يحكي للجيل الذي يليه عنها لكنها بمرور الزمن ستندثر وتندرس ولن يبقى الا قصة دحر الأجنبي وأذلاله .
3- أما قصص قتل الناس على الظن والشبهة وقصص شوي الجثث والتمثيل بها وقصص التعذيب ستذهب أدراج الرياح . لأن التاريخ يسمع صوت القوي ولا يسمع صوت المألوم .
4- الضحايا ليس لديهم مؤسسات تدون لهم تاريخهم . لكن القادة ذوي النفوذ لديهم مؤسسات تتمتع بديمومة الوجود والنفوذ العالي . وهي كفيلة بخلق جو عام يعبر عن البطولة والشجاعة والوطنية . لكن تبقى مقتطفات متناثرة يرويها التاريخ مكرها وعلى أستحياء . وهناك شواهد تاريخية كثيرة على ذلك .
في الوقت الذي يكون تقييم المجتمع لمعنى البطولة نابع من وقوفه على الأهداف الحقيقية ومقدار الخطر وعمق المبدأ ومقدار تعلقه في أنقاذ أبرياء او أظهار حقائق . وحين يكون لشخصيات مثل أطوار بهجت أو الشرطي الذي أنقذ الناس وضحى بنفسه قيمة عليا ورمزية تمثل الشجاعة والبطولة والقوة ويتحدث عنها المجتمع بفخر ويحتفل بها ويقدرعمق التضحية وعمق تأثيرها. وحين يسجل تاريخنا المنهجي والاكاديمي السير الذاتية لهذه الشخصيات وأثرهم في خلق الوطن وبنائه . حينها فقط سنكون امة تستحق الحياة وتعرف معنى الحرية وتحترم ذاتها . لا زلنا أمة لا تعطي شجعانها الحقيقيين حقهم الكامل . وتمجد اخرين .
المصادر :
1- حميد المطبعي – الوردي يدافع عن نفسه –176
التعليقات (0)