لا أريد ان يأخذنى الغضب لأصف ما يحدث فى مصر بالسفه وعقم الفكر الناتجين عن الاضطراب الذى أصاب القائمين على أمور الوطن , والارتباك الذى يهز خطاهم ويملأ طريقهم بالحفر والمنزلقات , ذلك أن ما يحدث الآن يجعل من ثورة 25 يناير وتوابعها نكبة حلّت بالوطن ويحوِّل أفراحنا بها إلى أحزان وآمالنا فيها إلى معالم شائهة على طريق يأس مرير , وسأنطلق فى ذلك من أمرين فى غاية العجب يحدثان الآن فى المؤسستين اللتين يناط بهما رعاية العقل المصرى وتعهده بالعناية وإنارة طريقه بالوعى والتثقيف وهما : المؤسسة الثقافية ممثلة فى وزارة الثقافة والمؤسسة التعليمية , والذى حدث فى المؤسستين ينبع من توجه واحد وينتجه عقل مشترك . أولا بالنسبة للثقافة ورد فى توصيات المجلس الأعلى للثقافة الذى انعقد فى الشهر الماضى أن قصور الثقافة ليست مكانا لممارسة السياسة , وقد سبق لى أن سمعت مثل هذا التصريح من وزير الثقافة , ولست ادرى ما هو مفهوم السياسة عند مثقفينا الكبار ؟ ذلك أن استبعاد الحديث فى السياسة وحظر الندوات التى تتناولها معناه أنه لا يمكن عقد أية ندوة لمناقشة قصة أو ديوان شعر لأن المبدع لا مناص أمامه من تناول القضايا الإنسانية للناس ومشاكلهم الحياتية وهذا هو جوهر السياسة , أى أنه لا يمكن مثلا الحديث عن أدب نجيب محفوظ أو مناقشة رواية لعلاء الأسوانى أو استضافة كاتب مثل جمال الغيطانى لأن الحديث السياسى سيكون جوهر الطرح ولب الفكرفى كل هذه اللقاءات , بل إن مجرد الحديث عن ارتفاع أسعار الكتب هو حديث فى السياسة , من هنا فإن صدور مثل هذه التصريحات من الذين يتولون أمر العقل المصرى يعتبر فى حد ذاته كارثة . ثانيا بالنسبة للمؤسسة التعليمية التى أنتمى إليها فقد حدث نفس التوجه ذلك أننى ومنذ أسبوع أخذت أتساءل عن كيفية ممارسة النشاط الإعلامى الذى كنت أشرف عليه بحكم وظيفتى وأتابعه فى مدارس الاسكندرية وكيف يمكن أن يمارس الآن فى ظل حالة الاستقطاب غير المسبوق والاحتقان الحاد فى الوعى والفكر المصرى والعصبية التى ضربت النفوس والعقول , فاتصلت هاتفيا بالزميل الذى يشغل الآن منصبى الذى تركته بعد تقاعدى الوظيفى وسألته كيف تؤدى عملك الوظيفى فى ظل هذه الظروف ؟ والذى دفعنى إلى سؤال الزميل أننا فى دور التعليم فى مصر كانت تأتينا التوجيهات بضرورة ربط الطلاب بالأحداث ا لجارية , فمن واجبات الأستاذ المشرف على إذاعة الصباح أن يكلف أحد الطلاب بإلقاء كلمة اليوم وآخر بقراءة نشرةا لأخبار , ونفس الشئ فى صحف الحائط التى تعلق فى المدارس , وكان من الملاحظ ان صور المسؤولين وأحاديثهم كانت مادة أساسية فى هذه الصحف التى يصدرها الطلاب تحت إشرافنا تدريبا لهم على العمل الإعلامى ولنشره بين زملائهم , وقد تساءلت ماذا يمكن أن يحدث لو ألقى أحد الطلاب مقالا يشيد فيه بالفريق السيسى , أو قرأ فى الإذاعة المدرسية خبرا منشورا عنه فى إحدى الصحف ا لصباحية بينما يوجد فى المدرسة مدرسون وطلاب مشحونون بالغضب ضد ما يمثله الفريق ا لسيسى وثورة 30 يونيه عامة وهو غضب ينفلت أحيانا لإحداث الفوضى والشغب فى المدارس ؟ وفى المقابل ماذا يمكن أن يحدث لو نشر طالب آخر صورة مرسى فى صحيفة حائط أو ألقى مقالا فى الإذاعة المدرسية دافع فيه عن الإخوان مع وجود الطرف الآخر المؤيد لثورة 30 يونيه ؟ . توجهت بهذه التساؤلات إلى الزميل الذى أجابنى نفس الإجابة التى تحمل توجه وزارة الثقافة , حيث قال لدينا تعليمات بعدم الخوض فى السياسة ! ! قلت له وماذا سيكتب الطلاب فى صحفهم إذن وكيف تعدون البرنامج الإذاعى اليومى ؟ ثم داعبته قا ئلا خير لكم أن يجلسوكم فى بيوتكم وتتقاضون رواتبكم دفعا للمشاكل , وهنا سألنى الزميل سؤالا محيرا وهو : ماذا كنت ستفعل لو أنك لا تزال فى موقعك الوظيفى ؟ وكان هذا من الأسئلة الصعبة التى لا تسهل الإجابة عليها , ولكن يبقى تشخيص المشكلة حتميا ويبقى البحث عن مواجهتها أكثر إلحاحا وحتمية ,هذه المواجهة التى أرى أنها مسؤولية القادة وأصحاب السلطة الجدد الذين يفتقدون العقيدة السياسية والمنهج الفكرى ولا هم لاهم إلا محاولة تأمين وظائفهم والانزواء بعيدا عن المواجهة ذلك لأن منع الفكر السياسى وحظر الحديث عن الشخصيات القيادية والوطنية ليس له إلا معنى واحد وهو ترك الساحة للفكر الدينى وتوجهاته التى وإن بدأ بعضها معتدلا إلا أن بعضها الآخر سيجنح إلى التطرف حيث لا يوجد فكر مضاد وحيث الجميع سواء أما م تربص وترويع من يتحدثون باسم السماء وهكذا تتحول ثورة الحرية فى 25 يناير و30 يونيه التى قام بهما شباب حالم بالحرية والانتماء لوطن عزيز كريم تتحول إلى ردة حضارية وإلى تسليم حرية الوطن وحضارته قربانا على مذبح التخويف والإرهاب المتدرع بحماية المقدسات . ! ! !
التعليقات (5)
1 - لا للإنقلاب
مسلم - 2013-11-14 16:08:18
التيارات الدينية في مصر ضد الفسق والفجور فقط
2 - كتاب أمريكى عن الملك فاروق
ليلى - 2013-11-14 18:47:43
تحمل ثورة يوليو 52 قدراً كبيراً من الأهمية لما لها من دور في تغيير الخريطة السياسية لمصر وللشرق الأوسط بعد أن وضعت نهاية لـ 148عاماً حافلة لحكم سلالة محمد علي. وقد أصدر الكاتب الأمريكي وليم ستاديام عن دار \" باركواي بابلشينج\" كتاب \"غنية جدا\" أو \" TOO RICH\" ويقصد حياة الملك فاروق وأيام رحيله العصيبة عن الحكم ، ومؤلف الكتاب صاحب أشهر كتب سير المشاهير من أمثال مارلين مونرو ومستر إس وتميزت مؤلفاته بأنها الأكثر مبيعاً في العالم. الكتاب ينحاز لصف الملك فاروق ويرى مؤلفه أن حياته كانت ثرية بالعديد من التحديات ومن أهمها تعرضه لضغوط كبيرة من قبل الإمبريالية البريطانية، وذلك يعود برأيه لتطلع الملك لتحقيق حلم مصر في الإستقلال الحي، ... باقى المقال بالرابط التالى www.ouregypt.us كما يؤكد تعرضه لضغوط من قبل الهيمنة الأمريكية نتيجة تصديه لمحاولات تدخلها في حكمه.
3 - نهاية مصر الحديثة
احمد قيقى - 2013-11-14 20:00:52
أنا أعلم مكانة الملك فاروق وأدرك أن نهاية الملكية فى مصر كان بداية النهاية للدولة المدنية الحديثة إلى أن سقطت فى حفرة الإخوان والأمل معقود على ثورة 30 يونيه
4 - فجور أدعياء الاسلام
أحمد قيقى - 2013-11-14 20:03:52
وإيه رأيك فى الشيخ ونيس والبلكيمى
5 - لا للإنقلاب
مسلم - 2013-11-15 00:25:46
بفرض أن من ذكرتهم فاسدون - رغم أن الكثير من الحقائق كشفت عن تزوير التهم الموجهة إليهم - فهذا شأنهم لا يعمم على التيارات الإسلامية ولكنهم أفضل كثيراً من شاربي الخمر ومروجي الدعارة واللصوص ومزوري الحقائق من خارج التيارات الدينية ولكن يبدو أن أدعياء الإسلام من أمثالك هم من يريدون قلب الحقائق