للأسف .. الشعب المصري يفتقد حالياً تقنيات الرصد السلوكي و الإجتماعي للظواهر والتغيرات التي تمر بها تركيبتة الاجتماعية ..
فالمؤكد واليقيني .. أن القشرة الاجتماعية لمصر تتغير بقوة ..وفجائية .. ودون سيطرة ..و دون معرفة حقيقية إلى أين تتجه .. و متى تستقر ..
فالثورة التي اشتعلت في ميدان التحرير كان مفجرها الأوحد تيار الشباب الصاعد بلا بوصلة ، وبلاهوية، ولا أمل ، ولا مستقبل ، مدفوعاً بقوة هائلة من الإحباط والشعور بالظلم السلطوي ..
وهذه الثورة نفسها كان وقودها الأخصب قد اشتعل في صدور طبقة العمال والموظفين والعاطلين والمهمشين والطبقة المنسحقة بكاملها إضافة إلى بقايا الطبقة الوسطى مدفوعة بالظلم الإجتماعي ..
قامت الثورة .. واندلعت .. واشتعلت .. وهزمت النظام ..ونجحت في إقصائه عن سدة الحكم ..
وقد توارى نظام الحكم المستبد كأحد آثار الثورة .. ولكن العجيب هو غياب القوى الشعبية مشعلة الثورة وصاحبة حق الملكية لها ..
اندلعت كمثل إعصار "تسونامي" هاج من قلب محيط الغضب الثائر فاندفع في ليلة25 يناير إلى شاطئ ميدان التحرير ليحطم كافة دعائم وأركان وملامح نظام الحكم المستبد ، وليعود حاملاً ركام النظام المباد إلى عمق المحيط الساكن..
فانظروا ماذا ظهر على الشاطئ عقب الإعصار ؟
كمثل الكواسر والعقاب والجوارح من الطيور التي تحوم فوق الركام والحطام و بقايا الفرائس .. انكشف شاطئ مصر ومسرح حياتها عن جماعات التيار الأخواني ، والتيار السلفي .. والتي زحفت على الأرض وانتشرت على وجهها بصورة غير طبيعية وغير منطقية وغير متخيلة وغير متوقعة بهذه الكثافة ولا بهذه الشراسة ..
وهنا يأتي حديثنا عن " التيار السلفي " الذي كانت مفاجأته الكبرى أنه باغت مصر نفسها بانشعابه من رحمها وانتشاره في كافة أركانها وزواياها وربوعها .. انفجرت ظاهرة (حازم أبو اسماعيل) الذي لم يكن 99% من شعب مصر قبل ثورته يدري عنه شيئاً ..
ولم تكن له سابقة في العلم ولم يكن صاحب نظرية علمية أو اختراع .. ولا في الأدب فلم تكن له رواية أو قصيدة أو قضية أدبية ... ولا في الدين فلم يكن صاحب مذهب أو مدرسة أو فتوى .. باختصار .. انفجر حازم أبو إسماعيل وتياره السلفي فجأة ..والمثير أن حازم أبو إساعيل أظهرته "الميديا" في صورة لا تقل عن صورة "يسوع المخلص " عند المسيحيين ... ولا تقل عن صورة صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين عند المسلمين .. ولا تقل عن صورة المهدي المنتظر عن طائفة الشيعة من المسلمين ...
كيف هذا ؟ .. ومتى كان هذا ؟ وأين كان هذا ؟ لا أحد في مصر كلها يدري .. لكن الذي يلاحظه الجميع أن مصر كلها صارت رهن "جماعات" و"تيارات" تتعامل مع مصر وطناً وشعباً ..
في منطقة "إمبابة" التي دارت على أرضها أعنف معارك المماليك ضد الحملة الفرنسية على مصر..وفي أوائل الثمانينات "بداية حكم مبارك" ونتيجة لسيادة العشوائيات و ظاهرة البلطجة والاحتقان الطائفي ، انتعشت التيارات المتطرفة في "حي ومنطقة " إمبابة" الشعبية " فقد سيطر عليها التيار المتطرف بزعامة "جابر الطبال" وجابر هذا كان يعمل طبالآ بالأفراح وبلطجياً ثم أعهلن التوبة و أقامه التيار المتطرف أميراً للجماعة فأعلن جابر الطبال قيام "جمهورية إمبابة" المستقلة عن مصر .. وهذا ما استدعى تحرك الجيش ببعض الدبابات لدك معاقل التيار المتطرف والقبض على" جابر الطبال " وتحرير إمبابة وإعادتها إلى السيادة المصرية من جديد !!!!
الآن ليست إمبابة .. بل مصر كلها وبغرقها في بركة العشوائيات الاجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية ..
فقد سقطت مصر كلها تحت سيطرة التيار الجهول غير الحميد المستتر بعباءة الدين لتعود إلى الحياة من جديد ظاهرة "جابر الطبال" ولكن في صورة أشد حداثة تتواكب مع طبيعة المرحلة .. وليسيطر التيار المتطرف ليس على "منطقة" وحي إمبابة الشعبي ..ولكن هذه المرة على مصر كلها ..وليعلن هيمنته على مصر وطناً وشعباً ..
وبحسابات التاريخ .. بقيت المواجهة .. وهذه المرة .. الموضوع أكبر من استدعاء بعض الدبابات ...
التعليقات (0)