مواضيع اليوم

معضلة الخطاب الاعلامي الفلسطيني

nasser damaj

2010-03-12 13:13:26

0

معضلة الخطاب الاعلامي الفلسطيني
وتعثر التكتيك السياسي

بقلم :ناصر دمج
تعتبر المنطقة الواقعة بين الإستراتيجية والتكتيك الفلسطينيان الموطن الأصلي لمعضلة الخطاب الإعلامي الفلسطيني،وينحى باللائمة على التكتيك أكثر منه على الإستراتيجية كمعززلتعثر وتلعثم هذا الخطاب، وذلك بسبب ان الإستراتيجية الفلسطينية لا يطرأ عليها تبدلات يومية كالتي يشهدها التكتيك السياسي، وهوبالضرورة انعكاس لقدرات ومهارات المستوى القيادي،وهوأيضا فاشل وغير ذي جدوى وفقا لحصيلة الأداء السياسي الفلسطيني الرسمي خلال العقدين الماضيين، لذا فان الأداء الإعلامي حتما هو مخلوق يحمل خصائص الأب الشرعي، مطلق ومسير ومحدد الخطاب الإعلامي الرسمي،وللتأكد من أستفحال هذه المعضلة في الشأن الفلسطيني،يمكننا قراءة ثلاث مظاهر فلسطينية بارزة وداله على وجودها وهي :-
أولا - الأداء السياسي والإعلامي الفلسطيني أثناء حصار الرئيس عرفات وبدء الاجتياح الاسرائيلي في 29/3/2002م .
ثانيا- الأداء السياسي والإعلامي الفلسطيني أثناء معركة مخيم جنين في نيسان/2002م
ثالثا - الأداء السياسي والإعلامي الفلسطيني أثناء معركة غزة 2009م .

