مواضيع اليوم

معضلة الكفاح الوطني

nasser damaj

2009-02-01 09:06:46

0

معضلة الكفاح الوطني

بين الجهد الكامل والفشل الكامل

 

 

ناصر دمج

 

ثمة معضلة ملازمة لمراحل النضال الوطني الفلسطيني ، أشبة ما تكون بلعنة فرعونية متخصصة بملء الوعاء من الدم وسكبه على الارض المرة تلو الأخرى، رغم اصرار وجهاد العثمانيين في الحفاظ على فلسطين الا إنها سقطت بيد الاستعمار الصهيوني، وكانت الضحية الوحيدة للثورة العربية الكبرى ، وأضحوكة مكماهون على الشريف حسين، من هنا يمكن ان نبدأ بتحسس النتائج المعاكسة للمجهود الإسلامي والعربي والفلسطيني ولكل فعل نضالي هدفه الحفاظ على فلسطين، مما يمكننا لربما من حصر السبب في نهاية هذه المتابعة للعلاقة الغربية بين الجهد الكامل والفشل الكامل  .

جذور المعضلة.

على الرغم من يقظة الحاكم العثماني المبكرة كما اشرنا لأهداف الاستعمار الأوروبي لتوطين اليهود في فلسطين، وإصداره القوانين والتشريعات اللازمة التي تمنع تسريب الأراضي لليهود، الا إنها سربت،وبيعت العقارات بشكل سري وباطني بواسطة السماسرة الفلسطينين للمستعمرين اليهود ، وانتهت الجهود العثمانية في منع هذا الخطر بالفشل الذريع بسبب هزيمتهم إمام الإنجليز في  أيار/1917م ، وإعلان الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1922م بموجب قرارعصبة الأمم في مؤتمر سان ريمو عام 1920م ، وقد وظف الاستعمار البريطاني كل إمكانياته السياسية والعسكرية لتنفيذ وعد بلفور الصادر في 2/11/1917 أي بعد خمسة شهور من احتلال فلسطين وهو الذي بموجبه وعد البريطانيون اليهود منحهم وطن في فلسطين .

استنتاج .

لعلها متغيرات لا تستجيب بالمطلق مع ما يسعى إليه العرب والمسلمون لمنع هذا الاستحواذ على الوطن ومنحه للغرباء، في عام 1919م عقد أول مؤتمر وطني فلسطيني، فرفض وعد بلفور، وادان الهجرة الصهيونية الى فلسطين، لقد مهد ت قرارات هذا المؤتمر لانبثاق أشكال أخرى من الرفض الجماهيري للاستعمار الجديد الأخذ في التوحش، وفي عام 1920م اندلعت أولى الإعمال الفلسطينية العنيفة الرافضة للاستيطان الصهيوني، وذلك في الرابع من نيسان من العام المذكور إثناء تجمع الفلسطينين في القدس للاحتفال بموسم النبي موسى .

ثورة البراق .

شكل حائط البراق شرارة الصدام بين العرب واليهود حيث يعتقد اليهود ان حجارة هذا الجدار هي أجزاء من هيكل سليمان الذي هدمه البابليون في عام 586ق م بقيادة نبوخذ نصر، علما انه سمح لليهود إثناء الاحتلال الروماني لفلسطين وتحديدا في ولاية الإمبراطور جستينيان عام 320م بدخول القدس مرة واحدة في السنة للبكاء قرب حجر واحد يعتقد انه من بقايا خراب الهيكل، رغم عدم صحة هذا الاعتقاد، لان الإمبراطور الروماني تيتوس وفي عام 70 للميلاد هجر اليهود مرة أخرى من فلسطين وسوى مدينة القدس بالأرض حيث لم يبقى أي اثر لا للحجارة ولا للإنسان فيها .

الى ذلك تواصلت تعديات اليهود على حائط البراق بتعاون تام من قبل سلطات الانتداب، خلال العام 1925م لتصل هذه التعديات ذروتها في يوم 23/8/1929م عندما حاول الفلسطينيون منع اليهود من الصلاة قرب الحائط ، حيث بدأوا بالتجمع في ساحة البراق وكان يهتفون بعبارة ( الحائط حائطنا ) ، وتواصلت هذه الإحداث على مدار عام كامل ( ثورة البراق ) استشهد خلالها  أكثر من 126 فلسطينيا وأصيب الآلاف واعدم الأبطال الفلسطينيون الثلاثة عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي وهدمت أيضا مئات المنازل ، واستخدمت إثنائها سلطات الانتداب الطائرات الحربيه والمدافع والدروع لقمع الفلسطينيون العزل من أي سلاح ، وأعلنت في أعقابها أحكام الطوارى ، على الرغم من ان لجنة (شو) التي كلفت بالتحقيق في الإحداث من قبل الحكومة البريطانية أكدت على إسلامية الحائط وان لا حق لليهود فيه .

لقد شكلت هذه النتيجة انتصارا سياسيا نظريا لثورة البراق، الا ان ذلك لم يلق أي استجابة لدى سلطات الانتداب البريطاني وواصلت مساعيها الرامية الى تسهيل مهمة اليهود في السيطرة على الحائط وباقي الأراضي الفلسطينية، وتجاهل البريطانيون توصيات لجنة شو، محاولين فرض سياسة الأمر الواقع، حيث منع العرب من الذهاب الى حائط البراق في ساعات معينة بسبب وجود اليهود هناك .

استنتاج .

ان هذه النتيجة السياسية الايجابية لثورة البراق والمتمثلة بتوصيات لجنة بريطانية تدحض ادعاء الحركة الصهيونية في ملكية حائط البراق وجواره بأي شكل من الإشكال، والتصدي الجماهيري العظيم الذي أحبط المحاولات البريطانية قبل وبعد الثورة لتمليك اليهود حائط وساحة البراق والتنفيذ المبكر لوعد بلفور، لم تنعكس  كإنجاز سياسي ينهي الوجود الصهيوني على الأقل في محيط حائط البراق والقدس، لا بل ان وتيرة الاستيطان استعر أوارها وشراء الأراضي ازدهر، مع نمو وتعاظم ظاهرة السماسرة، وكذا التهريب السري للأسلحة عبر ميناء يافا للعصابات الصهيونية، حدث كل ذلك بسبب عدم وجود قيادة سياسية وطنية موحدة ترعى الحالة الوطنية الفلسطينية ، وتحول كفاحهم الى منجزات سياسية يعتد بها ويمكن البناء عليها لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.

الثورة والإضراب العام

لم تتوقف الإحداث والتضحيات الفلسطينية بعد ثورة البراق 1930م وقبل اندلاع ثورة 1936م وكان استشهاد الشيخ عز الدين القسام في تشرين ثاني 1935م في أحراش يعبد سببا لاتساع نطاق العمل الفدائي ليصبح ثورة شعبية مسلحة بقيادة الشيخ فرحان السعدي، والذي استشهد بدوره في يوم 22/تشرين ثاني /1936م.

من النتائج المعاكسة لتصاعد الكفاح الفلسطيني ايضا ،والتي هي انعكاس بالضرورة لتعاظم قوة المنظمات اليهودية، هو ان هذه المنظمات بدأت بتنظيم حملة اعتراضات لدى سلطات الانتداب على إقامة مؤسسات الحكم الذاتي الفلسطيني، وطالبوا بالمقابل بتنظيم مؤسسات يهودية موازية في مناطق النفوذ الصهيوني ( المستعمرات ) الأمر الذي دفع سلطات الانتداب الى الموافقة على منح اليهود تراخيص لإقامة مدارس ومؤسسات شؤون اجتماعية خاصة بهم، بالإضافة الى تغاضيها عن أنشطة المنظمات العسكرية الصهيونية السرية التي وسعت معسكراتها وزادت من وتيرة تهريبها للسلاح والمتفجرات.

حيث تمكن احد العمال الفلسطينين من اكتشاف هذه العمليات بعد ان سقط احد صناديق السلاح الخشبية المهربة عبر السفن على الارض في رصيف ميناء يافا وتناثر ما في داخله، فأشيع الخبر وبدأ الفلسطينيون بسلسلة احتجاجات على هذا وسواه من أشكال التعاون الصهيوني البريطاني ابتداء من شباط فبراير 1936م، وفي 20 نيسان من نفس العام أعلنت اللجنة القومية العربية من نابلس الإضراب العام في فلسطين، مطالبه بمنع الهجرة اليهودية الى فلسطين، وإقامة حكومة وطنية ووقف عمليات بيع الأراضي لليهود، وانتهت تلك المرحلة بنشوء وضمورمتغيرين هامين احدهما عسكري والأخر سياسيي وهما:-

1-     اندلاع ثورة مسلحة مع بداية العام 1936م في منطقة الساحل ولواء جنين بمشاركة عربية هامة.

2-     تشكيل اللجنة العربية العليا كممثل متفق عليه للشعب العربي الفلسطيني بقيادة الحاج أمين الحسيني في 25 نيسان 1936م

 لكن الإضراب السلمي والثورة المسلحة انتهيا الى لا شيء على المستوى السياسي والاستراتيجي، فبعد مرور ستة شهور على بدء الإضراب، وفي أيلول 1936م توجه وفد من أللجنة العربية العليا للاجتماع بالملك عبد العزيز آل سعود والملك غازي والأمير عبد الله للتباحث معهم في مصير الإضراب والاستماع منهم لأخر أنباء اتصالاتهم مع الحكومة البريطانية، " وبعد يوم من الاجتماعات وجه الزعماء الثلاثة نداء مشترك موجه للشعب الفلسطيني دعوا فيه الى وقف الإضراب ووقف الثورة المسلحة أيضا " وقد اكتفى الزعماء بوعود بريطانيا لهم بأنها ستجد حل للازمة في فلسطين وقالوا علينا الاعتماد على النيات الطيبة لصديقتنا بريطانيا العظمى التي أعلنت بأنها ستحقق العدالة في فلسطين، وفي اليوم التالي نشرت اللجنة العليا نداء الملوك العرب ، معلنة إنها حصلت على موافقة اللجان القومية الفرعية في الاقضية والمحافظات ودعت الشعب الفلسطيني الى وقف الإضراب والعودة الى الهدوء وسرعان ما توقف الإضراب، وتراجع أوار الثورة، وسمح للمجموعات العربية التي دخلت فلسطين لمساعدة الثوار كمجموعات القائد فوز الدين القاوقجي باجتياز الحدود والعودة من حيث أتت، وطلب من المجموعات العسكرية ان تحل نفسها، الى ذلك يستفاد من تحليل الوقائع السياسية الفلسطينية في الفترة الواقعة بين 1936 – 1939م مما يلي:-

1-     ان النتيجة السياسية التي حصل عليها القادة الفلسطينيون كانت عبارة عن مضيعة للجهد والدم والكفاح الوطني منذ 1919م – 1939م، وتوازي صفر مئوي مطلق .

2-     ان الوعد النظري الذي قدمه الزعماء العرب للقادة الفلسطينين وقبوله منهم يعبر عن سذاجة سياسية مبكية، لا يستحق مثلها الشعب الفلسطيني لأن القيادة السياسية الفلسطينية زمنذاك كانت دون مستوى فهم الإحداث ولم يكن لديها الوعي السياسي الكافي لفهم ما يدور والتصرف على هذا الأساس.

3-     لقد اتاح إعلان وقف الإضراب المجاني من قبل القادة العرب والفلسطينيين للصهاينة الإحساس بالنصر والتعامل معهم على هذا الأساس.

4-     تمكن اليهود من حل واحدة من مشكلاتهم الكبرى والعالقة منذ أربعين عام، وهي مشكلة تسجيل الأراضي التي شروها بالسر من السماسرة الفلسطينيون ولم تسجل رسميا في دوائر الأراضي، وخلال هذا الإضراب الذي امتنع فيه الموظفون العرب عن الذهاب الى مكاتبهم في مختلف المديرات الحكومية ومنها وظيفتي الطابو والموانىء، فقامت الحكومة الإنجليزية باستبدال الموظفين العرب بآخرين يهود، قاموا بتسجيل تلك الأراضي التي اشتراها اليهود خلال الفترة الوقعة بين أعوام 1877م - 1939م بأسماء  مشتريها اليهود  .

5-     شيوع حالة كانت أشبه ما تكون بالمرض النفسي في صفوف الفلسطينين وهى الإحساس العميق بالإحباط المصاحب للهزيمتين العسكرية والسياسية، وتولد عنهما إحساس دائم بالخوف من العدو ( البريطانيين واليهود ) وقد مارست الحركة الصهيونية عبر اذرعها العسكرية سلسلة عمليات إرهابية شرسة ضد الشعب الفلسطيني كرست بها عقدة الهلع المضاعف، " حيث قتل مئات الفلسطينين جراء الألغام التي زرعت في أسواق الخضروات المزدحمة في القدس ويافا، وقامت منظمة والارغون بتفجير فندق الملك داود في القدس في نيسان/1946م واعتبر هذا العمل وفقا لدومنيك لابيير احد مؤلفي كتاب O Jerusalem  أول عمل سياسي إرهابي واسع النطاق في التاريخ الحديث " ( وليد الخالدي  مجلة الدراسات الفلسطينية / أفاق السلام في الشرق الأوسط ص7 خريف 2002م عدد52 ).

6-     لم تنجح الثورة المسلحة والإضراب السلمي في توحيد القيادات السياسية رغم وجود اللجنة العربية العليا، فخاضت تلك القيادات المرحلة وهي مبعثرة ، في وقت تمكنت فيه الأحزاب الصهيونية واذرعها العسكرية من توحيد صفوفهم .

استنتاج .

لو ان للتاريخ قلب لتوقف من الحزن، ولو كان له عيون لبكت شفقة على حالة الشعب الفلسطيني ، بسبب الظلم الذي ألحقته القيادة السياسية الفلسطينية حينذاك به، وهى القيادة التي أولت الخلافات الداخلية مع الخصوم السياسيين كل اهتمامها وكان لدى الحج أمين الحسيني الوقت الكافي ليعطي اوامرة بتصفية خصومه وأحيانا شركائه السياسيين، وصرف النظرعن السماسرة وتجار الأراضي والعملاء والاحتلال نفسه، الأمر الذي قدم للشعب الفلسطيني نتيجة فادحة وخسارة لا يمكن استدراكها مهدت بدورها الى انحدار أخر في مسار الخسائر وهو النكبة الكبرى 1948م .

النكبة .

كان تقرير لجنة بيل في عام 1937 أشبه ببالون اختبار لقياس ردود الفعل العربية حول قرار التقسيم المزمع تبنيه من قبل الأمم المتحدة، حيث خلصت اللجنة التي كان يرأسها اللورد روبرت بيل " الى أن استمرار العمل بنظام الانتداب على فلسطين اصبح غير ممكن عمليا، وأنة ليس هناك أمل في قيام كيان مشترك بين العرب و اليهود "، لذا فانه سيصار الى تقسيم فلسطين إلى دولتين احدهما عربية و الأخرى يهودية ، وتوضع الأماكن المقدسة تحت الإدارة الدولية .

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عاد زعماء الحركة الصهيونية للمطالبة بفتح باب الهجرة لليهود إلى فلسطين، إما الحركات الصهيونية المسلحة مثل الهاجانا والأرجون وشتيرن فقد صعدت من هجومها المسلح والمنسق مع البريطانيين على جنود الانتداب البريطاني للضغط على بريطانيا صوريا لفتح باب الهجرة .

لكن العرب عارضوا الضغوط اليهودية ، وحاولوا التصدي لها ، ففي عام 1945 قامت السعودية و سوريا و لبنان و العراق و الأردن و اليمن و مصر بتأسيس جامعة الدول العربية للضغط على بريطانيا من أجل حقوق الفلسطينيين ، لكن حكومة العماليين الجديدة في بريطانيا كانت تدعم بشدة أهداف و مشاريع الحركة الصهيونية ، مع رغبتها بالإبقاء على صداقتها مع العرب .

وفي سياق الاستجابة التاريخية العكسية لكفاح الوطنين الفلسطينين وبضغط من الرئيس الأمريكي ترومن ذو الميول الصهيونية أرسلت بريطانيا لجنة امريكيه بريطانية مشتركة لدراسة الوضع، فأوصت هذه اللجنة بتهجير 100000 يهودي أوروبي لفلسطين، كما أوصت برفع القيود على بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، والتأكيد على توصيات لجنة بيل في تقسيم فلسطين .

بعد أعلان بريطانيا عن رغبتها في الانسحاب من فلسطين في عام 1947 قررت إحالة المشكلة الفلسطينية الى الأمم المتحدة وتم عقد أول جلسة طارئة للأمم المتحدة في 28/4/1947 و تم أقرار مشروع تقسيم فلسطين الى دولتين فلسطينية ويهودية على أن تبقي القدس دولية، وأن تسود علاقات حسن الجوار و التعاون الاقتصادي بين الدولتين .

عندما ابلغ الصهاينة بقرار انسحاب بريطانيا في يوم 15 أيار 1948م قرروا أن يطبقوا الجزء الخاص بإنشاء دولة يهودية كما ورد في قرار التقسيم، حيث تم تشكيل برلمان يمثل اليهود والحركة الصهيونية العالمية، وأعلن هذا البرلمان عن قيام دولة يهودية في فلسطين تسمى اسرائيل و تقرر فتح باب الهجرة لكل يهود العالم للكيان الجديد .

استنتاج .

نتيجة مضادة أخرى لمساعي المناضلين والمقاتلين الفلسطينين والعرب وقفت في وجوههم، ففي الوقت الذي كان فيه لدى الصهاينة الخطط المعدة جيدا وينفذونها بدقة عالية على الارض، حيث سيطروا على كل منطقة تنسحب منها القوات البريطانية بالتدريج، بينما كان العرب في حالة إرباك وذهول ، وكأن الأمر يحدث في أراضي الآخرين ، ونجحت العصابات الصهيونية باحتلال أراضي أكثر من تلك التي منحها لليهود قرار التقسيم  ونزح من فلسطين أكثر من 800 إلف فلسطيني تشردوا في دول الجوار العربي ، لقد أسس هذا المتغير لحقبة لن يتمكن العرب من إنهاء أثارها الا بزوال سبب نشوئها وهو الفرقة والانقسام العربيين الداخليين .

احتلال الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء.

بعد العدوان الثلاثي على مصر تطور فكر القومية العربية و أنتشر بشكل واسع مع تعبئة قومية مكثفة تدعو للأنتقام من اسرائيل والاستعمار، وتم تأسيس القوات العربية المتحدة التي أنتشرت على الحدود مع اسرائيل و استمرت مصر في أغلاف المنفذ البحري لإسرائيل في البحر الاحمر ( مضائق تيران ) مع مطالبة الرئيس جمال عبد الناصر لقوات الأمم المتحدة بالخروج من مصر ، الأمر الذي دفع اسرائيل لمهاجمة مصر و الأردن و سوريا بشكل متزامن في 5 حزيران 1967 .

