مصطفى بايتاس البعمراني، أستاذ باحث متخصص في الشؤون الدبلوماسية والسياسية، تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة العمومية (السلك العالي)، وهو الآن بصدد إعداد الدكتورة حول موضوع: " الدبلوماسية غير الحكومية ودورها في الدفاع على القضية الوطنية" والمتوخى منها إعطاء الانطلاقة لإحداث مركز للدراسات المتخصصة في الدبلوماسية غير الحكومية، نستوقفه لحظة لمحاولة سبر جانب من درب دبلوماسيتنا غير الرسمية ودورها في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى.
مؤلفات إدريس ولد القابلة
http://okdriss.elaphblog.com/posts.aspx?U=2489&A=87381
كيف تقيمون دور الدبلوماسية الحزبية في الدفاع عن قضيتنا الوطنية الأولى: قضية الصحراء المغربية، على الصعيد الدولي؟
يبدو لي أنه قبل الحديث عن الدبلوماسية الحزبية المغربية، لابد من الحديث عن الدبلوماسية غير الحكومية والتحولات التي عرفتها على المستوى الدولي. فقبل 15 سنة الماضية لم تكن هذه الدبلوماسية تلعب دورا كبيرا. لكن مند فترة أصبح للدبلوماسية غير الحكومية – والتي تشمل الدبلوماسية الحزبية والمجتمع المدني- دورا كبيرا، خصوصا بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها، ومنها دورها في إخراج المحكمة الجنائية الدولية للوجود ودفاعها المستميت على الأدوية الجنيسة التي أصبحت اليوم متداولة بأثمنة مناسبة إلى غير دلك من الانجازات، وبالتالي كانت 15 سنة الأخيرة مرحلة التأسيس الحقيقي للدبلوماسية غير الحكومية.
أما بالنسبة للمغرب للأسف الشديد، أعتقد أن التراكمات لإعادة تأهيل المشهد السياسي الحزبي يلقي بظلاله على هذه المسألة، لأنه لا يمكن أن نتحدث عن الدبلوماسية الحزبية بعيدا عن الأحزاب السياسية. إن هذه الأخيرة تعاني والمشهد السياسي مشتت مع ضعف بيّن في الأداء، كما يزداد العزوف السياسي مع كل مرحلة انتخابية. في ظل هذا الجو العام يكاد يكون دور الأحزاب السياسية الدبلوماسي منعدما، وبالتالي إن إعادة الاعتبار للمشهد السياسي وفي المنظومة السياسية المغربية سيكون له عظيم الأثر في تفعيل الدبلوماسية الحزبية المغربية.
هناك من اعتبر أن اللقاء الذي خصه جلالة الملك لأمناء الأحزاب السياسية كان بمثابة توبيخ عن تقاعسها في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى خارجيا، ما رأيكم في هذا القول؟
إن صاحب الجلالة محمد السادس منذ اعتلائه العرش وهو يبعث رسائل قويّة في خطابات متعددة لضرورة انخراط الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في الدفاع عن القضايا المصيرية ، ولكن للأسف الشديد هذه الأحزاب، نظرا للتراكمات المشار إليها سلفا، لم تستوعب الإشارات الملكية، لذلك كان اللقاء الأخير بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس. هكذا باتت الأحزاب السياسية في وضعية لا تحسد عليها.
إن الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 34 للمسيرة الخضراء كان واضحا جدا، يدعو جميع الفعاليات الحية في البلاد للانخراط في هذا المشروع. هناك وثيقة حقيقية يمتلكها المغرب وجب الاشتغال عليها، إن الحكم الذاتي كوثيقة تفاوضية مهمة بإشادة من المنتظم الدولي ، ولو اشتغلت الأحزاب السياسية على هذه الوثيقة فأنا متأكد من أن النتائج ستكون إيجابية على قصية وحدتنا الترابية. إذن الإشارات كثيرة إلا أن الأحزاب السياسية لم تلتقطها ولم تستوعبها نظرا لأسباب كثيرة منها الضعف على مستوى الأداء السياسي والغرق في الصراعات الجانبية التي أصبحت حديث الجميع ، كلها أسباب ساهمت في التأثير بشكل سلبي على القضية الوطنية بصفة عامة، فإن لقاءات من هذا النوع جاءت إلا لكي تأكد أن ناقوس الخطر قد دُقّ وأن قضيتنا الوطنية تمرّ بمحنة وعلى الأحزاب السياسية أن تختار إما أن تنصهر وتشتغل على هذا الملف و إما أن تعلن صراحة أنها غير قادرة على ذلك. إن الكرة اليوم في ملعب الأحزاب السياسية التي عليها أن تقول كلمتها.