أولا . الأداء السياسي والإعلامي الفلسطيني أثناء حصار الرئيس عرفات وبدء الاجتياح
في الوقت الذي كانت تخرج فيه الانتفاضة الشعبية من قبضة ياسر عرفات لصالح الأعمال المسلحة، كان الجدل السياسي الفلسطيني الاسرائيلي يشتد حول من يتحمل مسؤولية تصعيد العنف،وقد بادر شارون بالإسراع الى الموافقة على مبادرة وقف أطلاق النار التي حملها المبعوث الأمريكي وليم بيرنز،الى شارون وعرفات في شباط 2002م، وفي مستهل آذار بدأ المبعوث الأمريكي سلسلة زيارات مكوكيه للمنطقة شملت الأردن والأمارات والعربية السعودية ومصر والسلطة الفلسطينية، للحصول على تأييد للمبادرة الأمريكية المصممة وفقا لتقرير جورج ميتشل، والتي تنص على وقف متزامن ومتبادل لإطلاق النار ، حيث اشترط شارون ان يلتزم الفلسطينيون بوقف أطلاق النار، في الوقت الذي لم يتوقف فيه عن توجيه الاتهامات واللوم للفلسطينيين أمام الدبلوماسيين الأجانب ، محملهم مسؤولية استمرار تدهور الوضع الأمني في المنطقة مشددا على " أنه لا يمكن البدء ببحث الموضوع السياسي قبل ان يسود الهدوء كافة المناطق مائة في المائة " .
في هذه الأثناء تباينت مواقف المستشارين السياسيين المحيطين بياسر عرفات من هذا المقترح، وقدم له غالبيتهم النصيحة القائلة بأن قبول هذه المبادرة يعني ضمنيا إدانة الطرف الفلسطيني بإطلاق النار، وموازاة الطرف الفلسطيني مع الاسرائيلي عسكريا، وهذا مناف للواقع، لذا فأن عرفات أمتنع عن الموافقة على هذه المبادرة وأخذ يتهرب من اتصالات المبعوث الأمريكي بيرنز، وقد أطلق هذا المسلك العنان للمستشارين السياسيين للرئيس كصائب عريقات وياسر عبد ربه ونبيل أبو ردينه، لتعليل الموقف الفلسطيني من رفض هذه المبادرة، وهو مساواتها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وأن القبول بالمبادرة كما هي سيلحق اكبر ضرر بالقضية الفلسطينية، وفي أوائل آذار قررت الولايات المتحدة إرسال مبعوثها الى اسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية لمقابلة شارون وعرفات، ولكن عندما وصل وليم بيرنز الى المقاطعة في رام الله فانه لم يجد الرئيس عرفات هناك ، حيث طار الرئيس في اليوم السابق الى موسكو عبر مطار عمان ، وقام صائب عريقات باستقباله بدلا من الرئيس وهو غير مخول بإعطاء إجابات على أسئلة المبعوث الأمريكي، وعلى الفور غادر المبعوث مقر الرئيس عرفات عائدا الى واشنطن، واستشاطت الخارجية الأمريكية غضبا من هذا التصرف ومعها الرئيس الأمريكي جورج بوش ، وعليه حسمت واشنطن كامل خياراتها المنحازة أصلا لصالح اسرائيل ، لكن هذه المرة على كافة الصعد وبشكل علني ، لماذا ؟ لأن هذه اللحظة ستكون اللحظة المناسبة للبدء بتنفيذ مشروع المحافظين الجدد القاضي بأنهاء وجود السلطة الذي قدمه المحافظون الجدد بشكل خطي لأرئيل شارون وبنيامين نتنياهوفي العام 1999م، وذلك قبل وصولهم الى السلطة بقيادة جورج بوش وهم ريتشارد بيل، وبول وولفوفيتز، ودوغلاس فيث، وجون بولتون ودونالد رامسفيلد،وينص هذا المشروع على إلغاء اتفاق أوسلو وإعادة احتلال الضفة الغربية، وتدمير السلطة الفلسطينية ورفض مبدأ الأرض مقابل السلام، وبالفعل هذا ما سينفذه شارون في هذه اللحظة، وقد أضاف شارون لهذه الأسباب أسبابه الخاصة والمتراكمة ضد عرفات من ببيروت الى رام الله ، ومعاقبة عرفات على جريمته بتفجيرالانتفاضه، بعد ذلك سيصبح بإمكان الاسرائيلين والأمريكيين إعادة ترتيب طاولة المفاوضات من جديدة وفقا للمشيئة الإسرائيلية .
وقد عبر عن تجلي هذه الحالة لدى المحافظين الجدد نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفوفيتز بقوله ان " اسرائيل بالنسبة لنا هي حاملة طائرات والفلسطينيون هم المسئولون عن العنف " ولربما بهذا التصرف من قبل عرفات قرر المحافظون الجدد تكسير أقدامه ومنعه من السفر خارج مناطق السلطة بشكل نهائي ، وأعطى شارون الضوء الأخضر للجيش استعدادا لتنفيذ الهجوم على مناطق السلطة الفلسطينية وتسرب الخبر بين أعضاء الكنيست ، وعلى الفور أسرع النائب العربي في الكنيست الاسرائيلي احمد ألطيبي الى مقر الرئيس واخبر الرئيس عرفات عبر اتصال أجراه معه من داخل المقاطعة بان شارون قرر القيام بعملية قصف جوي للمرافق الحيوية في المدن الفلسطينية كمراكز الأمن والسجون والمستشفيات والجامعات، على الفور عاد عرفات من موسكو الى عمان الى رام الله ، واعد له مستشاروه من جديد بيان استدراكي في منتهى التلعثم أعلن فيه حرفيا " بأنه يوافق على وقف أطلاق النار بدون قيد أو شرط بدون قيد أو شرط بدون قيد أو شرط ، ودعا المبعوث الأمريكي وليم بيرنز للعودة الى رام الله " لكن هذه الخطوة لن تفيد الرئيس الفلسطيني في شيء بعد ان قضي الأمر بما لا يمكن أستدراكه، ولم يخطر علي بال عرفات أو أيا من مساعديه بأن هذا الخطأ التكتيكي ذو الغلاف الإعلامي المدمر سيشكل بداية النهاية الدراماتيكية لمسيرته،واتخذت الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية قرارا بأقفال بوابات رام الله على عرفات بعد عودته من السفر ومنعه من الخروج منها نهائيا،وتأكد شارون بأن المعطيات الأميركية والعالمية الجديدة تعطيه الفرصة التي يتوجب عليه استغلالها واستكمال مخططه في حصار الرئيس الذي بدأ بتنفيذه مع نهاية العام 2001م عندما أعلنت إسرائيل يوم 8/12/2001 أن قرار مغادرة الرئيس عرفات لمدينة رام الله خاضع لها وحدها ،لتبدأ مرحلة محاصرة الزعيم الفلسطيني في رام الله، وبعد خمسة أيام في 13/12/2001 تحركت آليات عسكرية إسرائيلية،حول مقر الرئيس عرفات، وقصفت الطائرات الإسرائيلية مقر الرئاسة في غزه وذلك لأول مرة منذ قيام السلطة ،ومنع عرفـات من التوجه إلى مدينة بيت لحم للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد في 24ـ 25/12/2001.
ثم بدأ حصار مقر عرفـات يأخذ شكلاً تصعيدياً وبدأت الدبابات تقترب من المقاطعة في رام الله، ثم تنسحب لتعود إليها بعد ساعات، وظل عرفـات كعادته يستقبل كبار الزوار والوفود الدولية والمواطنين في مقره المحاصر، وقد تجلى ذلك عندما منعت اسرائيل ياسر عرفات من السفر الى بيروت لحضور القمة العربيه في 26/3/2002 لأن شارون هدد بأنه لن يسمح له بالعودة إلى الأراضي الفلسطينية، رغم ذلك فأن هذه القمة أقرت المبادرة السعودية للسلام مع اسرائيل،والتي أصبحت رسميا المبادرة العربية للسلام والتي تعرب عن الاستعداد العربي الجماعي لإقامة علاقات عادية مع إسرائيل،بعد إنسحابها الكامل من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية.
ورد شارون على المبادرة بإطلاق عملية السورالواقي مساء يوم 29/آذار/2002م لأعادة احتلال الضفة ألغربيه ،وقد بدأ هذه العمليه بقوله " من اليوم فصاعدا فأن إسرائيل تعتبر عرفات رئيسا غير شرعي لمنظمة إرهابية وساقوم بعزله كليا في مقره " وقامت اسرائيل بملاحقة السلطة الفلسطينية في كل مناطقها، في اطار عمليات مطاردة وتصفية واسعة النطاق ولا سابق لها، وأعلن شارون بهذا عن انتهاء العمل بأتفاق أوسلو، وتعليق كل الاتفاقات مع السلطة الفلسطينية ، التي وقعت تحت رعاية الولايات المتحدة في البيت الأبيض، وهي التي ترعى الآن تمزيقها وإسقاطها .
كان الهدف الأول لهذه العملية، هوحصار مقر ياسر عرفات في المقاطعة برام الله وفي ليلة 28- 29 آذار/ 2002، اجتاحت القوات الإسرائيلية مدينة رام الله بالكامل واحتلت كافة مباني الـمقاطعة تقريباً،بعدأن هدمت سورها الخارجي، واستخدم الجيش الإسرائيلي السكان المحيطون بالمقاطعة دروعا بشريه ليحمي تقدمه،واستشهد في الساعات الأولى للاجتياح ستة فلسطينيين، وعند الساعة الخامسة من صباح يوم 29/ آذار/2002م حاصرت القوات الإسرائيلية عرفات ومعه480 شخصا داخل المقاطعة وبدأ الجنود والآليات العسكرية الإسرائيلية بإطلاق النار والقذائف في جميع الاتجاهات وأكد شارون ان العملية ضد عرفات ستستمر.
من مقره المحاصر،والذي قطعت عنه الـمياه والكهرباء، قال عرفات " هذا هو رد إسرائيل على القمة العربية التي تبنت مشروع سلام معها، وإسرائيل تريدني سجينا، أوقتيلا أو أسير، وأنا أقول لهم لا، سأكون شهيدا، شهيدا، شهيدا وأن حياتي ليست أغلى من حياة أي مواطن فلسطيني بسيط ؟ أو من حياة أي طفل فلسطيني ؟ " ووجّه نداءً إلى الشعوب العربية والإسلامية وإلى كل الـمسيحيين في العالـم،حثهم فيه على الدفاع عن الأرض الـمقدسة، وفي اليوم التالي هددت القوات الإسرائيلية عبر مكبرات الصوت بقصف المقاطعة، أذا لم يسلم الـمطلوبون داخل الـمقر أنفسهم خلال ربع ساعة، وهم خلية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذين قتلوا الجنرال رحبعام زئيفي، انتقاما لمقتل أبو علي مصطفى الذي اغتيل يوم 27/8/2001، وفؤاد الشوبكي المسئول المالي لحركة فتح المتهم بتمويل شراء سفينة الأسلحة كيرن أي ، وآخرين من كتائب شهداء الأقصى ، وقال آرئيل شارون أريد أن أقول لكم " أنه في هذه اللحظات تتواجد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي في مقر المقاطعة مركز سلطة عرفات في رام الله، وإسرائيل ستعمل على إخضاعه،لأنه المسئول عن الإرهاب الفلسطيني، وشكل ائتلافا إرهابيا ضد إسرائيل، وهو عدو حقيقي لنا في هذه المرحلة لذا سيتم عزله ."
لقد عاش عرفات ظروفا صعبة داخل المقر المحاصر، على مدار 34 يوما أمضاها دون ماء أو دواء، وفي أغلب الأحيان دون كهرباء، ولكن رغم الحصار وجميع العقبات الجغرافية، نجح في ممارسة سلطة شبه مطلقة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما اضطر الحكومة الإسرائيلية، في 1 أيار/2002 إلى إنهاء حصارها المشدد على عرفات، وإبقائها على الحصار الذي بدأته في كانون الأول/ 2002م .
زيارة كولن باول وزير الخارجيه الأمريكية .
نزل ياسر عرفات من مخدعه المحصنة نوافذه بالأكياس الرملية وبراميل الحديد المعبأة بالاسمنت ، لأستقبال وزير الخارجية الأمريكي الذي دخل الى المقاطعة وسط الدبابات الإسرائيلية المحيطة بها من كل جانب ، وكان ذلك ظهيرة يوم 17/4/2002م ، وبعد أيام قليلة من الكشف عن مجزرة مخيم جنين ، فبادر الرئيس عرفات بالسلام على كولن باول قائلا له أهلا وسهلا بالجنرال،أن لقاءنا اليوم هو لقاء جنرال لجنرال ، ابتسم كولن باول في وجه الرئيس وعيناه فيها لمعة من شماتة وأسى، وقد وافق بإيمائه من رأسه بأنه موافق على هذه الصيغة العسكرية للقاء ، بعد ان تقابل الرجلان على جانبي الطاولة المستطيلة في المقر الرئاسي المهشم ، قال ياسر عرفات لكولن باول ، يا سيادة الوزير هل أنت راض عن ما حدث في جنين، هنا ابتسم كولن باول ، قائلا للرئيس، يا سيادة الرئيس قبل قليل عند استقبالك لي على البوابة قلت لي بان لقائنا هذا لقاء جنرال لجنرال ، وأنا أود ان أخبرك بان الآلة العسكرية عندما تتحرك فان الجنرالات لايتحدثون عن الخسائر بل عن النتائج ويتركون أمر الخسائر للجهات المختصة بالاحصائيات،عندها صمت الرئيس صمتا محزنا، وأدرك بأن كولن باول هو مبعوث شارون وليس وسيط سلام، وقبل ان يستغرق الرئيس عرفات في شروده دق هاتف كولن باول المحمول ، وكان شارون على الخط المقابل، وسأل كولن باول عن ماذا يا ترى؟ هل سأله عن نتيجة حواره مع عرفات؟ لا، بل سأله عن نوعية السمك الذي يفضله على الغداء عندما يصل الى بيت شارون ، لقد كان هذا الاتصال الذي سمعه كل الحاضرين للاجتماع والذي أخذ من وقت لقاء عرفات كولن باول سبعة دقائق، مرسخا لقناعة الرئيس عرفات بالخسران المبين ، في معركته الثانية ولربما النهائية مع شارون .
اضطر عرفات أمام كولن باول الاستعاضة عن هذه الخسارة بالعودة الى الشعارات، وأكد للوزير وبكلمات شديدة الوضوح، أنه في حال اقتحام الإسرائيليين للـمقر فانه سيموت شهيداً ولن يسمح لهم باعتقاله أو طرده، لكن ذلك لم يغير من نتيجة هذه الجلسة التي أستمرت لمدة ثلاث ساعات، وهي الفشل الذريع في إحداث أي تقدم أو أنجاز آية استجابة أمريكية لمطالب عرفات برفع الحصار عنه،وإخراج الجيش الاسرائيلي من الضفة الغربية ، وكذا كانت نتيجة اللقاء الثاني بينهما والذي عقد بعد ثلاث أيام من انفضاض الأول .
وغداة هذا اللقاء، وصف بوش رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه رجل سلام، متهماً عرفات بأنه المسئول الوحيد عن الوضع الذي هو فيه، أما في العالـم العربي فقد ارتفعت مكانة عرفات بشكل كبير بسبب والحصار الذي فرضه عليه شارون، كما كان الحال أثناء حصاره في بيروت وطرابلس ،وتضاعفت مظاهرات التأييد له من الـمغرب الى البحرين، وفي الجانب الفلسطيني ارتفعت شعبيته مجددا إلى أعلى المستويات و سانده الجميع ، بدءاً من الشيخ أحمد ياسين إلى الـمعارضين اليساريين، حتى أن إدوارد سعيد، الذي ابتعد كثيرا عن عرفات وجافاه لـمدة طويلة، قال " في هذه اللحظة، نحن جميعا وراء عرفات" .
واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي تدمير الـمباني داخل الـمقاطعة ، وعبر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم الـمتحدة عن قلقه الشديد على سلامة الرئيس عرفات،وفي اليوم نفسه أقام الجيش الإسرائيلي حول مقر الرئيس سياجا ثلاثيا من الأسلاك الشائكة،وعززه بجدار من حطام السيارات والأنقاض وأكياس الرمل، وأحاطت الدبابات الإسرائيلية بالـمبنيين الـمتصلين ببعضيهما بواسطة جسر،حيث يوجد الـمحاصرون، مصوبة مدافعها إلى نوافذهما، في هذه الأثناء ناشد وزير الخارجية السعودي الاميرسعود الفيصل، الإدارة الأميركية بأن تعمل على رفع الحصار.
في هذه الأثناء أيضا واستجابة لمجموعة غير محدودة من الضغوط الفلسطينية والعربية كان عرفات يستعد لدفع الثمن المطلوب منه للخروج من غرف المقاطعة،فأطلق مبعوثيه الى الولايات المتحدة يحملون رسائل الموافقة على :-
1- صرف النظر عن معركة مخيم جنين والتوقف عن المطالبة بإرسال لجان تقصي الحقائق الى جنين .
2- التوقف عن دعم الإرهاب،وتمويل شراءالأسلحةللمجموعات الفلسطينية المسلحة.
3- محاكمة قتلة رحبعام زئيفي ووضعهم في عهدة سجانين بريطانيين وأمريكان في سجن اريحا .
وفي نفس اليوم الذي وصل فيه حملة الرسائل الفلسطينية الى الخارجية الأمريكية، تم نقل قتلة زئيفي من نابلس إلى رام الله، بتنسيق وثيق مع الاتحاد الأوروبي والولايات الـمتحدة وجرت الـمحاكمة في الـمقاطعة أمام ثلاثة ضباط من الـمحكمة العسكرية الفلسطينية، وحُكم الـمتهمون الثلاثة بالحبس لـمدة ثمانية عشر عاما لـمشاركتهم في قتل الوزير الإسرائيلي، وكانت محاكمة هؤلاء الرجال هي أحد الشروط التي فرضها شارون لرفع الحصار عن الـمقاطعة، ومع ذلك عمدت إسرائيل إلى تجاهل الـمحاكمة في رام الله، وما لبثت أن طالبت بتسليمها الـمتهمين لتقديمهم إلى الـمحاكمة لديها،وبعد ضغوط من ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، طلب الرئيس الأميركي جورج بوش من شارون رفع الحصارعن عرفات، لكن شارون ماطل واضطر للاستجابة بعد تهديد مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندوليزا رايس له بعواقب رفضه لطلب بوش، فانسحب الجيش الإسرائيلي من المقاطعة ليلة 1 /2 ايار/2002م بعد تفجير آخر مبنى فيها،ووصف عرفات حينها الجنود الإسرائيليين بأنهم إرهابيون ونازيون ، لكن الحصار لم يرفع عنه بشكل كامل،فقد حظر شارون عليه مغادرة الأراضي الفلسطينية، إلا إذا قرر عدم العودة أليها.
بعد شهر تقريبا عاد واجتاح الجيش الإسرائيلي رام الله، مجددا إثر عملية مجدو التي تبنتها حركة الجهاد الاسلامي في آيار/2002 وهاجم الجيش الإسرائيلي مقر عرفات بوحشية، ولم تسلم من الرصاص غرفة نوم عرفات،الذي لم يصب بأذى لكن أحد حراسه استشهد وأصيب سبعة آخرون ،كانت ضغوط شارون هذه على عرفات تتم بمعرفة بوش وفريق الصقور في إدارته وهم نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفيتز،وهكذا وجد عرفات نفسه بعد يوم 24 من نفس الشهر أمام حرب صريحة عليه من قبل الرئيس الامريكي، ودعا بوش في خطابه في ذلك اليوم الى تشكيل قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة،الأمر الذي فسره المراقبون على انه دعوة إلى رحيل عرفات عن منصبه، ورد عرفات في اليوم التالي بقوله بأن الفلسطينيون وحدهم أصحاب الحق في اختيار قادتهم .
وعلى الأرض تدهورت الأوضاع أكثر،وأفشل شارون بزيادته لحدة العنف ووحشية العمليات العسكرية،مساعي عرفات لتثبيت وقف اطلاق النارمن جانب الفلسطينين، وفي19 أيلول/ 2002 عاد الجيش الإسرائيلي ليحتل المقاطعة للمرة الثالثة ولمدة ستة أيام، وقصف مبنى الرئيس بالمدفعية، وزادت إسرائيل من ضغوطها وطلبت من عرفات تسليم 20 من المطلوبين لها، من الذين كانوا داخل المقاطعة، فرفض عرفات هذا الامر ،وأصدر قائد القوة الإسرائيلية المحاصرة للمقاطعة أمرا بإخلاء المقر فورا محذرا من أن انفجارا هائلا سيقع فيها،وطلب من سكان المنطقة المحيطة بالمقاطعة مغادرة بيوتهم،وفجأة انفجرغضب المواطنين، وتحدى الآلاف من سكان رام الله والبيرة ومخيمات وقرى المنطقة حظر التجول وتوجهوا في تظاهرات حاشدة نحو مقر عرفات، وفتحت قوات الاحتلال نيرانها فقتلت اثنين من المتظاهرين وجرحت العشرات ،واصل المتظاهرون طريقهم وهم يهتفون، بشعارات مؤيده لعرفات وانتشرت التظاهرات ليخرج عشرات آلاف في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة دعما للرئيس المحاصر، وامتدت التظاهرات إلى خارج الأرض المحتلة خاصة في مخيمات اللجوء في لبنان، وخرج عرفات لتحية الجماهير أمام مقره المدمر.
