أثبتت السينما المغربية في العقد الأخير أنها سينما مهمة، وذلك من خلال فوز الكثير من الافلام المغربية بجوائز دولية، وكذلك من خلال توظيفها للقصص الاجتماعية المغربية، وما يعانيه الشباب المغربي من صعوبات في الحصول على فرص للنجاح، وقد يضطره ذلك البحث عن هذه الفرص إلى ركوب البحر، للوصول إلى أوروبا في هجرة سرية (ممنوعة) تحتمل جميع المخاطر المتوقعة في رحلات من هذا النوع، وقد أفرزت الفترة القريبة السابقة فيلمين مغربيين استطاعا ان ينالا أهتماماً كبيرا من نقاد السينما في المغرب وبلدان شمال أفريقيا، ولا يزالان يعرضا في صالات سينمائية مغربية وعربية واوروبية كثيرة.
وتشير إحصائيات شباك التذاكر لصالات السينما في المغرب، التي أعلنها المركز السينمائي المغربي عن متابعات (البوكس أوفيس) الذي يتابع الجانب المالي، والضرائبي الى هذا النشاط في المغرب، وقد أشارت الى أن الفيلم المغربي قد حاز على اكبر عدد من المشاهدين، نسبة للأفلام الأجنبية التي عرضت منذ بداية العام2010 في المغرب، ومن هذه الأفلام المغربية التي كانت لها حصة الأسد في عدد المشاهدين، وحسب نتائج الربع الأول للعام تبؤ فيلم (حجاب الحب) المرتبة الثانية من قائمة ضمت30 فيلما، فقد حصد عددا من المشاهدين تقدر بـ158 ألف مشاهد، وقد أتى حجاب الحب بعد فيلم (كازانيغرا)198 ألف مشاهد، والسبب يعود في تفوق هذين الفيلمين على غيرهما من الأفلام الأجنبية والمغربية بعدد المشاهدين، الذين شاهدوا الفلمين عائد إلى ما أثاره النقد السينمائي، حول قصة الفلمين في الصحافة والإعلام المسموع والمرئي في المغرب من سجالات حادة، فقد تحدثت الصحافة عن فيلم (حجاب الحب) باعتباره خرقا لتابوات مغربية، لما يرمز الحجاب عند الشعب المغربي، المحافظ من معاني التدين لدى المرأة، وكخلفية واقعية أيضا لهذا التصور: الشرف والفضيلة، والمرأة أيضا بما تعنيه من معان سامية يحترمها الشعب المغربي كأم وأخت وزوجة وزميلة في العمل، وكصانعة حقيقية للحياة الجديدة، التي ترفدها بكل ما هو سام ونبيل، فجاءت قصة فيلم (حجاب الحب) لتقول لنا غير هذا، الذي نما وترعرع في أذهان الشعب المغربي المحافظ، فقد جاءت قصة الفيلم لتشكك بهذا البنيان الهائل من المفاهيم، والإرث الفكري، من خلال تشكيكها بالمحجبة، كإنسانة معرضة أيضا للسقوط في الرذيلة في لحظة ضعف إنساني، كما حدث لبطلة الفيلم، وما رمز له الحجاب دينيا واجتماعيا في نظر المغاربة المسلمين.
كازانيغرا
أما فيلم (كازانيغرا) الذي يعني مدينة الدار البيضاء السوداء!! فقد تناول الحياة في مدينة الدار البيضاء، التي ظهرت في كثير من الأفلام المغربية مثل (حب في الدار البيضاء) و(كازا باي نايت) و(كازا داي لايت) و(فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق) ونراها هنا في الفيلم الجديد الذي يحكي عن أزقتها الخلفية، مواخيرها الليلية، شواذها، فقر أهلها، ظلام ساكنيها وليلهم المسكون بالأشباح والخوف والرعب، والفيلم أخذ أسمه من ذلك السواد: (كازانيغرا) التي تعني: (كازا السوداء)، إذ ينفتح الفيلم في لقطة بانورامية على صورة رمزية، لمدينة بشعة، حيث تملأ الشاشة صورة كلب اسود بجوار مزبلة، ويعبر بعد ذلك الكلب شارعا مقفرا، باعتباره مؤشرا على فشله في أن يجد قوته في مدينة ظالمة، لا فرصة فيها، لأحد، ولا حياة كريمة لمن يعيش في شوارعها بلا مأوى ولا مال.
