مواضيع اليوم

مظاهرات العراق وارادة التغيير

عبد الرحيم الكعبي

2011-02-24 14:25:55

0

 

 

عبد الرحيم الكعبي

 

لا احد يعرف من الذي حدد يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري ليكون موعدا لانطلاق المظاهرات في العراق ولكن من الواضح ان بعضا من الذين توافقوا على هذا الموعد ارادوا الايحاء بان ما يجري في العراق لا يختلف عما جرى في تونس ومصر من قبل وما يجري في اليمن وليبيا في هذه اللحظات.وهذا في الحقيقة ما تتحدث عنه صراحة بعض الجهات التي اتخذت من مواقع الانترنيت مجالا لتوجيه خطابها.وسواء كان هذا او ذاك فان محاولة الربط بين ما يحدث هناك وما يحدث هنا هو مختلف بشكل مطلق،فالكل يعرف ان العراق يشهد تحولا نحو الديمقراطية منذ سقوط النظام السابق في 2003 ،صحيح ان هذا التحول شابته كثير من التشوهات بحكم الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للشعب العراقي الا ان بؤرة الحدث هنا تختلف من حيث ان الوصول الى المرحلة الحالية التي ادت الى انطلاق المظاهرات هو نتيجة لعملية يتقاسم مسؤوليتها الشعب والحكومة في الوقت نفسه!

ان اساءة استخدام حق الانتخاب والافتقار الى الوعي الحقيقي والوقوع تحت تاثير السلطة الروحية لرجال الدين اضافة الى ضعف التيار الليبرالي وهشاشته بجانب عوامل اخرى كثيرة ليس هنا مجال التفصيل فيها قد اوصلت التجربة الديمقراطية في العراق الى النقطة الحرجة حيث يجد الشعب والحكومة نفسيهما في مواجهة بعضهما البعض.فالحكومة لم تات الى السلطة عن طريق انقلاب او ثورة بل جاءت من خلال صناديق الانتخاب التي مثلت الخيارات الحرة لابناء الشعب فالشعب هو اصل هذه العملية التي ادت الى وصول افراديفتقرون الى اي مؤهلات قيادية او ادارية او سياسية الى سدة الحكم لانه عندما ذهب الشعب الى الانتخاب لم ينتخب على اساس البرامج الاقتصادية او الاجتماعية او الخدمية للاحزاب المرشحة للحكومة  بل على اساس الانتماء الطائفي والاثني والعشائري فبالنتيجة هو يدرك جيدا ان له يدا فيما وصلت اليه الامور ولكن هل يعني هذا السكوت والتسليم بالامر الواقع والرضا بما هو موجود ؟ بالطبع لا فاليات النظام الديمقراطي نفسها تبقي امكانية التغيير قائمة في اي وقت من الاوقات اذا وجد الشعب ان السلطة التي اوصلها بارادته الى كرسي السلطة ليست قادرة على تحسين اوضاعه الاقتصادية   والحياتية ولا شك ان من اهم هذه الاليات هي عملية التظاهر لاعلان المطالب التي يتوجب على السلطة  الاستماع اليها وتلبيتها  او التنحي وترك المجال لناس اخرين ينتخبهم الشعب يكونون اكثر قابلية على تحقيق مطالب الشعب.

ان اي متابع للمظاهرات في العراق يجد ان مطالبها تتركز على نقص الخدمات وانتشار الفساد في مفاصل الدولة وايجاد وظائف للعاطلين عن العمل من الخريجين وغيرهم وهذه امور حقيقية ومعروفة  في العراق على الحكومة ان تتخذ اجراءات ملموسة لمعالجتها وتطوير المستوى المعاشي للمواطن العراقي وتحسين شروط حياته  من خلال خطط تنموية علمية ومدروسة تستثمر فيها واردات العراق بالشكل الذي يتناسب مع ضخامة هذه الواردات من جهة وسوء الوضع المعاشي لنسبة كبيرة من الشعب العراقي من جهة اخرى.

ان الذين يطالبون باسقاط الحكومة عليهم ان يطرحوا البديل ، ماهو البديل ؟ هل هو العودة الى نظام الحكم الدكتاتوري السابق ؟لا اتصور ان احدا يمكن ان يجرؤ الان على قول ذلك .فاذن لا يبقى امامنا الا خيار واحد هو خيار الديمقراطية وهو ما متحقق الان في العراق والحكومة فيه حكومة منتخبة وعملية الاصلاح ممكنة في اية لحظة  بشرط توفر الرغبة والارادة لتحقيق ذلك وبدلا من رفع شعارات اسقاط نظام الحكم والذهاب بعده الى المجهول الذي لايخدم الا بقايا النظام السابق فمن الافضل التفتيش عن حلول ممكنة التحقيق باستخدام اليات الديمقراطية نفسها هذه الاليات التي جنبت الشعوب الغربية الحروب والمعاناة والفقر من خلال جعل التغيير ممكنا بصورة سلمية متى ما رات هذه الشعوب الحاجة ملحة الى هذا التغيير .وبهذا فان عملية التغيير في العراق يجب ان تبقى دائما سلمية وعدم  اللجوء الى ما يعكر الاجواء من افعال وتصرفات يكون ضررها اكثر من نفعها .بناء على ماتقدم نقول اننا اذا اردنا تغييرا جذريا وحلا حقيقيا فان هذا الحل لا يكمن في اسقاط الحكومة الحالية بل هو في الشروع منذ هذه اللحظة في عملية  تنويرية ثقافية تقودها النخب الثقافية والدينية والسياسية المتنورة تستهدف تغيير البنى والانساق الثقافية والاجتماعية وانماط التفكير العشائرية والطائفية التي تمثل عقبات حقيقية امام اي تغيير حقيقي بحكم ان المجتمع يضل مرتهنا الى هذه المواضعات الموروثة التي تكبل ارادته الحرة في اختيار ممثليه الحقيقيين من النزيهين والمخلصين بما يجعل مصلحة الوطن والمجتمع هي الراجحة على المصالح الفئوية الضيقة كمصلحة الطائفة او العشيرة او ي مصالح شخصية اخرى ،هناك كثير حتى من بين المثقفين ممن فضلوا اختيار الاشخاص على اساس انتمائهم الطائفي على الرغم من معرفتهم المؤكدة بعدم اهلية هؤلاء الاشخاص لقيادة الدولة وخدمة المجتمع .صحيح ان هذه العملية شاقة ومعقدة وطويلة ولكنها تبقى خيار لا بدا اذا اردنا ان نرى تغييرا حقيقيا في حياة المجتمع ليس في مايخص الخدمات فقط بل في كل جوانب الحياة اليومية وهي مقدمات ضرورية لتحقيق التقدم على المستوى الاشمل الذي يؤهل العراق لاستعادة مكانته اللائقة في ركب الحضارة العالمية والتي كان في زمن مضى مركزا لها.ان مسؤولية هذا التغيير تقع على عاتق الفئات المثقفة في العراق ومن ضمنهم الناس الذي يكتبون في المواقع الالكترونية انها مسؤولية وطنية جماعية ينبغي ان يشارك فيها كل من له القدرة والقابلية على احداث تغيير ولو بسيط في محيطه الذي يعيش فيه ويتواصل معه..

ان هذه المظاهرات تجري في الوقت الذي ماتزال قوى الارهاب والجريمة المتمثلة بتنظيم القاعدة واتباع النظام السابق تمارس نشاطاتها العدوانية وهي بلاشك تسعى الى استثمارها في زعزعة الاستقرار في العراق من خلال افتعال مواقف مثيرة للعدوان والانتقام والرد المتبادل واستفزاز قوى الامن باعمال تؤدي الى ردود افعال لا تحمد عقباها .لقد علمنا توا ان بعض النخب التي سبق ان دعت الى تنظيم هذه المظاهرات قد اعلن انسحابه منها وهذا يعود الى ادراك واضح للمخاطر التي يمكن ان تنتج عن اي عمل تخريبي قد يصدر عن بعض القوى المندسة التي تريد نشر الفوضى في البلد املا في ايقاف العملية الديمقراطية والعودة الى حكم الدكتاتورية السابق!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !