مواضيع اليوم

معلبات مجانية

قفصة تونس

2013-05-04 12:04:15

0

 

تتراصّ (الأفكار المُعَلّبَة) على أرفف ثقافتنا الموروثة بانتظام.. وأحياناً تتزاحم بحيث لا نرى سواها.. ومع كثرتها، ومع تكاسل الدماغ في إنتاج أفكاره الطازجة بنفسه؛ فإنه يكتفي بأن يمدّ يدَه إلى تلك الأرفف دون أن يخطر بباله أن ينظر إلى تاريخ المُنتَج أو مكوناته! فيلقي بتلك (المعلبات) في سلة تسوّقه بمنتهى الثقة.. وأحياناً الزهو؛ لأن أكثر ما في تلك المعلبات إغراءً هو أنها (مجانية)!!


لم يغب (وجدان) المسلم المعاصر عن الوجود والشهود منذ فجر الرسالة، دائماً ما كان ينبض بالولاء.. بالحميمية.. بالعشق.. بالشغف.. بالشوق المفرط لعودة الراية مرفوعة كما كانت في الصدر الأول.
نعم.. للوجدان حماسته المشروعة، لكن أيضاً له أخطاؤه المروّعة!
كم قيل له – ولم يلتفت- :
لا ينبغي له أن تعمل وحدك، الحمل ثقيل!
لا ينبغي أن تسير بمفردك في طرق قد تكون موحشة؛ فتعبث بثباتك، وتنهش طمأنيتك.. وقد تكون خضرة حلوة تغريك فتستلذها، فتغرق في غيبوبة لا تصحو منها إلا على غيبوبة أخرى!
من كثرة عثراته وطول معاناته؛ يدرك (الوجدان) ذلك جيداً..
يحاول أن يوقظ رفيق دربه المتخاذل.. سنده الذي تخلى عنه مرات ومرات، ولا يعود إليه إلا بعد فوات الأوان.. كان منها يوماً مؤلماً، لا ينساه أهل الحي، حين اتحدا في جسد واحدٍ أخذ يبكى بكاء حاراً على سطح سفينته المنفية؛ يومها طعنته أمه قائلة: ابك مثل النساء ملكاً لم تحفظه حفظ الرجال!
لا ييأس الوجدان من أن يناشد صاحبه العودة إلى الوجود والشهود.. لا ييأس من أن يوقظه من غفلته .. من سباته العميق .. من غيابه الطويل .. من هجره وجحوده.. يطلب منه السند والمدد.. العون في معركته لرفع الراية المنتكسة بفضل غيابهما عن الوحدة .. عن الوعي!!
يستجيب (العقل) لصاحبه..
يعود على استحياء.. يعتذر عن تأخره..
يشمر عن ساعده للبدء في حياة جديدة مشتركة قوامها العقل والوجدان.. حياة تدرك ما فاتها وتبني مستقبلها!
ينهض العقل المسلم .. ينهض الماردُ الجبار .. يعلن عن بدء رحلة العودة إلى الحياة.. بل يعلن عن عودة الحياة إلى الحياة.. تبتهج الدنيا.. تنتظر إبداعه الخلاق..

تمر لقطات (الفيلم) سريعاً أمام شاشة الكون .. تتداخل المشاهد الثابتة والمتحركة: جامعة قرطبة.. المسجد الأموي.. الأزهر الشريف.. حلقات الدرس.. مخطوطات متنوعة.. مكتبات بغداد.. عمارة الإسلامية؛ جوامع، مدارس، أسبلة، وتكايا، بيمارستانات .. زخارف ورواشين.. فتح بيت المقدس.. عمر بن الخطاب.. أحمد ابن حنبل.. جعفر الصادق.. ابن سينا .. الفارابي .. المتنبي .. ابن المقفع .. هارون الرشيد .. زرياب .. موسى بن نصير .. ابن خلدون ...  

نعم، ينتفض العقل المسلم.. ويعد بالمشاركة.. لكنه يستأذن قليلاً للتسوق..
ينطلق مسرعاً إلى (الهايبر ماركت)..
وهناك.. يمدّ يده إلى الأرفف المنتظمة ليتناول بعض (المعلبات المجانية) دون أن ينظر إلى تاريخ المُنتج أو مكوناته!!

ينتظره الوجدان الجائع بشوق واشتهاء..
يطرق الباب..
يخطو بثبات إلى الداخل، وهو يبتسم ابتسامة الواثق..
يضع السلة على الطاولة..
ثم يتكئ على الأريكة .. ويعود يغط في سبات عمييييييييييق!!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !