إن المتتبع للوضع العربي و المراقب للعواصف السياسية التي تهب برياح التغيير على منطقتنا يرى بأن سياسة الكيل بمكيالين لا زالت هي أساس تعامل الغرب مع قضايانا المختلفة و كأننا شعوب لم تبلغ حدَ الفطام مما يسهل على الآخر استغلالنا خدمة لأهدافه و أسرى لمطامعه و رهائن مخططاته و خطط سيطرته و استغلاله0
و مما يجعل الإنسان يقع ضمن عدة دوائر تدور في حلزونيات مفرغة لا تؤدي إلى نتيجة معينة غير الشك في النوايا و المقاصد دون أن يحدد موقفاً معيناً من بعض الأحداث التي تعصف بما حوله في الحدود الزمكانية وما يحيط بها متخطياً كل الحواجز الجيغروسياسية في مسألة تعاطيه مع المتغيرات التي تعصف بأمتنا العربية مع وجود رعاية أمريكية و أوروبية لكثير من حركة التغيير في منطقتنا و التعاطي مع حركة الشارع في مجتمعاتنا العربية ، و التي ذاقت ذل قهر حكامها و استبدادهم و استعبادهم فأرادت الخلاص و التغيير نحو الأفضل و الغد الأكثر إشراقاً و لو بيد من استعمرها و أذلها لقرون طويلة و استنزف خيراتها و بخلاف ما حدث في مصر و اليمن ، فإننا نرى أن بعض من يقود حركة الشارع في بعض البلاد العربية يطلبون من الغرب و أمريكا أن تبدي موقفاً مؤيداً و داعماً لتلك التحركات في الوقت الذي كان كثير من أولئك القادة و السياسيين يتهمون الغرب و يسبونه و يصفون الأنظمة التي يسعون لتغييرها بالعمالة و الارتهان للإملات الغربية و كأن الحال انقلب بين عشيةٍ و ضحاها فأصبحت أمريكا و أوروبا المدافع عن حقوق الإنسان و كرامته وهي السيدة الحامية و المدافعة عن حقوق الإنسان العربي و الداعم الرئيسي لكل تحرك إنساني في الدفاع عن الحريات0
ورأينا بأن كثير من التحركات و المظاهرات تنادي بإسقاط ذلك الرئيس أو تنازله عن السلطة وكأن المراد هو تغيير بعض الوجوه مع الإبقاء على الأساس دون تغيير و بالتالي من يأتي من المعارضة يمارس الدور القديم الذي كانت تمارسه السلطة التي حاربها وسعى لتغييرها0
إننا و للأسف نعيد تكرار تاريخنا المخزي و الملطخ بسذاجة معرفتنا السياسية الضحلة و الذي جعلنا نثق في من تلطخت يده وأوغل بدماء شعوبنا و استعمرها لفترات طويلة فما زالت مباحثات حسين مكماهون و التخطيط والقيام بالثورة العربية الكبرى تُدرس في مادة التاريخ في مدارسنا و كيف أن من يدعون دعمهم و مساعدتهم لنا في قضايانا و مطالبنا هم الذين استعمرونا و استغلونا لفترات زمنية طويلة و لا زالوا و ما زالوا يحاولون حرف مسار كل تغيير و كل تطور و نمو و يسعون لإجهاضه و وأده في المهد0
إن فاقد الشيء لا يعطيه أبداً إلا بثمن أغلى منه أو بكلفة تصل إلى أضعاف أضعافه فما الذي يجعل من حلف الأطلسي أن يسعى لتحريك قوته و أساطيله صوب ليبيا و يناصر قضية الشعب هناك ، هل هو لسواد عيون الليبيين و رعايةٍ لمصالحهم و مطالبهم الحقيقة ، أما أن المطلوب هو حرف ذلك الحراك بحيث يسقط في يد الغرب و يأتي بعميل بديل للقذافي يرعى المصالح الغربية و يزرع بذرة اليأس و الشك في القدرة على التغيير عند شعوبنا المتطلعة للحرية0
بمثل هذا و أشباهه يجب أن نقيس كل تحرك غربي في دعم قضايا الحرية و كرامة الإنسان و غيرها من قضايانا التي تتجاوز كل المصطلحات و القواميس اللغوية في سبكها و في دلالاتها التي تتعدى حدود تفكيرنا و مستوى إدراكنا لها0
إن الصمت الغربي عن ما يجري في بعض البلاد العربية و الحديث و الدعم للبعض الآخر في تحركه هو ما يثير ملايين الشبهات وأطنانًاً من علامات الإستفهام حول الدعم الغربي لمثل تلك التحركات و بالتالي يجعلنا نقف متأنين و حذرين في تعاملنا مع تلك الأحداث التي تُثار حولنا و عدم إعطاءه الفرصة كي لا نكون مطية سهلةٍ الإستخدام لتحقيق ما تصبوا القوى الغربية إليه0
إننا وبالنظر إلى صمت الآلة الإعلامية الغربية و تصاريح الساسة الغربيين عن ما يجري في فلسطين على يد العصابات الصهيونية إلا مثال واضح على ذلك و هذا غيض من فيض و لا نعلم عن الأيدي الخفية التي تُحرك هذه المظاهرات أو ما يُسمى ربيع العرب وما يسعى الغرب إلى تحقيقه من خلالها0
نعم إن للشعوب العربية مطالبُ حقةٍ وإن مطلب التغيير و اجب يجب عدم التخلي عنه و إن على الحكام العرب أن يخضعوا لإرادة شعوبهم في التغيير ، لكن هذا التغيير يجب أن لا يكون بأيد أمريكية أو غربية لها مقاصدها و أهدافها في دعم هذا و المساعدة في اضطهاد الآخر الذي لا يتوافق مع ميولها و سياساتها و مصالحها0
إن عجلة التغيير في عالمنا العرب قادمة و ينبغي عدم الوقوف أمامها ، بل ينبغي التماهي معها و محاولة فهمها و التعاطي بكل إيجابية معها فقد مضى زمن الدول التي تمسك بكل مقدرات الشعب و مقاليد و مفاتيح كل الأمور دون الإلتفات لرأي الناس و محاولة فهم مطالبهم0
إن قيادة العملية الديمقراطية في بلادنا العربية في مطابخ واشنطون و نيويورك و لندن و باريس يجعل تلك العملية منقوصة غير مكتملة النمو و مشوهة في مظهرها أسيرة لأولئك الذي يمتلكون سر تلك الطبخات و طريقة إعدادها و مقدار البهارات و النكهات التي تحتويها0
نعم أن المطالب التي تناضل من أجلها الشعوب العربية هي مطالب مشروعة و ملحة كي تتوافق مع حركة الزمن و تطوره و متطلباته و التحديات التي تواجهها تلك الشعوب و الأجيال القادمه0
لذا فإن الوقوف بوجه تلك المطالب عبر التسويف و التخويف و التهويل هو محولة احتواء قد لا تنجح واستعداء و استعلاء ينبغي النظر له بأنه محاولة للوقوف أمام بركان جارف أو زلزال سوف يؤدي إلى مزيد من الخسائر على مستوى الحكومات و الشعوب و بالتالي سوف يعيق أمتنا لسنين طويلة من اللحاق بالركب الحضاري و يؤخر كل أعمال التنمية و التغيير في بلادنا العربية0
حسين منصور الحرز
التعليقات (0)