هذا السؤال ظل مطروحا منذ الأيام الأولى التي تلت سقوط الرئيس السابق حسني مبارك. لكنه مازال مطروحا حتى الآن وبشكل ملح. حيث ينتاب المصريين قلق كبير على ثورتهم. ربما لأنهم اعتقدوا أن مصر الجديدة ستقطع كل أشكال الصلة مع سالفتها بمجرد رحيل مبارك وزبانيته. سقط الرئيس، وبدأت مرحلة تصفية إرث أسود من التاريخ السياسي في مصر. لكن مسارات ما بعد " الثورة" لم تكن في مستوى تطلعات المصريين. فقد بدا واضحا أن المشهد العام تتقاسمه قوتان متجاذبتان هما: المؤسسة العسكرية التي تحكمت في المرحلة الانتقالية وجماعة الإخوان المسلمين التي قدمت نفسها كبديل للنظام السابق. وقد دفع هذا المشهد كثيرا من المصريين الذين علقوا آمالا واسعة على المستقبل إلى الخوف مما يجري، فالبلد أصبح على فوهة بركان ساخنة.
" مافيش فايدة "، هذا هو لسان حال الكثيرين في مصر. هي كلمة تختزل اليأس الذي تسرب إلى النفوس. غير أنها أيضا تحيل على حقيقة أساسية مفادها أن إسقاط الأنظمة ليس وحده السبيل إلى القطع مع ممارسات الماضي. فهذا الماضي مازال يعيش في مصر ما بعد الثورة، هو يتنفس هواءها، ويرقص على إيقاعات شعارات ميدان التحرير مع الراقصين، ويشتم مبارك وصحبه مع الشاتمين... لكنه متمنع متشبث بالبقاء. وهو حتما سيبقى طويلا، فالأمر لا يتعلق بتغيير الأشخاص، بقدر ما يتوقف على تغيير العقليات. وعندما لا ترى جموع الشعب فائدة في كل ما يحدث، عندما لا يرى المواطن البسيط ذلك التغيير الذي كان يحلم به، فإنه يشكك في الجميع ولا يقتنع بجدوى "الثورة". وأسباب الشك تتزايد يوما بعد يوم سواء في المعسكر الذي يناصر الجنرالات ويرفض المد الإخواني، أو في التيار الذي يدعم التغيير ويرفض وصاية العسكر.
صحيح أن إرث العهد السابق ثقيل جدا، والحالة التي أوصل إليها البلد تحتاج إلى سنوات طويلة من الترميم وإعادة البناء، لكن الشعب يريد كل شيء اليوم وليس غدا. وهو ينتظر مؤشرات تجعله على يقين بأن عهد مبارك قد انتهى فعلا. هذه الرغبة في جني ثمار "الثورة" بسرعة قياسية تفرض ضغطا عاليا على كل الفرقاء خلال هذه المرحلة الإنتقالية. كما أن غياب الثقة في كثير من مؤسسات الدولة باعتبارها امتدادا للعهد السابق، يعرقل السير العادي للمشاريع الإقتصادية والسياسية الضرورية لتجاوز المرحلة الإنتقالية. وهذا التخبط المرتبط بتبعات حل البرلمان والإعلان الدستوري المكمل وكل القيل والقال المتعلق بالإنتخابات الرئاسية وصلاحيات الرئيس المنتخب في ظل غياب دستور فعلي... كل هذه التفاصيل أهلت البلد ليصبح على حافة الكارثة. وهو ما من شأنه أن يبقي مصر في وضع من الغموض و اللاستقرار ينذر بالتحول إلى حالة من الفوضى العارمة في أية لحظة. ففي الوقت الذي يبدي فيه المجلس العسكري الحاكم في كل مرة حرصه على حماية مكتسبات الثورة والالتزام بإرادة الشعب، لا يخلو ميدان التحرير من المعتصمين والمحتجين الذين يعتبرون نزولهم إلى الشارع باستمرار الضمانة الوحيدة للضغط على المسؤولين وانتزاع مطالبهم.
وتواصل جو عدم الثقة هذا ينذر بالخطر إلى درجة تكاد تكون تكرارا للتجربة الجزائرية خلال السنوات الأولى من عقد تسعينيات القرن الماضي. فقد أصبحت مصر مسرحا لصراع معلن بين الخيارين العسكري والإخواني. وفي الحالتين معا يبدو أن طريق الخلاص مازال طويلا وشائكا. محمد مغوتي. 23-06-2012.
التعليقات (0)