ترحيب سريع ومتلهف ويبدو انه كان منتظرا منذ مدة ..هو ما ابدته الاوساط السياسية الايرانية تجاه الاشارات المتواترة الصادرة من السيد نبيل العربي وزير الخارجية المصري بفتح صفحة جديدة من العلاقات الطبيعية مع الدولة الاكثر اثارة للجدل في المنطقة..ترحيب حرص الجانب الايراني على التعبير عنه باوضح العبارات واكثرها جلاءً وبيانا عن الارتياح والايجابية الكاملة للعبارات الاكثر ودية والتي صدرت من الجانب المصري واصفة ايران ب" دولة جوار رئيسية والحكومة المصرية لا تعتبرها معادية"والتي كان يعد صدورها من اي مسؤول مصري فعل اقرب للكفر البواح طوال فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك..
فاستناد الى تاريخ طويل من التأرجح في العلاقات ما بين حدي الأزمة والبرود..واتصالات اقرب الى الجمود من خلال الاقتصار على الحد الادنى غير القابل للتأويل –ولا البناء- من المجاملات البروتوكولية في مناسبات متفرقة متباعدة..نجد ان مثل هذه التوجهات تعد اختراقا بكل المقاييس ومؤشر على تعاطي جديد من قبل الدبلوماسية المصرية مع المعطيات الدولية والاقليمية قد يكون اكثر تعبيرا عن ثوابت المصلحة الوطنية المصرية واكثر ابتعادا عن سياسات محور الاعتدال العربي الذي تشكل مصر حجر الرحى فيه والذي يعاني من اعتلال واضح في عمق بناءه السياسي منذ الاطاحة بنظام الرئيس مبارك ولحد هذه الاحداث التي قد تعلن عن وفاته رسميا..
فمثل هذه الممارسات من قبل الجانب المصري لن تجد نفس الترحيب من قبل الشركاء السابقين في المحور الذي قاد العمل العربي الرسمي لفترة تتماهى مع قوة العلاقات التي تربط بين الرئيس المصري السابق وعاهل المملكة العربية السعودية وتنسيقهما في مختلف القضايا العربية والاقليمية بما يتماشى مع ثوابت ومحددات قد لا تكون لها نفس القدرة على التأثير في المرحلة الراهنة التي تستدعي التعامل مع معطيات جديدة تتوافق مع حالة التغيير السياسي الذي يعم المنطقة ..
عدم الارتياح قد يكون ناتج من توقيت هذا التقارب مع التصعيد الخطير في التقاطع ما بين دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة وايران من الجهة الاخرى على خلفية شكوك واتهامات تتعلق بالبحرين واحكام الاعدام التي طالت ايرانيين بدعاوي التجسس على الكويت..وما صاحبها من تبادل متوقع لطرد دبلوماسيين من كلا البلدين..وقد يكون الاعتماد التام للجانب السعودي على الثقل المصري في سياساته التصعيدية الصادمة مع ايران سبب آخر لهذا الانزعاج..بالاضافة الى التطابق الكامل الذي كان يحكم مواقف الطرفين في الماضي القريب تجاه الجارة اللدود والتقاطع الكامل مع سياساتها لحد اعتبار اي تقارب ممكن نوع من التنصل عن التميز العالي للعلاقات المصرية السعودية..
ان اتجاه القاهرة الى ترميم مكانتها العربية والاقليمية من خلال بناء علاقات ترتكز على اهمية دورها الحيوي في المنطقة..امر يجب ان يقابل بالترحيب لما له من دور حاسم ومفصلي في دعم القضايا الشائكة والمتعتقة في الجوار الاقليمي..ولما له من تأثير ايجابي على تعافي القدرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة المصرية..
كما الانغماس في سياسات ذات ابعاد ومثابات اقرب الى الباطنية منها الى ثوابت الممارسة السياسة العقلانية..وانشاء منظومة سياسية وامنية استنادا الى معطيات طائفية او فئوية ناتجة من تفسير مغرق في الاحادية للاحداث.. قد لا تكون في صالح مصر ولا المنطقة ولا دول الاعتدال العربي..وقد تكون عاجزة عن تقديم الحلول الملائمة للازمات العضال التي تعاني منها المنطقة..
وان كان التطير السعودي لم يبلغ لحد الان درجة الاعلان الرسمي ولكن لا يمكن تجاهل الاشارات التي تتحدث عن بعض التحركات السلفية المناوئة للحكم الجديد في مصر..ولا بعض الافتتاحيات التي تجاوز بعضها حدود اللياقة من خلال اتهام الحكومة الحالية بانها حكومة" تسيير أعمال، أو انتقالية، "يجب ان يقتصر دورها على"تسهيل حياة المواطن المصري إلى أن تعبر البلاد هذه المرحلة، وانتخاب مجلس الشعب، وكذلك الرئيس الجديد"ولا يحق لها اتخاذ"مواقف متسامحة مع طهران"..وهذه المواقف قد تكون مبالغ بها على اعتبار ان العلاقات الايرانية المصرية ليست بالاولوية المطلقة لدى الجانب المصري لكي يتم التطير منها الى هذا الحد..وليست مما يمكن ان يؤثر على علاقاتها مع باقي دول المنظومة العربية..
الكرة الان في ملعب ايران..فهي تستطيع من خلال بناء علاقات متوازنة وسليمة مع مصر ارسال رسائل تطمينية الى دول الاقليم بامكانية انشاء قيم علاقات جديدة تتخلى عن سياسات الصراع او محاولات الحصول على القسم الاكبر من كعكة النفوذ الاقليمي..اما اذا استمرت طهران في سياساتها الحالية وتعاملت مع علاقاتها المستجدة مع القاهرة من خلال العمل على استقطابها الى محور الممانعة واستخدامها كوسيلة لاضعاف محور الاعتدال..فالمسألة عندها لن تتعدى بضع زيارات بروتوكولية او تبادل دبلوماسي محدود على ابعد التوقعات..
التعليقات (0)