بعد ستة أيام انتهت الحرب بنصر إسرائيلي ساحق حيث دمر سلاح الجو الاسرائيلي المجهز بمعدات فرنسية القوات الجوية المصرية وقد كان سلاح الجو الاسرائيلي هو الأداة الرئيسية لتدميرالجيوش العربية في هذه الحرب التي انتهت بأحتلال اسرائيل لقطاع غزة و شبة جزيرة سيناء من مصر و القدس الشرقية والضفة الغربية من الأردن و هضبةالجولان من سوريا و أصبحت كل تلك المناطق تحت الأحتلال الاسرائيلي ، حيث اصبح حجم اسرائيل أكبر أربعة مرات عما كان علية عند وقف أطلاق النار في 1949،وتضم المناطق العربية المحتلة حوالي مليون و خمسمائة إلف عربي.

استنتاج .

لقد شكلت هذه الحرب ردا اسرائيليا يكاد يكون أسطوريا على نمو وانبعاث المارد القومي العربي وانطلاق الثورة الفلسطينية في العام 1965م ،والتي تمكنت من إعادة الثقة التدريجية بالنفس لأبناء الشعب الفلسطيني، لقد احتلت اسرائيل وبضربة واحدة مساحة تشكل أربعة اضعاف مساحتها عشية العدوان ، أي ما يوازي 69347كم هي اجمالي المساحة الجغرافية الجديدة التي احتلتها اسرائيل ( شبه جزيرة سيناء 61948كم) و ( هضبة الجولان 1158كم) و( الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية 5878كم) و( قطاع غزة 363كم ) بينما كانت مساحة اسرائيل قبل الحرب لا تتجاوز 21.000 كم، وسيطرت على منابع المياه في كافة الأراضي التي احتلتها وأبار البترول والقواعد والمطارات العسكرية في سيناء ،بالإضافة الى الميزات الجغرافية الاستراتيجية في هضبة الجولان وجبل الشيخ ( الموسوعة السياسية والعسكرية، فراس البيطار، الجزء الخامس، النتائج العامة للحرب العربية الصهيونية الثالثة 1967، ص 1758-1761، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط 1، 2003) الأمر الذي وجه ضربه حقيقية لمحاولات النهوض القومي للأمة العربية ، وبقيت هذه الحالة سائدة الى ان نجح مقاتلوا فتح في دحر جيش الاحتلال الاسرائيلي في معركة الكرامة في آذار 1968م، وهو متغير هام تم البناء عليه على نحو مضاد لمسار الانحدار في الحالة القومية الا ان ذلك واجه انتكاسة جديدة بالاقتتال الفلسطيني الأردني في أيلول 1970م، في نهاية الربع الأخير من ستينيات القرن العشرين حيث شهد مسار الصراع العربي الاسرائيلي متغيرين مزدوجين هامين وهما:-

1-    متغير انطلاقة الثورة الفلسطينية ومتغير معركة الكرامة من جانب

2-    متغير حرب عام 1967م ومتغير حرب أيلول 1970 م من الجانب الأخر

وقد أدى تصادم وتلاقي هذا الرباعي الى نتيجة ليست في صالح القضية الفلسطينية على الإطلاق ولقد كان للمتغير الثاني الأثر السلبي الأكبر على مستقبل القضية الفلسطينية كما سنلاحظ ذلك لاحقا .

الخروج من بيروت 1982م.

الفرق بين الخروج من بيروت في اليوم الاول للحصار وفي اليوم الثامن والثمانين منه، هو خراب المدينة ومجزرة صبرا وشاتيلا وشلال الدماء التي سالت إثناء الحصار، وسقوط ثلاثين إلف شهيد وأربعين ألف جريح وتنفيذ وعد مناحيم بيغن بتحويل بيروت الغربيه الى ما يشبه  درزدين Dresden المدينة الألمانية  التي سويت بالأرض بسبب قصف الحلفاء لها خلال الحرب العالمية الثانية ، ان الخروج من بيروت الى المجهول هو في الحقيقة احد ثمار المتغير الثاني وهو الخروج من الأردن ، إما الفارق بين الخروجين فكان في ان الخروج من الأردن الى لبنان كانت الطريق فيه واضحة ، إما الخروج من بيروت فلم تكن فيه الطريق على هذا النحو ، إما الذين تبقوا  في لبنان من أبناء م.ت.ف تركوا ليواجهوا الاسوء والمجهول أيضا " الذين لم يكن واضحا من هو المسؤل عن سلامتهم في وثيقة فليب حبيب وموريس درابر مثلما كان واضحا في البند رقم 4 من الوثيقة حول حماية من يعتلي السفن ويغادر " (paruch kimmerling pok POLITICIDE pag 114 ) ان صمود المقاتلين في معارك لبنان وحصار بيروت انتهى الى هزيمة عسكرية وأضحوكة سياسية تذكرنا بأضحوكة مكماهون على الشريف حسين، وهي هنا متمثلة بالتعهد الذي قدمه المبعوثين الأمريكيين فيليب حبيب وموريس درابر للقيادة الفلسطينية ومفاده " بان الولايات المتحدة ستعلن اعترافها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره " حيث سيخرج الرئيس رونالد ريغان ليلقي خطابا بنفسه للإعلان عن هذا الاعتراف، ولكن بعد ان يعتلي الجند المحاصرون وقادتهم السفن، وهذا ما لم يتم بطبيعة الحال، حتى بعد ان اصبح المقاتلون وقادتهم في عرض البحر، لقد كان لهذه الكذبة الأمريكية الأثر الأكبر في تكريس هزيمة منظمة التحرير السياسية والعسكرية، وسببا لخروج مجموعة لا يستهان بها من قادة فتح على ياسر عرفات فيما عرف لاحقا بالانشقاق .

استنتاج .

استند هذا المتغير الى وعد امريكي كان أكذب من لمعان السراب ، لهثت خلفه قيادة منظمة التحرير لكي تحول هزيمتها العسكرية الى نصر سياسي يحفظ لها ماء وجهها الوطني ، لكن ذلك لم يحصل ، لقد تسبب الخروج من بيروت وتوزع أعضاء وعناصر المنظمة على العديد من الدول الى ضمور واضمحلال الخيار العسكري الفلسطيني، وتقدم الخيار السياسي والدبلوماسي عليه وبيده سيف مثلم، وشكل ايضا بداية حقيقية مثمرة لمرحلة الابتزاز السياسي العربي للفلسطينيين ، الأمر الذي حرم الخيار السياسي الفلسطيني  من أي إمكانية للنجاح ، في الوقت الذي تصاعدت فيه حدة القمع الاسرائيلي لفلسطينيوا الضفة الغربية وقطاع غزة لإجبارهم على القبول بخيار الحكم الذاتي ، مما اضطر المنظمة الى اللجوء الى ساحة الارض المحتلة نفسها كملاذ أخير قادر على إنقاذها من عزلتها التي بدأت الدول العربية تفرضها عليها .

الانتفاضة الأولى 1987م

كانت هذه الانتفاضة بمثابة حبل النجاة لياسر عرفات بعد ان منحته فرصة تجديد قيادته لنضال الشعب الفلسطيني لقد كان لإخلاص الانتفاضة للرئيس ابو عمار الأثر الأكبر في إعادة الاعتبار لوجود منظمة التحرير على الساحتين العربية والدولية، لكنه لم يتمكن من استثمارها على النحو الامثل الذي يحقق لشعبة الاستقلال السياسي الحقيقي ولعله كان متسرعا في قبول اتفاق غزة أريحا، لأسباب شخصية تتعلق بمكانته كقائد لـ م.ت.ف، وبضغط الدول العربية عليه لقبول ما عرض فورا وألا واجه خطر الطرد من أراضيها .

بعد ان أنهى إسحاق رابين المكالمة الهاتفية المطولة مع ياسر عرفات والتي بدأت الساعة الثانية عشر ليلا وانتهت الساعة السادسة صباحا واتفقا خلالها على أخر التفاصيل المتعلقة بمسودة اتفاق غزة أريحا،  قام رابين بالاتصال مع فيصل الحسيني مباشرة ليخبره باتفاقه مع عرفات قائلا له " بأنني قبل قليل اتفقت مع عرفات على غزة أريحا، أنا ألان اعرض عليك اتفاق أخر، وهو ان اسرائيل مستعدة لإعادة الضفة الغربية كاملة بدون غور الأردن وخالية من الاستيطان خلال خمس سنوات الى قيادة محلية برئاستك  شريطة ان تصرفوا النظر عن قيادة تونس "  لكن فيصل الحسيني رفض هذا العرض ، مؤكدا على تمسك الداخل بقيادة الخارج ، وهكذا فتح الطريق لهذا الاتفاق بان يرى النور، وعلى أساسه تشكلت سلطة الحكم الذاتي الاداري المؤقت في غزة وأريحا ،كخاتمة يبدو أنها لا تتوازى مع تضحيات الفلسطينيون في الضفة وغزة، وبعد ان تمكنت انتفاضتهم من تحويل الجيش الاسرائيلي من قوة عسكرية نظامية محترفة، الى قوة شرطة تقاتل في حرب أسلحتها العصي والحجارة   وكانت قيادة هذا الجيش مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات السياسية في حينه كما بدا واضحا من حديث رابين مع فيصل الحسيني، فيما لو أدارت القيادة السياسية لمنظمة التحرير المعركة السياسية المصاحبة للكفاح الشعبي بحرفية اكبر .

 استنتاج .

بسبب الاستنتاج المتأخر لإسحاق رابين بأنه لا يوجد حل عسكري للانتفاضة ، وافق على أجراء محادثات بين اكاديمين فلسطينيين واسرائيلين تطورت لاحقا الى مفاوضات مباشرة وسرية بين اسرائيل والمنظمة  انتهت بقبول المنظمة بفكرة السيطرة على غزة وأريحا " دون الإصرار على المفاوضات المسبقة على تفاصيل اتفاقات الوضع النهائي " ( paruch kimmerling pok POLITICIDE pag 132  ) ان مثل هذا الاتفاق الذي من المقرر ان يختم مرحلة هامة من الكفاح الفلسطيني عمرها سبع سنوات كان من المفترض ان يتناسب مع ما بذله الفلسطينيون من تضحيات وكفاح كما اشرنا ، وهذه النتيجة على أية حال هي احد ثمار خروج الثورة الفلسطينية من بيروت ، بعد ان خرجت من الأردن ، وبسبب الابتزاز السياسي العربي والأمريكي ، حيث تقرر وضع المنظمة في قفص جغرافي  وتحت المراقبة الاسرائيلية ، كشكل من أشكال الاحتواء الناتج عن الانتصار السياسي لأحد الخصوم ، ولعل الاتفاقات الاقتصادية والأمنية التي وقعها الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك في مضمار تدجين العدو القديم والاستحواذ عليه وجعله الشريك التابع وليس الموازي المسخر لخدمة وحماية العدو .

