مصير أسرى الرأي في العهد النبوي النضــر بن الحــارث استوقفني في الايام الاخيرة طبيعة الردود التي أتلقاها على مقالاتي وطروحاتي حول المسألة اليهودية العربية، متسائلا لماذا لا يتسع صدر المسلمين للرأي الآخر، فقررت ان أنبش في العهد النبوي باحثا عن أشخاص خالفوا النبي محمد في الرأي عساني أجد ضالتي في هذا المضمار، واذا بي أقف مترويا ومتأملا بل مشدوها ومصعوقا ازاء قصة محمد مع أحد كبار مثقفي قريش النضر بن الحارث : والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، كان إذا جلس رسول الله مجلسا، فدعا فيه إلى الله تعالى، وتلا فيه القرآن وحذر قريشا ما أصاب الأمم الخالية خلفه النضر في مجلسه إذا قام فحدثهم عن أخبار الأمم السالفة والخالفة، وكان النضر واسع الاطلاع والمعرفة كثير الترحال، يكتتب ما عرفه واكتسبه من العلم خلال سفراته التجارية في بلاد الشام ومملكة فارس، وكان يصف أقوال محمد بانها اساطير الاولين اكتتبها محمد كما يكتتبها النضر وغيره.. كان النضر بن الحارث أول من قاوم الفكر الإسلامي وطعن في فكرة النبوة، وكثيرا ما كانت تدور مساجلات ومناظرات فكرية بين النضر ومحمد خلال الحقبة المكية فكان النضر يعرض تفسيرا واقعيا وعقلانيا للوقائع التاريخية رافضا نظرية محمد في تفسير التاريخ.. ومع ان محمد نجح في البداية في إقناع عدد لا بأس به من الناس الا ان قريش التى كانت أرقى حاضرة في بلاد العرب حالت دون نفاذ محمد الى هذه الشخصيات المرموقة وإقناعهم بمنطقه وكان على رأس هؤلاء "النضر بن الحارث" الرجل المثقف العاقل ذو المنطق الحديدي الذي طاف ببلاد فارس والروم، فتصدى لمحمد بكل صلابة وصلافة وحصل صدام منطقي بين عقليتين متباينتين.. ففي الوقت الذي كان محمد يرقى الى علياء النبوة والإتصال الإلهي كان النضر يتميز بعقلية تحليلية هادئة ويرد على الآيات القرآنية بالمنطق.. وأنزل الله في مضر ثماني آيات وقيل 32 آية (سيرة بن هشام) وقيل أكثر و يزخر القرآن بآيات عديدة توضح الجدال العنيف بين محمد من جهة والنضر وأصحابه من جهة أخرى، وأسوق هنا بعض الأمثلة: سورة الكهف آية 54: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل شيء وكان الانسان اكثر شيء جدلا): والمراد به النضر بن الحارث وجداله في القرآن (القرطبي). (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا.. 56): والمراد فيما روي: النضر بن الحارث وأصحابه الذين جادلوا محمد وحاولوا دحض الآيات بقوة المنطق بل وسخروا أحيانا من المنطق القرآني.. سورة الجاثية ابتداء من الآية 6: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون. ويل لكل أفاك أثيم. يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشّره بعذاب أليم. وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولائك لهم عذاب مهين): والمراد هنا ايضا النضر بن الحارث وصحبه ممن قارعوا محمد بالحجة والبرهان. الأنفال 31 : (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ان هذا الا اساطير الاولين): قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة (الجلالين) ولم يكن ما يأتي به محمد جديد على النضر بل يقرأه يوميا في كتب الأقدمين ولهذا كان يرد على محمد قائلا إن ما يأتي به من آيات قد ورد في كتب الأقوام السالفة وما هو الا أساطير الاولين والأقدمين.. ويبلغ السجال بين محمد والنضر ذروته عندما يطلب الاخير من محمد ان يأتي بآية او معجزة او بشئ من علم الغيب او اي علامة تثبت نبوته، فيأتي الرد على أقوال النضر من السماء: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك إن أتبع الا ما يوحى إليّ ..الأنعام 50): هنا يقر محمد انه ليس عنده شيئا من هذا فكان رد النضر انه لن يؤمن بنبوة محمد حتى يأتي بدليله.. وتزداد وتيرة المناظرة ويصر النضر على أن يأتي محمد بالدليل الدامغ على نبوته فهذه الأقوال التي يأتي بها ليست دليلا واضحا لأنها معروفة للنضر منذ زمن وهو الذي لا ينفك يقرأ ويطالع كتب الأولين، ومرة أخرى يأتي الرد من السماء ولكن هذه المرة يبدو من الآية ان محمد ينتظر هو الآخر نزول المعجزات والبينات وليس بامكانه تعجيل هذا الأمر: (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل انما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين..يونس 20): والآية واضحة حيث يأمر الله محمد ان يقول لمجادليه لا تعجلوا على الآيات والبينات والمعجزات فانتظروا إني معكم من المنتظرين... وفي سورة الشعراء تسلية من الله لرسوله بعد تأخر الآيات التي ينتظرها النضر وأصحابه: (لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين. ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين): ومعنى باخع نفسك "قاتل نفسك" او "مهلك نفسك" في اشارة ان محمد بدأ يفكر بالانتحار لعدم نزول الآيات التي يفحم بها النضر وجماعته، يقول تعالى إنه لو شاء لأنزل آية يخضع لها هؤلاء لكن الآية لم تنزل حتى الآن.. ثم ينزع محمد الى إكراه الناس على الايمان بما يأتي به فيعاتبه الله وينهاه عن هذا : (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.. يونس 99).. ويضيق محمد ذرعا بما يقول النضر وجماعته عن القرآن ومحمد : (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله الها آخر فسوف يعلمون. ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون.. الحجر 97).. مصير النضر بن الحارث وقع النضر في الأسر يوم بدر ولما علم محمد بأسره رفض اطلاق سراحه مقابل فدية، وأمر فاقتيد النضر وهو موثق حتى وصلوا الى مكان يسمى الصفراء فأمر محمد بقتل النضر (صبرا) اي بمنع الماء والطعام عنه وتجويعه فترك النضر وقد بلغ منه الاعياء والتعب والجوع والعطش مبلغا حتى اذا رأوا أنه سيفارق الحياة انقضوا عليه بالسيوف تنهش جسده ورميت جثته بالخلاء ومنع أهله من دفنه .........
يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ما إن تزال بها النجائب تخفق
مني إليك وعبرة مسفوحة جادت بواكفها وأخرى تخنق
هل يسمعني النضر إن ناديته أم كيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضنء كريمة في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن بأعز ما يغلو به ما ينفق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق
صبرا يقاد إلى المنية متعبا رسف المقيد وهو عان موثق
التعليقات (0)