[ ... نزل من السيارة ، وسار متباطئا وواثقا من نفسه ، حتى ليبدوا هو القائد الذي نقف لساعات تحت الشمس الحارقة في انظاروصوله ، وتوجه إلى الجهة الأخرى من السيارة ، وفتح الباب لرجلٍ قصير القامة ، ممتلئ الجسد ، قد ملأ الزي النظامي عن آخره ، مثقل الكتفين برتبة تجزم بأنها أكبر رتب النظام ، وممتلئ الصدر بأوسمة الدولة جميعها ، حتى تلك التي لاتمت لأمثاله بصلة .. ورغم ذلك كله ، إلا أن الرجل الذي ترجّل أولا كان يبدوا أكثر هيبة ، مع كتفيه الممسوحين تماما من أي رتب ، ومع صدره الخالي من أي إشارة ، ... وبعد إنتهاء مراسيم الإستقبال بفترة ، وبعدما أخذت الجموع راحتها مع بعضها البعض ، جلسنا نتسامر في مجموعات ، بحسب رتبنا ، وبما أننا في الرتبة الأخيرة من النظام ، فقد إنضم إلينا (القائد الممسوح الكتفين ) ، وفي البدئ كنا متحفظين في الحديث بحكم شكوكنا حول رتبته ، ولكي لاتزل ألسنتنا في (حضرته) ونعاقب بأشغال شاقة طيلة النهار... كان علينا أن نتعارف حتى نعرف ماذا سنقول ، فبدأت أنا فلان ، رتبتي كذا ، وعملي كذا ، وهكذا عرف كل عن نفسه حتى وصل الدور (لأخينا) فقال : أنا فلان ، رتبتي دليل ، عملي دليل ..! .. وكدت أنفجر ضحكا لولا أنني استحيت ... ؟! ...]
- والدليل هو متطوع يعمل مع الجيوش والبعثات ليدلهم ضمن بقعة جغرفية ما ، بحكم معرفته بتفاصيل تضاريسها ، ومعرفة طرقها ومسالكها ..؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا نموذج حي لنماذج كثيرة من البشر (المتسلقين) فوق أكتاف غيرهم ، فهؤلاء النماذج مصابة بجنون العظمة ، رغم أنهم ليسوا أكفاء لها ، فهم حتى وإن كانوا في أدنى المراتب الفكرية ، والثقافية ، والعلمية ، إلا أنهم يزرعون البلبلة ، ويساهمون في نشر ثقافة التثبيط في المؤسسات ومهما كانت ..
ففي دولنا (المتخلفة) عن الركب الحضاري ، يبقى (المتملقون) حجر عثرة في طريق تقدمنا ، لأنهم كالسوسة التي تنخر كيان الأنظمة ، وتضع الرجال اللامناسبين في الأماكن المناسبة ، فتبقى الكفاءات مكتومة الأنفاس ، ومعرضة للإضطهاد وللتهميش ، ما يقتل رغبتها في الإبداع والتطوير ..
والواقعة أعلاه باللون الأحمر تشكيلٌ رمزي لمستويات الغضب التي تشعل فتيل اللاإستقرار في أي كيان بشري ، يمثل الوطن الواحد ، أوالأمة الواحدة ، والتي تشكل وحداتها كلا متكاملا ، وهرما لايعلوا إلا إذا كانت درجاته متراتبة ومتصاعدة بحسب قيمها الحقيقية ، وبحسب المجهودات (الفعلية) لإطاراتها..
[تاج الديــن : 11 - 2009]
التعليقات (0)