الانتفاضة الثانية 2000م

تقترب الى حد التطابق هذه الانتفاضة مع ثورة العام 1936م وذلك بسبب النتائج الكارثية التي تسببت بها وألحقتها بالشعب الفلسطيني، ان ردة فعل الفلسطينين على زيارة شارون لأحد باحات المسجد الأقصى هو أمر طبيعي ويندرج ضمن إطار متغير الفعل ورد الفعل الذي يتحكم بهذا الصراع منذ نشأته، ولكن برزت المعضلة الفلسطينية من خلال انفلات عقال التسيب ان جاز الوصف للفعاليات العسكرية غير المنظمة ، والتي لا تمت للعمل الجماهيري السلمي بصلة، والتي حملت الانتفاضة أعباء ما كان لها ان تقدرعلى حملها ، بسبب ردة فعل الاسرائيلين المدمرة مقابل كل رصاصة يطلقها المسلحون الفلسطينيون، وذلك على العكس تماما عما سارت عليه الأمور خلال الانتفاضة الأولى " التي ابتعد فيه الفلسطينيون عن الاساليب التقليديه لحرب العصابات، ونجحوا في تحييد التفوق العسكري الاسرائيلي الواسع باستخدام وسائل الأعلام العربية والأجنبية من اجل إيصال رسالتهم ومطلبهم العنيد للحرية الى العالم " ( paruch kimmerling- pok POLITICIDE pag129 ( يتضح لقارىء المرحلة بان الفلسطينيون في سياق الانتفاضة الثانية سيرتهم المتغيرات التي شاركوا في صنعها ، وتلك التي لم يكن لهم فيها أية إرادة ، وأبرزها واهما وأخطرها على وجه الإطلاق هو سبب انفجار الانتفاضة، قبل زيارة شارون الى الأقصى بيوم واحد بادرت الإسرائيليون عبر قناة التنسيق الامني الفلسطيني الاسرائيلي الى الاستفسار عن المخاطر التي من الممكن ان تحملها زيارة شارون الى ساحة الأقصى، بعد ساعات وعلى الأرجح بعد ان تشاور المستوى الامني الفلسطيني مع ياسر عرفات قيل للاسرائيلين بان لا خطر ولا ضرر من هذه الزيارة، لقد كان السؤال الاسرائيلي خبيثا والجواب الفلسطيني بمنتهى المكر لقد مارس كلاهما لعبة الخداع املا في ان يحقق كل طرف مآربه السياسية، فعندما يلوم العالم اسرائيل على زيارة شارون لساحة الأقصى فأنهم سيبررون خطأهم بالسؤال الاسرائيلي الرسمي للطرف الفلسطيني الرسمي حول الواقعة، وهو أمر يشبه الاستئذان الى حد كبير، أما الفلسطينيون فإنهم سيقولون لأنفسهم فقط بأننا استدرجنا شارون لساحة الأقصى لنجعل منها شرارة احتجاجات جماهيرية ترسل في مضمونها رسالة لكلينتون وباراك تؤكد على صحة تخوف عرفات من المجازفة بقبول مقترحات كامب ديفيد،  ولكن نتيجة هذه المخادعة كانت خسارة الفلسطينين خسارة ماحقة لربما لن يتمكنوا بعدها من تعويضها  كما سيتضح لاحقا ، ان استجابة المستوى السياسي الفلسطيني للخديعة الاسرائيلية انتهت الى ان يخدع الإسرائيليون الفلسطينيون والفلسطينيون  يعتقدون العكس ، لعل هذه الواقعة تذكرنا بقول معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد " يا بني اذا تخادعت لأمرء ما واستجاب لك فقد خدعك "  ، لقد أراد ياسر عرفات الإثبات للاسرائيلين ان رفضه لمقترحات باراك وكلينتون في كامب ديفيد مدعوم بكل هذا الزخم الجماهيري ،  لكن انزلاق الانتفاضة الى الأعمال العسكرية التي شاركت فيها قوى الأمن الفلسطينية المختلفة كان خطا لم يتمكن ياسر عرفات من استدراكه مطلقا وافقده زمام السيطرة والتحكم ، والوقوع في الشرك الاسرائيلي الأمريكي ، وبدت الانتفاضة كحركة فوضوية تمزج بين العمل الجماهيري والمسلح في آن ، لقد أضر هذا المشهد إعلاميا بصفاء الأهداف السياسية للانتفاضة التي سوقها الاسرائيليون والأمريكيون كمنتج خطر للقنابل البشرية ضد المدنين اليهود ، وتمكن اللوبي اليهودي في أمريكا بمساعدة المحافظين الجدد على مساندة شارون في حربه ضد الانتفاضة وتصفية السلطة تدريجيا ، وهي الضحية الاولى للانتفاضة على اية حال .

لقد تبلور اقتراح تصفية السلطة الفلسطينية وإعادة احتلال الضفة الغربية قبل مقتل رابين بقليل، ولعله هو الذي قاد الى تصفية رابين نفسه في إطار مساعي اليمين الاسرائيلي لتصحيح الخطأ الكبير المتمثل بالتنازل عن بعض جزء من ارض اسرائيل، في العام 1996م قدم المحافظون الجدد في الولايات المتحدة وذلك قبل وصولهم الى السلطة بقيادة جورج بوش وهم ريتشارد بيل، وبول وولفوفيتز، ودوغلاس فيث، وجون بولتون ودونالد رامسفيلد أفكار خطيه لبنيامين نتنياهو واريك شارون تنطوي على إلغاء اتفاق اوسلو وإعادة احتلال الضفة الغربية وتدمير السلطة الفلسطينية ورفض مبدأ الارض مقابل السلام، وبالفعل هذا ما قام به شارون بعد وصول متزامن له وللمحافظين الجدد لرأس السلطتين في اسرائيل والولايات المتحدة، وقد أضيفت دافعية جديدة مشجعة لدى شارون لتنفيذ هذه الخطة وهي الرد على خطوة عرفات في إشعال الانتفاضة ليتسنى للاسرائيلين والأمريكان إعادة ترتيب الطاولة لمفاوضات جديدة وفق المشيئة الاسرائيلية، بعد عامين ونصف من القصف المتواصل لمقرات السلطة المدنية والعسكرية وفي نيسان 2002م ، نفذ الجيش الاسرائيلي خطة من شقين.

الاول: عسكري وهو اجتياح الضفة الغربية واحتلال المدن، في إطار عملية برية واسعة شارك فيها سلاح المدرعات والطيران والمشاة عرفت باسم ( السور الواقي ).

الثاني: سياسي وعسكري ويحمل نفس اسم العملية العسكرية وهو البدء ببناء ( السور الواقي ) على طول حدود الضفة الغربية مع اسرائيل.

بالإضافة الى حصار عرفات ووفاته مقهورا ولربما ندما على إطلاقه لانتفاضة الأقصى، وهو الضحية الثانية للانتفاضة ، اعتبر هذا الثلاثي ضربة كافية للإعلان عن فشل الانتفاضة على نحو استراتيجي في تحقيق أيا من مآربها التي أعلنتها وهي أعلان استقلال الضفة وغزة وطرد المحتل، ولم تتمكن حتى من الحفاظ على ما كان عليه الحال قبل يوم 29/أيلول /2000م من مكتسبات سياسية، فاستمرأت الخطط الغربية كافة استخدام مصطلح ( العودة الى ما كان علية الوضع قبل 29/9/2000م ) بدل الإشارة الى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وجدنا ذلك في ورقة تينت وخارطة الطريق وتقرير ميتشل وفي كافة المساعي الاوربية.

لقد اختتمت هذه المرحلة بمتغير هام وهو الرسالة التي رد بها جورج بوش على رسالة اريك شارون فيما عرف حينذاك بتبادل الرسائل في 14/4/2004م بينهما والتي أكد فيها الرئيس الأمريكي على ثوابت السياسية الأمريكية التقليدية تجاه اسرائيل بالاضافة الى اعترافه  بها كدولة خالصة لليهود قائلا " ان الولايات المتحدة ملتزمة بأمن اسرائيل ورفاهيتها كدولة يهودية " ( من نص رسالة الرئيس جورج بوش الى شارون ص2 / من وثائق وزارة الخارجية الاسرائيلية www.altawasul.net/NR/exeres )  أي ان الانتفاضة انتهت بنتيجة سالبة مئة بالمئة فلسطينيا وايجابية بنفس النسبة لإسرائيل ، وتمثل النجاح الاسرائيلي بفرض استراتيجية شارون المرتكزة على النقاط التالية:-

1-     إخفاء الشريك الفلسطيني.

