معجزات يسوع
تحدثت الأناجيل كثيراً عن معجزات يسوع, من شفاء الحمّى الى إحياء الموتى, كما تحدثت عن أسباب قيامه بها, وفي البداية سأستعرض معظمها لنرى إن كانت تثبت ما تقوله الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس عنه, ومن ثم أُناقش الأسباب التي قال إنه من أجلها قام بها.
معجزة تحويل الماء إلى خمر
- وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل,
وكانت أُم يسوع هناك,
ودُعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس, ولما فرغت الخمر قالت أُم يسوع له ليس لهم خمر,
فقال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة, لم تأت ساعتي بعد,
قالت أمه للخدام مهما قال لكم فافعلوه,
قال لهم يسوع املأوا الأجران ماء, فملأوها إلى فوق,
ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المُتكأ,
فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمراً, ولم يكن يعلم من أين هي,
دعا رئيس المتكأ العريس وقال له كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً ومتى سكروا فحينئذ الدون, أما أنت فأبقيت الخمر الجيدة إلى ألان,
هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل واظهر مجده,
فآمن به تلاميذه. (يوحنا2/1-11)
هذه بداية الآيات أو المعجزات التي عملها يسوع, وهي تحويل الماء الى خمر, وما يهم فيها هو مخاطبة يسوع لأُمه بيا امرأة, فهل هذه طريقة مناسبة لمخاطبتها بهذه الطريقة, فهي ليست امرأة مجهولة الاسم بالنسبة إليه, بل هي أمه؟!
والغريب أن هذه الطريقة في الحديث مع أُمه هي السائدة بينهما في إنجيل يوحنا, فقد كتب أن يسوع وهو معلق على الصليب خاطبها بقوله يا امرأة, كما في النص التالي:
- وكانت واقفات عند صليب يسوع أُمه وأُخت أُمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية,
فلما رأى يسوع أُمه والتلميذ الذي كان يُحبه واقفاً,
قال لأُمه يا امرأة هو ذا ابنك,
وقال للتلميذ هو ذا أُمك,
ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصته. (يوحنا19/25-27)
وأما تعقيب يوحنا على الآية أو المعجزة بقوله فآمن به تلاميذه فهذا ما سنتأكد منه بعد قليل.
معجزة شفاء حماة سمعان بطرس من الحُمّى
- ولما جاء يسوع إلى بيت بطرس رأى حماته مطروحة ومحمومة,
فلمس يدها فتركتها الحُمّى فقامت وخدمتهم. (متّى8/14-15) و(مرقس1/29-32) و (لوقا4/38-39)
هذه المعجزة هي أول المعجزات التي قام بها يسوع كما هو مذكور في الأناجيل الثلاثة, ولكنهم لم يذكروا أنها أول المعجزات, وأنا لا أريد هنا ترجيح أية معجزة كانت هي الأُولى, وهي واضحة ولا تحتاج الى التعليق عليها.
معجزة شفاء ولد من الحُمّى
- فجاء يسوع أيضاً الى قانا الجليل حيث صنع الماء خمراً, وكان خادم للملك ابنه مريض في كفر ناحوم, هذا اذ سمع أن يسوع قد جاء من اليهودية الى الجليل انطلق اليه وسأله أن ينزل ويشفي ابنه لأنه كان مشرفاً على الموت,
فقال له يسوع لا تؤمنون ان لم تروا آيات وعجائب,
قال له خادم الملك يا سيد انزل قبل أن يموت ابني,
قال له يسوع اذهب, ابنك حيّ,
فآمن الرجل بالكلمة التي قالها له يسوع وذهب,
وفيما هو نازل استقبله عبيده وأخبروه قائلين ان ابنك حيّ,
فاستخبرهم عن الساعة التي أخذ فيها يتعافى فقالوا له أمس في الساعة السابعة تركته الحمّى,
ففهم الأب أنه في تلك الساعة التي قال له فيها يسوع ان ابنك حيّ,
فآمن هو وبيته كله,
هذه آية ثانية صنعها يسوع لما جاء من اليهودية الى الجليل. (يوحنا4/46-54)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بشفاء ابن خادم الملك من الحمّى, والمتأمل في القصة يجد موقفاً غريباً ليسوع عندما طلب منه خادم الملك أن يشفي ابنه فيردّ عليه بالقول لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب, مع أن الرجل لم يطلب منه آية ولا عجيبة بل طلب منه شفاء ابنه من الحمّى!
كما نقرأ أن يوحنا حدد ساعة شفاء الولد بدقة متناهية ومتوافقة مع اللحظة التي نطق بها يسوع كلمته وهي الساعة السابعة وهذا ما يثلج صدور الطيبين من أتباع الكنائس, فالرجل الذي يؤمنون به كإله وابن إله والأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر يكون كلامه متحققاً بالساعة والدقيقة والثانية, ومن حقهم أن يفرحوا بمثل هذه الدقة, ولكن من حقنا أن نسألهم لماذا لم تتحقق كل كلمات يسوع كما حددها بالوقت الذي يجب أن تتحقق فيه, ولا أقول تحققها بالثانية ولا بالدقيقة ولا بالساعة ولا باليوم أو بالأسبوع أو بالسنة بل بالقرن أي بعد مئة عام من تحديد الوقت؟
فهو قال انه سيعود قبل موت جميع تلاميذه ومضى على هذا القول تسعة عشر قرناً ولم يأت!
وقال لرؤساء الكهنة إنهم سيرون الآن ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء بمملكته ومجد عظيم, ومات رؤساء الكهنة وبعد تسعة عشر قرناً لم يره أحد جالساً عن يمين القوة ولا آتياً على سحاب السماء بمملكته ومجد عظيم!
معجزات إخراج الشياطين
شفاء ولد لم يستطع التلاميذ شفائه
- ولما جاء إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثياً وقائلاً يا سيد ارحم ابني فانه يُصرع ويتألم شديداً, ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء,
وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه,
فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي,
إلى متى أكون معكم,
إلى متى أحتملكم,
قدموه إليّ ههنا, فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان, فشفي الغلام من تلك الساعة,
ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه,
فقال لهم يسوع لعدم إيمانكم,
فالحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل,
ولا يكون شيء غير ممكن لديكم,
وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم. (متّى17/14-21) و(مرقس9/14-29) و(لوقا9/37-42)
لم يطل انتظارنا حتى جاء رد يسوع على يوحنا بقوله في النبوءة الأولى فآمن تلاميذه, فوصفهم بالجيل غير المؤمن الملتوي, وأظهر رغبته بفراقهم وانه لم يعد يحتملهم لعدم إيمانهم, وانه لو كان لهم إيمان مثل حبة خردل لكانت الطبيعة تطيعهم, ولو قالوا لجبل أن ينتقل من مكانه لأطاعهم, ولكن إيمانهم اقل من حبة خردل, لهذا فهم لا يستطيعون أن يقوموا بالأعمال التي كلفهم بها يسوع, وأما المعجزة فهي واضحة ولا تحتاج إلى تعليق.
- ثم دخلوا كفر ناحوم وللوقت دخل المجمع في السبت وصار يعلم .
وكان في مجمعهم رجل به روح نجس فصرخ قائلاً آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري أتيت لتهلكنا,
أنا أعرفك من أنت قدوس الإله,
فانتهره يسوع قائلاً اخرس واخرج منه. (مرقس1/21-28) و(لوقا4/31-35)
في هذه المعجزة نلاحظ التزام يسوع بعادات اليهود بالتعليم وقراءة أسفار العهد القديم أيام السبت, وظل ملتزماً بها مع بعض التجاوزات, ولكن ما أود الإشارة إليه هو قول الروح النجس ليسوع أنا أعرفك من أنت قدوس الإله, ورد يسوع عليه بقوله اخرس واخرج, فهذا الرد يحتمل أمرين الأول أن يسوع رفض ان يقول له الروح النجس انه قدوس الإله لأنه ليس كذلك, والثاني أن يسوع يُقرّ انه قدوس الإله ولكنه لا يحب أن يعلن ذلك الآن, وأنا الآن سأُوافق على أن يسوع يُقرّ انه قدوس الإله ولكنه لا يريد أو لا يحب أن يعلن ذلك, وننتظر لنرى إن كان موقفه سيتغير فيما بعد أم لا.
- ولما صار المساء اذ غربت الشمس قدّموا اليه جميع السُقماء والمجانين, فشفى كثيرين كانوا مرضى بامراض مختلفة واخرج شياطين كثيرة ولم يدع الشياطين يتكلمون لانهم عرفوه. (مرقس1/32-34)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بشفاء العديد من الناس ويُخرج الشياطين من أُناس آخرين, ولكنه لم يدع الشياطين يتكلمون, لأنهم عرفوه وهذا الموقف فيه إشارتين الأولى ان يسوع لا يحب أن يعرفه أحد بصفته الحقيقية وهي انه قدوس الإله, أي انه يخفي صفته الحقيقية عن تلاميذه وعن الناس الذين أُرسل لهم, والثانية ان الشياطين هم الذين يعرفون صفته ويحاولون إعلانها ولكنه يمنعهم.
- وعند غروب الشمس جميع الذين كان عندهم سقماء بأمراض مختلفة قدموهم إليه فوضع يديه على كل واحد منهم وشفاهم,
وكانت شياطين أيضاً تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الإله,
فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لانهم عرفوه انه المسيح. (لوقا4/40-41)
في هذه المعجزة, يقول لوقا إن الشياطين كانت تصرخ وتقول أن يسوع هو المسيح ابن الإله, ويسوع ينتهرهم ولا يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوا انه المسيح, وهذا يدل على أن الذي يُصرّح أن يسوع هو ابن الإله هم الأرواح النجسة الشياطين, وان يسوع ما زال مصرًاً على عدم السماح لهم بالتصريح بهذه المعلومة.
- ولما جاء الى العبر الى قرية الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً حتى لم يكن احد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق واذا هما قد صرخا قائلين ما لنا ولك يا يسوع ابن الإله,
أجئت الى هنا قبل الوقت لتعذبنا, وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى,
فالشياطين طلبوا اليه قائلين ان كنت تخرجنا فأذن لنا ان نذهب الى قطيع الخنازير,
فقال لهم امضوا, فخرجوا ومضوا الى قطيع الخنازير,
واذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف الى البحر ومات في المياه. (متّى8/28-32)
في هذه المعجزة يتكرر نفس الموقف السابق وهو أن الشياطين عندما ترى يسوع تبدأ بالصراخ والمناداة على يسوع انه ابن الإله ويطلبون منه أن لا يعذبهم, وباقي القصة واضحة.
- وجاءوا الى عبر البحر الى كورة الجدريين استقبله انسان به روح نجس كان مسكنه في القبور,
......
فلما رأى يسوع ركض وسجد له وصرخ بصوت عظيم وقال مالي ولك يا يسوع ابن الإله العلي,
استحلفك بالإله ان لا تعذبني,
(ثم أخرج الشياطين التي كانت فيه وأرسلها الى قطيع الخنازير فاندفع القطيع من الجرف الى البحر فاختنق في البحر),
ولما دخل السفينة طلب اليه الذي كان مجنوناً ان يكون معه , فلم يدعه يسوع بل قال له اذهب الى بيتك واهلك واخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك. (مرقس5/1-19) و (لوقا8/26-40)
هذه المعجزة كسابقاتها, وما أود الإشارة إليه هو أن الأرواح النجسة والشياطين ما زالت تصرخ وتقول كلما رأت يسوع انه هو ابن الإله.
- لانه كان قد شفى كثيرين حتى وقع عليه ليلمسه كل من فيه داء, والارواح النجسة حينما نظرته خرّت له وصرخت قائلة انك أنت ابن الإله,
وأوصاهم كثيراً ان لا يُظهروه. (مرقس3/10-11)
في هذه المعجزة يتكرر الموقف السابق, فالأرواح النجسة كلما نظرت يسوع كانت تصرخ وتقول له انك ابن الإله ويسوع يمنعهم, وهنا نأتي لتفصيل المسألة فهذه سبعة نصوص تخبرنا ان الأرواح النجسة أو الشياطين هي التي تقول وتصرّح بأن يسوع هو ابن الإله.
فهل الأرواح النجسة يمكن أن تقول الحقيقة وتكون صادقة؟!
وإذا كانت الأرواح النجسة والشياطين تقول الحقيقة فلماذا كان يسوع دائماً ينتهرها ولا يسمح لها بإظهار هذا القول؟!
الجواب على هذه الأسئلة يحتمل أحد أمرين لا ثالث لهما:
الاول أن يسوع يعلم إن الأرواح النجسة والشياطين تقول هذا الكلام كذباً وزوراً وإضلالا للناس, والذي جاء هو لإزالته من الناس, سواء بطرد الأرواح النجسة والشياطين من أجسادهم, أو من عقولهم وقلوبهم, وهو القائل تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الإله. (متّى22/29)
والثاني أنه يعلم ان الأرواح النجسة والشياطين تقول الحقيقة ولكنه لا يرغب بإظهارها, وهذا يؤدي للسؤال عن سبب خوف يسوع من إظهار كونه ابن الإله, وعما إذا كانت الأرواح النجسة عندها القدرة على إظهار الحقيقة أكثر من يسوع؟
وهنا قد يسأل سائل هل ذكرت الأناجيل أنسانا قال عن يسوع انه ابن الإله؟
والجواب نعم, فبطرس قال عن يسوع أنه ابن إله كما في النص التالي:
- فعندما سألهم يسوع وقال لهم وانتم من تقولون أني أنا,
فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الإله الحي,
فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا,
وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها,
وأُعطيك مفاتيح مملكة السماء,
فكل ما تربطه على الارض يكون مربوطاً في السماء, وكل ما تحله على الارض يكون محلولاً في السماء. (متّى16/15-19)
في هذا النص يقول بطرس ليسوع أنت المسيح ابن الإله الحي, ولم يكتف يسوع بالموافقة والقبول والرضا بما قاله بطرس بل أمره ببناء كنيسته على الصخرة, وان هذه الكنيسة لن تقوى عليها أبواب الجحيم, وزاده تكريماً بان جعل كل ما يقوله موافقاً عليه في السماء.
إن قراءة هذا النص كاملاً هو ما سوف يبين حقيقة هذا القول, لهذا سأقرأه كاملاً مرة ثانية, وهو كما يلي:
- فعندما سألهم يسوع وقال لهم وأنتم من تقولون اني أنا,
فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الإله الحي,
فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا,
وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها,
وأُعطيك مفاتيح مملكة السماء فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماء,
من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم,
فأخذه بطرس اليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب لا يكون لك هذا,
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان,
أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى16/22-23)
هذا هو النص كاملاً وكما نقرأ فانه بعد عدة أسطر من قول بطرس ليسوع انه ابن الإله كان يسوع يصف بطرس بالشيطان!
فكل من قال عن يسوع انه ابن الإله إما انه روح نجس وشيطان الجنس, أو كما هو هنا وصف يسوع لبطرس بشيطان كصفة وليس كجنس, ومن يدري لعل يسوع يقصد الجنس وليس الصفة!
- وفيما هما خارجان إذا إنسان اخرس مجنون قدموه إليه, فلما أخرج الشيطان تكلم الأخرس, فتعجب الجموع قائلين لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل. (متّى9/32-33)
- وكان يخرج شيطاناً وكان ذلك اخرس,
فلما أخرج الشيطان تكلم الاخرس, فتعجب الجموع. (لوقا11/14-15)
في هذه المعجزة نلاحظ تعجب الناس, حتى أنهم قالوا إن هذا لم يظهر في إسرائيل سابقا, وقول الجموع عن عدم ظهور هذا في إسرائيل من قبل, ليس صحيحاً لأنه يوجد قول ليسوع يقول فيه ان قضاة اليهود في ذلك الوقت كانوا يخرجون الشياطين كما في النصين التاليين:
- ان كنت أنا ببعلزبول أُخرج الشياطين,
فأبناوكم بمن يُخرجون,
لذلك هم يكونون قضاتكم. (متّى24/27)
- فان كنت أنا ببعلزبول أُخرج الشياطين,
فأبناؤكم بمن يُخرجون,
لذلك يكونون قضاتكم. (لوقا11/19)
في هذين النصين يقول يسوع ان قضاة اليهود كانوا يخرجون الشياطين, ولست أدري السبب الذي جعل متّى ينسب هذا القول لتلك الجموع, مع أن الكنائس المختلفة تقول ان الروح المقدس كان يسوق متّى وهو يكتب إنجيله!
معجزة شفاء امرأة بها روح ضعف
- وكان يُعلم في أحد المجامع في السبت,
واذا امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة وكانت منحنية ولم تقدر ان تنتصب البتة,
فلما رآها يسوع دعاها وقال لها يا امرأة انك محلولة من ضعفك ووضع عليها يديه ففي الحال استقامت ومجّدت الإله. (لوقا13/10-13)
في هذه المعجزة نرى موقف الناس العاديين فبعد أن شفا يسوع المرأة مجدت الإله.
معجزة شفاء مجنون أعمى وأخرس
- حينئذ أُحضر اليه مجنون أعمى وأخرس فشفاه,
حتى ان الاعمى الاخرس تكلم وابصر,
فبهت كل الجموع وقالوا ألعلّ هذا هو ابن داؤد. (متّى12/22-23)
في هذه المعجزة نرى أن الجموع بُهتوا وتساءلوا ألعلّ هذا هو ابن داؤد؟!
معجزة شفاء مجانين ومرضى دفعة واحدة
- ولما صار المساء قدموا اليه مجانين كثيرين فأخرج الأرواح بكلمة وجميع المرضى شفاهم,
لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا. (متّى8/16-17)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بإخراج الأرواح النجسة من الناس, ويشفي المرضى وهو أمر جيد, ولكن متّى لا يترك المعجزة تسير بشكل طبيعي, فيستشهد للتدليل على صحة المعجزة بالقول لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل هو أخذ أسقامنا وحمل إمراضنا, فما هي علاقة يسوع بقول إشعياء؟
ولو تساءل أحدهم وقال إذا كان هذا القول صحيحاً فلماذا يمرض أتباع الكنائس كباقي البشر, أليسوا هم مشمولين بهذا النص أم انه لا ينطبق عليهم؟ ولماذا؟
معجزات المشي على البحر وتسكين الأمواج والرياح
المعجزة الأُولى
- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه, واذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر, وكان هو نائماً,
فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين يا سيد نجّنا فاننا نهلك,
فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان,
ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم,
فتعجب الناس قائلين أي انسان هذا فان الرياح والبحر جميعا تطيعه. (متّى8/23-27)
في هذه المعجزة يأمر يسوع الرياح الشديدة بالسكون فتطيعه, ويأمر البحر الهائج بالهدوء فيطيعه, وهو أمر لا يعمله الإنسان العادي ولا يستطيعه, وهو من الأمور غير المألوفة, وهذا لا مشكل فيه, ولكن المشكل هو في موقف التلاميذ, فالتلاميذ خافوا من الغرق مع أنهم بمعية يسوع, الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس, فجاءهم الرد من يسوع ليعيدهم إلى صوابهم ويخبرهم أنهم بمعيته فلم الخوف! فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان, وهذا رد على قول يوحنا في النبوءة الأولى من أن التلاميذ آمنوا به!
وقد يقول قائل ان يسوع عندما وصف تلاميذه بقلة الإيمان إنما كانوا قبل أن يقول يوحنا في إنجيله أنهم آمنوا, ولكن بإلقاء نظرة على الفترة الزمنية التي قال يسوع فيها للتلاميذ أنهم قليلي إيمان في إنجيل متّى نجد أنه وصفهم بقلة الإيمان بعد أن رأوا المعجزات التالية:
1- شفاء أبرص من برصه. (متّى8/14)
2- شفاء غلام لقائد مئة من الفالج. (متّى8/5-13)
3- شفاء حماة بطرس من الحمى التي ألمّت بها. (متّى8/14-15)
4- إخراج أرواح شريرة من أُناس كثيرين وشفاء مرضى من أمراضهم. (متّى8/16-17)
وقبل هذه معجزة تحويل الماء إلى خمر التي قال يوحنا ان التلاميذ آمنوا على إثرها, واعتبر أنها أول المعجزات أو الآيات التي عملها يسوع!
فمسألة قلة إيمان التلاميذ بعد مشاهدتهم خمس معجزات لا أظن أن أحداً سيقول أنها أمر طبيعي!
وهذا الوصف بقلة الإيمان قد يتساهل المرء فيه, ولكن الأغرب منه هو ان هؤلاء التلاميذ حتى بعد أن شاهدوا المعجزة السادسة وهي تسكين الرياح وأمواج البحر, وهو أمر عظيم لا يمكن لإنسان أن يشاهد شبيهاً له إلا إذا عاش في زمن نبي أو رسول, كانت ردة فعلهم مزيداً من الاستغراب والشك بقولهم أي إنسان هذا فان الرياح والبحر جميعا تطيعه, فهم حتى بعد مشاهدتهم لهذه المعجزة ما زالوا غير عارفين من هو يسوع!
فإذا كان هذا هو حال التلاميذ من الشك وعدم معرفة صفة يسوع, مع أنهم كانوا معاينين له ومشاهدين لمعجزاته, فكيف الحال بمن جاء بعدهم, وهم لم يشاهدوا أي معجزة, هل يقولون أنهم أكثر إيماناً من التلاميذ, لهذا فهم لا يتعجبون مما يسمعونه من معجزات, وبالتالي فهم لا يسألون أي إنسان هذا فان الرياح والبحر جميعاً تطيعه؟
- فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في السفينة,
فحدث نوْء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب الى السفينة حتى صارت تمتلئ,
وكان هو في المؤخر, على وسادة نائماً,
فأيقظوه وقالوا يا معلم أما يهمُّك اننا نهلك,
فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت, ابكم,
فسكنت الريح وصار هدوء عظيم,
وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا,
كيف لا ايمان لكم,
فخافوا خوفاً عظيماً,
وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا,
فان الريح أيضاً والبحر يطيعانه. (مرقس4/36-41)
هذه المعجزة إن لم تكن نفس المعجزة السابقة فهي ثانية, ونرى فيها نفس الموقف من التلاميذ مع تغيير لبعض الألفاظ, فهنا يقول التلاميذ ليسوع أما يهمك اننا نهلك وهذا يدل على عدم معرفتهم وثقتهم بيسوع, الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس, فهم قلقون من إمكان هلاكهم ويسوع نائم على وسادة, لهذا أيقظوه من نومه وهم في عجلة من أمرهم خوفاً من الغرق!
ولكن عندما استيقظ يسوع وانتهر الريح والبحر وبّخهم على خوفهم وعدم إيمانهم فخافوا خوفاً عظيماً, ولكنهم لم يؤمنوا لأنهم كما قال يسوع عنهم ما بالكم لا إيمان لكم.
ومع هذا كله هل آمنوا بهذا الإنسان الذي خضعت الريح والبحر لأمره؟
الجواب كلا, بل ذهبوا يتساءلون فيما بينهم من هو هذا فان الريح أيضاً والبحر يطيعانه!
- وفي أحد الأيام دخل سفينة هو وتلاميذه,
فقال لهم لنعبر الى عبر البحيرة, فأقلعوا وفيما هم سائرون نام,
فنزل نوء ريح في البحيرة,
وكانوا يمتلئون ماء وصاروا في خطر,
فتقدّموا وأيقظوه قائلين يا معلم يا معلم اننا نهلك,
فقام وانتهر الريح وتموّج الماء فانتهيا وصار هدوء,
ثم قال لهم أين ايمانكم,
فخافوا وتعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا, فانه يأمر الرياح أيضاً والماء فتطيعه. (لوقا8/22-25)
هذا النص والنصان السابقان أظنها تتحدث عن قصة واحدة, إلا أن تكرارها يطلعنا على محادثة جديدة بين يسوع والتلاميذ, فهنا يقول لهم أين إيمانكم, ولكنه لم ينتظر جوابهم فهو يعرفهم فأجاب بنفسه عن هذا السؤال بالنصين السابقين, وهو قوله أنهم قليلي الإيمان, وإنهم لا إيمان لهم.
ولكن هل تغير موقف تلاميذ يسوع كما تغيرت أجوبته؟
كلا, فجواب التلاميذ ما زال كما هو من هو هذا, من هو يسوع, هذا السؤال يسأله التلاميذ الذين اختارهم ليكونوا رسله!
فإذا كان هذا حال التلاميذ, فكيف هو حال الكنائس المختلفة؟
وهل حدثت كل هذه الانشقاقات في الكنائس إلا لأنهم غير متفقين على صفات يسوع, ويسألون من هو هذا؟
المعجزة الثانية
هذه المعجزة حدثت بعد المعجزات السابقة وبعد االأُمور التالية:
1- إخراج الشياطين من المجنونين في كورة الجرجسيين. (متّى8/28-34)
2- وشفاء المفلوج الذي قال له مغفورة خطاياك. (متّى9/1-8)
3- وشفاء بنت رئيس بعد أن قالوا أنها ماتت. (متّى9/18-26)
4- شفاء أعميان. (متّى9/72-31)
5- إخراج شيطان من إنسان اخرس ومجنون. (متّى9/32-33)
6- إعطاء تلاميذه سلطاناً على أرواح نجسة أن يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف. (متّى10/1)
7- وشفاء رجل يده يابسة. (متّى12/9-13)
8- وشفاء مجنون أعمى أخرس. (متّى12/22-23)
9- وإطعام نحو خمسة ألاف رجلاً ما عدا النساء والأولاد من خمسة أرغفة وسمكتان.
(متّى14/14-21)
وبعد إطعام الطعام ألزم يسوع تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العبر حتى يصرف الجموع وحدثت المعجزة.
- وفي الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشياً على البحر,
فلما أبصره التلاميذ ماشياً على البحر, اضطربوا قائلين انه خيال ومن الخوف صرخوا,
فللوقت كلمهم يسوع قائلاً تشجعوا, أنا هو, لا تخافوا,
فأجابه بطرس وقال يا سيد ان كنت أنت هو فمرني أن آتي اليك على الماء,
فقال تعال,
فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي الى يسوع,
ولكن لما رأى الريح شديدة خاف,
واذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً يا رب نجّني,
ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به,
وقال له يا قليل الايمان لماذا شككت,
ولما دخلا السفينة سكنت الريح. (متّى14/25-33)
في هذه المعجزة يمشي يسوع على الماء متجهاً إلى سفينة التلاميذ بعد أن أطعم ألاف الناس وأشبعهم من خمسة أرغفة وسمكتين, والأغرب من المعجزة ذاتها هو موقف التلاميذ منها, فهم بعد أن رأوا كل المعجزات التي أشرت إليها, وبعد أن أعطاهم سلطاناً على إخراج الأرواح النجسة, نراهم يضطربون إذ رأوه ويظنونه خيالاً, لا بل إنهم صرخوا من الخوف, فإذا كانوا يصرخون من الخوف إذا رأوا خيالاً فكيف سيخرجون الأرواح النجسة, وهي بالتأكيد أكثر من خيال؟!
ثم نقرأ موقف بطرس أعظم التلاميذ, فهو عندما سمع يسوع يُطمئنهم ويُشجّعهم ويقول لا تخافوا أنا هو, يقرر بطرس أن يختبر إيمانه بيسوع فيطلب منه أن يمشي على البحر فيأمره يسوع بالنزول وما أن تلمس قدماه الماء حتى يبدأ بالصراخ ويقول يا رب نجني!
وبعد أن ينقذه يسوع من الغرق يوبخه ويقول له يا قليل الإيمان لماذا شككت, ولست أدري لماذا هذا التلازم بين بطرس والشكّ في كل علاقته بيسوع, وعلام يدل, مع العلم أن بطرس دائماً يتصدى لأخذ المبادرات باعتباره أكثر التلاميذ إيمانًا؟!
ومرقس ذكر القصة قائلاً:
- فلما رأوه ماشياً على البحر ظنوه خيالاً فصرخوا,
لأن الجميع رأوه واضطربوا,
وقال لهم ثقوا أنا هو لا تخافوا, فصعد اليهم الى السفينة فسكنت الريح, فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً الى الغاية,
لانهم لم يفهموا بالأرغفة,
اذ كانت قلوبهم غليظة. (مرقس6/45-52)
وهنا يزيد مرقس بيان حقيقة إيمان التلاميذ, بقوله إن التلاميذ عندما خافوا وصرخوا واضطربوا كانت قلوبهم غليظة لأنهم لم يفهموا بالأرغفة.
وأنا أزيد عليه وأقول إنهم لم يفهموا بالأرغفة فقط بل ولم يفهموا بخمسة عشر معجزة مشار إليها سابقاً ومع هذه تكون ستة عشر معجزة.
فإذا كانت قلوبهم غليظة إلى الآن, فمتى سنرى قلوبهم رقيقة مطمئنة بالإيمان؟
ويوحنا يكتب عنها في إنجيله كما في النص التالي:
- فلما كانوا قد جدفوا خمس وعشرين غلوة أو ثلاثين غلوة نظروا يسوع ماشياً على البحر مقترباً من السفينة فخافوا,
فقال لهم أنا هو لا تخافوا,
فرضوا ان يقبلوه في السفينة وللوقت صارت السفينة الى الارض التي كانوا ذاهبين اليها.(يوحنا6/16-21)
في هذا النص نجد أن يوحنا يؤكد خوف التلاميذ, وهو منهم, عندما رأوا يسوع ماشياً على الماء!
معجزات إطعام آلاف الناس بالقليل من الطعام
تتحدث الأناجيل الأربعة عن معجزة إطعام يسوع لأُناس كثيرين في ستة مواضع وأظنها حدثت مرتين ولكنني سأذكرها جميعاً باعتبارها منفصلة عن بعضها البعض لدراسة النصوص وما تحتويه من مسائل.
- ولما صار المساء تقدم اليه تلاميذه قائلين ان الموضع خلاء والوقت قد مضى, اصرف الجموع لكي يمضوا الى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً,
فقال لهم يسوع لا حاجة لهم أن يمضوا, أعطوهم أنتم ليأكلوا,
فقالوا له ليس عندنا ههنا الا خمسة أرغفة وسمكتان,
فقال ائتوني بها الى هنا,
فأمر الجموع أن يتكئوا على العشب ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين,
ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسّر,
وأعطى الأرغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع,
فأكل الجميع وشبعوا,
ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة,
والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل ما عدى النساء والأولاد,
وبعدما صرف الجموع صعد الى الجبل منفرداً ليصلي. (متّى14/15-21)
في هذا النص نلاحظ أن يسوع قبل قيامه بالمعجزة رفع نظره نحو السماء, فلماذا رفع يسوع نظره؟
ومن شكر عندما رفع نظره؟
إن هذا الفعل من يسوع يدل بشكل واضح على أنه لا يعرف شيئاً عن قوانين إيمان الكنائس التي تقول عنه انه إله وابن إله والأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر, إلا إذا قلنا ان الأقانيم الثلاثة الحالة في جسده عندما تريد أن تعمل عملاً فإنها تنظر إلى السماء وتطلب المساعدة, كما حدث مع يسوع عندما أمضى الليل وهو يُصلي كي لا يصلب وعندما فشلت هذه الصلاة في الاستجابة له صرخ وهو مصلوب إلى إلهه فقال إلهي إلهي لماذا تركتني, فيسوع في هذه المعجزة نظر إلى السماء وعندما استجاب له إلهه شكره, وان لم يوضح لنا متّى ماذا قال عندما شكر, إلا أنه بعدها بدأ في تنفيذ المعجزة, وعند انتهاء المعجزة صعد إلى الجبل وحده ليصلي, وهنا أيضاً لم يوضح لنا متّى لماذا صلى, ولمن صلى؟!
ولكنني أعتقد أنه صلى لإلهه ليشكره على الاستجابة له في إطعام الموجودين من هذا الطعام القليل, وهو ما يؤكد أن يسوع لم يسمع بقوانين إيمان الكنائس, وهي التي لم تكتب إلا بعد صعوده الى السماء بمئات السنين.
- وأما يسوع فدعا تلاميذه وقال اني أُشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون,
ولست أُريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق,
فقال له تلاميذه من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار حتى يشبع جمعاً هذا عدده,
فقال لهم يسوع كم عندكم من الخبز,
فقالوا سبعة وقليل من صغار السمك,
فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض, وأخذ السبع خبزات والسمك وشكر وكسّر وأعطى تلاميذه والتلاميذ أعطوا الجمع,
فأكل الجميع وشبعوا,
ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة,
والآكلون كانوا أربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد. (متّى15/32-38)
في هذا النص يتحدث متّى عن معجزة ثانية ليسوع بإطعام أربعة آلاف رجل من طعام قليل, ولكن ما يلفت الانتباه هنا, وهو ما يبطل قوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن وجود أقانيم ثلاثة, هو قوله انه يشفق على هؤلاء لأنهم لم يأكلوا منذ ثلاثة أيام ولا يوجد معه طعام ليطعمهم وهذا الكلام لا يقوله إلا إنسان يتعامل مع الأُمور المادية كما هي, الطعام موجود الناس تأكل, الطعام غير موجود الناس لا تأكل, وهو أمر طبيعي فهذا تصرف كل الناس في مثل هذا الموقف, ولكنه ليس عمل خالق السموات والأرض سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون, فعندما أخرج الرب خالق السموات والأرض بني إسرائيل من مصر ظل أربعين سنة يطعمهم ويسقيهم وحتى لم تبلى ملابسهم, وأظن أن الفرق واضح دون الدخول في تفصيل الأمر.
وكذلك قول التلاميذ من أين لهم في البرية ما يُطعمون هؤلاء الناس, فهذا القول يدل على عدم معرفتهم بقوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن حلول ثلاثة أقانيم في جسد يسوع فلو كانوا عالمين, فضلاً عن أن يكونوا مؤمنين, لما قالوا من أين لهم ما يُطعم هذا الجمع من الناس وهم بحضرة الجسد الحالة فيه ثلاثة أقانيم متحدة مع بعضها البعض ومن نفس الجوهر, هذا إذا كانت موجودة أصلاً, وهم ليسوا بموجودين!
- فلما خرج يسوع رأى جمعاً كثيراً فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدأ يُعلمهم كثيراً, وبعد ساعات كثيرة تقدم اليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء والوقت مضى, اصرفهم لكي يمضوا الى الضياع والقرى حوالينا ويبتاعوا لهم خبزاً, لأن ليس عندهم ما يأكلون,
فأجاب وقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا,
فقالوا له أنمضي ونبتاع خبزاً بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا,
فقال لهم كم رغيف عندكم, اذهبوا وانظروا,
ولما علموا قالوا خمسة وسمكتان,
فأمرهم أن يجعلوا الجميع يتكئون رفاقا ًرفاقاً على العشب,
فاتكئوا صفوفاً صفوفاً مئة مئة وخمسين خمسين,
فأخذ الأرغفة الخمسة ورفع نظره الى السماء وبارك,
وكسّر الأرغفة وأعطى تلاميذه ليقدموا اليهم, وقسّم السمكتين للجميع,
فأكل الجميع وشبعوا,
ثم رفعوا من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة ومن السمك,
وكان الذين أكلوا من الأرغفة نحو خمسة آلاف رجل,
وللوقت ألزم تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوا الى العبر الى بيت صيدا حتى يكون قد صرف الجمع,
وبعدما ودعهم مضى الى الجبل ليُصلي. (مرقس6/34-46)
في هذه القصة يتحدث مرقس عن يسوع وكأنه لا علاقة له بقوانين إيمان الكنائس وما كتب فيها, فتلاميذه يطلبون منه أن يصرف الناس لأنه لا يوجد طعام, ويسوع يرفع نظره إلى السماء ويبارك الخبز, وبعد إتمام المعجزة يصعد إلى الجبل ليصلي ويشكر من استجاب له؟!
ويكتب مرقس عن معجزة إطعام الطعام مرة ثانية كما في النص التالي:
- في تلك الأيام اذ كان الجمع كثيراً جداً ولم يكن لهم ما يأكلون دعا يسوع تلاميذه وقال لهم اني أُشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون, وان صرفتهم الى بيوتهم صائمين يخورون في الطريق,
لأن قوماً منهم جاءوا من بعيد,
فأجابه تلاميذه من أين يستطيع أحد أن يُشبع هؤلاء خبزاً هنا في البرية,
فسألهم كم عندكم من الخبز,
فقالوا سبعة,
فأمر الجمع أن يتكئوا على الأرض,
وأخذ السبع خبزات وشكر وكسّر,
وأعطى تلاميذه ليقدموا, فقدموا الى الجميع, وكان معهم قليل من صغار السمك, فبارك وقال أن يُقدموا هذه أيضاً,
فأكلوا وشبعوا, ثم رفعوا فضلات الكسر سبعة سلال,
وكان الآكلون نحو أربعة آلاف, ثم صرفهم. (مرقس8/1-9)
وهذه كسابقاتها, التلاميذ يقولون انه لا يوجد أحد يستطيع أن يُطعم الناس في البرية, ونسوا أن يقولوا إلا الرب الذي أطعم بني إسرائيل في البرية أربعين سنة, وهذا يدل على قلة إيمانهم كما قال عنهم يسوع نفسه في نصوص سابقة!
ثم يأخذ يسوع الخبز ويشكر ثم تبدأ المعجزة وتنتهي بإطعام الجمع.
ولوقا ذكر معجزة إطعام الناس فقال:
- فابتدأ النهار يميل فتقدم الاثنا عشر وقالوا له اصرف الجمع ليذهبوا الى القرى والضياع حوالينا فيبيتوا ويجدوا طعاماً لأننا ههنا في موضع خلاء,
فقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا,
فقالوا ليس عندنا أكثر من خمسة أرغفة وسمكتين, الا أن نذهب ونبتاع طعاماً لهذا الشعب كله,
لأنهم كانوا نحو خمسة آلاف رجل,
فقال لتلاميذه أتكئوهم فرقاً خمسين خمسين,
ففعلوا هكذا واتكأوا الجميع,
فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين,
ورفع نظره نحو السماء,
وباركهن ثم كسّر وأعطى التلاميذ ليقدموا للجمع,
فأكلوا وشبعوا جميعاً ثم رُفع ما فضل عنهم من الكسر اثنتا عشرة قفة. (لوقا9/10-17)
في هذا النص كتب لوقا ان يسوع رفع نظره إلى السماء وبارك الخبز وينهي قصته بإشباع الموجودين في ذلك الوقت.
ويوحنا كتب قصته عن المعجزة فقال:
- بعد هذا مضى يسوع الى عبر بحر الجليل وهو بحر طبرية وتبعه جمع كثير لأنهم أبصروا آياته التي كان يصنعها في المرضى,
فصعد يسوع الى الجبل وجلس هناك مع تلاميذه, وكان الفصح عيد اليهود قريباً, فرفع يسوع عينيه ونظر أنّ جمعاً كثيراً مقبل اليه فقال لفيلبس من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء,
وانما قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل,
أجابه فيلبس لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً,
قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان,
ولكن ما هذا لمثل هؤلاء,
فقال يسوع اجعلوا الناس يتكئون,
وكان في المكان عشب كثير,
فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف,
وأخذ يسوع الأرغفة وشكر,
ووزع على التلاميذ والتلاميذ أعطوا المتكئين,
وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا,
فلما شبعوا قال لتلاميذه اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء,
فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين,
فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا ان هذا بالحقيقة النبي الآتي الى العالم,
وأما يسوع فاذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً الى الجبل وحده. (يوحنا6/1-15)
هذه القصة في سياقها العام لا تختلف عن مثيلاتها السابقة, ولكن لو أمعنا النظر فيها لوجدنا أن يوحنا قام بتوضيح وتبيين مسألتين لم توضحا فيما سبق, الأولى وهي السبب في طلب يسوع من تلاميذه أن يطعموا الجموع كما قال متّى فقال لهم يسوع لا حاجة لهم أن يمضوا, أعطوهم أنتم ليأكلوا, وكما قال مرقس فأجاب وقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا, وكما كتب لوقا فقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا, فهنا يقول يوحنا إن يسوع طلب منهم هذا ليمتحنهم ويرى مدى إيمانهم وان خصّ يوحنا في قصته فيلبس وأندراوس, فهل نجح التلاميذ في هذا الامتحان؟
لم تخبرنا النصوص السابقة عن هذا ولكن متّى ومرقس قالا في إنجيليها:
- ولما جاء تلاميذه إلى العبر نسوا أن يأخذوا خبزاً,
وقال لهم يسوع انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين,
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً,
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الأيمان إنكم لم تأخذوا خبزاً,
أحتى ألآن لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم,
ولا سبع خبزات الأربعة وكم سلا أخذتم,
كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين. (متّى16/5-11)
في هذا النص يصف يسوع تلاميذه بقلة الإيمان وعدم الفهم وأنهم لم يؤمنوا به حتى بعد أن رأوا المعجزات.
- فلما رأوه ماشياً على البحر ظنوه خيالاً فصرخوا,
لأن الجميع رأوه واضطربوا,
وقال لهم ثقوا انا هو لا تخافوا, فصعد اليهم الى السفينة فسكنت الريح, فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً الى الغاية,
لانهم لم يفهموا بالارغفة, اذ كانت قلوبهم غليظة. (مرقس6/45-52)
وفي هذا النص يصف مرقس التلاميذ بغلاظ القلوب وأنهم لم يكونوا يفهمون معنى المعجزات وباقي الصفات لا تحتاج إلى شرح!
- وأوصاهم قائلاً انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس,
ففكروا قائلين بعضهم لبعض ليس عندنا خبز,
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون أن ليس عندكم خبز,
ألا تشعرون بعد,
ولا تفهمون,
أحتى ألآن قلوبكم غليظة,
ألكم أعين ولا تبصرون,
ولكم آذان ولا تسمعون,
ولا تذكرون حين كسرت الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف كم قفة مملوءة كسرا رفعتم, قالوا له اثنتي عشرة, وحين السبعة للأربعة الآلاف كم سل كسر مملوءة رفعتم قالوا له سبعة,
فقال لهم كيف لا تفهمون. (مرقس8/15-21)
وهذه الصفات التي وصف بها يسوع تلاميذه تغني عن أي شرح.
ولكن يوحنا تحدث عن موقف فيلبس وأندراوس في اختبار يسوع لهما وكان موقفهما كموقف باقي التلاميذ في قلة الإيمان بيسوع سواء كمسيح أو كما تقول عنه قوانين إيمان الكنائس المختلفة.
فالأول قال لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً, وهذا لا يدل على معرفته بصفة يسوع فضلاً عن الإيمان به, ونسي فيلبس انه من تلاميذ يسوع المسيح الذي قال عنه لنثنائيل ما يلي:
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة,
فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح,
قال له فيلبس تعال وانظر. (يوحنا1/45-46)
مع العلم أنه لا يوجد نص في العهد القديم كله يقول يسوع بن يوسف الذي من الناصرة!!
وأما أندراوس فقال: هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان, ولكن ما هذا لمثل هؤلاء, فهو غير مؤمن بقدرة يسوع على فعل المعجزات مع أنه هو وباقي التلاميذ كانوا قد شاهدوا عشرات المعجزات كما أوضحت سابقاً, وكان يسوع قبل هذه المعجزة قد أعطاهم السلطان على إخراج الشياطين, ولكن كما قال اندراوس ما هذه المعجزات لمثل هؤلاء التلاميذ!
والمسألة الثانية التي قام يوحنا بتوضيحها هي موقف الناس الذين أكلوا ثمرة تلك المعجزة فقال: فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم,
وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده, وهنا نجد أن الجموع ظنت أن يسوع هو النبي الآتي إلى العالم, أي المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم الذي يملك العالم ولا يكون لملكه نهاية فحاولوا أن يعلنوا قيام مملكته وتنصيبه ملكاً عليهم, ولكن يسوع ينصرف إلى جبل وحده ولا يُعلن أنه المسيح الذي بشرت به أسفار العهد القديم والذي يملك على العالم ولا يكون لملكه نهاية كما قالت أسفار العهد القديم!
معجزات إبصار العميان
معجزة شفاء أعميان جالسان على الطريق
- فلما سمعا ان يسوع يجتاز من أريحا الى أُورشليم فصرخا قائلين ارحمنا يا ابن داؤد, فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت ابصرت اعينهما فتبعاه. (متى20/29-34)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بإعادة البصر لرجلين, واللافت في القصة هي مناداة الأعميان ليسوع بابن داؤد وليس كما كانت الشياطين تناديه بابن الإله, وهذا ما سيستمر بالظهور معنا في كل معجزاته التي عملها مع البشر, بخلاف ما كنا نقرأه عن الأرواح النجسة والشياطين التي كانت تناديه بابن الإله, وهو أمر جدير بالملاحظة.
معجزة شفاء بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس
- ولما اقترب من أريحا كان أعمى جالساً على الطريق يستعطي, فلما سمع الجمع مجتازاً سأل ما عسى أن يكون هذا, فأخبروه أن يسوع الناصري مجتاز, فصرخ قائلاً يا يسوع ابن داؤد ارحمني, فانتهره المتقدمون ليسكت, أما هو فصرخ أكثر كثيراً يا ابن داؤد ارحمني,
فوقف يسوع وأمر أن يتقدم إليه, ولما اقترب سأله قائلاً ماذا تريد أن أفعل بك, فقال يا سيد أن أُبصر,
فقال له يسوع أبصر, إيمانك قد شفاك,
وفي الحال أبصر وتبعه وهو يمجد الإله, وجميع الشعب إذ رأوا سبحوا الإله. (لوقا18/35-43) وذكرها مرقس وذكر فيها اسم الأعمى. (مرقس10/46-52)
في هذه المعجزة نقرأ أن بارتيماوس الأعمى ينادي يسوع بابن داؤد كما في المعجزة السابقة, ويخبرنا لوقا انه تبع يسوع وهو يمجد الإله وجميع الشعب إذ رأوا المعجزة سبحوا الإله, وهو ما يشير إلى أن الشعب كان يؤمن ان هذه المعجزة ما كانت لتتم لولا أن الرب أعطى يسوع القدرة على صنعها, وان الفاعل الحقيقي والقادر على صنع المعجزات هو الرب, ويسوع إنما ينفذ قدر الرب, لهذا سبح الشعب الرب وليس يسوع.
معجزة شفاء أعميان
- وفيما يسوع مجتاز من هناك تبعه أعميان يصرخان ويقولان ارحمنا يا ابن داؤد,
فقال لهما يسوع أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا,
قالا نعم,
حينئذ لمس أعينهما قائلاً بحسب إيمانكما ليكن لكما, فانفتحت أعينهما,
فانتهرهما يسوع قائلاً انظرا لا يعلم أحد. (متى9/27-30)
في هذا النص نقرأ ذات الموقف من الأعميان, إذ يناديان يسوع بابن داؤد, ولكن الغريب أن يسوع ينتهرهما ويأمرهما بأن لا يعلم أحد من هو الذي أعاد لهما بصرهما!
معجزة شفاء إنسان ولد أعمى يوم سبت
- وتفل على الأرض وصنع طيناً وطلا بالطين عيني الأعمى وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام فمضى واغتسل وأتى بصيراً,
ولما سأل اليهود الأعمى ماذا تقول أنت عنه من حيث انه فتح عينيك,
فقال انه نبي. (يوحنا9/ 1-17)
في هذه المعجزة نقرأ أن ذلك الأعمى يجيب اليهود عندما سألوه عمن فتح عينيه انه نبي, وفي هذا إشارة الى نظرة الناس إلى يسوع كنبي وليس كما تقول قوانين إيمان الكنائس التي لم يكونوا قد سمعوا بها.
معجزة شفاء أعمى في بيت صيدا
- وجاء الى بيت صيدا فقدموا اليه أعمى وطلبوا ان يلمسه,
فأخذ بيد الأعمى وأخرجه الى خارج القرية,
وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وسأله هل أبصَرَ شيئاً,
فتطلع وقال أُبصر الناس كأشجار يمشون,
ثم وضع يديه أيضاً على عينيه وجعله يتطلع فعاد صحيحاً وأبصر كل انسان جلياً,
فأرسله الى بيته قائلاً لا تدخل القرية ولا تقل لأحد في القرية. (مرقس8/22-26)
في هذه المعجزة يتكرر موقف يسوع بعدم الإعلان عن معجزاته, ولكنه يزيد الأمر صعوبة بمنع ذلك الأعمى حتى من العودة إلى أهله وقريته!
معجزة شفاء أصمّ وأعقد
- وجاءوا اليه بأصم وأعقد وطلبوا اليه أن يضع يده عليه,
فأخذه من بين الجمع على ناحية ووضع أصابعه في اذنيه وتفل ولمس لسانه,
ورفع نظره نحو السماء وأنّ (من الأنين) وقال له افّثا أي انفتح,
وللوقت انفتحت أُذناه وانحل رباط لسانه وتكلم مستقيماً,
فأوصاهم أن لا يقولوا لأحد,
ولكن على قدر ما أوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيراً. (مرقس7/21-27)
في هذه المعجزة نقرأ أن يسوع قام بإعادة السمع والنطق لذلك الرجل الأصم والأعقد, ولكنه لم يعيدهما بكلمة, بل قام بوضع أصابعه في أُذني الرجل ولمس لسانه وتفل, والأهم من هذا هو أنه رفع نظره الى السماء وبدأ بالأنين!
فلماذا رفع يسوع نظره وأنّ ليشفي هذا الرجل؟
وفي هذا المعجزة أيضاً نقرأ حرص يسوع على عدم إظهار أنه هو من قام بعملها بقوله فأوصاهم أن لا يقولوا لأحد, وهو أمر لم نسمع به في العهد القديم عن أنبياء بني إسرائيل عندما كانوا يعملون المعجزات, وخصوصاً موسى وهو يواجه فرعون مصر.
والأغرب من إخفاء يسوع لمعجزاته ورسالته, هو أن إخوة يسوع الذين لم يكونوا مؤمنين به كما تقول الأناجيل استنكروا عليه هذا التصرف, كما في النص التالي:
- وكان عيد المظال قريباً,
فقال له إخوته انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية لكي يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التي تعمل,
لأنه ليس أحد يعمل شيئاً في الخفاء وهو يريد أن يكون علانية,
ان كنت تعمل هذه الأشياء فأظهر نفسك للعالم. (يوحنا7/2-4)
فهذا النص يدل على أن حرص يسوع على إخفاء نفسه كان يواجه باستغراب حتى من إخوته كما تقول الأناجيل, وكان يواجه بالرفض من قبل الناس الذين عمل بهم معجزاته أو ممن شاهده يعمل تلك المعجزات كما في هذه المعجزة فأوصاهم أن لا يقولوا لأحد, ولكن على قدر ما أوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيراً, لأن من يعمل هذه المعجزات يُفترض به أن لا يخاف من أحد حتى يخفي نفسه, ولكن يسوع لم يكن موافقاً على هذا الرأي!
معجزات تطهير البُرص
- ولما نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة, واذا أبرص قد جاء وسجد له قائلاً يا سيد ان أردت تقدر ان تطهرني, فمد يسوع يده ولمسه قائلاً أُريد فاطهر, وللوقت طهر برصه,
فقال له يسوع انظر ان لا تقول لأحد,
بل اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم. (متّى8/1-4)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بتطهير رجلاً أبرصاً من برصه, كما نرى أنه ما يزال يخفي نفسه, ولا يُظهر انه هو من يعمل المعجزات, بقوله لذلك الأبرص انظر أن تقول لأحد بل اذهب وأرِ نفسك للكاهن وقدّم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم, ولا أود هنا تكرار ما قلته سابقاً عن السبب الذي كان يدفع يسوع لهذا الموقف, ولكن ألا يحق لنا جميعا أن نسأل هل كان يسوع يحسّ أو يدرك ما تصفه به قوانين إيمان الكنائس وهو يقوم بهذه المحاولات المتكررة لإخفاء نفسه ومعجزاته؟!
- فأتى اليه أبرص يطلب اليه جاثياً وقال ان أردت تقدر أن تطهرني,
فتحنن يسوع ومد يده ولمسه وقال أُريد فاطهر,
فللوقت وهو يتكلم ذهب عنه البرص وطهر,
فانتهره وأرسله للوقت,
وقال له انظر لا تقل لأحد شيئاً,
بل اذهب أر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم,
أمّا هو فخرج وابتدأ ينادي كثيراً ويذيع الخبر,
حتى لم يعد يقدر ان يدخل مدينة ظاهراً بل كان خارجاً في مواضع خالية, وكانوا يأتون اليه من كل ناحية. (مرقس1/40-45)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بتطهير رجلاً آخر من البرص, وكما هي عادته بإخفاء معجزاته قال للرجل أن لا يقول لأحد شيئاً عنه, وأمره بان يذهب للكاهن وان يقدم القربان كما أمر موسى كي يظن الناس انه تطهر حسب شريعة موسى, وليس بمعجزة, ولكن ذلك الرجل لم يطع يسوع الذي طهّره من البرص, بل ابتدأ ينادي كثيرا ويذيع الخبر, مما اضطر يسوع, الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر, أن يظل خارج المدن في مواضع خالية ولم يعد باستطاعته أن يدخل أي مدينة ظاهراً حتى أنهم كانوا يأتون إليه في تلك المواضع الخالية.
معجزة شفاء عشرة رجال برص في وسط السامرة والجليل
- فوقفوا من بعيد ورفعوا صوتاً قائلين يا يسوع يا معلم ارحمنا,
فنظر وقال لهم اذهبوا وأروا انفسكم للكهنة,
وفيما هم منطلقون طهروا,
فواحد منهم لما رأى انه شفي رجع يمجد الإله بصوت عظيم,
وخرّ على وجهه عند رجليه شاكراً له, وكان سامرياً,
فأجاب يسوع وقال أليس العشرة قد طهروا, فأين التسعة,
ألم يوجد من يرجع ليعطي مجداً للإله غير هذا الغريب الجنس ثم قال له قم وامض ايمانك خلصك. (لوقا17/11-19)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بتطهير عشرة رجال من البرص, وتقول القصة إن هؤلاء عندما ذهبوا من عنده لم يعد أحد منهم سوى رجل سامري رجع ليمجد الإله, وشكر يسوع على عمله, ونلاحظ أن ذلك السامري قام بعملين الأول تمجيد الإله القادر على كل شيء حتى تطهير البرص, والثاني شكر يسوع الذي جعل الإله على يديه أن يتم التطهير.
وفي هذه المعجزة نرى ان يسوع يعتبر نفسه يهودياً, ويفصل بين اليهود وغيرهم بقوله عن السامري غريب الجنس وهو وان كان إيحاء خفياً إلا أننا سنراه جلياً بعد قليل.
معجزة شفاء مفلوج بعد أن قال له مغفورة لك خطاياك
- فدخل السفينة واجتاز وجاء الى مدينته,
واذا مفلوج يقدمونه اليه مطروحاً على فراش,
فلما رأى يسوع ايمانهم قال للمفلوج ثق يا بني مغفورة لك خطاياك,
واذا قوم من الكتبة قد قالوا في انفسهم هذا يجدف فعلم يسوع أفكارهم فقال لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم,
أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك أم يقال قم وامش,
ولكن لكي تعلموا ان لابن الانسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا,
حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب الى بيتك, فقام ومضى الى بيته,
فلما رأى الجموع تعجبوا ومجّدوا الإله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا. (متّى9/1-8)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بشفاء رجلاً مفلوجاً, كما نراه يحاول أن يظهر بعض صفاته بقوله للمفلوج قبل أن يشفيه ثق يا بني مغفورة لك خطاياك, مما استفز بعض الكتبة فقالوا عنه انه يقول كلمات تجديف لان من يغفر الذنوب هو الرب, فيرد يسوع عليهم بقوله أيما أيسر أن يقال مغفورة خطاياك أم يقال قم وامش.
وأنا أقول إن قول مغفورة خطاياك أيسر من أن يُشفى المفلوج!
لأننا نرى ونسمع رؤساء الكنائس منذ أكثر من تسعة عشر قرناً يقولون لأتباعهم مغفورة خطاياكم, ولم نجد أيّاً منهم عنده القدرة على شفاء المفلوجين أو غيرهم من المرضى إلا باستخدام الوسائل الطبية, لا بل ان الكنيسة الكاثوليكية كانت تقوم ببيع صكوكاً لغفران الخطايا مقابل الذهب والفضة مما حدا بكثير من الرهبان أن يثوروا على هذا التقليد وعصيان أوامرها, وهذا أدى إلى خلق حروب كثيرة على مدى عدة قرون, أدت إلى مقتل ملايين البشر!
كما نلاحظ موقف الناس عندما رأوا أن المفلوج قد شفي, فلما رأى الجموع تعجبوا ومجّدوا الإله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا, فكما نرى أنهم مجدوا الإله الذي أعطى الناس سلطاناً, وهنا لا بد من ملاحظة أن هذا السلطان معطى ليسوع وليس لكل الناس فيفهم من قولهم أنهم مجّدوا الإله لأنه أعطى يسوع سلطاناً كي يشفي المرضى والمفلوجين, فهم يعتبرون أن هذه المعجزات إنما هي من الإله, ولكنها تأتي على يد يسوع وهذا فرق واضح بين المُعطي والآخذ, وليس كما كانت تقول الأرواح النجسة والشياطين انه ابن الإله كما مرّ معنا سابقاً.
معجزة شفاء مفلوج
- وجاءوا اليه مقدمين مفلوجاً يحمله أربعة,
واذ لم يقدروا ان يقتربوا اليه من أجل الجمع, كشفوا السقف حيث كان وبعدما نقبوه دلّوا السرير الذي كان المفلوج مضطجعاً عليه,
فلما رأى يسوع ايمانهم قال للمفلوج يا بني مغفورة لك خطاياك,
قال للمفلوج لك أقول قم واحمل سريرك واذهب الى بيتك,
فقام للوقت وحمل السرير وخرج قدّام الكل,
حتى بهت الجميع ومجدوا الإله قائلين ما راينا مثل هذا قط. (مرقس2/3-12)
- وفي أحد الايام كان يعلم,
واذا برجال يحملون على فراش انسان وكانوا يطلبون أن يدخلوا به ويضعوه امامه,
ولما لم يجدوا من أين يدخلون به لسبب الجمع,
صعدوا على السطح ودلوه مع الفراش من بين الآجر الى الوسط قدّام يسوع,
فلما رأى ايمانهم قال له أيها الانسان مغفورة لك خطاياك,
فابتدأ الكتبة والفريسيون يفكرون قائلين من هذا الذي يتكلم بتجاديف,
من يقدر ان يغفر خطايا الا الإله وحده,
فشعر يسوع بافكارهم وأجاب وقال لهم ماذا تفكرون في قلوبكم,
أيما أيسر ان يقال مغفورة لك خطاياك أم يقال قم وامش,
ولكن لكي تعلموا ان لابن الانسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج أقول قم واحمل فراشك واذهب الى بيتك,
ففي الحال قام أمامهم وحمل ما كان مضطجعا عليه ومضى الى بيته وهو يمجد الإله,
فأخذت الجميع حيرة, ومجّدوا الإله,
وامتلئوا خوفا قائلين إننا قد رأينا اليوم عجائب. (لوقا5/17-26)
في هذه المعجزة نقرأ أن يسوع قام بشفاء رجلاً مفلوجاً, وهي تشبه المعجزة السابقة في موقف الناس بتمجيد الإله, ولكن ما يلفت الانتباه هو طريقة دخول المفلوج بثقب سقف البيت من كثرة الجموع وبعد أن شفاه يسوع أمره أن يحمل سريره ويذهب للبيت, فهل خرج ذلك المفلوج من الفتحة التي فتحت بالسقف لأجل الجمع أم خرج من الباب على الرغم من كثرة الجموع؟!
معجزة شفاء ابن قائد المائة المفلوج
- ولما دخل يسوع كفر ناحوم جاء إليه قائد مئة يطلب إليه ويقول يا سيد غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً,
فقال له يسوع أنا آتي واشفيه,
فأجاب قائد المئة وقال يا سيد لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي, ولكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي,
ثم قال لقائد المئة اذهب وكما آمنت ليكن لك,
فبرأ الغلام في تلك الساعة. (متى8/5-13)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بشفاء المفلوج بكلمة منه, وهي واضحة ولا تحتاج الى تعليق.
معجزة شفاء رجل يده يابسة في السبت
- ثم انصرف من هناك وجاء الى مجمعهم,
واذا انسان يده يابسة,
فسألوه هل يحلّ الابراء في السبت, لكي يشتكوا عليه,
فقال لهم اي انسان منكم يكون له خروف واحد فان سقط في السبت في حفرة أفما يمسكه ويقيمه,
فالانسان كم هو أفضل من الخروف,
اذاً يحلّ فعل الخير في السبوت,
ثم قال للانسان مدّ يدك فمدها, فعادت صحيحة كالاخرى.(متّى12/6-13) و(مرقس3/1-6) و(لوقا6/6-11)
في هذه المعجزة يشفي يسوع رجلاً كانت يده يابسة, مع وقوع مجادلات بينه وبين اليهود حول السبت وهل يجوز الإبراء فيه.
معجزة شفاء رجل مستسق
- وإذا إنسان مستسق كان قدامه, فأجاب يسوع وكلم الناموسيين والفريسيين قائلاً هل يحل الإبراء في السبت, فسكتوا,
فأمسكه وأبرأه وأطلقه,
ثم أجابهم وقاللل من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالاً في يوم السبت, فلم يقدروا أن يُجيبوه عن ذلك. (لوقا14/1-4)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بشفاء رجلا مستسق في يوم السبت, وهو عادة ما يثير حفيظة اليهود.
معجزة شفاء امرأة بها نزف دم
- واذا امرأة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة قد جاءت من ورائه ومسّت هدب ثوبه,
لأنها قالت في نفسها ان مسست ثوبه فقط شفيت,
فالتفت يسوع وأبصرها فقال ثقي يا ابنة,
ايمانك قد شفاك, فشفيت المرأة من تلك الساعة. (متّى9/20-22)
في هذه المعجزة نقرأ أن امرأة من عامة الشعب لها ثقة بيسوع أكثر ممن كانت قلوبهم غليظة وقليلي الإيمان من التلاميذ, فتقول في نفسها أنها إن مسّت ثوبه فسوف تشفى من مرضها الذي ابتليت به منذ اثنتي عشرة سنة وهذا ما حصل فعندما مست هدب ثوبه شفيت في الحال.
ولكن كتبة الأناجيل لا يتركوننا نعيش هذه اللحظات الجميلة التي كانت تحدث بين يسوع والناس, إلا ويتحفونا بوقائع حدثت من التلاميذ, والتي لو كتمها كتبة الأناجيل لما لامهم أحد أو وبخهم, كما فعل يوحنا إذ قال انه لم يكتب كل ما يعرفه عن يسوع:
- وآيات اخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب,
واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الإله,
ولكي تكون لكم اذا امنتم حياة باسمه. (يوحنا20/30-31)
- وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا21/25)
فكتب مرقس عن هذه المعجزة قائلاً:
- وامرأة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة, وقد تألمت كثيراً من أطباء كثيرين, وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئاً بل صارت الى حال أردأ, لمّا سمعت بيسوع جاءت في الجمع من وراء ومست ثوبه,
لانها قالت ان مسست ولو ثيابه شفيت,
فللوقت جفّ دمها وعلمت في جسمها انها قد برئت من الداء,
فللوقت التفت يسوع بين الجمع شاعراً في نفسه بالقوة التي خرجت منه,
وقال من لمس ثيابي,
فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني,
وكان ينظر حوله ليرى التي فعلت هذا,
وأما المرأة فجاءت وهي خائفة ومرتعدة عالمة بما حصل لها فخرّت وقالت له الحق كله,
فقال لها يا ابنة ايمانك قد شفاك اذهبي,
بسلام وكوني صحيحة من دائك. (مرقس5/25-34)
في هذا النص يخبرنا مرقس أن يسوع تساءل عمن لمس ثوبه لأنه شعر بالقوة التي خرجت منه, وهذا السؤال يدل على أن يسوع لا يعلم الغيب, لا البعيد منه ولا القريب, حتى لو أن انساناً لمسه دون أن يراه كأن يأتي إليه من الخلف فيلمسه فانه لا يعرفه, ويحتاج للسؤال عنه كي يعرف من هو!
