عندما تتوفر الامكانات المادية والفنية والادارة لدى أية دولة أو لدى شعب من الشعوب, فإن هذه الدولة تنهض وتتقدم وتتجاوز حالات التخلف والفقر والجهل, وتسير بمصاف الدول الناهضة والصاعدة باتجاه العالمية والتحكم والسيطرة.
وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة نهضت وتقدمت بخطى سريعة جداً, ووصلت الى مرحلة تؤهلها الاشتراك مع الدول الأخرى في صياغة مستقبل العالم, وذلك لتوفر أسباب ودوافع مادية وروحية, فقد توفر لهذا البلد الذي تم إكتشافه عام 1492م من قبل الرحالة كريستوفر كولومبس, وقد وصلها المهاجرون الاوروبيون عام 1601م بأعداد صغيرة, وعندما وصلها عدد كبير من الاوروبيين المؤهلين علمياً وفنياً, جلبوا معهم أعداداً كبيرة من العمال الافارقة السود, وهكذا توفرت الخبرة الفنية والعلمية الراقية والعمالة السوداء والمواد الأولية التي تختزنها الارض الامريكية, فأنتجت نهضة صناعية راقية, رافق كل هذه الامكانات ارادة قوية من قبل السكان الجدد "البيض" الذين عملوا أولاً على إبادة السكان الأصليين الذين سمّوا "بالهنود الحمر" حيث كان عددهم عند اكتشاف الارض الامريكية مليون فرد, وبعد مرور أربعمئة سنة ما زال عددهم مليون فرد وليس لهم أي دور في البناء الجديد. وعليه فإن الدولة الجديدة سارت بخطوات سريعة أشبه بأسلوب القفز وليس السير العادي, ولكن قادة الدولة الجديدة, سلكوا درب العنصرية والتعالي والغطرسة, ووضعوا لانفسهم دوراً لا يليق بهم, وهو دور قيادة العالم, فمنذ العهد الأول لقيام الدولة, أي منذ عهد جورج واشنطن قال هؤلاء القادة " أن الله أوكل إليهم مسؤولية قيادة العالم, وأنهم المؤهلون لهذا الدور" ومثل هذا القول مأخوذ من التوراة التي تشكل الجزء الاكبر من "الكتاب المقدس" الذي يدرسه البروتستانتيون الذين صاروا يشكلون نسبة تتجاوز 60% من مسيحيي الولايات المتحدة.
لا أريد أن أدخل في مناقشة لدحض ما ورد في التوراة المحرفة التي كتبها حاخامات اليهود أثناء "السبي البابلي" في القرن الخامس قبل الميلاد. ولكن الذين يدّعون أنهم مؤهلون لزعامة العالم, يجب أن يتحلوا بالاخلاق والقيم العليا, أي يتحلوا بالتسامح الديني والعرقي والطائفي, ويسعون الى إسعاد البشرية كلها, بدلاً من إستعبادها بالقوة.
ولكن مسيرة الامريكيين والصهاينة منذ البداية حتى الآن, تؤشر بعدهم عن مسار الانسانية الحقة, لأنهم بدأوا تلك المسيرة بالسيطرة على أرض ليست لهم, وأبادوا سكانها الأصليين سواء في الارض الامريكية أو في أرض فلسطين. وكلاهما امتلك القوة المادية الكبيرة وخاصة القوة العسكرية, كما امتلكوا إرادة الشر ضد الاخرين.
وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة تنفق على مستلزمات القوة العسكرية أموالاً طائلة, حيث طلب الرئيس الامريكي للعام المقبل 2011 (708) مليارات دولار, ولتكلفة الحرب في أفغانستان والعراق (147) مليار دولار. كما قدرت ميزانية الكيان الصهيوني الدفاعية مابين (10-12) مليار دولار.
ترصد هذه الارقام الفلكية للدفاع في كلا البلدين وتعاني الميزانية فيهما عجزاً واضحاً, وصارت مدانة للبنوك المحلية والدولية. فقد وصل الدين الوطني (13) تريليون دولار أي حوالي 10% من إجمالي الدخل القومي.
تمكنت الولايات المتحدة بفضل القوة المادية العسكرية من شن عشرات الحروب ضد دول العالم, ونشرت قرابة مليون جندي في قواعد عسكرية برية وبحرية في مئة بلد في العالم, وما زالت متورطة في حربين خاسرتين في أفغانستان والعراق, وقد تتورط في حرب ثالثة ضد ايران. وكذلك هي الدولة المارقة في فلسطين المحتلة فقد سيطرت على الارض العربية بالقوة العسكرية وهجرت سكانها بالقوة, وتتحدى كل القرارات الدولية, معتمدة على إدعاءات كاذبة عفى عليها الزمن مثل " المحرقة النازية".
وكما غَرُبَ نجم بريطانيا العظمى والدول الاستعمارية الأخرى في أوروبا , فإن نجم الولايات المتحدة أخذ في الغروب, وقوتها بدأت بالتدحرج من أعلى الجبل باتجاه السفوح, وكذلك هو حال الكيان الصهيوني, الذي بدأ يفقد تعاطف الرأي العام معه كما أن قوته العسكرية لم تعد تحقق له الانتصارات وخاصة منذ عام 2000م وحتى اليوم.
بعد مجزرة قافلة سفن الحرية اصطدمت الدبلوماسية الصهيونية بجدار عال من الكراهية لدى شعوب العالم وقد وصلت الكراهية, حسب دراسة لمعهد الأمن القومي الصهيوني "حداً غير معقول وغير مسبوق", وأن الدبلوماسية الصهيونية أخذت تتققهر, وأن سمعة الكيان وصلت الى الحضيض.
ما يعانيه الكيان الصهيوني من عزلة وكراهية, وما تعانيه الولايات المتحدة من كراهية وفشل في سياساتها الاستعمارية, كل ذلك يقودها نحو الانهيار القيمي والنزول باتجاه السفح ثم القاع. وهذا هو مصير كل الامبراطوريات التي اعتمدت القوة العسكرية فقط, فقد زالت ولم تعد تذكر إلا في كتب التاريخ أما الدول والامم التي شيدت حضارات إنسانية فما زالت تذكر بالخير وتشكل نبراساً للأمم الأخرى باتجاه إشاعة الخير والانسانية في العالم.
لا أقول بأن القوى العظمى سوف تندثر وتزول, ولكنها سوف تتخلى عن دورها للآخرين, وتبدأ السير مع الاخرين بالاتجاهات التي تفرضها ظروف المرحلة المقبلة.
التعليقات (0)