قصة حجاب الحب
الفيلم من إخراج عزيز السالمي، ويتحدث عن (بتول) الشابة الجميلة في متوسط عقدها الثاني، التي تلعب دورها الممثلة حياة بلحلوفي، الفرنسية من أصل جزائري، ويظهرها لنا الفيلم وهي تمارس عمل طبيبة أطفال، محافظة على أداء صلاتها، وتلاوة القرآن، وقد كانت تحافظ على ارتداء الحجاب في شهر رمضان الكريم، ومن خلال المنلوج الداخلي نشعر أنها ستقدم قريبا على قرار ارتداء الحجاب نهائيا، وليس في شهر رمضان فقط، كما اعتادت قبل سقوطها الأخلاقي، وهذا ما تفعله، ويذهب المخرج المغربي إلى أبعد من هذا عندما يرصد، أن العديد من النساء يرتدين الحجاب ليس عن قناعة دينية بالضرورة، بل بحثا عن رجل!! لأن أغلب الرجال يشترطون أن تكون زوجة المستقبل، امرأة محجبة وليس عن قناعة دينية يؤمنون بها، بل لأن المحجبة أكثر قابلية لتطويعها وفق ما يريدون أن تكون عليها كامرأة صالحة للمطبخ والفراش والانجاب، وتربية الأطفال!! ومن طرائف مخرج الفيلم، تحاشيه تصوير زوجته (السعدية لديب) التي تمثل في الفيلم دورا رئيسا، وهي تمارس الجنس في الفيلم مع عشيقها، كما أظهر باقي بطلات الفيلم (المحجبات)!!
وتقسم الطبيبة حياتها بين عملها وأسرتها، وصديقاتها الأربع، اللواتي تجتمع بهن باستمرار خارج البيت في النوادي الليلية، أو في بيت إحدى صديقاتها للحديث وتبادل المعلومات حول صديقات الطفولة، فهيام تؤدي دورها الممثلة (السعدية لديب) ويعرض لنا الفيلم معاناتها الداخلية، وكأنها تريد التخلص من ماض وحاضر تعيسين، تخلصت منهما بشق الأنفس بالرغم من أنها كانت تبدو أكثرهن سعادة ومحبة للحياة.
وهناك مشاهد أخرى يريد المخرج أن يظهرها لمشاهده للتعبير عن الحرمان والكبت، من ممارسة الحياة الطبيعية، ونقل مشاعر صديقات البطلة بالبؤس والعزلة في بيوتهن مثل (نجوى) التي تؤدي دورها (نورا الصقلي) وكذلك صديقتهن المتزوجة نهاد (الممثلة نجاة خير الله) ليست خيرا منهن، ويجتمعن دائما أما في محل التجميل أو في المقهى، أو في النادي، وأغلب حديثهن عن الزواج والجنس والرجال.
الحلال والحرام
ويعيش الحبيبان قصة حب، تتابعها كاميرا تذكرنا بحرفيات كاميرا السينما الهندية، عندما تستغل فترة منتصف الفيلم، بعد عقد التعارف بين البطل والبطلة، للأغاني والرقص بين البطلين، والتنقل من مكان إلى آخر، وتبديل ملابس الممثلة في كل لقطة، ترويحا لعيني المشاهد قبل الانتقال به للأحزان والمصائب المقبلة، ولكن في هذا النوع من الأفلام التي تعتمد كثيرا على أظهار مشاهد العري، والجنس، لأنها تفعل ما تفعله الأفلام الهندية مستبدلة الرقص والتنقل بتلك المشاهد التي ينتظرها المراهقون، حيث يعلو التصفيق والصراخ، وينتقل بك بعد ذلك المخرج إلى عقدة الفيلم مباشرة، حيث تختلط فيها الدراما بالكوميديا، تمهيدا للنهاية السعيدة، وقصة الحب في الفيلم لم يُكتب لها النجاح فتنتهي بالفراق!! لكن البطلة التي تضع حجاباً ويظهرها المخرج ملتزمة دينياً، تحمل من صديقها سفاحاً، فيرفض حمزة الزواج منها، ولا ترى هي مانعاً من الاستمرار بعلاقتها الآبقة به، بدعوى أن الحب أقوى من مسألة الحلال والحرام!! وتستفيق من أحلام الحب، بعد أن تكتشف أنها حملت حراما من صاحبها في مجتمع محافظ لا يرحم الخاطئات والخاطئين، وتطالبه بتصحيح الوضع من خلال الزواج، لكنه يرفض ويعتبر ذلك حيلة تعمد إليها البنات دوما للإيقاع بالشباب في حبائل الزواج، وحملها ليس إلا وسيلة للضغط عليه من أجل الزواج، وهو يرفض أن يعيد تجربة زواج جديد فاشلة، بعد فشل زواجه الأول، وهروب زوجته التي تركت له ابنة يربيها وحده.
عار العائلة
فتقرر صاحبته، الابتعاد عنه بعد أن اكتشفت أنه كاذب في حبه لها، وأنه ارتبط بعلاقة غرامية مع إحدى صديقاتها، بعد أن رفضت طلبه بخلع حجابها، مع الاستمرار في معاشرته من دون زواج، وواجهته برفض طلبه باجراء عملية إجهاض لطفلهما، وتصمم الإبقاء على جنينها، والتكلف بتربيته بعد أن تلده في مجتمع ينظر إلى الأم، التي أنجبت من غير زواج على أنها عاهرة، وخارجة على الأعراف والتقاليد، وتقرر الاستمرار بارتداء الحجاب بعد أن كانت ترتديه في المناسبات فقط، وكأنها اتخذت هذا القرار للتكفير عن ذنبها في الحمل السفاح، وبعد تأكدها من فشل علاقتها العاطفية، ووفاة أخيها في حادث مروري مروع، وهو يطاردها بسيارته، عندما كانت مع عشيقها، وقد تعرفها بالرغم من محاولتها التنكر، أما حمزة فاستمر في حياته، ومغامراته مع النساء لتقع في حباله إحدى صديقاتها المطلقات، التي تلتقي بهما بتول مصادفة، لتشتعل نيران الغيرة في قلبها، لتقرر فضحه لها، وكشف شخصيته الحقيقية، التي تنم عن ذئب في جسد إنسان، وأنه أب الطفل الذي في أحشائها، فتتسارع وتيرة الفيلم وتحاول صديقتها إصلاح علاقة صديقتها به، وتجري الأحداث بمصادفات غير مبررة، ويغمى على بتول، وينفضح أمر حملها، وتعرف عائلتها ملابسات قصتها، ليقرر ابن العم (شخصية يظهرها الفيلم لنا متدينة) ومن مستوى تعليمي أقل من البطلة، فهو مجرد بزاز في دكان بسوق القماش تعود ملكيته لأسرة بتول، ويتقدم بشهامة ليطلب يدها، ليستر عار العائلة وليختتم المخرج، الفيلم بنهاية سعيدة فتتعال ضحكات صديقات البطلة.
نقاش موضوعي
لقد كان دفاع المخرج عزيز السالمي عن فيلمه (حجاب الحب) الذي هو بالمناسبة أول فيلم في المغرب يناقش موضوع الحجاب عند الفتيات سينمائيا، بقوله للصحافة التي أثارت جمهورا واسعا ضد الفيلم (التابوها) لا تزال موجودة في المجتمع المغربي، والمنطق المسيطر هو التستر، لذلك من واجبي كمواطن أولا وكفنان ثانيا أن أتحدث عن الظواهر التي تبدو غريبة أو شاذة في المجتمع الذي أنتمي إليه (وكان رده على المشاهد الحميمة التي أظهرها الفيلم بين البطلة بتول وحمزة، أجاب عزيز السالمي موضحا) عندما كنت أستعد لتصوير الفيلم، لم أتوان عن التجول في منتزهات المدينة، حيث شاهدت فتيات محجبات يتبادلن القبلات مع أصدقائهن في أوضاع أكثر من حميمة وأضاف: (ذهلت للتحول الذي عرفه الحجاب في المجتمع المغربي، ففئة واسعة من الفتيات المغربيات يضعن الحجاب بألوان زاهية مغرية وشعر مكشوف وملابس موضة ضيقة ومثيرة، عكس ما كان متداولا في الثمانينات من القرن الماضي إبان صعود التيار الإسلامي، حيث كان الحجاب أكثر صرامة، وليختم قائلا بعد ذلك: الموضة أصبحت تتحكم بشكل كبير في الحجاب. لم يعد ذلك الحجاب الذي عرفناه.
النهاية السعيدة
وربما بعد زلتها مع حمزة ستغير مسار حياتها، وتصير ملتزمة دينيا، ما يعني أيضا أن الحجاب الذي أظهره الفيلم لا يعني شيئا لأنه لم يستخدم من قبل فتاة مؤمنة به في مسيرة حياتها، ما يؤكد أن المسألة التي جعلت المخرج يختار طريقة المعالجة في الفيلم هو شباك التذاكر، وما سيدره الفيلم من أموال من جيوب المراهقين، الذين لاتهمهم اللغة السينمائية الهابطة للفيلم، ولا القصة المفككة التي يرويها، ولا المشاهد المفبركة على الطريقة الأمريكية لمطاردة أخ البطلة، لأخته المتنكرة وعشيقها بسيارته، ولا النهاية المقحمة، التي تريد أرضاء الجميع، المجتمع المغربي المحافظ بزواج الطبيبة من الشاب المتدين (البزاز) بالرغم من معرفته بحملها من غيره!! وإرضاء لمؤسسات أجنبية تدفع ماديا لتشجيع أفلام من هذا النوع، وتدفع ما أمكنها لاحداث اصطفافات متعارضة في المجتمعات المسلمة.
شخصيات متنوعة
فيلم (كازانيغرا) ينقلنا عبر لقطاته القصيرة، والقريبة، أو تلك التي تعتمد زوايا رؤية بعيدة، موحية، لرجال وصبيان احترفوا التسول، ولمدمني الخمر، الذين يتساقطون، وهم يعبرون صوب الظلام والمجهول وإلى اللاوعي التام، رجال من أولئك الذين أمحت المدينة ملامحهم، وصاروا من بائعي الجنس أو المسمسرين عليه، بائعات الجنس، الرخيصات، بجلابيبهن، المتسخة، وماكياجهن المبتذل، وسط أزبال المدينة، وحاويات قماماتها، عادل (عمر لطفي) الذي ينحدر من عائلة مفككة، اضطرت أمه لتتزوج من رجل آخر، فأورثت له عقدة هاملت، المعروفة!! فيثور على طاعتها العمياء لزوجها ويسرق مالا، ويحرضها على مفارقة الزوج والعودة إلى مسقط رأسها في مدينة (تاونات)، الشاب الآخر في الفيلم ( كريم) يمثل دوره (يونس ألباز) وهو ينحدر من عائلة متوسطة الحال، لأب عمل لسنوات كثيرة في معمل السمك يملكه (حسن الصقلي) ثم انتهى الأب مشلولا، وليس لديه غير وسيلة التذكر، لما عاشه، وما دار عليه في هذه المدينة السوداء، كما يصفها أبطال الفيلم، وبالرغم من أن عائلة كريم، هي نموذج أفضل للعائلة الفقيرة، إلا أنها تحمل مساوئ نظرة المخرج لهذه الطبقة المسحوقة في المجتمع المغربي.
بقلم : فيصل عبد الحسن
كاتب وناقد عراقي يقيم في المغرب
faissalhassan@hotmail.com
التعليقات (0)