سبق لى أن كتبت على مدونتى مقالين , أحدهما تحت عنوان -مصر فى طريق الخطر - , والثانى تحت عنوان - هل تشهد مصر ثورة دموية ؟ - . الآن أظن ان الأيام تأتى متوافقة مع سوء ظنى , ومع تشاؤمى وقلقى على مستقبل هذا الوطن منذ استولى التيار الإسلامى على مقاليد الأمور فيه بتواطؤ مشبوه مع العسكر الذين كانوا يفتقدون أى قدر من الوعى السياسى أو النظرة السياسية القادرة على إدراك خصوصية الحالة المصرية , وتراثها الحضارى , وموقعها الفاعل وسط حضارات العالم , وتنوعها الثقافى والدينى . اليوم كشر الإسلاميون عن أنيابهم , أظهروا خبيء نواياهم , مزقوا آخر قناع على وجوههم بهذه القرارات غير المسبوقة فى تاريخ مصر والتى اتخذها مكتب الإرشاد الإخوانى ووقع عليها رئيس الجمهورية , والتى أخذت إطار الإعلان الدستورى لتلبس رداء الشرعية , حيث استحوزالرئيس على السلطتين التنفيذية والتشريعية بعد إقالة المجلس العسكرى . وأهم هذه القرارات الواردة فى هذا الإعلان الدستورى إقالة النائب العام عن طريق تعيين بديل له -2- استباق حكم المحكمة الدستورية بقرار عدم جواز حل اللجنة التأسيسية للدستور -3- تجريد السلطة القضائية من كافة اختصاصاتها بالإعلان عن عدم جواز الطعن على قرارات الرئيس أمام أية جهة . إن الإخوان كعادتهم أرادوا توظيف الأحداث الحالية لصالح مشروعهم الظلامى , حيث نزل الشباب مطالبين بالقصاص من قتلة الشهداء , فإذا بالإخوان يقيلون النائب العام مع أن دم شهداء الثورة فى رقبة جهات التحقيق فى وزارة الداخلية وليس النائب العام , ودم شهداء محمد محمود يتحمل مسؤوليته المجلس العسكرى الذى جاء بالإخوان إلى مقاعدهم , . واضح أن الإخوان يتعاملون مع القوى الوطنية والقضاء بمنطق الثأر , وهم لم ينسوا ثأرهم مع النائب العام والقضاء المصرى الذى أعاده إلى منصبه بالرغم من رئيس الجمهورية حينما أصدر قرارا بتعيينه سفيرا فى الفاتيكان ووقف القضاء المصرى ضد هذا القرار وقفة سيسجلها التاريخ بحروف من نور , ولكن يبدو أن الرئيس الإخوانى يدير الوطن بمنطق المغالبة والثأر من المعارضين , وما هكذا تدار شؤون الأوطان وما هكذا يكون رشد الحكم , كيف يأخذ رئيس الجمهورية بيده كل الصلاحيات بما فيها صلاحيات السلطة القضائية ؟ كيف يقرر بمفرده الإبقاء على لجنة وضع الدستور المصرى رغم أن هناك طعنا على شرعيتها أمام القضاء ورغم انسحاب كل القوى المدنية منها وفى مقدمتهم ممثلو الكنائس المصرية , ونقابة الصحفيين , ورموز رجال الفكر والقانون ؟ , وواضح أيضا أن هذا الإعلان الدستورى ليس وليد اللحظة , ولكن سبق لمكتب الإرشاد التخطيط له والعزم عليه وانتظار ظرف يتخذ ستارا لتبريره , بل وصنع هذا التبرير إذا لم يأت , وإلا فمن المسؤول عن عن عمليات التخريب التى وقعت فى محيط محمد محمود رغم إعلان الشباب سلمية ثورتهم ؟ . والدليل على أن النية كانت مبيتة لاغتيال الدولة المدنية بهذا الإعلان ما سبق أن ذكره الرئيس أكثر من مرة إنه سوف يتخذ إجراءات استثنائية إن دفعته الضرورة لذلك , وها هو قد وجد هذه الضرورة فى تجمع بعض الشباب المطالبين بالقصاص لدم الشهداء . إن هناك دلالة خطيرة لإعلان مرسى استحوازه على كل السلطات فى الوطن لأنه وجماعته يدركون أن القوى الليبرالية لن تستسلم بسهولة لاختطاف الوطن وتحويله إلى إمارة إسلامية , ومن ثم فإنهم يعتمدون على ميليشيات فاشية مدربة على العنف ومسلحة فى الخفاء , هم يدخرونها للترويع إذا لزم الأمر ثم بعد ذلك ينسبون التخريب إلى طرف ثالث . إن حكم الإخوان بهذا الإعلان إنما يتجه إلى هدم آخر حجر فى صرح مصر المدنية ذات التنوع الثقافى والفكرى والعقائدوذلك بالتمهيد لإجهاض الدولة المدنية عن طريق إقرار دستور طالبانى لمصر يستمد شرعيته من استفتاء يقاد إليه المعدمون والأميون وربات البيوت , ليصوتوا بنعم التى هى طريق الجنة , ولا يصوتون بلا التى هى طريق النار , طريق الذين يريدون قوانين تخالف شرع الله من العلمانيين الكفرة الذين يبيحون زواج الرجل بالرجل , هذا هو طريق الإخوان فى التضليل والعبث بالدين والدنيا معا , ولكنى واثق أنهم قد أساءواتقدير قوة التيار الليبرالى الحر فى مصر هذا التيار الذى سيخرج بكل طوائفه رافضا التمهيد للدولة الطالبانية التى لا تليق بمصر حضارة وثقافة وموقعا وتاريخا , وإن كنت أضع يدى على قلبى من احتمالات مواجهة قاسية لا يتورع الإخوان وأنصارهم فيها من استعادة تاريخهم الدموى , نعم أخشى أن تكون مصر فى الطريق إلى الهاوية التى يدفعها إليها حكامها الجدد كى يطبقوا عليها شرع الله كما يفهمونه هم , وكما يحتكرون تفسيره , والذى سبقهم إلى تطبيقه بشير السودان , وطالبان أفغانستان , وحماس غزة , ومجاهدو الصومال وكانت النتيجة كما ترون وتعلمون
التعليقات (0)