ما حدث في ستاد القاهرة أثناء مباراة الزمالك والأفريقي التونسي يعد مهزلة بكل المقاييس ، وتصرف غير حضاري بمعنى الكلمة ، خاصة وأن المباراة كانت بين شقيقين أثبتت الأحداث والتاريخ بأنهما اصبحا رمزا ،ً ومثالاً يحتذى من كل شعوب العالم اليوم .
صحيح أن "ديلي ميل" البريطانية قد شبهت اللذين قاموا بالشغب في ستاد القاهرة بالهوليجانز الأنجليز ، وقاربت صحيفة "بيلد" الألمانية بين ما حدث في ستاد القاهرة ، وأحداث مباراة شالكه وسانت باولي في الدوري اللألماني مؤخراً ، ومع أن هذا اللذي حدث في القاهرة ممكن الحدوث في كل دول العالم كما قالت الكثير من المواقع العالمية ، ألا أن مصر اليوم تحت الأضواء الكاشفة ، وعيون العالم كله عليها وعلى تونس وعلى المنطقة برمتها ، يشهد على ذلك هذا الكم الكبير من الصحف والمواقع العالمية اللتي تناولت الحدث بعد المباراة .
لذلك كان على الهوليجانز المصريين أن يفكروا بسمعة مصر قبل كل شيء ، وفي نفس الوقت كان على الحكومة المصرية الجديدة أن تمنع ما حدث في ستاد القاهرة ، لكي لا تعطي أنطباعا خاطئاً عن مصر اليوم ، فتكون مطمعاً للمخربين والجواسيس والصهاينة والقاعدة والأرهابيين اللذين سيفسرون ما حدث بضعف الأمن في مصر .
كذلك من المهم اليوم طمأنة الشركات والمستثمرين الى أن مصرأرض خصبة للأستثمار ، وأن اي مؤشرات على ضعف الأمن في مصر ، "حتى وأن كانت غير صحيحة" ، ستخيف رؤوس الأموال الجبانة في طبيعتها كما يقول علماء الأقتصاد ، خاصة وأن مصر بأمس الحاجة الى تحريك عجلة أقتصادها بأسرع مايمكن لأستصلاح ما دمره النظام السابق ولصوصه ، ولحماية مكتسبات الثورة والشعب .
كما أن بلطجية النظام السابق وأعوانه سيرون في ما حدث فرصة لترويج أكاذيبهم وتبرير جرائم النظام السابق اللذي كان يسحق الناس والحريات والحقوق والديموقراطية ، بحجة الأمن .
ألا أن في ردود الأفعال المصرية الرسمية والشعبية اللتي تلت المباراة عزاءً للشعب المصري ولنا كعرب ومسلمين ، نحب مصر وشعبها الواعي المثقف الثائر ، فلقد أثبتت هذه الردود أن مصر عادت ذلك السراج اللذي يشع حضارة ورقي الى العالم .
كلنا يذكر كيف جير النظام السابق وابواقه الحزبية والدعائية ماحصل بين المنتخبين الشقيقين الجزائري والمصري في تصفيات كأس العالم الأخيرة ، وكيف سخر ذلك النظام جميع وسائل الأعلام المصرية لرسم أنتصارات وعنتريات ومعارك وهمية للألهاء الشعب عن أحواله المعاشية المتردية ، مستغلاً مباراة عادية بكرة القدم ، وبعض الأفعال لبعض المتعصبين من الجانبين .
ولكن لأن مصر اليوم هي غير مصر الأمس ، ولأن حكومة المهازل والحرامية اللذين كانوا يسرقون الشعب بألهائه بمعارك جاهلية ، "وكأن الشعب المصري والجزائري والتونسي والمغربي قبائل متناحرة من قبائل ما قبل الأسلام "، قد سقطت على يد الشعب الجبار ، فأن المواقف تبدلت الى مواقف حضارية مسؤولة ، تعكس الوجه الحقيقي المشرق للمصريين .
كلف رئيس الوزراء المصري السيد شرف وزير داخليته اللواء منصور العيسويّ بالتحقيق في الواقعة ومحاسبة المتورطين متوعداً بأن الأمر لن يمر مرور الكرامن وقدم أعتذاره لتونس عن ما حدث .
كما قدم كل من رئيس المجلس القومي للرياضة حسن صقر ورئيس إتحاد كرة القدم سمير زاهر ورئيس نادي الزمالك جلال إبراهيم إعتذارهم لتونس وشعبها ونادي الأفريقي تجاه أحداث إستاد القاهرة .
ولم تشتعل حرب كلامية بين الشعبين الشقيقين ، ولم تنبري الأقلام المأجورة لتسبغ على النظامين الجديدين في البلدين الشقيقين بطولات وهمية لتأخذ بها ثمنا بخسا كما كانت تفعل مع مبارك وبن علي وحاشيتيهما الفاسدتين .
هكذا هي الشعوب اللتي لا يحكمها الطغاة ، شعوب متحظرة ، تعتذر حينما تخطيء ، وتدافع عن الحق حتى ولو كان هذا الحق عليها هي .
فتحية لحكومتي مصر وتونس ، وتحية لشعبيهما اللذين لازالا يقدمان للبشرية القدوة الحسنة .
التعليقات (0)