هل في مقدور أحزابنا السياسية بلورة رؤية شاملة واستراتيجية لجعل الدبلوماسية الحزبية فاعلة وفعّالة في الدفاع عن قضيتنا العاجلة على الصعيد الدولي؟
ما زال الوقت سامحا لكي تنتفض هذه الأحزاب من سباتها العميق ، إن هي أرادت اليوم أن تبلور سياسة شاملة واستراتيجية لجعل الدبلوماسية الحزبية فاعلة وفعّالة يجب بداية أن تحارب علّاتها السياسية في حد ذاتها، ثانيا يجب خلق هيئات تنسيقية على الصعيد الوطني من أجل صياغة بلورة استراتيجية وطنية ، طبعا هذه الرؤية وهذه الاستراتيجية لا يجب أن تكونا بعيدة عن الدبلوماسي الرسمي ، علينا أن نعرف أن الدبلوماسيات الموازية في الدول المتقدمة تكون انعكاسا وشيئا مكملا للدبلوماسية الرسمية. إن المجال المحفوظ اليوم أصبح ممارسة من الماضي وأمر متجاوز، نعيش الآن مرحلة جديدة وعولمة متوحشة إن لم نواجهها بالشكل المطلوب سوف تأكلنا، وبالتالي أعتقد أن على الأحزاب السياسية أن تخلق تنسيقيات فيما بينها ويكون الهدف منها هو إعداد إطارات محلية وجهوية ووطنية من أجل صياغة رؤية شاملة ومن أجل التعامل مع الملف بشكل استباقي لأن الاكتفاء بالعمل المناسباتي يسيء للقضية الوطنية. ثم يجب على هذه الأحزاب أن تشتغل لكي تحظى بما يسمى الوضع الاستشاري ( le statut consultatif ) مع نظيراتها على الصعيد الخارجي، الأوروبي والإفريقي ، وهذا سيساعدها أن تحصل على مصداقية لدى المنتظم الدولي حتى يكون لها دورا فاعلا في الدبلوماسية الموازية دفاعا عن القضية الوطنية.
هناك رأي يقول، اعتبارا لوضعية أحزابنا السياسية الحالية، من الأفيد عوض إشراكها في بلورة استراتيجية عامة للدفاع عن قضيتنا دوليا، الأولى أن تقوم الدولة ( أو إحدى مؤسساتها) بتأطيرها ضمن رؤية أو خريطة طريق وتكليفها بمهمة؟
إن الدستور واضح في هذا المضمار، إن الأحزاب هي التي تقوم تأطير المواطنين، إذن أن تقوم هيئات أخرى تأطير الأحزاب أعتقد بأنه شيء يتعارض مع الدستور. لكن الأساسي هو أن على هذه الأحزاب أن تشتغل – كما قلت سابقا- مع الدولة بشكل تنسيقي من أجل أن تكون الدبلوماسية المغربية بصفة عامة دبلوماسية متكاملة. لكن أن تقوم جهة معينة تأطير الأحزاب لا أعتقد أن يكون أفيد لأنه حينما نؤطر الأحزاب نحاول أن نجد بديلا للدبلوماسية الرسمية ، وهذا غير مطلوب حاليا. يجب على الدبلوماسية الرسمية أن تشتغل وفق اعتبارات عامة تنظر إلى مصلحة البلاد والأحزاب السياسية يجب أن تكمّل هذا الدور وفق برنامج خاص ذي طابع حزبي وسياسي تكون له مصداقية لدى الأحزاب في الخارج وآثار إيجابية.
لكن، هل المغرب يتوفر فعلا على رؤية واضحة واستراتيجية فعّالة لإقناع العالم بعدالة قضيته؟
المغرب يتوفر على قضية عادلة ولكنه للأسف الشديد لا يتوفر على محامي بارع. إن المسجل اليوم أننا لسنا على ما يرام على المستوى الدبلوماسي، ويكفي أن ننظر إلى حصيلة سنة 2010 ، فسنرى أن السلبيات أكثر من الإيجابيات، في حين أن الانتصارات الدبلوماسية تعد على رؤوس الأصابع.
أعتقد أن المغرب يشتغل على ملف الصحراء بشكل مناسباتي وبشكل دفاعي، في حين أن المطلوب اليوم هو العمل على هذا الملف بشكل استباقي وهجومي . إن أعداء وجدتنا الترابية يتربصون بنا في جميع المنتديات والملتقيات، ولا يكمن الاكتفاء ببعض البيانات هنا وهناك، والتي في بعض الأحيان تكون متسرعة وقد لا تراعي المصلحة العامة . يجب على المغرب أن يغيّر استراتيجيته من دفاعية إلى هجومية ، كما قلت إن قضيتها عادلة ولكن المدافع عنها يجب أن يكون محاميا بارعا.
لقد سبق للخطاب الملكي لغشت 2002 أن تضمن توجيهات واضحة، كما دعا لأوراش عمل قصد الإنحراط في حراك دبلوماسي متغير بسرعة ومحكوم بالمصالح وكذا لتأهيل الجهاز الدبلوماسي وتحديثه، و ها قد مرت 8 سنوات ولم نعاين أية حركية واضحة وحقيقية للتغيير في هذا المضمار، هل هي علامة فشل دبلوماسيتنا في مهمة الدفاع عن قضيتنا الوطنية الأولى؟
أعتقد أن العراقيل التي تقف في وجه الإصلاح من أجل خلق حراك دبلوماسي متغيّر متعددة وكثيرة . إن بلادنا تتوفر اليوم على 88 تمثيلية قنصلية ودبلوماسية خارج الموطن وفي دول جد مهمة ، لكن مع الأسف ما زال الأداء لم يرق إلى المستوى المطلوب، وذلك أولاّ لأن هذه المؤسسات تقوم بالمهام الإدارية أكثر مما تقوم بالمهام السياسية ، إن المهام القنصلية تأتي في الدرجة الأولى . إن ضعف التأهيل على المستوى السياسي والدبلوماسي تثير مجموعة من التساؤلات في هذا الإطار. وهناك كذلك إشكالية التوريث، نجد أسماء نافدة تشتغل في الحقل الدبلوماسي منذ سنوات مما قد يعرقل الانفتاح الدبلوماسية الرسمية على الكفاءات الوطنية ، خصوصا أبناء الأقاليم الجنوبية الذين يعيشون ملف الصحراء بشكل يومي. هذا بالإضافة إلى أن هناك غياب مؤسسات للتأهيل والتكوين الدبلوماسي هو الآخر يؤثر على أداء المؤسسة الدبلوماسية. إن ضعف الموارد والإمكانيات والتباين على مستوى الأداء، كل هذا ساهم في تقليص النتائج المسجلة. علما أن هناك تمثيليات تم إحداثها مؤجرا، مثلا سفارة المغرب في أستراليا، أبلت البلاء الحسن إذ أن الوفد الرسمي الأسترالي الذي زار المغرب كان نتيجة عمل ميداني قامت به السفارة . وطبعا إن الانفتاح على الدول الجديدة التي لم تكن على العلاقة بالملف منذ القدم سيكون إيجابيا في الطرفية الحالية. يجب أن نخلق لأنفسنا مساحات دبلوماسية جديدة، وأن ننطلق نحو معالم جديدة لأنها سهلة الولوج والتفاعل مع الملف بشكل إيجابي، لأنه لا يمكن أن ننغلق على ما يمكن أن نطلق عليه "الشركاء التقليديين" (التحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية)، ولكن الانفتاح على فضاءات أخرى لتقديم النموذج المغربي الذي يعتبر ذا جاذبية كبيرة على المستوى الاقتصادي والحقوقي والاجتماعي .
هل تعتبرون أن مبادرة الحكم الذاتي حظيت فعلا بالتسويق الدولي والخارجي اللازم والمنتظر؟
حققت مبادرة الحكم الذاتي انتصارا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا، حينما قدم صاحب الجلالة هذا المقترح أحرج الخصوم ، وبالتالي أوضح أن هناك نية حقيقية من طرف المملكة المغربية لطي هذا الملف بشكل نهائي ووفق مقاربو ذات جاذبية كبيرة. لكن للأسف الشديد أضعفت الأحزاب السياسية هذه المبادرة وساهمت في ذلك بتقاعسها وسباتها العميق.
وأعتقد أن مبادرة من هذا النوع ومن هذا الحجم لم تحظ بالتسويق الدولي والخارجي اللازم . فإذا كما نقول أن القرن العشرين هو قرن الدول فإن القرن الواحد ن العشرين هو قرن المدن والجهات، وحينما يأتي المغرب بهذه المبادرة فإنه لا يختلف مع التطورات والتحولات التي يعرفها العالم، بل على العكس من ذلك، المغرب يقدم اليوم جوابا شافيا للمشكل وفق المنظور الغربي والدولي لمعالجة الاختلالات والحركات الانفصالية في العالم. والحالة هاته، على الأحزاب السياسية الآن أن تراجع نفسها وأن تقدم لهذه المبادرة ما تستحق من تسويق دولي وخارجي.
هل هذه المبادرة لم تحظ بالتسويق المنتظر من طرف الدبلوماسية الرسمية ولا من طرف الأحزاب السياسية؟
أعتقد بأن الدبلوماسية الرسمية ركزت كما أسلف الذكر على الدول التقليدية، لكن الأحزاب لم تقم بأي شيء يذكر.
عندما نقول أن دبلوماسية الأحزاب لا تشتغل، فماذا المقصود بهذا؟
نجن نملك أكثر من 30 حزبا مغربيا تنتمي إلى مشارب إيديولوجية مختلفة، يمين ويسار وأحزاب ليبرالية وأحزاب وسط إلى غير ذلك، هذه الأحزاب ألا تملك نظيراتها في العالم ؟ فلماذا لا تنفتح أحزابنا على نظيرتها في العالم لشرح مبادرة الحكم الذاتي؟ وبالنسبة للمجتمع المدني، نعرف بأن جبهة البوليساريو تقوم بخروقات بالجملة ، وعلى المستوى الدولي يتعاطف المنتظم الدولي مع ضحايا الألغام، فهل استثمرنا هذا الملف؟ وهل شرحنا للعالم أن المساعدات الغذائية تحول إلى نواكشوط لتباع في الأسواق؟ وما هذه إلا أمثلة لملفات تقاسمنا فيها جهات نفس الهموم.
على أحزابنا أن تتفاعل مع ملف الصحراء بشكل يومي، وأن تتوفر على خلايا المتابعة إن هي أرادت أن تحصل على الوضع الاستشاري في القضية ولكي تحظى بالمصداقية الدولية.
يبدو أن طي ملف النزاع المفتعل يستوجب جبهة داخلية قوية ودبلوماسية رسمية وموازية فاعلة وإستباقية، فما هي أهم العوائق في وجه تحقيق هذه المعادلة؟
بالنسبة للجبهة الداخلية الدولية على الصعيد الشعبي أقول أن المغرب اليوم يتوفر على جبهة قويّة، والدليل هو أن ما نراه وما نسمعه عن الوقفات والخرجات وآخرها المسيرة الحاشدة التي احتضنتها الدار البيضاء. أما على المستوى الداخلي، هناك تناطحات سياسية، وما وقع في بريتوريا يطرح أكثر من علامة استفهام. ومهما يكن من أمر يجب أن نسائل هذه الأحزاب، لأنه حينما نقف على قضية الوحدة الترابية يجب أن نقف وقفة الرجل الواحد وأن نترك جميع الخلافات السياسية الجانبية وأن ننطلق إلى ما هو أهم لأن الأمر يتعلق بقضية مصيرية.
أما بالنسبة للدبلوماسية الرسمية، فهي تشتغل لكن بشكل مناسباتي وبشكل دفاعي، في حين أن الدبلوماسية الموازية عليها أن تقوم اليوم بما عجزت أن تقوم به الدبلوماسية الرسمية. لا زالت الدبلوماسية غير الرسمية هي الحلقة الأضعف في الملف ككل.
مؤلفات إدريس ولد القابلة
http://okdriss.elaphblog.com/posts.aspx?U=2489&A=87381
التعليقات (0)