مواضيع اليوم

مطرقة نيتشه

عبداللطيف الحاجي

2012-06-13 18:08:20

0

 كان حلما مزعجا..مزعج بكل المقاييس وليس على سبيل المجاز فقط.

عندما كتبت في أحد دروس الإنشاء يوما هذه العبارة، قال لي أستاذ المادة آنذاك:"ولماذا لا تقول كابوسا وتكون قد مارست التكثيف وأوجزت العبارة".

قلت له حينها إن الكابوس في لغتنا المحلية يعني المسدس والحلم الذي رأيته لم يكن قاتلا.

بل على العكس، فالحلم الذي رأيته الليلة حلم دفعني للتفكير طويلا في مغزاه..هو مزعج حقا، لكن كل الأحلام العظيمة كانت مزعجة في بدايتها.

لست أدري تأكيدا ما إذا كان هناك في دستور الأحلام أحلام عظيمة وأخرى دنيئة، لكن قوة ما دفعتني إلى تصنيف حلم اليوم في خانة الأحلام العظيمة.

رأيت أحلاما كثيرة عندما كنت صغيرا..لكن والدتي سامحها الله كانت تصرف اهتمامي عنها دائما إلا مرة واحدة، أذكر أنها فسرت لي حلما بمنتهى السعادة التي كانت تغمرها وأنا أحكيه لها.

بعد تلك الكلمة المفتاح التي تأذن لي دائما بسرد حلمي دونما انزعاج والتي تتلفظها الوالدة بعفوية ظاهرة ومعتادة"خير وسلام" بدأت أحكي لها أنني رأيت في تلك الليلة نفسي أمشي في بهو فسيح الأرجاء،أقود ذلك الشيخ الأعمى الذي كان يأتي إلى بيتنا كلما حل بالقرية والذي كنت أرافقه كدليل له في الطريق،كنا نمشي في ذلك المكان الفسيح فوق زرابي لم أشهد في حياتي أروع منها ولا أكثر تناسقا وانسجاما في ألوانها،والمكان محاط بأشجار مثمرة مختلفة ومتنوعة،وكل ثمار تلك الأشجار على مرمى اليد.

قالت لي والدتي في زهو:"إنها الجنة يا ولدي" ولم تدعني حائرا إذ قالت:"جزاء لك على العمل النبيل الذي تقوم به".والحق أقول منذ ذلك اليوم أصبح أحب الأعمال إلى قلبي هو أن أكون دليلا للعميان في الطريق.

الحلم الذي رأيته الليلة حلم مختلف جدا عن الحلم الذي حكيته لوالدتي..المكان الذي رأيته كان أوسع من الأول لكنه نظرا للدخان المتصاعد من كل الجوانب كان ضيقا..هنا لا أشجار ولا زرابي بل أصوات تتعالى وصيحات ترج المكان..كلام كثير،كثير وغير واضح ووحدي..

وحدي واقف في زاوية أنظر ولا أشارك..وأحيانا أشارك ولا أنظر..وفي لحظات أخرى لا أرى إلا نفسي في كل ذلك الصخب.

أراني متعددا ومنخرطا في أعمال مختلفة ومتفرقة لكنني في الحقيقة لا أشعر إلا بأناي  التي تنظر إلى تلك الأناوات التي تشبهني،ولكن لا واحدة منها تعكس تفكيرها على تفكيري.

  صوري متعددة ومتلاشية ووحدها صورتي التي تشخص أناي هي التي تفكر في تلك الصور وأحيانا تنخرط في كلام وصخب مع تلك الأناوات المتعددة.

في الحقيقة لم أسمع شيئا من كلامي إلى تلك الأناوات ولا سمعت كلامها إلي.

فجأة وفي لمح البصر تحول المكان إلى قاعة فسيحة فيها طاولات وكراسي وظهرت ملامح أناس كثيرين وقد أخذ كل واحد مقعده واستوى في جلسته.

بعد لحظة أبصرت،لست أدري إن كنت وحدي أم كان الآخرون يبصرون معي ما أبصر،رجلا متوسط القامة يقف في زاوية مرتفعة في تلك القاعة..لم أتبين من ملامحه إلا شاربه الكث وقد كان يمسك بين يديه شيئا لم أتبينه بالوضوح التام.

حدق في طويلا وكنت أنا الآخر لا أحيد ببصري عنه..بعد لحظة من الهدوء والصمت المطبق رمى إلي بالذي كان في يده، لو لم أعالجه بحركة خفيفة من يدي كان وقع على رأسي..أمسكته بين يدي وقد كانت مطرقة من حديد.

لم يكد طيفه يغيب، حتى سمعت صوتا كان له رجع قوي في كياني:

"مارس الجنون بعقل ذكي فكل العظماء قد مارسوا الجنون قبل أن يموتوا بالجنون:" 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !