لدينا مشكلة حقيقية مع السيد"مطرب الحي".. ليس اليوم مبتدأها و لا ختامها ،فهي سمة ملاصقة لنا من المهد إلى اللحد على ما يظهر! فمهما تفنن مطربنا ، ومهما أتحف بمزماره ،فإننا لتعودنا عليه اصبحنا نحس انه من خاصتنا ، و لا يحق بتاتا أن يأخذ مكانا له تحت الشمس!
لدينا في قصصنا الأولى أدلة ، و لم يكن الانبياء بكل ما أوتوا من الحكمة و الـ"كاريزما" الدينية بمنآى عن هذا المثل الذي أتت به العرب بائدها و وعاربها و مستعربها! لم يطرب موسى ولا عيسى ولامحمد (عليهم السلام) اقوامهم في بداية رسالاتهم بل وفي النهاية ، ونالوا منهم ما يناله كل ابن قوم ينبغ في ما يعترف به للغير أولا ! حتى استبدل الحكماء قولهم ذاك عن مطرب الحي بالنبي الذي لاكرامة له في وطنه!!
وهو ما وقع للشعراء و الأدباء و الفنانين وغيرهم ممن ينبغون في بلادهم ،و بين اقوامهم الذين لا يودون الانتباه إليهم إلا حين يفرغون من تمجيد الآخر ،البعيد ،و الذي قد لا يكون بمستوى "مطرب الحي " الذي لا يطرب!! فلم يُـعترف بأبي نواس أو بحق مجنون ليلى بالحب أو بفحولة شعر الصعاليك مثلا إلا بعد عصور! كما لا نهتم بأدبائنا وفنانيا ورياضيينا الآن إلا بعد أن يفرضوا من خارج عصرنا(في بلاد أخرى) وخارج أسوار حينا المغلق علينا و على وساوسنا البليدة بإحكام!!
حكي عن القاضي و الشاعر عبد الوهاب البغدادي المالكي في العصر العباسي أنه ضاق به العيش في بلدته بغداد ، فـهَــمًّ بمغادرتها على نهج قام به الأوائل من شعراء و انبياء و علماء كلما احسوا بالغبن و ظلم القربى الأشد مضاضة، فقال لمن صاحبه مودعا و متأسفا :"لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة و عشية ،ما عدلت ببلدكم بلوغ امنية". ثم غادر !
هكذا ورثنا المقولة و الفكرة و الفعل ،إلا أننا اليوم ابشع حين نصر على القتل بالتجاهل إلا إذا اثبت لنا الآخر ان الذي بين ظهرانينا يصل طربه غلى حيث لا نتوقع!
لتستمر معاناة مطربي الحي ، كما نستمر نحن في جلد ذواتنا ، نصم الآذان أو نصغي إلى كل مطرب من حي آخر(يعيش نفس المعاناةة) إلا في حينا!!
التعليقات (0)