وكان الاعلام الفلسطيني الرسمي الغائب الابرز عن هذه الدراما السياسيه،ولم يكن في مستوى الحدث اطلاقا،وتلعثم خطابه أثناء التصدي للهجمة العسكريه والسياسية الاسرائيليه،وغاب عن المشهد ايضا السفراء الفلسطينين، الذين يشكل الاعلام جزء رئيس من وظيفتهم،حيث تمكنت اسرائيل من تغيير الحقائق في البلدان التي يعملون فيها، واستخدمت الروايات القوية من الحكاية الفلسطينية وألبستها لبوسا اسرائيليه، وبقيت الرواية الفلسطينية كرواية طروادية، يضاف اليها ويحذف منها،وفقا لمشيئة المنتصر وحولت اسرائيل واقعة استشهاد محمد الدرة،الى مآساة اسرائيلية تسبب بها الفلسطينيون، بعد أعادة انتاجها من قبل خبراء الاعلام الصهاينة، وقدمت من جديد كجريمه فلسطينيه بحق فتى يهودي، تارة على شكل قصة صحفية وتارة اخرى على شكل عمل مسرحي،لاق رواجا منقطع النظيرفي كندا، وعموم اوروبا، وسفراء فلسطين ومساعديهم الاعلاميين تملكهم التلعثم، وقلة الحلية، ولم يقدموا أي شيء يذكر لقضيتهم، رغم اتساع وتنوع الاعمال التي كان بأمكانهم القيام بها .
ثانيا . الأداء السياسي والإعلامي الفلسطيني أثناء مجزرة مخيم جنين .
كان المستوى السياسي الفلسطيني بحاجة ماسة لورقة مجزرة مخيم جنين ، على اعتبار أنها المجزرة الأولى التي يتم أرتكابها في مستهل الألفية الثالثة من عمر البشرية ، وهي تشبه الى حد ما، أول مجزرة ارتكبت في التاريخ البشري الإنساني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد،أثناء اجتياح اليهود لمدينة أريحا بقيادة يشوع بن نون بعد خروجهم من مصر بأربعين سنة واقترفوا فيها مجزرة كبيرة، وأهلك ساكنوها عن بكرة أبيهم (مائتي ألف نسمة) ودمرت المدينة تدميرا تاما،وفقاً لما جاء في الكتاب المقدس ( يشوع 6، 12، 13، من الإصحاح 1- 2433-34. ) .
حدث ما حدث في جنين في الوقت الذي تعاقدت فيه الحضارات، مع بدء الألفية الجديدة على ان لا عودة للمجازر البشرية ،وقد ودع العالم القرن العشرين " قرن المجاز المليونية " وفقا لزيغو برجينسكي ، لقد كان هناك أمكانية ما لملاحقة اسرائيل في عقر دارها، بسبب هذه المجزرة وبسبب حصارها لمقر الرئيس في المقاطعة ،ولكن ذلك لم يحدث وخسر المستوى السياسي هاتين الورقتين في ضربه واحده، والحقهما بغيرهما من الأوراق القوية والخاسرة أيضا .
مدخل أعلامي للخسارة السياسية .
قال الخبراء المحيطين بعرفات عليك ان تبتعد عن كل ما له صلة بمعركة مخيم جنين ، لأنك الآن مراقب، وان أي اتصال لك مع مخيم جنين سيقيد ضدك وهذا ما سيفسد أمكانية رفع الحصار عنك ، وسيضاف الى رصيدك في دعم الإرهاب،عرفات الذي استجاب استجابة جزئية في المرحلة الأول وكلية في المرحلة الثانية لهذا التحذير، اعتقد بأن كلام المحيطين به معقول وتجنب عرفات بعد ذلك التطرق لمعركة مخيم جنين في وسائل الأعلام أو في غيرها ، حتى انه امتنع عن التعليق على الأوراق المطلبية التي ترد من مخيم جنين، وتوقف دور عرفات بهذا الصدد بعد أطلاق كلماته الشهيرة على المعركة في اليوم الأول أو الثاني من وقوعها وتشبيهها بمعركة ستالين غراد أي جنين جراد .
لقد تعامل الخبراء المحيطون بياسر عرفات مع الأعلام كسيف مسلط على الرقاب وتجاهلوا المساحة المخصصة للضحية لتقول ما تشاء عن جراحها،الأمر الذي أدى الى ان تقوم اسرائيل بتعبئة هذا الفراغ ودفع روايتها بدل الرواية الفلسطينية، لقد تراجعت الرواية الإعلامية الفلسطينية لصالح الخطاب السياسي التبريري التراجعي الذي تجاهل القيمة السياسية الغنية للمجزرة، وقايضها بوعد رفع الحصار عن المقاطعة ، وقد استبقها الى مقصلة المقايضة،الاستجابة للمطلب الاسرائيلي الأمريكي القاضي بمحاكمة أعضاء خلية الجبهة الشعبية، بمن فيهم أمينها العام احمد سعدات،حيث أصدرت محكمة عسكريه فلسطينيةكما اشرنا في يوم 25/4/2002م أحكاما بالسجن على أحمد سعدات وعاهد أبو غلمه ومجدي الريماوي وحمدي القرعان وباسل الأسمر أحكاما تتراوح ما بين عشرة الى ثمانية عشر عاما بتهمة اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي،وفي أعقاب ذلك وافق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على اقتراح أمريكي يقضي برفع الحصار عن عرفات، مقابل وضع المتهمين باغتيال زئيفي في سجن أريحا تحت حراسة أمريكية وبريطانية، وفي يوم 1/5/2002م تم نقل المتهمين الستة الى سجن أريحا بإشراف أمريكي بريطاني ، بعد ذلك تم رفع الحصار عن عرفات .
وتواصلت الخسائر الإعلامية ذات المضامين السياسية أمام اسرائيل، وذلك بفضل تمكن آلاتها الإعلامية المتنفذة من قلب كافة الحقائق ووضع بدائل عنها أمام المحافل الدولية وجيرت جميعها لخدمة أغراضها العنصرية السافرة ، وأدت لاحقا ألي اعتمادها حول المجزرة ، وإلغاء لجنة تقصي الحقائق الدولية،التي كان منوي إرسالها الى جنين ، بقرار من أمين عام هيئة الأمم المتحدة كوفي عنان، حدث ذلك أمام أعين الأمة العربية التي لم تفيدها كامل ثروتها في تغير فقرة واحدة في ورقة واحدة من أوراق التقرير الاممي الذي صدر لاحقا ( انظر في فصل الملاحق الى ملف تقرير الامين العام المعدل عملاً بقرار الجمعية العامة "دورة استثنائية طارئة " 10/10) ، ولم يدن اسرائيل في ما اقترفته من جرائم ، فضلا عن عجز الأمة العربية وفي مقدمتها أصحاب الشأن الفلسطيني في إحداث أية إضافة مفيدة على أجندات وتقارير وبرامج آيا من مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة .
لذا لن يتمكن الفلسطينيون من ردم الهوة الإعلامية الهائلة الكامنة بين العجز الإعلامي لديهم ورغبتهم في امتلاك ماكينة إعلام مهنية حرفية منافسة، وقادرة على تحويل الرواية الفلسطينية الى رواية معتمدة لدى الاخرين، ولن يحدث ذلك إلا بأنفصال الخطاب الإعلامي الفلسطيني،عن التكتيك السياسي الفلسطيني الرسمي بكل قصوره وعجزه،والانعتاق من تسخيره لصالح التكتيك السياسي الرسمي،الملتبس والمتغير في كل يوم، عندها فقط يمكن ان يصبح الفلسطينيون جزء من القفزة النوعية الهائلة التي يعيش معطياتها العالم اليوم في حقل الفضاء المفتوح،والاستفادة من منافع تجاوز ثورة الاتصالات لحدود المعقول،وانتهاج سبل أستدراك أكثر حداثة لدرء خطر تهميشهم وقذفهم الى الفراغ والصمود في وجه المتغيرات الهائلة، التي مست بانقلابها كافة مكونات الحياة المادية للإنسان .
وكان للفشل الفلسطيني في عرض مجزرة مخيم جنين أمام العالم جوانب أخرى متصلة بالأداء المحلي لسكان المخيم ، الذي أصبح في لحظات قصيرة مرجع لمعلومات كثيرة ومتضاربة على مستوى العالم حول الحقائق المتصلة بالمجزرة،ولهذا الفشل ثلاث وجوه يمكن أدراجها على النحو التالي :-
الوجه الأول – تجير الخطاب الإعلامي لخدمة الخطاب السياسي من قبل القادة السياسين المحليين المرتبطين بالخطاب الرسمي للسلطة،والمغالاة في لغة الارقام الموجه للاخرين بهدف الكسب السريع .
الوجه الثاني- استخدام أوصاف ومسميات غير مناسبة لأوضاع مناسبة من قبل السكان واعتمادها من قبل الهيئات المحلية دون تدقيقها وتصديرها للإعلام على وجه السرعة، الأمر الذي أدى الى التراجع عنها في وقت لاحق .
الوجه الثالث - انهيار خطط العمل المحلي،الموحد بسبب التنافس المبكر بين أصحاب القضية نفسها .
بصدد الوجه الأول،
