مصيدة الجرذان:
لم يكن غريبا تهجم القذافي على ابناء الشعب الليبي الثائر ووصفه باقذع الاوصاف والتي من بينها:الجرذان!...
في داخل نفس كل طاغية تلك الرؤية الحقيقية لشعبه حتى وان لم يصرح بها!...وهي تخرج للعلن من فلتات اللسان بصيغ متعددة بين الحين والاخر،او قد تبقى مخفية لحين رحيله الى القبر!...
كلما طالت فترة حكم الطاغية...كلما ازدادت وحشيته وانحرافه مع اسرته واعوانه، وحينها تصبح رؤيته لابناء شعبه انهم مجموعة من الجرذان لا يستحقون ادنى رعاية او عناية او حتى ابسط اعتبار يدخل في قاموسه الغريب الحاوي لكافة المفردات الشاذة!...
لا تعنينا اوصاف الطغاة لشعوبهم!...فهي تنطبق في النهاية عليهم وهي دالة على المستوى الحقيقي لهم من الوضاعة والانحطاط وانحدار المستوى الادبي والاخلاقي!... فالسلطة مفسدة عظيمة لا يستطيع تجنبها الا ذو حظ عظيم!...
من هم الجرذان؟!
جرذان البشرية هم الطغاة واسرهم وحواشيهم والمنافقين السائرين بركبهم والذين يبقون معهم لغايات دنيئة في نفوسهم المريضة حتى اخر لحظة!.
اما ابناء الشعب الثائرين والبسطاء والمستضعفين فهم اعلى واسمى من كل اتهام او تجريح حتى لو اضطر البعض خوفا ورعبا او ضمانا لرزق طبيعي في ابداء التأييد الصوتي الظاهري للطاغية واعوانه...فتلك تقية تجوز لهم شرعا وعقلا للحفاظ على حياتهم من الاذى مادامت قلوبهم مليئة بالايمان والبراءة من كل اعمال الطغاة والظالمين!...وعند كل فترة تسمح الظروف لبعضهم بالهروب الى الحرية او بضعف في قبضة الافعى! نرى الفلتان والبراءة من النظام وزبانيته.
صحيح ان الشعوب تصبر على الظلم والطغيان والانحراف والتشويه...ولكن في النهاية سوف تزيل كل ذلك في فترة تنهض من سباتها وتحطم قيودها بشرارة ثورية نرى خلالها ان الفترة المظلمة لم تستطع ان تغير في نفوسهم وانسانيتهم شيئا مؤثرا بل على العكس فأن الاصرار والارادة الحرة هي التي سوف تنتصر بجدارة مهما كانت التضحيات،وهذا ما رأيناه في الثورات التي ازالت الحكم الشيوعي من اوروبا الشرقية بعد عقود طويلة او في الثورات العربية الراهنة وبخاصة في ليبيا التي خضعت لاحد اشد الانظمة همجية وتخلفا يقودها معتوه تافه لا ثقافة ولا اخلاق له!.
مصائد الجرذان!
الانسان كلمة وموقف والتزام... فاذا فقدها فماذا بقي له من قيمة ادبية؟!..
من يضطر الى تأييد النظام خوفا او حتى طمعا في فترة نفوذه وقوته قد يمنح العذر او بعضا منه!...اما اثناء الانهيار الكلي او الجزئي للسلطة الارهابية الغاشمة فالوضع مختلف تماما وبخاصة اذا كانت الثورة في اشد قوتها وتقدم الضحايا وتنادي الاحرار في كل مكان لدعمها وتأييدها حتى لو بكلمة وموقف او بصمت قد يكون مرفوضا احيانا ولكنه يمثل الحد الادنى من رد الكرامة واعادة الاعتبار!.
خلال تلك الفترة الذهبية والتي يشتد فيها الصراع بين السلطة والشعب،يكون امام الجميع وضع مصائد دقيقة الاتقان في اصطياد الجرذان الحقيقية سواء من ابناء الشعب المنافقين والفاسدين او من ابناء الخارج الذين يبيعون ضمائرهم وقيمهم الدينية والاخلاقية لصالح غايات مريبة!.
اين توجد المصيدة؟...الجواب هو انها توجد في عدة مواقع،تختلف درجة قسوتها ووضوحها!.
مصيدة الجرذان نراها في وسائل الاعلام المختلفة والتي تتبع النظام واعوانه لاخر لحظة والتي تحاول الدفاع عنه حتى النهاية وتستعين بجيوش من الجرذان المتخفية تحت اقنعة واهية وهزيلة كي تعبر عن مواقفها الحقيقية تجاه الثورة والشعب والسلطة الغاشمة!.
في ساحات الثورة والصراع سواء المسلحة او الوسائل السلمية الاخرى في الداخل والخارج وحينها تظهر الجلود الحقيقية للجرذان! وقد يكون الجرذ بلا ادنى قيمة ضمن القطعان اذا كان جلادا او قد يكون له قيمة ظاهرية في صفوف العدو المتقدمة وبخاصة من وعاظ السلاطين او مثقفيهم!.
اما ضحايا المصيدة من الجرذان الساقطة فهم المسجلون على قوائم العار السوداء الابدية التي لا يمكن غفران اصحابها ابدا عما قاوموا به من اعمال او مواقف يتجنبها الانسان الحر الواعي لقيمة الذات...لان عملية الغفران هي السماح لهم بالظهور مرة اخرى على مسرح الحياة... ومن يدري فقد يتسلقون من جديد على اكتاف الثائرين! فلديهم القدرة العجيبة على التلون وفق متطلبات المرحلة وشخوصها النافذة!...
لقد ظهرت قوائم مصائد الجرذان،بعد انتصار الثورة التونسية والمصرية وان كانت اشد وضوحا في الاخيرة بفعل كونها اكثر تنظيما من الاولى التي جاءت عفوية وفاجئت الجميع بأنطلاقتها وانتصارها بينما استعدت الثانية مستفيدة من تاثير زخم الاولى المعنوي ومن صلابة ابنائها على تحقيق النصر التام.
لم تكن قوائم العار كاملة!...فالسلسلة طويلة جدا وتحتاج الى مجموعات مراقبة وفحص وتدقيق للمصائد المنصوبة وحفرها المنتشرة،فقد تفلت بعض ضحايا مصائد الجرذان المتناثرة، مستغلة غفلة الثائرين وانشغالهم بمرحلة ما بعد الثورة!.
كذلك فأن تلك القوائم سوف تصبح عديمة الجدوى والتأثير اذا لم تكن مرافقة لها عقوبات مادية او معنوية تتناسب طرديا مع حجم الجرم المرتكب وتأثيره!...ففي العقوبة المناسبة تمنع جرائم عدة في المستقبل وتبنى الاجيال الجديدة على نبذ بيع الذمم والنفوس لكل من هب ودب! كما ويعوض الضحايا الابرياء ولو نسبيا برد الاعتبار لهم وهو اقل رد لتضحياتهم الجسيمة!.
تابعوا المصائد!
في متابعة مصائد الجرذان متعة حقيقية بالفعل للواقع والخيال ومنها يتبين حجم الانحراف وآثاره وسلبياته... فأثناء الثورة المصرية الكبرى سقط الكثيرون فيها من مثقفي السلطة ورجالاتها والفنانين ومن جميع الاتجاهات!...فلم تمنع اللحية وقصات الشعر الغريبة اصحابها من الانزلاق في حفرة الجرذان! كما لم تمنع يمينية او يسارية صاحبها ايضا من الخلاص من هذا المستنقع القذر!...فالجرذان على اشكالها تقع!...
الان نشاهد في مصائد جرذان الثورة الليبية الكبرى،وقوع عدد وان لم يكن كبيرا بسبب قوة الثورة وتأثيرها وخروج مناطق كثيرة من يد القذافي وتبرأهم منه وبالتالي فأن العدد وان لم يكن كبيرا الا ان شدة الصراع الدموي والذي اظهر المستوى الحقيقي لوحشيته وقبحه،فأن المصائد سوف لن تكون الا للجرذان الكبيرة القبيحة الشكل لان شكل المصيدة سوف يكون كبيرا وبالتالي فأن الجرذان الصغيرة سوف ترتعب من رؤيتها ولا تقترب منها الا الكبيرة التي يظهر غبائها من خلال طمعها في حجم الغذاء الموجود في داخل المصيدة!.
ويمكن يوميا في وسائل اعلام القذافي رؤية بعض تلك الجرذان القبيحة الشكل ولشدة غبائها انها لم تخفي وجهها الحقيقي تحسبا للمستقبل وتقلباته!...
الكثير من تلك الجرذان تبعث على السخرية منها من يريد ان يعمل شهادة دكتوراه على خطاب القذافي اثناء الثورة الذي تضمن عبارات: شبر شبر... بيت بيت...شارع شارع...زنكة زنكة!.
او من يؤيد النظام من خارج البلاد، واخر المؤيدين الساقطين في المصيدة هي الفنانة المصرية شيرين التي لم تتأثر لا بثورة بلدها وقيمها العالية ولا بصور الشعب الليبي المنكوب المأساوية،فأخرجت للعلن صورتها البشعة الحقيقية...انها كانت لبؤسها: سوداء لا احد يقدر على النظر اليها!.
خير حياة ان تختتم بموقف او كلمة حرة...
وبؤسها من ان تقع في مصيدة الجرذان!.
التعليقات (0)