المشهد السياسي والحزبي المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير يؤكد بأن هناك ثورة مضادة تستهدف مصر، تقوم بها أيادٍ غربية وإسرائيلية من أجل تطويع القيادة المصرية للالتزام بنفس الفلسفة والنهج السياسي القديم لنظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وتحديداً فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية.
وقد يكون الموساد الإسرائيلي من أبرز اللاعبين في الساحة المصرية، فحوادث القتل والبلطجة في منطقة سيناء تدلل على أن (إسرائيل) ترسل برسائل دموية للمجلس العسكري الأعلى وللحكومة المصرية بأن قرار فتح معبر رفح بدون تنسيق مع الجانب الإسرائيلي وتجاوز حصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة سيقابله فوضى وانفلات في سيناء ضد القوات المسلحة التي تعمل في المنطقة ضمن أعداد قليلة حسب اتفاقية كامب ديفيد 1979م. فلماذا تستهدف مصر..؟ وما هي الآليات الكفيلة لتجاوز الثورة المضادة..؟.
تستهدف جمهورية مصر العربية كونها دولة تحمل جينات الدول العظمى، وهي دولة ذات مركز ثقل سياسي واهتمام دولي في الشرق الأوسط، وترى فيها الولايات المتحدة الأمريكية معيقاً في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، والذي بموجبه ينتقل مركز الثقل منها إلى منطقتي الخليج العربي و(إسرائيل).
وأيضاً لأن مصر هي التاريخ والحضارة، وهي الجغرافيا والديموغرافيا، وهي بؤرة الاقتصاد والسياسة، ولكن كل ذلك وغيره يحتاج إلى تصميم وإرادة من كل القوى الحية في مصر، ومعها هذا الشعب العظيم وقواته المسلحة من أجل استنهاض الهمم والعمل على استعادة دور مصر الريادي في المنطقة، والبدء بمرحلة ما بعد الثورة، مرحلة البناء والإنتاج، ولكي يتم ذلك لابد من معرفة عناصر القوة المصرية...
تمتلك مصر الأرض والإنسان، وتميزت مرحلة ما قبل الثورة بهجرة العقول كنتيجة طبيعية لحجم الفساد والقهر الذي تعرضت له العقول المصرية، ولو نجحت الثورة في إعادة تلك العقول إلى مصر فسيكون لمصر مستقبل باهر في دعم ومساندة الإنسان المصري، والذي يتوقع الجميع منه الكثير، فمصر التي تبلغ مساحتها 1.001.450 كم2، وتصنف من الدول الكبيرة حسب تصنيف باوندز، ويبلغ تعداد سكانها الــ 80 مليون نسمة، وتنتشر على طول حدودها أربع دول مجموع تعداد سكانها ما يقارب 48 مليون نسمة تقريباً، غالبيتهم مسلمون، ويلاحظ هنا أن تعداد سكان مصر يفوق مجموع الدول المحيطة بها وهذا عنصر قوة لو أحسنت مصر استثمار قوتها الديموغرافية.
ويبلغ طول حدود مصر البرية 2689 كم، بينما طول حدودها البحرية 2450 كم، وبذلك تتعادل طول الحدود البرية والبحرية، وهذا يمنحها موقعاً مناسباً في المنطقة، أما قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالمتوسط وتستوعب 8 % من حركة التجارة العالمية المارة بها، وتجني مصر من وراء ذلك يومياً ما قيمته 16 مليون دولار، وتمنح مصر أيضاً أهمية جيو استراتيجية، بالإضافة إلى العديد من عناصر القوة الأخرى.
خلاصة القول إن مصر تستطيع استعادة دورها ولكن يحتاج ذلك إلى جهود أهلها، ومساندة عمقها العربي والإسلامي، وإعادة صياغة مفهوم أمنها القومي المستمد من ميدان التحرير، وإعادة النظر في التزاماتها السياسية مع الجوار وخصوصاً (إسرائيل) بما يحقق لمصر مصالحها القومية..
إن مصر الثورة تحتاج إلى تكاتف قواها، ووحدة مؤسساتها، ومؤازرة شعبها من أجل تفويت الفرصة على أعداء الثورة، فالتحديات جسام، واستثمار عناصر القوة يحتاج إلى عمل وإنتاج، فالمرحلة بالغة الحساسية، وفي حال نجحت الثورة المضادة فالوضع القادم أسوأ على مصر وشعبها ونظامها السياسي، وعلى المنطقة برمتها، وسيتأثر أيضاً ربيع الثورات العربية، لأن قوة وصلابة المركز تمنح الأطراف قوة وصلابة، ومصر هي دولة المركز الجغرافي والسياسي، ونتمنى أن نراها دولة ذات مركز اقتصادي ريادي في العالم.
HOSSAM555@HOTMAIL.COM
التعليقات (0)