شكل هذا الثلاثي وما يزال مثلث الفتك الرئيس بأية خطة عمل إعلامية على المستوى العربي منذ أكثر من خمسين عام على الأقل، بدون العودة الى الخلف للتعليل على ثبات العلة يمكن استخدام المثال المتجانس مع الخسارة السياسية الدائمة، وهو(المغالاة) وهي هنا تمثلت في تقدير عدد الضحايا لمجزرة جنين، وقيل في البداية بأن تعداد الشهداء أكثر من 550 شهيد واعتبر هذا الرقم أحد أهم أسباب النكوص والارتداد الغربي ألي الخلف وتراجعه عن دعم الفكرة القائلة بوجود مجزرة في المكان،لأن أرقام وكالة الغوث كانت تؤشر في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك الى أرقام اقل بكثير من المشار أليها من قبل أهالي المخيم، وهذا ما انعكس على تقرير الامين العام المشار اليه، علما أن لهذا الخطأ المحلي مبرراته المتعددة، إذ كان من الصعب على سكان المخيم أمام الحجم الهائل للدمار، أن يقدروا عدد الضحايا بأقل من ذلك، لكن العارفون في الأمر من طبقة المستوى السياسي الفلسطيني يعلمون أن الحقيقة مختلفة ولم يتدخلوا، بل انضموا الى اسرائيل والهيئات الدولية في إدانة أهل المخيم لسوء تقديرهم في التعداد، لذا كان الخيار الأنسب للعمل من قبل الاهل في المخيم هو التأني ولو لأيام قليلة ، لأن نزول الرقم من 550 ألي 65 يعني أن تهبط معه صدقية المتحدث والراوي والشاهد ، لذا سيسجل هذا الخطأ كأحد أهم أخطاء المسؤلين هناك وليس خطأ السكان، وهو بالمناسبة خطأ مهني من الطراز الأول في المجالات الرئيسة الثلاث الأعلام والإحصاء والإدارة .
الخطأ التالي الذي شكل ملحق للخطأ الأول وعززه هو عدم استدراك الاول نفسه من خلال الإعلان عن رقم رسمي صادر عن هيئة تقدير الخسائر موجه باللغة الإنجليزية وسواها لمندوبي الوكالات الأجنبية،التي تواجدت في المخيم حتى وقت متأخر بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من المخيم .
بصدد الوجه الثاني،
خلال فترة وجود الإعلاميين الأجانب في المخيم استرسل الشباب من مختلف الأعمار في شرح وإعادة شرح كيفية صناعة العبوات الناسفة كأم العبد والاكواع المتفجرة والقنابل المحليه من مختلف الأعيرة والقياسات والمسميات، دون علمهم بان المستمعين الجيدين لهم ليسوا أكثر من مندوبين لمؤسسات أمنية غربية ،لذا لم يترك هؤلاء وسيلة ألا واستخدموها لجمع أدلة ( إدانة الضحية ) و( تبرئة الجلاد ) ، أنها حكاية تشبه حكاية " قصير الذي جذع انفه " لهذا من الممكن ان تبقي حواجبنا مرفوعة لفترة طويلة جدا من شدة الدهشة، ولربما حتى المجزرة التالية .
أضف ألي ذلك بان الفلسطينيين لم يردوا بما هو كاف تهمة ( اختباء المقاتلين بين النساء والأطفال في بيوت المخيم ) وقد نجح الأعلام الإسرائيلي من خلال إعلامه الرسمي باستخدام قصة المقاتل أبو جندل كأحد المتواجدين في المخيم وهو من خارجه من قرية يعبد كدليل على تحول المخيم ألي " وكر للإرهابيين في منطقة جنين أو عش الدبابير وفقا للمصطلح الإعلامي الاسرائيلي " بينما لم يتحدث أحد عن خمس وعشرين مقاتل أخر سقطوا في المعركة وهم بجوار منازلهم ( نضال النوباني وشقيقه نموذجان ) هؤلاء المقاتلين كانوا يدافعوا عن منازلهم فقط ، حيث لم يكن لديهم أي خيارأخر،أن سوء استخدام المعطيات المتاحة، من قبل الإعلاميين المحلين والرسمين وغيرهم أدى الى هذه النتيجة .
قبل الغلاف الأخير لهذه الرواية اعتبر الهجوم الإسرائيلي على المخيم، أحد أشكال الدفاع عن النفس ولعب الأعلام دور المسوغ للفكرة الميتافيزيقية التي أصبحت واقعية وقابلة للتصديق من قبل بعض العرب ، بهذا انهارت الرواية الفلسطينية أمام عدسات الوكالات الأجنبية وتخلت ماكينة الأعلام العربي عن عزمها في دعم الحق العربي في مخيم جنين .
بصدد الوجه الثالث،
قبل انقشاع غبار المعركة سادت الصفوف مجموعة متنوعة من الإشكالات تمحورت حول أستكمال الدور أو تقاسمه بمعنى أدق، من قبل الصفوة التي تطوعت لخدمة الحالة السائدة وتوزعت الأدوار ومعها الخلافات على مهمات أعادة البناء /حصر الأضرار /سلم المتضررين /التموين/الاتصالات الخارجية / التعويضات ...الخ، وبدون الدخول ألي قلب كل من هذه الملفات يمكن القول بأنها استحوذت على اهتمام الجميع ما عدا ملف واحد لم يلتفت أليه أيا كان وهو الملف السياسي ذي الغلاف الإعلامي ،بسبب ذلك لم يدرك مخيم جنين لغاية ألان ، قيمة ونوعية العمل الذي قام به شهدائهم ولحسن حظهم بأن هذه الورقة لا ولن تموت،أي الورقة التي يمكنهم ان يجعلوا منها منطلق نهضة لمكانتهم السياسية، بعد ان يحددوا نوعية وماهية الدور السياسي الذي يجب ان يلعبوه في الساحة الفلسطينية .
مرة أخرى يتلاق الفلسطيني وجها لوجه مع الفشل كمحصلة لمجهود عظيم من التعب لكن دون أي انعطافة جديدة،لأسباب اعلامية واخرى اداريه حدث ذلك، رغم عبقرية المكان والإنسان هناك، ورغم ان هذه المعركة اعلت شأن المقاومه، وأعادت ألي الذاكرة طيف معركة الكرامة،وغيرها من معارك الثورة الفلسطينية، عندما قاومت الإمكانات البسيطة آلة الحرب الإسرائيلية الطاحنة وهزمتها، حيث كان الشهداء والاسرى جزءا من سر الانتصارين، الذان وفرا للأحياء فرصة الوثب ألي أعلى، والتقدم الى الامام، ولكن لا ذنب للذين مضوا بأي إخفاق،لأنه من صناعة الأحياء وانعكاس لنزعاتهم ونزواتهم الماحقة للفرص النادرة، هكذا حجب الغبار الكثيف كامل مساحة الأفق المخصصة للرؤيا الواضحة أمام الجيل الذي كان يجب أن يواصل المسار ويثقب المدى وينطلق بالمخيم ألي حيث كان يجب أن يصل .
أمام هذا يمكننا ان نعود لنتمعن فرضية علامة اللغة العربي " بن عربي " حول حرفي الجيم والنون والقائلة ( بأنه ما اجتمع حرفي النون والجيم في أي كلمة ألا وحملت في دلالاتها كل ما هو غريب ) ككلمة جنة وجنائن وجن ولا بأس من استعارة اسم جان دارك وأخيرا جنين .
ثالثا . الأداء السياسي والإعلامي الفلسطيني أثناء الحرب على غزة .
اخطأ الرئيس أبو مازن بعدم حضوره قمة(اجتماع غزة) في الدوحة يوم 16/1/2009م،والتي حملت اسم غزة وهو الجزء المستلب من سيادته ويطالب باسترداده ،ولعل هذا المسلك ذكرنا بأخر مغاير له،وهو مسلك الرئيس عرفات في التعامل مع التجمعات والمحافل الإقليمية والدولية التي كانت تناقش الشأن الفلسطيني بمستويات مختلفة،فكان يحرص على التواجد والمشاركة في تلك اللقاءات،هو أو من ينوب عنه،لكيلا يكون الغياب سببا في نشوء حالة فراغ في التمثيل والحضور الفلسطينيان حتى في ساحات أمريكا اللاتينية أو أفريقيا وأسيا لأن " الغائبون دائما على خطأ " وفقا للمثل الفرنسي الشهير،ونشوء هذا الفراغ سيشكل مدخلا للمس بشرعية التمثيل الفلسطيني وتجزئته،وخاصة أذا كان الظرف المحيط يحمل مثل هذه النذر .
أن ما قام به الرئيس أبو مازن سيكون له أثرا بالغا وسلبيا على وحدة تمثيله لشطري الوطن كرئيس للسلطة الفلسطينية، وأعتقد بأن هذا الأمر ذهب بلا رجعة مع غبار المعارك في غزة ، وعلى أبو مازن ان لا يندهش إذا ما خرج من هذه اللعبة كخاسر اكبر ان المقامرة التي يقوم بها أبو مازن بالرهان المطلق على الجانب الإسرائيلي والأمريكي لن تخدمه في شيء على المدى البعيد، لأن هناك فرق كبير في تصميم الرؤيا السياسية الأمريكية الإسرائيلية والرؤيا الفلسطينية لأدارة الصراع والتحكم به، فالأولى تقوم على التمسك بخيارات ثابته لأنفاذها،أما الثانية فهي تتعرض للتعديل والتغيرالارتجالي واليومي،وفقا لتأثير كل العوامل المؤثرة من الخارج على مشيئة وعزم المستوى السياسي الفلسطيني، فتبدو الحالة السياسية الفلسطيني كأنها سعي وراء السراب، اما الآلة الاعلامية المصاحبه لها، والتي تزين لها الافعال والاقوال على الدوام، فأنهما يقدمان لنا محصلة سياسيه وخطاب اعلامي أكذب من لمعان السراب .
لذا من الممكن ان تغدر السياستان الأمريكية والإسرائيلية بأي حليف لهما،انظر ماذا فعل مناحيم بيغن بالسادات قبل ضرب المفاعل النووي العراقي( تموز1) بيوم واحد عندما زار القاهرة وقصفه في اليوم التالي في العام 1981م، ومن أين أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية بدء الحرب على غزة من القاهرة أيضا، وفي كلا الحالتين ينطوي المسلك الإسرائيلي على غدر سياسي سواء كانت القاهرة تعلم بنوايا وقرارات إسرائيل أم لم تعلم، وكذا كان الحال مع برويز مشرف وكرزاي،وأبو مازن ليس في وضع أفضل من الذي عليه باقي الحلفاء المذكورين، فإذا كانت أمريكيا هي التي طلبت من أبو مازن عدم الذهاب الى قمة الدوحة، فهي التي طلبت من الدوحة عقد القمة، وطلبت من حكومة العراق المشاركة فيها والتحدث بأعلى النبرات التضامنيه مع غزة، وهي التي طلبت من الدوحة أيضا دعوة قادة فصائل المقاومة في دمشق للحضور،وإذا ما صحت أقوال وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم في مؤتمره الصحفي المنعقد يوم 18/1/2009م، حول فحوى المكالمة الهاتفية بينه وبين الرئيس أبو مازن، حيث قال" بأنه طلب من أبو مازن المشاركة في أعمال القمة،الا ان أبو مازن أعتذر عن ذلك بسبب عدم حصوله على تصريح الخروج الاسرائيلي من الضفة، وعندما أبغله وزير الخارجية القطري بأنه يستطيع الحصول له على هذا التصريح من الجانب الاسرائيلي في الحال، قال له ابو مازن، بأنه لا يستطيع ايضا، لأنه أن حضر القمة، فسيتم ذبحه من الوريد الى الوريد " فأن أبو مازن بهذا يكون قد سدد لنفسه ضربة ستجلسه والى الأبد في مكان لا يحسد عليه في التاريخ، الذي لن يرحمه بسبب إذعانه المريب للاسرائيلين والامريكين، لقد أعلن وزير خارجية قطر عن هذا الخطأ في الوقت الخطأ ، وأبو مازن يستشعر معه فعلا لا قولا محاولات ذبحه من الوريد الى الوريد، وسيندرج هذا الخطأ فيما بعد كمسبب لضمورواضمحلال منظمة التحرير الفلسطينية،وهى الضحية الثانية بعد أبو مازن لمرحلة ما بعد غزة، لأن غيابه عن قمة الدوحة منح خصومه السياسيين فرصة الظهور التي تلزمهم للإفصاح عن خطابهم السياسي،الى جانب أدائهم العسكري، ومنح مسعاهم هذا شهادة الميلاد اللازمة لولادة تحالف جديد سيبدأ بالنموعما قريب،ولعل هذا الأمر أيضا يستقيم تماما مع مساعي شطر الصف العربي المصاحب للتشظي الفلسطيني .
عليه تأكدنا هنا أكثر من أي وقت مضى بأن الإدارة الأمريكية وحليفتها إسرائيل تتحكمان بكامل خيوط اللعبتين العسكرية والسياسية،وفي مساء اليوم الذي عقدت فيه قمة الدوحة، تجلى في سماء المنطقة تطورين في منتهى الاهمية وهما :-
أولا. وقعت وزيرتا الخارجية الإسرائيلية والأمريكية،على مذكرة تفاهم عسكرية تهدف الى الحيلولة دون وصول الأسلحة الى قطاع غزة، وذلك من خلال البدء بمراقبة شاملة من قبل أساطيل حلف شمال الأطلسي واسرائيل، لكامل المنطقة الممتدة من المحيط الهندي وبحر العرب، الى البحرالأحمروصولا الى مضيق جبل طارق، الامرالذي وفر مخرجا لإسرائيل للقبول بوقف الهجوم على غزة .
ثانيا . قيام المملكة المغربيه بطرد السفير الفنزويلي من الرباط احتجاجا على دعم كاركاس للبوليساريو،والجميع يعلم بأن هذا الأجراء ،كان ردا على طرد السفير الاسرائيلي من فنزويلا، احتجاجا على مذابح غزة،وإعلان ملك المغرب بأنه لن يشارك في أي من القمتين في الدوحة أو الكويت .
ولعل هذين التطورين يحملان من المغازي الدالة على مكانة النفوذ الإسرائيلي في قلب العالم العربي الشىء الكثير، لذا فأن تجزئة العالم العربي، كانت وما زالت تمثل الهدف الاستراتيجي للاستعمار،وهي تتجسد بالتزامن مع التشظي الفلسطيني،وفي هذا السياق جاء احتلال العراق،وبعده أعد المحافظون الجدد في أمريكا مشروع الشرق الأوسط الجديد في منتصف العام 2004م،والذي يقضي بإعادة رسم حدود الدول العربية بما يكفل مصالح إسرائيل الإستراتيجية،ولخص هذا المشروع جون بولتون ممثل الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة بقوله " بان المنطقة لا تتسع إلا لثلاث دول هي إسرائيل ومصر والأردن، يعني ذلك بأن يتم توزيع الفلسطينيين على هذه الدول " واستدركت رايس قائلة" بأن هذا المشروع يحتاج الى شلال من الدماء لكي ينجح " لما يتطلبه من حروب هدفها نقل السكان خارج حدود بلادهم الأصلية، وإزالة دول بالكيلة عن الوجود او تعديل حدودها،ومنحها أسماء جديدة،وفقا لمتغيرات ديمغرافية هائلة ستؤدي إليها نتيجة هذه الحروب، الى ذلك علينا ان نتمعن جيدا في كل ما يحدث بدءا من الباكستان والتي بدأت تطلق عليها بعض دوائر صنع القرار الغربية لقب رجل أسيا المريض،تمهيدا للانقضاض عليها وتقسيمها وانتزاع برنامجها النووي،ولربما أريد لتفجيرات مومباي في نهاية العام 2008م ،ان تكون شرارة الهجوم الغربي على باكستان برأس حربة هندي، وكذا هي حقيقة الاعتداءات الإجرامية البشعة التي تنفذ ضد مسيحيوا العراق، والتي تهدف الى نقلهم الى لبنان وتحديدا الى المناطق التي تسيطر عليها القوات اللبنانية، أمعانا في الفرز الطائفي والاثني في المنطقة،والذي سيصبح المتغير الجديد الذي ستشكل على أساسه الدول وفقا لنبوءة مشروع الشرق الأوسط الجديد،وان الواقع العراقي المرير يحاكي هذه القراءة للأسف وخاصة بعد توقيع حكومة العراق التي ذهبت الى الدوحة لمساندة غزة على اتفاقية تنظيم الوجود الأمريكي في العراق.
ان النيران الكثيفة والأسلحة الجديدة وغير المجربة سابقا، والتي أمطرت بها رؤوس المدنين في غزة كان هدفها ملء الأرض والسماء بالرعب، واما تكرار قصف نفس الأهداف المدنية قصد منه القضاء على ألاماكن الامنه، لكي يبقى أمام المدنين فرصة وحيدة للذود بها عن أنفسهم من جحيم القنابل،وهى عبور الحدود الى مصر وإفراغ القطاع من السكان،هذه هي حقيقة اسرائيل بلا أية مواربة " بالسيف والدم هدمت يهودا وأورشليم وبهما ستقومان " ان هذا المزج بين الأهداف الإستراتيجية الحديثة والخرافة الميثولوجية البائدة، يبرر لمعتنقيها ارتكاب كل هذه الفظائع من اجل أوهامهم، وكذا الأمر في الضفة الغربية التي تستخدم فيها وسائل أخرى لإنجاز الأهداف نفسها حيث عمدت اسرائيل الى تنفيذ مخطط ثلاثي المراحل، وفقا لتوصيات مؤتمر هرتسليا في دورته الاولى عام 2000م، وهي:-
1- فصل الضفة الغربية عن غزة .
2- تقسيم الضفة الغربية الى قسمين الأول شمال القدس المتروبوليه والثاني جنوبها،وستسمح اسرائيل لأحقا بأندلاع نزاع مرير في الضفة الغربية،على شاكلة ما حدث في غزة وسيؤدي هذا الصراع الى فصل جنوب الضفة عن شمالها، والقسم الجنوبي منها ستسيطر عليه حماس والشمالي ستسيطر علية كافة الفصائل الفلسطينية وفتح بتشظياتها .
3- إلحاق سكان كلا القسمين وعبر مراحل بالمملكة الأردنية الهاشمية،ونقل سكان قطاع غزة الى سيناء .
لكن المقاومة أينما وجدت،كانت وستبقى العقبة الرئيسة أمام نجاح مثل هذه المساعي، فلوأن اسرائيل أنتصرت في حرب عام 2006م على حزب الله،لرأينا اليوم مشهد مختلف للبنان قوامه ان رئيسها ليس هو الذي الآن، وأفتتحت بينهما مكاتب التمثيل ولربما السفارات، يضاف الى هذا،وجود العامل الايراني الذي يعطل نجاح هذا المشروع من خلال مخلبيه المنغرسين في خاسرة اسرائيل، وهما حزب الله وحماس،لذا فأن إيران لن تتخلى عن هذين المخلبين في الامد المنظور، وليس قبل ان تشرع الولايات المتحدة بالتفاهم معها حول كل صغيرة وكبيرة في المنطقة الممتدة من باكستان الى غزة، وفي مقدمة هذه التفاهمات ملفها النووي.
أستنتاج .
لقد شكل الاداء السياسي والاعلامي الفلسطيني الرسمي،أثناء الحرب على غزة ،مدخلا في منتهى الغرابة لتبرير العدوان الاسرائيلي، وفي هذا الاطار منعت السلطة في رام الله أي مظهر تضامني جماهيري او غيره مع غزة، بأستثناء تجمعات نخبوية أوقدت شموع تضامنية في ميدان المنارة وسط رام الله،الامر الذي اعطى مصداقية كبيرة لأدعائات حماس حول مشاركة السلطة الفلسطينيه في القتال الى جانب القوات الاسرائيلية، أثناء الحرب، وقالت حماس ايضا بأن جزء كبير من قادة السلطة في رام الله كانواعلى علم مسبق بالعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وجزء من هذه القيادة تواجدوا بالقرب من حدود القطاع مع مصر،استعدادا لدخوله بعد سقوط حماس،لابل أن رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي جابي اشكنازي ذهب في اقواله الى ما هو ابعد من ذلك فقد كشفت القناة الاسرائيلية الثانية في إحدى نشراتها الإخبارية مساء يوم 11/5/2009 عن تصريحات أشكنازي التي يقر بها لأول مرة، " بأن إسرائيل وسلطة رام الله قاتلتا جنباً إلى جنب أثناء عملية الرصاص المسكوب على قطاع غزة ضد حماس، ووفقا لأشكنازي " فان مشاركة السلطة كانت أمنية بالدرجة الأولى، ثم محاربة ميدانية مشتركة، وبالذخيرة الحية بالدرجة الثانية " ( صحيفة هآرتس 18/1/2010م ) .
وما دفع اسرائيل للكشف عن هذه الحقائق هو الرد على محاولة وزير العدل الفلسطيني على خشان رفع دعاوي قضائيه ضد جنود وضباط اسرائيلين،أمام المحكمة الجنائية الدولية في مدينة هاغ الهولنديه، كونهم مشتبهين بأرتكاب جرائم حرب في غزة ، الامر الذي اثار حفيظة وغضب قائد الجيش ودفعة لأماطة اللثام عن هذه الاسرار، وكشفت وثيقة اخرى أُعدّتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، مفادها " بأن عناصر فلسطينية رفيعة المستوى ضغطت على إسرائيل بشكل كبير،لإسقاط حُكُم حماس في قطاع غزة، والآن يطالبون بتقديم ضباطنا للمحاكمة "،وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يُكشف فيها النقاب عن وثيقة رسمية إسرائيلية متصلة بالتنسيق الامني والسياسي الاسرائيلي الفلسطيني .