وأما قول مرقس ان يسوع شعر في نفسه بالقوة التي خرجت منه, فلو كان هذا الأمر صحيحاً لشعر كذلك أين ذهبت هذه القوة التي خرجت منه, ولما احتاج أن يسأل عمن أخذ هذه القوة منه!
وقد تكون المرأة عندما لمست هدب ثوبه قد أصابت رجله لهذا شعر بان أحداً لمسه, لهذا فهو يريد أن يعرف من لمسه ولماذا لمسه, فقد يكون من لمسه يهودياً يحاول قتله, فهو كان دائماً يخاف من أن يحاول أحد من اليهود قتله, كما تقول الأناجيل, وهذا القول ليسوع على غرابته, إلا أن ردّ التلاميذ على يسوع هو أشد غرابة, فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني, فهل هذا الرد يدل على ان التلاميذ كانوا يعتبرون يسوع الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة, أو على الأقل الأُقنوم الثاني؟!
فلو كانوا يؤمنون به لما تجرؤوا على القول له أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني!
ولكنهم كما قال يسوع عنهم انهم قليلي الإيمان لهذا فهم يستغربون من يسوع أن يسأل عمن لمسه وهم يرون الجمع يزحمه!
ولكن هل اكتفى الروح المقدس, الذي كان يسوق الكتبة, بما أضافه للمعجزة التي ذكرها متّى بكل بساطة وشاعرية في إنجيل مرقس من هذه المجادلة الغريبة بين يسوع وتلاميذه؟
لم يكتف بل زادها تفصيلاً في إنجيل لوقا كما في النص التالي:
- وامرأة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة, وقد انفقت كل معيشتها للأطباء ولم تقدر ان تشفى من أحد,
جاءت من ورائه ولمست هدب ثوبه,
ففي الحال وقف نزف دمها,
فقال يسوع من الذي لمسني,
واذ كان الجميع ينكرون,
قال بطرس والذين معه يا معلم الجموع يضيقون عليك ويزحمونك وتقول من الذي لمسني,
فقال يسوع قد لمسني واحد لأني علمت ان قوة قد خرجت مني,
فلما رأت المراة انها لم تختف جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرته قدّام جميع الشعب لأي سبب لمسته وكيف برئت في الحال,
فقال لها ثقي يا ابنة ايمانك قد شفاك, اذهبي بسلام. (لوقا8/43-48)
وهنا أيضأً يخبرنا لوقا بدقائق ما حدث في تلك اللحظات الجميلة فعندما سأل يسوع من لمسني بدأت الجموع تنكر أنهم هم الذين لمسوه, مع العلم انه كان يجب أن يخبرهم هو نفسه عن كل ما يصيبهم في هذه الحياة بما انه الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس, ولكن لا بأس من التغاضي عن هذه الحقيقة الآن ومجاراته في سؤاله, فأنكرت الجموع أنها فعلت هذا, وأظن ان يسوع أعاد طرح السؤال مرات عدة مما دفع بطرس أن ينبهه للحالة التي هو فيها وهو يطرح السؤال فقال بطرس والذين معه يا معلم الجموع يضيقون عليك ويزحمونك وتقول من الذي لمسني, فكان يجب عليه الانتباه لما وجهه إليه بطرس ولكن يسوع يصرّ على معرفة من لمسه بقوله فقال يسوع قد لمسني واحد لأني علمت أن قوة قد خرجت مني!
وهنا لا بد أن يسعى ذلك اللامس من أن يحل هذه المشكلة التي حدثت, أو كادت تحدث, بين يسوع وتلاميذه بمن فيهم بطرس, فجاء الحل على يد تلك المرأة, فلما رأت أنها لم تختف جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرته قدام جميع الشعب لأي سبب لمسته وكيف برئت في الحال, فهنا عرفنا من لمسه ولماذا!
ونحن الآن ننتظر موقف يسوع من هذه المرأة التي لمسته وأخرجت تلك القوة منه فقال لها ثقي يا ابنة إيمانك قد شفاك, اذهبي بسلام, وهنا انتهت القصة, فلوقا زادنا تفصيلاً عما هو مكتوب في إنجيل متى بالحوار الذي دار بين يسوع وتلاميذه واستغراب تلاميذه من طرحه لسؤال من لمسه وهو يرى الجمع يزحمه, ولكن لم يقل لنا لوقا أو غيره من كتبة الأناجيل إن كانت هذه القوة خرجت من يسوع وهو ملقى القبض عليه عند محاكمته من قبل الرومان واليهود, وهم يجلدونه يضربونه ويلكمونه ويصلبونه؟!
معجزة شفاء من كان على وشك الموت
- وكان عبد لقائد مئة مريضاً مشرفاً على الموت وكان عزيزاً عنده,
فلما سمع عن يسوع أرسل اليه شيوخ اليهود يسأله أن يأتي ويشفي عبده,
فلما جاءوا الى يسوع طلبوا اليه باجتهاد قائلين انه مستحق أن يفعل له هذا,
لانه يحب أُمتنا وهو بنى لنا المجمع,
فذهب يسوع معهم, واذ كان غير بعيد عن البيت أرسل اليه قائد المئة اصدقاءه يقول له يا سيد لا تتعب لأني لست مستحقاً ان تدخل تحت سقفي, لذلك لم أحسب نفسي أهلاً أن آتي اليك, ولكن قل كلمة فيبرأ غلامي, لأني أنا أيضاً انسان مرتّب تحت سلطان, لي جند تحت يدي وأقول لهذا اذهب فيذهب ولآخر ائت فيأتي ولعبدي افعل هذا فيفعل,
ولما سمع يسوع هذا تعجب منه والتفت الى الجمع الذي يتبعه وقال أقول لكم لم أجد ولا في اسرائيل ايماناً بمقدار هذا,
ورجع المرسلون الى البيت فوجدوا العبد المريض قد صحّ. (لوقا7/2-10)
في هذه المعجزة نقرأ أن يسوع قام بشفاء عبد لقائد مائة, وعادة ما يكون هؤلاء من الرومان, بعد أن أرسل إليه شيوخ اليهود كي يتوسطوا عنده, فطلبوا من يسوع أن يُشفي ذلك العبد لأن قائد المائة يحب اليهود وهو من بنى لهم المجمع, وهكذا حصل فقام يسوع بشفاء ذلك العبد حتى دون أن يذهب إلى بيت قائد المائة, وهو عمل معجز قام به يسوع, ولكن لو لم يتوسط شيوخ اليهود لإنسان مريض من غير اليهود فماذا سيكون موقف يسوع من ذلك المريض؟ لنقرأ المعجزات التالية.
معجزة شفاء بنت المرأة الكنعانية
- ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء,
وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة,
ارحمني يا سيد يا ابن داؤد, ابنتي مجنونة جداً,
فلم يجبها بكلمة,
فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا,
وقال لم أُرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة,
فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعني,
فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب,
فقالت نعم يا سيد, والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها,
حينئذ أجاب وقال لها يا امرأة عظيم ايمانك,
ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة. (متّى15/21-28)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بشفاء بنت كنعانية مصابة بمسّ من روح نجسة أو شيطان, ولكن هل يقوم يسوع بالسعي لشفاء تلك البنت كما حدث مع عبد قائد المائة بعد أن توسط له شيوخ اليهود؟ الحقيقة وللأسف فإنه لم يسع لشفاء تلك البنت, بل انه في البداية رفض أن يشفيها وان يستجيب لتضرعات وتوسلات المرأة حتى انه لم يجبها بكلمة واحدة, لأنه كان يظن أن هذه المرأة المسكينة وابنتها المعذبة لا تستحق حتى أن يقول لها كلمة الرفض لقبوله أن يشفي البنت, ولكن تلك المرأة, ككل إنسان مصاب في نفسه أو في أقاربه, لا تيأس من إمكانية السعي لإقناعه حتى يشفي ابنتها فتبدأ بالصراخ بصوت عال, وتتضرع إليه أن يشفي ابنتها المسكينة, مما استدعى تدخل تلاميذه فناشدوه أن يشفي ابنتها لأنها ملأت المكان صراخاً وتضرعاً فهم يعلمون أن شفاء تلك البنت المسكينة لا يتطلب جهداً, لأنه بكلمة واحدة منه تكون البنت قد شفيت, ولكن يسوع يجيبهم قائلاً لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.
وهذا أمر غريب من يسوع, الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس, فإذا كان هو لم يرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة كما قال فهذا أمر مفهوم, وأما ما هو غير مفهوم فهو أن يحصر قدراته في شفاء المرضى على خراف بيت إسرائيل الضالة أيضاً!
وبعد تصريحه السابق بإظهار نفسه انه مرسل لتلك الخراف, تأتي المرأة المسكينة والمجروحة في فلذة كبدها وتسجد له مرة ثانية قائلة يا سيد أعني.
فماذا كان جواب يسوع؟
كان جوابه أشدّ من السابق وأكثر إيلاما من امتناعه عن شفاء تلك البنت المسكينة, فيقول للمرأة ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب, أي انه يصف تلك المرأة وقومها بأنهم كلاب, وبما انه لم يرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة فليس حسناً أن يضيع جزء من طعامهم بطرحه للكلاب التي لم يرسل لها حتى لو كان هذا الطعام هو إخراج الشياطين والأرواح النجسة من جسد تلك الفتاة المسكينة, فهو وان كان عدواً للشياطين وللأرواح النجسة إلا انه يقف على الحياد حيال ما تقوم به تلك الشياطين والأرواح النجسة إذا كان الأمر متعلقاً بغير خراف بيت إسرائيل الضالة!
فباقي الناس لم يُرسل إليهم ومن غير الجيد أن يقول كلمة واحدة من أجل هؤلاء حتى لو كان الأمر إخراج الشياطين من أجسادهم.
ولكن هل ينتهي هذا المشهد هنا؟
كلا, فتلك المرأة تحس بمدى الألم الذي تعانيه ابنتها فتأتي بفكرة لعلها تقنعه, فتخاطبه مرة أخرى: فقالت نعم يا سيد, والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها.
فإذا كان هو لم يرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل وانه لن يعطيها من طعام أبنائه, الذين سيصلبونه بعد قليل ويجلدونه ويلطمونه ويصفعونه ويبصقون عليه كما تقول الأناجيل, فتتذكر أن أبناء يسوع قد يكون عندهم كلاب وفي هذه الحالة لا بد أنهم يطعمونها فكذلك ترجوه أن يفعل بها ما يفعله أبنائه بكلابهم, وهنا يتهلل وجه يسوع مشرقاً وفرحاً لأنه أخذ من تلك المرأة المسكينة غير اليهودية هذا الاعتراف فيقول لها عظيم إيمانك يا امرأة.
وبعد هذا القول الذي عبّر يسوع به عن فرحه هل يقول لها كما كان يقول لمن يشفيهم من اليهود من الأقوال التي مرّت معنا في هذا الفصل؟
كلا, إنما قال لها ليكن لك ما تريدين, وكأني به وهو يقول هذه الكلمة قد أُصيب بحالة من عدم الرضا لما أُجبر على القيام به من إعطاء الفتات للكلاب الذين لم يُرسل إليهم فقال ليكن لك ما تريدين, وكأنه قال هذه الكلمة وهي أقل الصيغ التي استعملها في معجزاته وهو مستكثر على تلك المرأة أن يقول لها لتشفى ابنتك أو ليخرج الشيطان منها أو غيرها من الصيغ.
بعد هذا الشرح الدقيق والمتأني لهذه المعجزة قد يبدأ بعض الطيبين من أتباع الكنائس, وهم من غير اليهود, بالإحساس بالغيظ, فيبدءوا بالشتم والسب, وأطيبهم قد يبدأ بالجدل بالتي هي أحسن فيقول انك تحرف الكلام الواضح عن معانيه الصحيحة فأنت تفسر قول يسوع لتلك المرأة عظيم إيمانك يا امرأة بأنه قال لها هذا الكلام لأنها شبهت نفسها بالكلاب وليس لأنها آمنت به, وهذا أكبر تحريف ممكن أن يقوم به إنسان, فبماذا ترد على هذا الكلام؟
أقول لهؤلاء الطيبين إن الرد لن يكون مني بل سأترك يسوع نفسه يرد عليكم ويوضح معنى كلامه السابق بالنص التالي.
معجزة شفاء بنت المرأة الفينيقية
- ثم قام من هناك ومضى الى تخوم صور وصيداء,
ودخل بيتا وهو يريد أن لا يعلم أحد,
فلم يقدر ان يختفي,
لأن امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به فأتت وخرّت عند قدميه,
وكانت ألامرأة أُممية وفي جنسها فينيقية سورية,
فسألته أن يُخرج الشيطان من ابنتها,
وأما يسوع فقال لها دعي البنين أولاً يشبعون,
لأنه ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب,
فأجابت وقالت له نعم يا سيد,
والكلاب أيضاً تحت المائدة تأكل من فتات البنين,
فقال لها لأجل هذه الكلمة اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك. (مرقس7/24-29)
هذا هو كلام يسوع الواضح والذي لا يجرؤ أحد على مناقضته يقول وبكل وضوح لأجل هذه الكلمة اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك.
وما هي تلك الكلمة؟
الكلمة هي قول تلك المرأة نعم يا سيد والكلاب أيضا تحت المائدة تأكل من فتات البنين.
فهذا هو المقصود من الكلمة التي قالها يسوع للمرأة الكنعانية عظيم إيمانك يا امرأة!
ودليل آخر على انه لم يقصد بقوله عن إيمان تلك المرأة سوى أنها شبهت نفسها بالكلاب هو قوله انه لم يرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة, فهو غير معني بدعوة غير اليهود للإيمان به فهو لم يرسل إليهم.
وقوله انه لم يرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة لو واجه يسوع به الذين يدّعون أنهم أتباع الكنائس المختلفة من غير اليهود يوم مجيئه الثاني ماذا سيكون ردهم عليه؟
معجزة تيبيس شجرة التين
- وفي الصبح اذ كان راجعاً إلى المدينة جاع,
فنظر شجرة تين على الطريق,
وجاء اليها فلم يجد فيها شيئاً الا ورقاً فقط,
فقال لها لا يكن منك ثمرٌ بعد إلى الأبد,
فيبست التينة في الحال,
فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال,
فأجاب يسوع وقال لهم ألحق أقول لكم ان كان لكم ايمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط,
بل ان قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون,
وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه. (متّى21/18-22)
في هذه المعجزة نقرأ أن يسوع يخاطب شجرة ويلعنها بقوله لها لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد, لأنه إذ كان راجعاً إلى المدينة في الصباح جاع فنظرها وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط, فيبست في الحال, وفي تقديري لو أن يسوع أمر شجرة التين بان تثمر وتطرح ثماراً كبيرة غير مألوفة عن ثمار التين لكان أجدى وأنفع له ولتلاميذه الذين كانوا معه, خاصة انه كان جائعاً ويحتاج للطعام ليسدّ جوعه, ويأكل تلاميذه من ثمر تلك الشجرة التي لم تكن مثمرة عندما جاءوها, فهذا الأمر سيكون أبلغ في نفوس تلاميذه كي يزدادوا إيماناً به, من أن يقول للشجرة لا يكن منك ثمر إلى الأبد!
لأن الإحياء أعظم في النفس من الموت, وخاصة أن تلك الشجرة لم يكن لها ذنب في عدم إثمارها, ووجود ورق عليها لا يُحمّلها أيّة مسؤولية تجاه يسوع وتلاميذه كي يميتها, لأنه, وهو الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة, كان يجب أن يعلم إن تلك الشجرة لا تحمل ثماراً, إن لم يكن بواقع هذه الصفة, فبواقع علم الإنسان العادي الذي يعلم أن لشجر التين موسم واحد ووقت معين تكون فيه مثمرة, أما أن يظهر قدراته على تلك الشجرة بتيبيسها فهو أمر غير مألوف من أحد من الناس العاديين فما بالك بمن هذا وصفه!
وأما تعجب تلاميذه من فعله هذا بالشجرة فهو يدل على أن طول صحبتهم له لم تؤت ثمارها فهم ما زالوا غير مؤمنين به, إذ لو كانوا مؤمنين لما تعجبوا هذا التعجب, فهو الذي قام بعمل عشرات المعجزات والتي هي بالتأكيد أكبر وأعظم من تيبيسه لشجرة التين, وخاصة أنهم الآن يعيشون في أواخر أيام يسوع على الأرض, إذ انه بعد عدة أيام سيتم إلقاء القبض عليه ومحاكمته, ومن ثم صلبه وقتله كما تقول الأناجيل, فكيف يتعجبون من هذا العمل البسيط مقارنة مع إحيائه للموتى أو إخراج الأرواح النجسة أو معالجة المرضى أو إعادة البصر للعميان وشفائه للصم والبكم, وكلها عاشها التلاميذ وعاينوها فهل ما زال هناك مجال للتعجب من تيبيسه لشجرة تين لأنه لم يجد عليها ثمر وكان جائعاً!
ولكن يسوع يحس بما في قلوب تلاميذه أكثر من التعجب, فيقول لهم مشجعاً لهم على زيادة إيمانهم الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل إن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون, فهو يقول لهم عليكم أن تؤمنوا ولا تشكوا فحينئذ لا تفعلون أمر التينة فقط بل إن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر لأطاعكم!
ولكن هل زاد إيمان التلاميذ بعد هذه المعجزة؟
في الحقيقة أود الرجوع إلى بعض النصوص في الأناجيل لنعلم إن كان كل ما عمله يسوع من معجزات أثمر إيمانا عند تلاميذه أم لا.
لنقرأ المشهد الأخير الذي جمع يسوع بتلاميذه قبل إلقاء القبض عليه.
- حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة,
فأجاب بطرس وقال له وان شكّ فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً,
قال له يسوع الحق أقول لك انك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات,
قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا أُنكرك,
وهكذا قال أيضاً جميع التلاميذ. (متّى26/31-35)
في هذا الموقف نجد أن يسوع يقول لتلاميذه كلكم تشكون فيّ هذه الليلة, فيجيبه جميع التلاميذ لو اضطررنا للموت فلن ننكرك, وهذا أمر طبيعي عندما يرى الإنسان نفسه أنه تلميذ للأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة, فمن يفكر في التنكر لمن هذا صفته والشك فيه؟!
لا بل إننا نقرأ عن أتباع لقادة, لا يدّعون مثل هذه الصفات ولا نصفها, ولا يفكرون في هذه الصفات أصلاً, يُضحّون بأنفسهم في سبيل قادتهم ولا ينكرونهم, وهو نفس ما قاله تلاميذ يسوع له من أنهم لو ماتوا فلن ينكروه ولكن بعد بضع ساعات نقرأ المشهد التالي.
- حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا. (متّى26/56)
- فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف اني لا أعرف الرجل, وللوقت صاح الديك. (متّى26/74)
لندع أنفسنا تتأمل هذا المشهد, ودون تعليق!
وقبل أن انتقل للحديث عن معجزات يسوع بإحياء الموتى أود أن استعرض معجزة تيبيس تلك التينة بحسب إنجيل مرقس, لأنها تؤشر على معان مختلفة عما أورده متّى في إنجيله.
- وفي الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع,
فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق, وجاء لعله يجد فيها شيئاً فلما جاء اليها لم يجد شيئاً الا ورقاً,
لأنه لم يكن وقت التين,
فأجاب يسوع وقال لها لا يأكل أحد منك ثمراً بعد إلى الأبد,
وكان تلاميذه يسمعون,
وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الاصول,
قتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست,
فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم إيمان بالإله,
لأني الحق أقول لكم ان من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن ان ما يقوله فمهما قال يكون له. (مرقس11/12-23)
في هذه القصة يقول مرقس إن وقت مجيء يسوع لشجرة التين لم يكن في وقت إثمارها وان كان يوجد عليها بعض الأوراق, فهي لا ذنب لها في عدم إثمارها حتى يقول لها أن لا يأكل منها أحد, وكان الأولى, كما قلت سابقاً, أن يأمرها فتثمر حتى يأكل هو وتلاميذه وكان من الممكن أن تبقى إلى يومنا هذا وهي مثمرة فنأكل منها, خاصة وأنني من سكان هذه المنطقة, وتكون شاهداً له, بدلاً من أن يأتي أحد سكان تلك المنطقة فيقطعها ويستدفئ بها وتنتهي تلك المعجزة!
وأما قوله لتلاميذه انه إن كان عندهم إيمان أو ليكن لكم إيمان فهذا تحدثت عنه سابقاً فأغنى عن إعادته.
وللاطلاع على المزيد من مواضيع الاناجيل ارجو التكرم بزيارة مواقعي التالية:
http://gospelsources.blogspot.com
http://gospelspersons.blogspot.com
http://historicaljesus-isa.blogspot.com
نادر عيسى
التعليقات (0)