معلم يطلب النقل ..وثائق تربوية حكومة فلسطين 1946
من ارشيفي الخاص :عوني ظاهر
في ملفات قسم الشؤون الادارية في كل مديرية الكثير من الاوراق الباهته التي تحكي قضايا التربية والتعليم بمختلف اشكالها ، من تقارير اشرافية وشخصية وصحة واجازات وعقوبات وترقيات، ملفات تشرح التاريخ الفلسطيني بكل الجغرافيا والالم ،لحكومات الانتداب والاحتلال جيلا بعد جيل، ترسم واقعا فلسطينيا متميزا بكل قضاياه وخطواته في بناء الاجيال مع تغير المضمون والشكل والنبرة والحس والخصوصية والتعاطف ،حتى الانقلاب على الذات، ليصبح المرهوب مرغوبا والمعرفة نكره وتبدلت البلاد غير البلاد، حتى مضامين اللغة والعملات تغيرت ،مرورا بحدود الامل ، وحواجز القهر، وجدارالفصل.
ارقام لقرارات قضمت الوطن بمباركة الامم المتحدة وتعطفا مع الوليد الجديد والذي سمي اسرائيل ، حيث شتت شعب وهدمت ديار ، ورسمت حدود،على ارضٍ ما زال يذكرها الراحل الكبير محمود درويش ،في قصائده قائلا: كانت تسمى "فلسطين" وما زالت تسمى "فلسطين "
وفي هذه العجالة ومن ذلك الارشيف اعرض لحضراتكم قضية مدير او المعلم الوحيد ، يبدوا انه عين في منطقة الجليل المغتصب في اربعينيات القرن العشرين ، في قرية اسمها حطين وضاق ذرعا كعادة المعلمين الذين يضمنون التعين وبعدها يصرخون عاليا اننا في بلاد واجواء لم تخلق لنا ولم نخلق لها ، بلاد ٌ، استعمل مُعلمنا كل مفردات اللغة الدارجة ليصفها باللون الذي يدعم قضيته وليستجاب لطلبه، وعندما يلبى هذا الطلب، ولا يروق له القرار ،تبدا الحكاية من جديد ،ونحن اليوم امام قضيتين طلب نقل لاسباب تبدو واضحة من الكتاب الاول والرد الايجابي من الادارة خلال اسبوع ،وهاكم الحكاية ..
نابلس مستعجل رقم 14
9/8/46
حضرة مفتش معارف الجليل المحترم
المبحث: النقل
الاشارة: كتبي رقم 14 في 26/6/46، 14/1/46، 28/9/45، 16/7/45، 29/4/44، 4/4/43.
كتبت لكم أكثر من عشرين كتابا أخبرتكم فيها بالتفصيل الأسباب الكثيرة القاهرة و الظروف العائلية العصيبة التي تضطرني إلى النقل إلى مدينة في لواء الجليل إذا تعذر نقلي إلى لواء السامرة.
أنني أفضل أن أقدم استقالتي على المعيشة في قرية مثل حطين أقاسي فيها أنواع الشدائد و أعاني فيها الفتك و البؤس و الآلام و المرض، وحيداً لا أجد من يساعدني في معيشتي المنزلية، بعيداً عن أسرتي التي تسكن نابلس بحيث لا أتمكن من السفر إليها إلا في أيام العطل الطويلة المدى لبعد المسافة و لرداءة طرق المواصلات إلى هذه القرية.
لقد فتكت بي كثير من الأمراض أثناء معيشتي في هذه القرية طيلة السنوات الأربعة التي قضيتها في حطين و خصوصاً مرض الحمى الراجعة الذي كاد يودي بحياتي و الذي ترك أثارا في مفاصلي لا تزال تؤلمني ألماً مبرحاً.
إن ما وصلت إليه حالتي الكئيبة البائسة وظروفي العائلية العصيبة و هول الأمراض المبرحة التي قاسيتها في حطين و الأسباب الكثيرة التي ذكرتها لكم في كتبي المشار إليها أعلاه تدفعني أن استرحمكم و أن اضرع إليكم راجياً أن تتفضلوا بنقلي إلى مدينة في لواء الجليل كالناصرة أو غيرها من المدن الأخرى إذا تعذر نقلي إلى لواء السامرة .
أرجو أن تتفضلوا بإعلامي عن رأيكم في هذا الأمر بأقرب فرصة ممكنه .
و تفضلوا بقبول فائق الاحترام
مدير مدرسة حطين
بدوي ع ا
ولم يرق للمعلم هذا القرار، ويطلق العنان لفكره من اجل ان يلغيه قبل ان يجف حبره وبالتاكيد لم يشبع طموحة ، لا بل لم تجر الرياح بما تشتهي السفن ، وكان الخطاب التالي :
التعليقات (0)