وتقاطعت هذه المعلومات مع معلومات اخرى كانت قد كشفت عنها حماس في غزة وتفيد " بأن أجهزة حماس القت القبض على خلايا تابعة لفتح ،وتبين من خلال التحقيقات مع عناصرها بأنها تعمل بأمرة المقاطعة في رام الله ، وتهدف هذه المجموعات الى زعزعة الاستقرار والأمن في القطاع، وأرشاد الجيش الاسرائيلي الى أماكن تصنيع الصواريخ والأنفاق وأماكن التدريب الحمساويه، وعرضت وزارة الداخلية التابعة لحكومة حماس شريط فيديو سجل فيه اعترافات أعضاء الشبكة، حيث يظهر ضابط أمن سابق يحمل رتبة مقدم ويدعى مسعود الغفري، وقال أنه كان يعمل ضمن مجموعات تشكلت في القطاع بهدف جمع معلومات عن كيفية حصول حركة حماس على الأموال،ومعلومات عن محال الصرافة التي تتعامل معها الحركة " ( صحيفة هآرتس 17/1/2010م ) .
كما جاء في الاعترافات أيضا، أنهم قاموا بتزويد المسؤولين عنهم في رام الله بمعلومات ووثائق ورسومات وخرائط مصورة لمساجد يفترض أن يكون بداخلها سلاح عن طريق برنامج جوجل ايرث، بعد نقل هذه المعلومات إلى رام الله،لتنقلها بدورها إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوم بأستهداف هذه المواقع، بناءًا على هذه المعلومات التي كان يتلقاها قبل وأثناء الحرب على غزة.
تقرير جولدستون .
على هذه الخلفية من العلاقات البينية المتفجرة في الساحة الفلسطينية، أصدر القاضي الجنوب افريقي ( ريتشارد جولد ستون ) وهو رجل قانون يهودي أنضم إلى الحركة الصهيونية في جنوب أفريقيا قبل قيام إسرائيل، كان قد كلفه مجلس حقوق الانسان في جنيف برئاسة لجنة لتقصى حقائق الحرب على غزة، واصدر بعد ستة شهور من البحث والزيارات الميدانية لغزة واسرائيل والاردن،تقريرا مكونا من ستماية صفحة معززة بشهادات حية عن وقائع الحرب، وتوصل معد التقرير الى ان اسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة واستخدمت القوة العسكرية على نحو غير متكافىء مع قوة النار الفلسطينيه ،واستخدمت المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية،اثناء احتلالها للمدن، واستخدمت اسلحة محرمة دوليا منها الفسفورالابيض،وبهذا فأن اسرائيل تكون قد أرتكبت جرائم حرب فعليه، يعني ذلك من الناحية العقلية،ان تتم ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، من قبل جهات الاختصاص الامميه،وهي محكمة الجنايات الدولية، وقد حاول في هذا السياق مدعي عام محكمة الجنايات الدولية مورينو أوكامبو ألتقاء الرئيس عباس في نيويوك على هامش زيارة الاخير لها في أكتوبر/2009م، لبحث تقرير جولدستون معه، الا ان الرئيس عباس تهرب من اللقاء وفقا لأوكامبو،لأن الرئيس عباس كان يتعرض لضغوط اسرائيليه وامريكيه في هذا الوقت، من قبل يهودا بارك وزير الدفاع الاسرائيلي،وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجيه الامريكيه، وتلت هذه الضغوط ضغوط اضافية قاسيه مارسها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي/الشاباك (يوفال ديسكين) على الرئيس عباس داخل المقاطعة في رام الله، لأجباره على تأجيل عرض التقرير على مجلس حقوق الانسان في جنيف، حيث قال ديسكن لعباس " بأنه إذا رفض إرجاء التصويت على التقرير، فإنَّ إسرائيل ستجعل من الضفة الغربية قطاع غزة ثان" ( صحيفة هآرتس 17/1/2010م ) وذكرت هآرتس أن رئيس الشاباك هدد بإلغاء التسهيلات التي قدمتها إسرائيل للفلسطينيين في الضفة الغربية، وإعادة وضع الحواجز التي تمت إزالتها في النصف الأول من العام 2009م، كما حذَّر ديسكن من أن رفض السلطة الفلسطينية إرجاء التصويت على التقرير، سيؤدي لإرجاء منح الترخيص لتشغيل شركة الاتصالات الخلوية الوطنية، التي تعاقدت مع السلطة الفلسطينية.
ووفقا لتسريبات وزارة الخارجيه الاسرائيلية فأن باراك أنذر الرئيس ابو مازن بأن اسرائيل ستضطر للدفاع عن نفسها والافصاح عن معلومات لديها موثقة بالفيديو حول طلب الرئيس عباس من بارك مباشرة الهجوم على غزة وتعميق الضربات وأطالة أمد الحرب، بعد ذلك تقدم السفير الفلسطيني،لدى مجلس حقوق الانسان ابراهيم خريشه بطلب سحب التصويت على التقرير من جدول اعمال المجلس في نهاية ايلول 2009م، بعد أن تمكن من الحصول على تأييد ممثلي الدول العربيه والاسلاميه لدى المجلس، لتشهد الساحة الفلسطينية بعد ذلك أصعب حالة جدل من التشكيك والتخوين لقيادة السلطة، بعد ان أستشاط الشارع الفلسطيني غضبا من تصرفها هذا ،واعتبرت حماس بأن هذا الامر،هو دليلا إضافيا على تواطؤ السلطة مع اسرائيل ومساعدتها في لململة فضائحهما المشتركة، مما اجبر الرئيس ابو مازن الذي اعترف بمسؤليته عن التأجيل أمام لجنة التحقيق المحلية، التي أمر بتشكيلها برئاسة رئيس جامعة النجاح د. رامي الحمد الله، الى التراجع عن تأجيل التصويت على التقرير في مجلس حقوق الانسان في جنيف .
اهم مقاطع التقرير .
اعتبر تقرير جولدستون أن استهداف اسرائيل للمدنين،ومواصلة حصارها لغزة، واستخدامها اسلحة محرمة دوليا خلال الحرب،واستخدامها للمدنين كدروع بشريه أكثر من 36 مرة من قبل الجنود الاسرائيليون،وإغلاق المعابر، تشكل هذه الممارسات عقوبة جماعية غير مقبوله، وجرائم ضد الإنسانية .
وادان التقريرإسرائيل وحماس على حد سواء،بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية،وأكد التقرير بأن إسرائيل انتهكت وثيقة جنيف، وارتكبت جريمتي التعذيب والقتل العمد مع سبق الاصرار، والجيش الإسرائيلي متهم، في سبعة حوادث متكررة، بإطلاق النار على مدنيين أثناء فرارهم من النار إلى الملاجئ وهم يرفعون رايات بيضاء، وذلك استنادا الى الشهادات التي تم الاستماع اليها من المدنيين الفلسطينين في غزة،وقامت اسرائيل بتدمير المنشأت المدنيه كالمدارس والمستشفيات والجامعات ودور رعاية المسنين، وهدمت المساجد على مئات المصلين،" رغم استخدام الجيش الاسرائيلي لطائرات غير مأهولة ومتطورة وقادرة على اكتشاف الناس داخل المنازل حسب حرارة اجسامهم " ( ديزموند ترافرس/ العضو العسكري في لجنة جولد ستون/ في مقابلة مع مجلة شؤون الشرق الاوسط ) الا انه هاجم عن قصد هذه المنازل التي أختبأ فيها عشرات المواطنين الفلسطينيين،دون أية دلائل على وجود مسلحين فيها، وقصف منشآت هيئة غوث وتشغيل اللاجئين أونروا بالقنابل الفوسفوريه، على الرغم من عدم وجود أية قرائن تثبت او تؤشر على وجود مسلحين فيها ايضا، وأشار التقرير الى أنه تم ارتكاب جرائم جنائية فرديه من قبل الجنود الاسرائيليون،ولكن لا توجد دلائل قانونية .
وفي وقت لاحق لصدور التقرير، نفى العقيد (ديزموند ترافرس) وهو العضو العسكري الوحيد في لجنة (جولدستون ) بأن تكون حماس قد أستخدمت المساجد، كأماكن لأطلاق الصواريخ،على أسرائيل نفيا باتا،أوأنهااستخدامت المساجد لتخزين وسائل قتالية،وحسب ترافرس أيضا فأن أدعاءات اسرائيل وبعض اعضاء لجنة( جولد ستون)، منشئها العداء المسبق للاسلام، وأنعكاس لمفاهيم غربية خاطئة، تعتبرالاسلام هو دين عنف، وان حماس اطلقت، على المدن الاسرائيلية طيلة الشهر الذي سبق الهجوم على غزة صاروخين فقط .
واعتبر التقرير في الوقت نفسه قذائف المقاومة الفلسطينيه،التي سماها بالمنظمات الارهابيه على المستوطنات،جرائم حرب،وبلغ عديد هذه الضربات الفلسطينية،على المستوطنات 8000 قذيفة، منذ 2001 حتى نهاية الحرب، وهذه الاضافة تؤشر هنا الى ان معدو التقرير خرجوا عن نطاق المهمة المحدد لهم ، وهي بحث الحرب ووقائعها ، فقدموا هذا البرهان الممتد الى ثمانية اعوام سابقة ، لتوظيفه في ادانة المقاومة ومساواتها مع اسرائيل ،واعتبر التقرير أن الاحتفاظ بجلعاد شاليط ايضا ، مخالف للمواثيق الدولية، في الوقت الذي تناسى فيه احتجاز اسرائيل لأكثر من 10715 أسيرا وأسيرة، موزعون على 25 سجناُ، من بينهم 1080 اسير واسيرة مرضى بامراض مزمنه وخطيره، ومن بينهم ايضا 327 طفل اسير و 64 أمرأة .
رغم ذلك فأن إسرائيل رفضت التقرير،واتهمته بالمساوة بينها وبين الإرهاب،وبررت عدم تعاونها رسميًامع اللجنة،لأنها منحازة،لكن مجلس حقوق الإنسان،عاد وصوت مرة اخرى على التقريربتاريخ 15/10/2009م، بعد تأجيله من قبل المندوب الفلسطينيى في الاول من تشرين ثاني 2009م،وتبنى المجلس التقرير بغالبية 25 صوتاً، مقابل 11 صوتاً امتنعوا، بينهم بريطانيا، و صوت 6 ضد التقريرمن أعضاء المجلس الـ47 ، وقد أوصى أعضاء المجلس بتحويل التقرير إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي،وإلى مجلس الأمن الدولي، كما طلبوا من الدول الأعضاء رفع دعاوى قانونية في كل دولةعلى حدا،وطالب المجلس كل من حماس والسلطة الفلسطينيه واسرائيل، بتقديم ردودهم على التقرير .
ذروة الفشل السياسي والاعلامي .

لم تؤكد الطريقة التي تعاملت فيها السلطة الفلسطينية،مع حصار الرئيس عرفات ومجزرة مخيم جنين والحرب على غزة، وأثنائهما وبعدهماعلى فشل تكتيكها السياسي وتلعثم خطابها الاعلامي فحسب، بل شكلت هذه المعالجات اضافة جديده وفي منتهى السوء في توضيح مضمونها الوطني والاخلاقي والوظيفي، وهي محاولة وجوديه بائسة لأستبدال العيش غير الكريم بالقيم الحميده، وأستبدال فضيلة العمل النضالي الخلاق برذيلة النجاه بالروح من حتف مشرف، في لحظه يطلب فيه من الاطراف المتصارعة، تحديد مواقفها بشكل واضح لا لبس فيه،من بعضها البعض، الامر الذي يدعو كل طرف للعودة لأصوله المشكلة للمواقف،التي يجب ان تراعي مبادئه ومنطلقاته السياسية والايدولوجيه والتكتيكيه والاستراتيجه،مما دفع السلطة في هذه اللحظة لحسم خيارتها الكليه،والانحياز لصالح الاحتلال،والنجاة بجلدها،الامرالذي يضعنا أمام حالة فريدة ولربما غير مسبوقه في طلب النجاة من المعتدى عليه من المعتدي، مما يثير لدي ولدى غيري من متتبعي حالة المعضلات الفلسطينية،رغبة التعمق في سبر غور كنه هذه الظاهرة .
فنجد أن هذه السلطة ملزمة بهذه المواقف وفقا لأتفاقياتها المتعددة مع اسرائيل،وهي التي شكلت شهادة ميلاد السلطة في ايلول/1993م ، ككيان امني فرعي تابع لدولة رئيسة في المنطقة ، حيث حددت وظائفه قبل ميلاده،وهي القيام بالمهام الامنية التي تطلبها الدولة الرئيسة منها، مقابل خدمات ومنح اقتصادية وحياتية متعدده، لذا فأن الدور الذي لعبته السلطة قبل وأثناء وبعد التجارب الثلاثة، يندرج ضمن الدور الوظيفي الاستراتيجي لها، وهي لا تستطيع أن تقوم بغيره على وجه الاطلاق .
لهذا السبب رأينا الحالة المزرية التي بدا عليها الخطاب الاعلامي الرسمي الملاصق للخطاب السياسي الرسمي، وكلاهما ظهرا في حضيض المشهدين السياسي والاعلامي المصاحبين للحرب على غزه، لهذا لم يتمكن الرئيس ابو مازن من المشاركة في قمة اجتماع غزة ، ولم يعطي الاذن للسماح بتسيير المسيرات الجماهيرية التضامنية مع غزة اثناء الحرب،ورضخ لتهديدات كل من تحدث معه من الاسرائيلين،لسحب طلب التصويت على تقرير جولدستون .
لهذه الاسباب خسر الشعب الفسطيني معركة غزة خسارة محزنة رغم أعادة التقرير الى مجلس حقوق الانسان واقراره،الا ان الزخم الذي حظيت به الضحية الفلسطينية فقد كامل دافعياته التضامنية بسبب الخلاف الفلسطيني الداخلي، وفشل الفلسطينيون والعرب مرة اخرى في ملاحقة اسرائيل وقادتها ،ونجت اسرائيل مرة اخرى بفعلتها ايضا، وهي التي ارتكبت كل هذه الفضائع في قطاع غزة،وهي جرائم حرب من مستوى نازي بامتياز، فلننظر الى حجم الخسارة الاسرائيلية مقابل الفلسطينيه وهي أن 13 اسرائيلياً قتلوا خلال تلك الحرب، أربعة منهم بنيران اسرائيليه مقابل 1400 فلسطيني، بينهم أكثر من 400 امرأة وطفل، فتكون نسبة القتل واحداً الى مئة، وهي نسبة نازية بامتيازايضا، فقد كان النازيون إذا قتل لهم جندي يقتلون اليهود الذين يجدونهم بمثل هذه النسبة، وسيستمر الانقسام الى ان يشاء الله امر غير الامر.
خلاصة.
لقد لامس الحقيقة، وصف أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى بوصفة للمشهد العربي الراهن بأنه في منتهى الفوضى والخزي، ولمن أراد التمعن سيلاحظ بأن هذه الحالة،ليست وليدة الصدفة إنما هي نتيجة لمساعي أمريكية مضنية لعمل نظرية الفوضى الخلاقة، التي من رحمها يعاد تشكيل الأشياء في المنطقة،ولمرحلة ما بعد غزة يبدو ان المشهد الفلسطيني ستستقر فيه فراغات هامة واستراتيجيه، وفي مقدمتها الفراغ الناشئ بين الضفة وغزة والذي لن يردم ألا بزوال أسبابه القاهرة، ومن الغريب ان تكون هذه النتيجة هي الأبرز للحرب على غزة،وهذا الفراغ سيقود أيضا الى فراغ أخر متمحور حول التمثيل الفلسطيني الرسمي للفلسطينيين، ففي الوقت الذي اكتسبت فيه حماس شرعية أضافية لتمثيلها لغزة بسبب صمودها وقيادتها للمعركة، خسر أبو مازن هذه الورقة على نحو نهائي،الأمر الذي ادخل القضية الفلسطينية في حالة ملتبسة وغير مسبوقة ، فيما يحققه السياسي الفلسطيني على طاولة المفاوضات، نتيجتا لصمود المقاتل الفلسطيني في المعركة،وهي نتيجة صفريه منذ ان بدأ الكفاح الفلسطيني ولغاية الان، يضاف الى ذلك هذا السؤال، هل صمود غزة سيسقط أبو مازن ؟ ان حصل ذلك فلن تستأثر غزة بالضفة، وأن حدث العكس فلن تعود السلطة الى غزة، أذا النتيجة الإجمالية للمعركة هي تعميق الفراغ الاستراتيجي، الذي يخشى ان تتم الاستعاضة عن ردمه بإيجاد قيادتين لدودتين لشعب واحد، وتكريس تعثر التكتيك السياسي وتواصل تلعثم الخطاب الاعلامي الفلسطيني .


كاتب ومحلل سياسي
n-damj@maktoob.com

 

 

 

 

 


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات