لم تسعفني طفولتي لإدراك واستيعاب وقائع الإعجاز التكتيكي العسكري والبطولي للجيش والشعب المصري بقيادة القائد الداهية الرائع( أنور السادات) في ملحمة حرب أكتوبر 1973 والتي أذهلت العالم أجمعه في فجائيتها الصاعقة واحترافيتها المذهلة التي كشفت عن عقلية مصرية خلاقة ومبدعة تتعملق وتبدع في الأزمات الخانقة والقاتلة تدعمها مساندة لوجيستية تلاحمية وتضامنية عربية فوق التصور وفوق الخيال ...
حرب أكتوبر كانت من الأيام المشرقة والخالدة والمضيئة والمشرفة في السماء العربية قاطبة ..
وفي هذه الأيام نشهد قبساً مضيئاً من ذات نور تلك الأيام الخالدة وإن كان الظرف مغايراً إلا أننا نستنشق أنفاس "أكتوبر "العطرة في جميع الوقائع التي تمر بها العظيمة "مصر" وهي تدير دفة التاريخ نحوها ليشهد مسيرتها نحو الحرية باعتزاز واعتداد بالنفس بينما أنفاس العالم تلهج وتتلاحق وهي تتابع لحظة بلحظة وقائع ميلاد فَجْرٍ مصري جديد يعيد تشكيل ترتيبات موازين القوى في العالم أجمع ...
مصر التي حبلت بثورة شبابها الغض البض النضير في 25 يناير2011 والذي جعل ميدان التحرير واجهة المشهد في العالم أجمع على مدى أكثر من أسبوعين كاملين كانت تدور على أرضه رحى معركة الشباب البريء مع قوى الاستعباد والاستبداد والاستنزاف التي عششت في أركان النظام الذي يتبوأ سنامه محمد حسني مبارك ..
تنقلت وتدرجت أصوات الثورة في علوها من الاحتجاج الصامت المكتوم إلى التظاهر الجهوري .. إلى المطالبات المتصاعدة في سقفها الذي انتهى إلى المطالبة بإسقاط الرئيس مبارك وتحميله وحده سداد الفاتورة الكاملة ..اهتزت مصر تحت وقع أقدام مئات الألوف الذين بلغوا أرقاماً بالملايين هز هديرها جنبات العالم أجمع ..
ضخامة المظاهرات أوجبت اتخاذ القرار بنزول الجيش إلى الشوارع .. ثم حدث ما نعلمه من أحداث غاية في الخطورة تراوحت بين الإثارة والمأساوية ..
وبعيداً عن جوانب المؤاخذات والسلبيات والكوارث الاقتصادية والاجتماعية المحركة والدافعة لثورة الشباب على نظام الحكم في مصر .. فإنه على الجانب الآخر الأوسع مدى (الجانب الدولي) كانت تدور رحى مباراة من أروع المباريات التكتيكية التاريخية المثيرة التي شهدتها في حياتي ..
مباراة طرفها الأول ( مصر) ممثلة في رئيسها وجيشها وجهاز مخابراتها وجهاز أمنها القومي والطرف الآخر (أمريكا) ممثلة في مصالحها وسلاح معونتها الضاغط وإسرائيل وإيران وفرنسا والاتحاد الأوربي وقوى المصالح والطامع الغربية الشرهة الشرسة والتي تهيأـ للانقضاض على مصر باعتبارها فريسة أسقطتها الاحتجاجات الشعبية وأزمتها الداخلية بين أنياب أوباما وباراك وخامئني وبرلسكوني وساركوزي وجون بولتون وغيرهم وغيرهم ..
حتى وصلت الحماقة ووصل الغباء بكبيرهم الأبله (أوباما) إلى إصدار الأوامر والإشارات والإملاءات والاشتراطات والتوجيهات لمصر ممثلة في رئيسها مبارك وكأن مصر جارية (هندية حمراء) تابعة للبلاط الامبراطوري الأمريكي !!!
وكان سلاح (المعونة ) الملعونة هو ورقة التهديد التي لوح بها الأحمق أوباما في وجه مصر ما لم تتبع توجيهاته وإملاءاته الخرقاء .. وهنا يعيد التاريخ نفسه.. يظهر المعدن العربي المصقول الأصيل .. مثلما فعلها العظيم الملك فيصل رحمة الله عليه حينما كان نعم السند ونعم النصير لمصر وقد دعمها بالمال والدماء في حرب أكتوبر المجيدة ..
وقرر منع البترول عن أمريكا ومن يساند إسرائيل في الحرب ..وقال قولته الأشهر التي حفظها له التاريخ وحفظتها له مصر بين عينيها .. ( البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي ..وقد كنا قبل البترول نرعى الغنم ونسكن الخيام ونأكل التمر ونحن على استعداد أن نعود إلى الخيام والغنم والتمر في سبيل نصرة الأشقاء أبناء الدم في مصر وسوريا) ..
وها هو التاريخ يعيد نفسه .. حين يمتطي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية صهوته لينذر أوباما ويحذره من محاولة هز الاستقرار في مصر واللعب بورقة المعونات ومحاولة خنق مصر وتطويع ظروفها وفقاً للإملاءات الأمريكية ومحاولة إضعاف مكانة وقرار مصر بسلاح إيقاف (المعونة) الملعونة وأن السعودية ستدعم مصر بكل ما في وسعها .. وأنها ستضع جميع إمكانياتها بلا حدود في سبيل الوقوف إلى جانب مصر.. يا الله على هذه الأمة التي تنتفض وقت الأزمة فيشد بعضها بعضاً ..
لم أكن أعلم قبل اندلاع الأحداث في مصر مدى ما تمثله مصر وجيشها من امتداد وعمق وثقل استراتيجي للمملكة العربية السعودية خاصة ودول الخليج عامة في وجه الخطر الإيراني ..
كما لم أكن أعلم قبل هذه الأحداث مدى الرابطة الوثيقة المتينة الراسخة والعميقة والقوية حد الفولاذ بين مصر والسعودية باعتبار توحدهما معاً في مواجهة الأخطار والأطماع الخارجية والدولية المشتركة ..
وإزاء الخطابات والتصريحات الأمريكية المضطربة والمهتزة والمنكشفة والوقحة فإن مصر والسعودية وأمام ثبات مواقفهما وحسن إدارتهما للأزمة ولغتهما (التضامنية) والتنسيقية القوية في مواجهة الصلف والحماقة والغباء الأمريكي .. فإننا نؤكد أننا في طور اكتشاف المكانة والوزن والثقل الحقيقي للعرب في مواجهة الصفاقة والتياسة والحماقة والابتزاز والأطماع الخارجية المعادية للعرب حتى ولو كانت تحمل (شارة) القوة العظمى الأولى في العالم ويجلس على رأسها موتور أحمق اسمه (باراك أوباما) وتابعه (ايهود باراك ) .. ننتظر أمة عربية جديدة تمثل قوة من قوى الموازين الدولية في عالم القوى العظمى التي لم تعد أي لغة تصلح (أمام أطماعها واستعلائها) سوى لغة منتظر الزيدي وحذائه !!!!...
التعليقات (0)