2-  التصرف في كل أمر من طرف واحد كما كان الحال مع خطة الانفصال في غزة التي أيدها جورج بوش في رسالته أيضا.

3-     تأجيل إقامة الدولة الفلسطينية الى ما لا نهاية أو عندما تقرر اسرائيل السماح بإقامتها

4-     إقامة الجدار العازل

5-     عزل القدس عن الضفة الغربية وشطر الضفة الى قسمين شمالي وجنوبي ، وفصل الضفة عن غزة  .

6-     تصميم شريك فلسطيني مستعد للتوقيع على ما تريده اسرائيل.

7-     اعتراف دولي تدريجي بيهودية الدولة العبرية .

استنتاج.

لقد خدم الفلسطينيون اسرائيل خدمة جليلة بهذه الانتفاضة عندما مزجوا بين العمل المسلح غير المتوازي مع اسرائيل والمظاهرات الشعبية ، والتي نتج عنها " تأييد شارون من قبل أمريكا برفضة أجراء مفاوضات مع سلطة تدير العمل الإرهابي " ( زئيف شيف / شارون لديه خطه/  هآرتس 28/6/2002م ) رغم التزام جورج بوش النظري والمظلل بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة .

لم يستفيد الفلسطينيون من كفاحهم قط خلال الانتفاضة الثانية ولا في أي مجال من المجالات بما في ذلك ترميم حالة الانهيار المجتمعي الداخلي وشيوع حالة من الفلتان الامني، الذي كاد يفتك بوحدة المجتمع الفلسطيني وتسبب بهجرة أجزاء عريضة من الكفاءات العلمية والوطنية الفلسطينية الى خارج فلسطين، لقد تحملت حركة فتح وزر وأخطاء هذه المرحلة بالكامل من 2000م – 2006م وفقدت من رصيدها الجماهيري ما تسبب لها بفقدان أغلبيتها التاريخية في المجالس ألبلديه والمجلس التشريعي الفلسطيني الذي فازت حماس بأغلبية مقاعده في انتخابات 2006م.

انفصال غزة عن الضفة الغربية.

بسبب عدم تسليم فتح بفوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي 2006م فأنها أعدت خطة بمساعدة أمريكا لإطاحة حماس في غزة والسيطرة عليها من جديد ، لقد كان من المقرر ان تنفذ فتح خطتها هذه في تموز 2006 لكن مبادرة حزب الله الي اختطاف الجنود الاسرائيلين واندلاع الحرب بينه وبين اسرائيل ، هي التي أجلت خطوة فتح في حينه، ولان اتفاق مكة لم ينجح في تسوية الخلاف العميق بين حركتي فتح وحماس فان العمل استؤنف من قبل فتح لإطاحة حماس من مكانها، وأنا أرى بان فتح اخطأت خطأ تاريخي بعدم إتاحتها المجال لحماس لممارسة سلطتها، واخطات أيضا في عدم تقديرها لقوة حماس بشكل حقيقي ورسم سيناريوهات المواجهة معها، حيث كان يجب على فتح ان تقدر بالضبط المستوى الذي عليه قدرة حماس وعلى أساسه تقرر، لو حصل ذلك لما حدثت المواجهة التي أخرجتها من قطاع غزة، المكان الذي لن تعود إليه حتى بمساعدة الآخرين مثلما كانت عليه سابقا ، وبسبب عدم تقدير فتح لحقيقة موقف الاسرائيلين الذين شجعوا اوساط معينه في فتح على هذه الخطوة  وعدم تيقظهم للشرك الاسرائيلي ، الذي صرف النظر في ذات الفترة عن عوامل عديدة ساعدت من تعاظم قوة حماس، لقد اقتيد الطرفين الى الاقتتال بمشية إسرائيلية كاملة لان اسرائيل ستكون هي الرابح الوحيد من هذا الاقتتال .

اعتبر مؤتمر هرتسيليا لفحص حالة الأمن القومي الاسرائيلي ومناعة اسرائيل ضد المخاطر الوجودية التي تهددها ( دورة 2000م ) وهو مؤتمر يعقد في ديسمبر من كل عام بمشاركة نوعية  من شخصيات صهيونية هامة ، بأن الخطر الديمغرافي الذي يشكله الفلسطينيون في الضفة وغزة والقدس الشرقية والداخل ، خطرا كبيرا يستحق المعالجة المبكرة ومن ضمن توصياته السرية التي قدمت للمستوى السياسي الاسرائيلي ايضا ، العمل على فصل الضفة عن غزة وتقسيم الضفة الى قسمين وإلحاق الأقسام الثلاثة المذكورة بمصر والأردن لكن قبل ذلك ينبغي العمل على هدم أركان ومقومات إقامة دولة فلسطينية مستقلة متصلة قابلة للحياة، أي العمل على إنها وحدة التراب الوطني الفلسطيني بشكل نهائي ومن اجل ذلك يجب العمل بشكل متزامن على:-

1-     توسيع غلاف القدس الاستيطاني وإتمام عزل شمال الضفة عن جنوبها.

2-     المضي في فصل  الغربية عن غزة سياسيا لإتمام الانفصال الجغرافي والديمغرافي.

استنتاج .

ولو بعد حين تحققت نبوءة اسرائيل وأمنيتها في هذا المضمار، وفي هذا الشرك وقع الفلسطينيون بارادهم ودفع الآخرين، التحدي الذي يجب ان يواجهه الفلسطينيون ألان، هو كيف يمكن ان يعيدوا الوحدة السياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لقد انتهت مساعي وجهود فتح في قطاع غزة منذ فجر انطلاقتها أدراج الرياح،  وفي لحظات قليلة تم طرد أبناءها خارج منازلهم ليحل بها آخرون، ان هذه الخسارة هي الجزء المكمل لخسارة فتح في انتخابات المجالس المحلية والمجلس التشريعي، ان الحفاظ على الأدوات البشرية ذاتها التي أدت الى النتيجة الأولى، وهي التي استخدمت لإنجاز أهداف فتح في المرة الثانية، والنتيجة في المرتين كانت الفشل الذريع، ان الخشية من ان فتح تبقى متمسكة بذات الأدوات وهي تحاول العودة الى القطاع، ان حركة بحجم فتح تصر على ارتكاب هذا القدر من الأخطاء دون أي التفاتة نقدية بالتأكيد هي ليست فتح التي يريدها الشعب الفلسطيني ألان.

الحرب على غزة.

لم تكن هذه الحرب بمعزل عن ما سبقها من متغيرات ناشئة على مسار الصراع، فالحرب أعلنت على غزة في نهاية العام 2008م وبداية العام 2009م بسبب سيطرة حماس وفصائل المقاومة عليها، ودفع بعض الإطراف العربية لإسرائيل لتصفية حماس عسكريا وجسديا، وبسبب الانزعاج الاسرائيلي نفسه من عمليات المقاومة الفلسطينية من غزة بعد انفراط عقد التهدئة.

استنتاج.

ان حرب بحجم التي شنت على غزة صمد خلالها الشعب الفلسطيني في غزة صمودا بطوليا بدون ان يرفع الراية البيضاء، أو يدين المقاومة ، انه أمر يرقى الى درجة الحروب الأسطورية في التاريخ التي أسست لمراحل نهوض مدوية في تاريخ الشعوب، وقدر لهذه الحرب ان تجر على اسرائيل لعنات الملاحقة وجعلت منها مسبة لهيئات حقوق الإنسان عبر العالم، وهي الحرب نفسها التي لم تتمكن من لئم الجرح الواحد في الجسد الفلسطيني الواحد، بل كانت سببا لأستمرار عبث الأشقياء الفلسطينيون بجراحهم، وكأنهم نسوا الشهداء الذين لم يمنحوهم حقهم من الحزن والبكاء ليعودا بسرعة الى أحاديث الانقسام، في هذه الحرب التي يفصلها ماية عام عن حرب أخرى كان قد خاض غمارها الاجداد  ضد مستعمرون آخرون ولم يستفيدوا منها أيضا ، يكرر لنا التاريخ مشهدها اليوم على نحو مأسوي مرير، لقد أحدثت هذه الحرب من الهزات ما كان سببا لان يبدل الجيران  الاتراك والقطرين من ادوارهم السياسية في المجال الاقليمي ، لكنها لم تحدث الاثرنفسه لدى الأشقاء ليبدلوا من مواقفهم بما تتطلبه المسؤولية التاريخية تجاه وطنهم .

خلاصة.

في نهاية هذه القراءة سنلاحظ بان هناك معضلة حقيقية ملازمة للنضال الوطني الفلسطيني كظله، وهي انه لا إنتاجية سياسية لأجمالي مراحل الكفاح، ان النتائج التي تستقر عليها المراحل مؤلمة وتقوض حقوق الشعب الفلسطيني وتواصل استلابها، والغريب ورغم اختلاف المراحل والقادة ان هناك أخطاء قديمة يعاد إنتاجها، لكن في زمان مختلف وفي المكان ذاته .

يقول جيمس بيكر في مذكراته وهو يصف لقاءاته مع الوفد الفلسطيني المفاوض " كنت استلقى على ظهري من الضحك بسبب عدم واقعية وسذاجة أحاديث بعض أعضاء الوفد الفلسطيني التي تعبر عن انعدام الخبرة السياسية لديهم " وهذه الواقعة تشبه الى حد كلي حالة أعضاء اللجنة العربية العليا الذين ذهبوا لملاقاة الملوك العرب في العام 1939م ، الذين أظهروا ذات السذاجة بقبولهم غير المقنع لطلب الزعماء العرب انهاء الاضراب والثورة وبدون ان يخبرهم هؤلاء الزعماء بأي وعد بريطاني من أي نوع يلبي مطالب الإضراب والثورة.

وكذا أضحوكة السير هنري مكماهون على الشريف الحسين بن على في عام 1915م التي وعد بها البريطانيون العرب بدولة مستقلة اذا ما وقفوا معهم ضد العثمانيين، وبعد انتهاء الحرب قال مكماهون للحسين بن علي " بأنه لا يمكن ان يقال بان فلسطين عربية خالصة " وهي الكذبة التي تتطابق مع كذبة فليب حبيب على من فاوضه من الفلسطينيون المحاصرون في بيروت حول وعد الإدارة الأمريكية الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بعد خروجهم من بيروت ، فهل كان قدرنا وما زال بان نصغي لأكاذيب الدول الكبرى ونصدقها ونحن صاغرون ؟.

ان هذا الثبات والتشابه في الخيبات خلال قرن كامل من الصراع أمر يدعو الى الدهشة، وعدم استخلاص العبر فلسطينيا ، هو الذي يتسبب دائما بوصول الكفاح الفلسطينيات الى حالات مريرة من الخسران المعروف وغير المعروف، والذي تتكشف بعض فصوله مع مرور الأيام فنتأكد مثلا بان ( اتفاق غزة أريحا ) ليس أكثر من إطار لحكم إداري ذاتي محدود ومؤقت رغم تمدد سيطرة السلطة الى خارج غزة وأريحا، على العكس مما حاول صانعوه الفلسطينيون تسويقه، فالمحدودية هنا تعني السيادة، أي لا سيادة للطرف الفلسطيني في معناها السياسي والأمني بالمطلق، وان كل ما يتم في مناطق الولاية الفلسطينية الممنوحة للسلطة من قبل اسرائيل عن طيب خاطر لا تعني إطلاق يد السلطة فيها اطلاقا ، وان اسرائيل هي التي تتحكم بحركة دخول وخروج المياه والهواء إليها، الى ذلك فان اسرائيل قامت بطرد ممثل فنزويلا من مناطق السلطة الفلسطينية بعد ان قامت فنزويلا بطرد سفير اسرائيل من كركاس، وهذا يعني بان رام الله خاضعة لإسرائيل وليس لحاكم السلطة الفلسطينية .

ان خيبة الشعب الفلسطيني المتواصلة بلا توقف هي كارثة منشئها القيادة السياسية التي يسوقها القدر لتتحكم بمصيره، وان انعتاقه من هذه اللعنة يكمن دائما في اختيار قيادة على مستوى التحدي التاريخي، وان تجعل من ارتباطها بأجندة الآخرين أمرا ثانويا وليس العكس، لقد استنتج دارسوا تاريخ الصراع العربي بأن معظم الزعماء الفلسطينين كانوا تحت المستوى المطلوب لشعب يستحق قياده أفضل تتناسب مع علو كعبه بين الأمم .

 

 

  كاتب ومحلل سياسي  

N-damj@maktoob.com


التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات